خاص – كتابات :
أساليب طالما اعتمدت عليها الأنظمة الشمولية لترسيخ أركان حكمها بالتوطين لفكر المؤامرة؛ وكيف أن نظام الحكم مستهدف طوال الوقت من قوى معادية هي في الأغلب المعارضة له أو تلك التي تسبب له حرجًا دوليًا، خاصة مع إستشعار قرب الخطر مع ارتفاع وتيرة التهديدات الأميركية..
ليبدأ بعدها تنفيذ مخططات وخطوات تسمح بالبطش بكل ما هو معارض ووضعه في السجون مع فرض المزيد من الإجراءات العقابية وتطبيق الطواريء على نطاق واسع.
حادث تكرر في “مصر” قبل 64 عامًا وترتب عليه تصفية المعارضة !
محاولة اغتيال الرئيس الفنزويلي الفاشلة؛ التي أعلن عنها صباح الخامس من آب/أغسطس 2018، تذكرنا بتلك التي تعرض لها رئيس الوزراء المصري، حين ذاك، الرئيس الراحل، “جمال عبدالناصر”، في الإسكندرية، والتي عرفت وقتها – 26 تشرين أول/أكتوبر عام 1954 – بحادثة “المنشية” ونجا منها ومن بعدها جرى التخلص من الرئيس القادم بعد ثورة 23 (تموز) يوليو 1952، “محمد نجيب”، عقب دعوته إلى ضرورة عودة الجيش إلى ثكناته العسكرية؛ وهو ما اعترض عليه عدد كبير من “تنظيم الضباط الأحرار”، وقتها، وعلى رأسهم “جمال عبدالناصر”، لتتم الإطاحة بـ”محمد نجيب” بعد نحو 3 أسابيع من الحادث، وتحديدًا في 15 تشرين ثان/نوفمبر 1954 !
تمهد لسحق المعارضين..
حادث مهد الطريق واسعًا أمام سحق المعارضين.. يبدو وفق محللين أنه تكرر في “فنزويلا” مع الرئيس، “مادورو”.. لأهداف ستتضح سريعًا مع الإجراءات الأمنية المقرر فرضها نتيجة الحادث وإحكام قبضة من نار لحكم الشعب الفنزويلي..
فهنا وعلى صوت انفجار يهز سماء عرض عسكري يحضره الرئيس الفنزويلي.. وأمام استعراض عسكري ضخم يقطع صوت انفجار كلمة الرئيس الفنزويلي، “نيكولاس مادورو”، ليولد لاحقًا الكثير من الجدل محليًا وإقليميًا.
المؤشرات والتقارير الواردة من “فنزويلا” تقول إن الرئيس نجا وأصيب عدد من الجنود، كما حدث هرج ومرج بين أكثر من 17 ألف جندي كانوا مصطفين بمناسبة ذكرى تأسيس الجيش، وهو ما بدا واضحًا أمام كاميرات الإعلام.
وزير الإعلام يعتمد صيغة “محاولة الاغتيال”..
بدوره؛ سارع وزير الإعلام الفنزويلي إلى اعتماد وتبني صيغة محاولة الاغتيال، وقال إن رئيس البلاد كان هدفًا لمحاولة اغتيال فاشلة، استخدمت فيها “طائرات مسيرة” محملة بالمتفجرات، أما “مادورو” نفسه فسرعان ما وجدها فرصة وراح يطلق الاتهامات في عدة إتجاهات.. وأشار في كلمة متلفزة له، عقب محاولة الاغتيال المزعومة، أن ممولي محاولة اغتياله يعيشون على الأراضي الأميركية..
لا وقت لانتظار التحقيقات.. المعارضة هي الفاعل !
وقال نصًا إنها كانت محاولة لقتله وليس لديه أي شك بأن كل المؤشرات تشير إلى المعارضة اليمينية، “اليمين الفنزويلي” المتطرف في تحالف مع “اليمين الكولومبي” المتطرف و”خوان مانويل سانتوس” وراء تلك المحاولة، دون انتظار لأي نوع من التحقيقات !
هكذا؛ إذًا جاءت محاولة الاغتيال على طبق من فضة لرئيس فنزويلا لذبح أكثر معارضيه شعبية في البلد المجاور…
لكن رغم ذلك؛ فإن مصادر قريبة من الرئيس الكولومبي، “خوان مانويل سانتوس”، الذي اتهمه “مادورو” نفى الاتهام جملة وتفصيلاً، وسبق أن انتقد “سانتوس”، “مادورو”، مرارًا وآخرها قبل أيام حين اتهمه بالعيش في حالة من الإنكار الكامل لأزمات بلاده المتفاقمة وأن لحظة سقوطه قد إقتربت !
