خاص: كتبت- نشوى الحفني:
للمرة الثانية؛ يتعرض الرئيس الأميركي السابق؛ “دونالد ترامب”، لمحاولة اغتيال فاشلة في “ويست بالم بيتش”؛ بولاية “فلوريدا”، بعد أشهر فقط من المحاولة الأولى في “بنسلفانيا”، حيث أصيب برصاصة في أذنه.
أشعلت هذه الحادثة الأخيرة مناقشات حول العنف السياسي؛ حيث لاحظ الخبراء أن مثل هذه الأفعال أصبحت أكثر قابلية للتنبؤ نظرًا للاستقطاب المتزايد وسهولة الوصول إلى الأسلحة النارية، حسّب ما أفادت صحيفة (لوس أنجليس تايمز).
ردود الأفعال القوية..
وأوقف “جهاز الخدمة السرية” الأميركي أحد المسلحين في المحاولة الأخيرة، والذي تم يُدعى باسم: “رايان ويسلي روث”، قبل أن يتمكن من الوصول إلى مسافة: (500) ياردة من “ترامب”. وفي حين كانت دوافع “روث” غير واضحة، احتشد أنصار “ترامب” على منصات التواصل الاجتماعي، وصوروا الرئيس السابق كبطل، واستخدموا الحادث كذريعة للقتال من أجل إعادة انتخابه.
وجديرٍ بالذكر أنه بعد محاولة الاغتيال الأولى؛ في تموز/يوليو 2024، لقي “ترامب” مزيدًا من الدعم بين أنصاره، حيث توقع الكثيرون تقدمًا سياسيًا له على الرئيس؛ “جو بايدن”.
ومع ذلك؛ انسحب “بايدن” من السباق، وأيّد نائبة الرئيس؛ “كامالا هاريس”، التي اكتسبت حملتها زخمًا كبيرًا. وشّكك مستشارون سياسيون مثل: “مايك مدريد” و”فرانك لونتز”؛ في أن تؤثر محاولة إطلاق النار الثانية تأثيرًا كبيرًا في احتمالات إعادة انتخاب “ترامب”، رُغم رد الفعل القوي من أنصاره.
قمة “العنف السياسي”..
ووفق تقرير الصحيفة الأميركية؛ فإن الحادث وجّه الأنظار إلى القضية الأوسع نطاقًا للعنف السياسي، خاصة وأن محللين مثل “كولين كلارك”؛ من (صوفان غروب)، كانوا قد أشاروا إلى المخاوف المتزايدة بشأن العنف حول انتخابات 2024.
كانت منظمة “كلارك” قد استضافت مؤخرًا قمة حول العنف السياسي، حيث توقع الخبراء أن تستمر مثل هذه الحوادث، مدفوعة بالاستقطاب والغضب والتوافر الواسع النطاق للأسلحة. ويُساهم كل من أقصى اليمين وأقصى اليسار في مناخ العنف المتزايد هذا، حيث يُشكل النازيون الجدد وغيرهم من الجماعات المتطرفة خطورة حقيقية.
كما أعرب “كلارك” عن قلقه بشأن خطاب “ترامب”؛ مشيرًا إلى أن لغته التحريضية يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الوضع. وانتقد “ترامب” لعدم تصرفه كشخصية تدعو للوحدة، وإنما بدلاً من ذلك يُشعل الخطاب الانقسامي الذي يتردد صداه مع قاعدته الانتخابية، ولكنه يُقصي الآخرين. وحذر “كلارك” من هذا النوع من المناخ السياسي، حيث تغرق الأصوات المعتدلة، بما يُمهد الطريق لمزيد من حوادث العنف.
نسبة كبيرة تؤيد العنف..
في استطلاعات أجراها دكتور “غارين وينتيموت”، برعاية (برنامج أبحاث الوقاية من العنف)، ثبُت أن جزءًا كبيرًا من الأميركيين يؤيدون فكرة العنف السياسي. في عام 2022، اعتقد ما يقرب من ثُلث المشاركين أن العنف مبرَّر لتعزيز هدف سياسي واحد على الأقل، وكان الجمهوريون والمؤمنون بتفوق الجنس الأبيض ومنظرو المؤامرات ومالكو الأسلحة النارية أكثر ميلاً إلى دعم مثل هذه الآراء. وبحلول عام 2023، استمر هذا الاتجاه بين العنصريين والمتحيزين جنسيًا وغيرهم من المجموعات المتعصبة.