رغم كل هذا الإحتياطي من النفط البلد يعاني..
والرجل لديه بعض الإنصاف فيما يقول، فبلد “مادورو”؛ رغم إمتلاكه أكبر إحتياطيات نفط في العالم يعاني من أزمات اقتصادية إنسانية طاحنة مع معدلات تضخم قياسية.
وهو الواقع الذي دفع مئات الآلاف من الفنزويليين إلى الفرار نحو الدول المجاورة، ومنها “كولومبيا”، لذلك كان أول وأكبر الاتهامات من الرئيس الفنزويلي بعد محاولة الاغتيال، “الغامضة”، موجهًا إلى الرئيس الكولومبي، الذي رأى فيه تهديدًا لشعبيته ومكانته في الحكم !
عبوة غاز هي أساس الانفجار الذي سمع !
ليست الرواية الرسمية وحدها هي المطروحة – بحسب تقارير إعلامية غربية – بشان الانفجار الذي سمع على نطاق واسع وشوهدت آثاره في العاصمة الفنزويلية..
فوكالة (أسوشيتيد برس) الأميركية، التي تتعامل مباشرة مع المخابرات الأميركية، قالت نقلاً عن رجال إطفاء فنزويليين إن الحادث كان نتيجة انفجار عبوة غاز بأحد الأبنية القريبة بمكان الاحتفال، بينما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن مجموعة متمردة غير معروفة تبنت الهجوم.
“كولومبيا” و”أميركا” تنفيان الاتهامات الفنزويلية..
وكما أخلت “كولومبيا” مسؤوليتها تمامًا عن الحادث، نفت “الولايات المتحدة الأميركية” على لسان مستشار الأمن القومي، “جون بولتون”، اتهامات “فنزويلا” بوجود بصمات أميركية في هذا الحادث..
وقال الرجل: “قد يكون للهجوم تفسيرات كثيرة؛ منها أن يكون مدبرًا مسبقًا من نظام مادورو للترتيب لأمر ما؛ فالرئيس الفنزويلي وجه لومًا إلى أشخاص في الولايات المتحدة أيضًا، وهي اتهامات أطلقها من قبل !”.
أعيد انتخاب “نيكولاس مادورو”، رئيسًا لفنزويلا، في آيار/مايو 2018، بعد انتخابات انتقدتها “واشنطن” و12 دولة لاتينية، لكن هذا لا يمنع أن يكون لـ”مادورو” حلفاء إقليميين، فقد تعهدت كلاً من “كوبا” و”نيكاراغوا” و”بوليفيا” بدعمه بعد الإعلان عن محاولة اغتياله !
محاولة الاغتيال، “الغامضة”، سلطت الضوء مجددًا على “الطائرات المسيرة”، التي باتت حاضرة على نحو متصاعد في استخدامات عسكرية وقتالية، بل أيضًا في عالم الجريمة المنظمة..
إذ إن سهولة الإقتناء والتركيب جعلت الأمر خطيرًا ودفعت الدول لرفع مستويات الحذر قانونيًا وتقنيًا على حد سواء، خاصة مع قدرة بعض تلك الطائرات على حمل مواد متفجرة، وهو ما حدث فوق موقع تواجد الرئيس الفنزويلي وفق الرويات المتداولة من الإعلام الفنزويلي القريبة من الرواية الرسمية للدولة !
اغتيال مستحيل والعملية استعراضية !
لكن على الجانب الآخر؛ هناك من يرى استحالة ضلوع “أميركا” في تنفيذ هذه المحاولة، “الاستعراضية”، للاغتيال، والتي وقف فيها الرئيس الفنزويلي برباطة جأش دون أن يتحرك مكتفيًا بالنظر إلى أعلى السماء وكأنه يدرك جيدًا أن مكروهًا لن يصيبه، والسبب هنا يرجع إلى أن “واشنطن” إذا أرادت أن تستهدف “مادورو” فإنها لن تخطئه.. هذا أولاً..
ثانيًا؛ كيف لعرض عسكري وسط هذا الحشد من القوات والجنود والقطعات العسكرية أن لا تؤمن سمائه جيدًا عبر الطائرات الطوافة على مدار الساعة، فضلاً عن الأجهزة الرادارية التي ترصد كل صغيرة وكبيرة ويستحيل في وجودها اختراق هذا العرض العسكري ؟!