في حين يرفض معظم الأميركيين العنف السياسي؛ تكشف الاستطلاعات عن أرقام مقلقة؛ حيث يعتقد: (6.9%) من الأميركيين: (18 مليون بالغ)، أن لديهم مبررات لاستخدام القوة لإعادة “ترامب” إلى “البيت الأبيض”، ويعتقد: (10%)؛ (26 مليون بالغ)، أن العنف مبرر لمنع “ترامب” من أن يُصبح رئيسًا مرة أخرى. كما أن العديد من أولئك الذين يدعمون العنف السياسي يمتلكون أسلحة، مما يُزيد من المخاوف بشأن الحوادث المستقبلية المحتملة.
ورُغم هذه النتائج؛ أشار “وينتيموت” إلى بعض “الأخبار الجيدة”، حيث أظهر استطلاعه لعام 2024 عدم وجود زيادة في دعم العنف السياسي مقارنة بعام 2023، وهو عام تميز بتصاعد التوترات.
علاوة على ذلك؛ عندما سُئل المشاركون في الاستطلاعات عما إذا كانوا سيشاركون شخصيًا في القتال إذا اندلع العنف، استبعد: (85%) إمكانية مشاركتهم. ومع ذلك، أكد “وينتيموت” ضرورة أن يُعارض الأميركيون العنف ويلتزمون بالهدوء.
دعوات الإدانة..
وأكد خبراء مثل “روبرت آيه. بيب”؛ عالم السياسة من جامعة (شيكاغو)، أهمية إدانة العنف السياسي. وحذر “بيب”، الذي أجرى أيضًا استطلاعات رأي حول هذا الموضوع، من السماح للعنف السياسي بالتصاعد دون رادع. ودعا الزعماء عبر الأطياف السياسية إلى إدانة مثل هذه الهجمات، بغض النظر عما إذا كان العنف يأتي من اليسار أو اليمين.
كما وجد “بيب” أن هناك مخاوف من احتمالات تفاقم العنف السياسي؛ وأشار إلى وجود مستويات عالية من دعم العنف في سبيل تحقيق الأهداف السياسية، حيث أيّد ملايين الأميركيين استخدام القوة إما لدعم أو معارضة عودة “ترامب” إلى الرئاسة. وسلط الضوء على أن العديد من هؤلاء الأفراد هم من مالكي الأسلحة، مما يُزيد من مخاطر التصعيد في مناخ سياسي متقلب بالفعل.
عودة إلى دائرة الضوء..
وخلص التقرير إلى أن محاولتَي اغتيال “ترامب” أعادتا قضية العنف السياسي إلى دائرة الضوء، حيث حذر الخبراء من استمرار ارتفاع مثل هذه الحوادث مع تزايد استقطاب البلاد.
ورُغم أن معظم الأميركيين يرفضون العنف السياسي؛ فإن أقلية كبيرة تواصل تبريره لتحقيق أهدافها المنشودة، وغالبًا ما يكون ذلك مدفوعًا بانقسامات سياسية وعرقية وإيديولوجية عميقة الجذور. (بحسب ادعاءات الدعائية والأمنية الأميركية المضللة). ويؤكد الخبراء أهمية تهدئة التوترات وإدانة العنف وتعزيز الوحدة، خاصة مع اقتراب انتخابات عام 2024.
ليس بالجديد..
ومن جهتها؛ تقول صحيفة (التايمز)، إن هذا ليس استثناءً في السياسة الأميركية. إنه أمر مألوف للغاية بشكلٍ مخيف.
ومنذ معارك الرئيس الثاني للولايات المتحدة؛ “جون آدامز”، والرئيس الثالث؛ “توماس جيفرسون”، كانت الحملات الانتخابية في “الولايات المتحدة” سيئة السمعة بسبب الخطاب الفاضح واحتمالات الفوضى.
ففي انتخابات عام 1800، كانت الهجمات الشخصية بين أتباع المتنافسين عنيفة للغاية، إذ وُصف فوز “جيفرسون” بأنه سيؤدي إلى: “تعليم وممارسة القتل والسرقة والاغتصاب والزنا وزنا المحارم علنًا”، بينما اتُهم “آدامز” بأنه: “متشدد مثير للاشمئزاز”؛ وله: “شخصية خنثوية بشعة”.
كما أشارت الصحيفة إلى أن العنف السياسي ليس جديدًا في “الولايات المتحدة”، إذ اغتيل أربعة من بين: (45) رئيسًا، وتعرض: (16) آخرون لمحاولات اغتيال.
التعديل الأول للدستور..
وكان التعديل الأول للدستور علامة بارزة في السياسة الديمقراطية التي دافعت عن حقوق الأميركيين في التعبير عن آرائهم، وكثيرًا ما تم اختباره إلى أقصى حدوده في الحملات السياسية.
وفيما دعا “ترامب” – في البداية على الأقل – إلى الوحدة بعد المحاولة الأولى لاغتياله، فقد خرج ليلقي باللوم على منافسيه الديمقراطيين ويستخدم المحاولة الأخيرة كصرخة حاشدة حزبية، قائلاً: “خطابهم يتسبب في إطلاق النار عليّ، بينما أنا من سينُقذ البلاد وهم الذين يدمرون البلاد”.
ويلقي الجمهوريون باللوم على “بايدن”؛ لأنه ذهب بعيدًا في وصف “ترامب” مرارًا وتكرارًا بأنه تهديد للديمقراطية ووصف فلسفته بأنها: “شبه فاشية”.
وتضاعفت التهديدات ضد أعضاء “الكونغرس” عشرة أضعاف بين عامي: 2016 و2021، بينما ارتفع الإنفاق على الأمن الشخصي في “الكونغرس” خمسة أضعاف بين عامي: 2020 و2022، وفقًا لبحث تم الاستشهاد به في (Threats as Political Communication)، وهي ورقة بحثية من تأليف “ناثان كالمو” و”ليليانا ماسون”.
الواقع أن العديد من المراقبين؛ مثل مستشار الأمن القومي السابق لترامب؛ “هربرت ماكماستر”، في كتابه (في حرب مع أنفسنا)، ألقوا بعض اللوم في الأجواء المحمومة اليوم على الشائعات والإهانات التي تشتعل بسرعة كبيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وتقدم “إيلون ماسك”؛ الملياردير المالك لموقع (إكس)، الذي رد على منشور يسأل: “لماذا يُريدون قتل دونالد ترامب ؟”؛ بكتابة: “لا أحد يُحاول حتى اغتيال (بايدن-كامالا)”، مع رمز تعبيري لوجه مفكر. ثم أدرك أنه ذهب بعيدًا وحذف المنشور. لكن هذه الانتخابات لن تُصبح أكثر هدوءًا.
نظريات المؤامرة..
وعلى الرُغم من حذف التغريدة لاحقًا ووصفها بأنها مُزحة؛ استمر آخرون في زعم أن “ترامب” نفسه هو من خطط للحادث، أو أن “الدولة العميقة” تقف وراءه.
وفي الوقت نفسه؛ كان التحرك السريع لعميل “الخدمة السرية”؛ هو الذي أدى إلى اعتقال مطلق النار في المقام الأول.
الحقيقة؛ وفق “هايلبرون”، أن انتشار الأسلحة النارية في “أميركا” يُشكل جزءًا كبيرًا من المشكلة.
ويُمثل العنف السياسي، كما يمكن القول، جزءًا من التقاليد الأميركية. ففي “سبرينغفيلد”؛ بولاية “أوهايو”، يلغي مسؤولو المدينة العديد من الفعاليات بسبب انتشار تهديدات بوجود قنابل.
وقال حاكم ولاية أوهايو؛ “مايك ديواين”، عن مزاعم حملة “ترامب” بأن الهايتيين يتصرفون بجنون في “سبرينغفيلد”: “لا يوجد دليل على هذا إطلاقًا”.
ويُخطط “ترامب” لزيارة المدينة في وقتٍ لاحق من هذا الشهر، فيما وصف عمدة المدينة “روب رو” هذه الزيارة بأنها قد تكون: “صعبة”.
ومع ذلك؛ وقبل أن يتمكن من القيام بالزيارة، كشف “ترامب” عن أحدث حيله الترويجية، حيث أعلن عن إطلاق منصته للعُملات المشفرة تحت اسم (World Liberty Financial).
شخصية “ترامب”..
والسبب الآخر وراء هذه الأجواء المتقلبة؛ هو شخصية “ترامب” نفسه، الذي بنى حياته المهنية في مجال الأعمال على عقلية الفوز بأي ثمن.
وكانت حملة عام 2024؛ استثنائية، ولكنها ليست بعيدة عن التوترات التي شهدها عام 1968، عندما انسحب الرئيس؛ “جونسون”، وقُتل “روبرت كينيدي” بالرصاص بعد فوزه في الانتخابات التمهيدية للحزب (الديمقراطي)؛ في “كاليفورنيا”، وكانت هناك احتجاجات في المؤتمر الوطني للحزب في “شيكاغو”.
وكتب “جيكوب هايلبرون”؛ الزميل البارز غير المقيم في مركز (أوراسيا) التابع لـ (آتلانتيك كاونسيل)، في مجلة (ذا ناشيونال إنترست)؛ أن الرئيس “جو بايدن”، ونائبته “كامالا هاريس”، قد وجها رسائل تُدين الهجمات، ومع ذلك، يتهم الجمهوريون البارزون الديمقراطيين بالتسبب بها عبر تصوير “ترامب” كتهديد للديمقراطية الأميركية.
ويهدف هذا الأسلوب الخطابي إلى تصوير الديمقراطيين على أنهم المستبدون الحقيقيون، وليس الجمهوريين.
اتهام دائم للديمقراطيين..
قال النائب “مايك والت”؛ في مقابلة على قناة (فوكس نيوز): “يجب أن يتوقف هذا الخطاب ضد الرئيس؛ ترامب، هذه السردية التي تصوره على أنه سيكون الديكتاتور القادم أو هتلر الجديد”.
وعلى منصة (إكس)؛ صرح “روجر كيمبال”، ناشر مجلة (نيو كرايتريون)، بأن: “الديمقراطيين… مسؤولون بالكامل عن هذه المحاولات لقتل ترامب والهجمات على مناصريه”.
ويبقى التساؤل حول مدى فاعلية هذا النوع من الحجج، الذي يسعى لمهاجمة خصوم “ترامب” السياسيين.
فمن جهة؛ تُشير الخلفية الغريبة لمطلق النار إلى أنه نموذج للذئب المنفرد، مدفوع بمزيج معقد من المظالم والاستياء، والتي يصعب تفسيرها منطقيًا، وبصراحة، يبدو أن “روث” يُعاني من اضطرابات عقلية، بحسّب الكاتب.
سفير ووسيط للسلام..
ويبدو أن “روث”؛ سبق أن جمع ما يصل إلى: (100) تهمة بجرائم مختلفة. ففي سنة 2002، ألقي القبض عليه بتهمة حيازة سلاح دمار شامل بعد مواجهة استمرت ساعات عدة مع شرطة ولاية “كارولاينا” الشمالية، كما رأى نفسه مدافعًا عن السلام، فدعا زعيم كوريا الشمالية؛ “كيم جونغ-أون”، إلى “هاواي”، حيث وصف نفسه بأنه: “سفير ووسيط”.
كما رأى المقاول السابق؛ في مجال تسقيف المنازل نفسه محاربًا. لقد أراد القتال ضد “روسيا” بالنيابة عن “أوكرانيا”.
ونشرت صحيفة (دير تاغس شبيغل) اليومية؛ في “برلين”، مقالاً حصريًا لمراسل أجرى مقابلة مع “روث”؛ في آيار/مايو 2022، وأشارت إلى أنه كان مشوشًا إلى درجة أن الجيش الأوكراني رفض خدماته.
وتقول وحدة من المواطنين الأجانب الذين يُقاتلون في “أوكرانيا” إن: “المواطن الأميركي؛ رايان روث، لم يخدم قط في الفيلق الدولي التابع للمديرية الرئيسة للاستخبارات بوزارة الدفاع في أوكرانيا”.