وكالات – كتابات :
نشر موقع (فايننشال تايمز)، مقالاً بعنوان: “(سي. إن. إن) تُريد البقاء على الحياد في أميركا المنقسمة.. هل يُشاهد أحد ؟”، للكُتَّاب: “أليكس باركر”؛ محرر الوسائط العالمية في الموقع، و”كريستوفر غرايمز” و”آنا نيكولا”؛ المراسلَين في الموقع، يُشيرون فيه إلى المشاكل التي تواجه شبكة (سي. إن. إن) الشهيرة في “الولايات المتحدة”، ومحاولات الإصلاح وما يعتريها من عقبات في الآونة الأخيرة، ومنها أزمة التقييمات المتدنية، والركود الإعلاني، والروح المعنوية المنخفضة، والإنحدار الهيكلي في نموذج أعمال الشبكة.
ومن ثم يسعى؛ “كريس ليخت”، الرئيس التنفيذي الجديد للشبكة، إلى تنفيذ مقاربة جديدة للأخبار، وتخفيضات كبيرة في الوظائف؛ وذلك بعد تراجع الإيرادات.
ومع ذلك؛ يعتقد المقال أن “ليخت” يواجه صعوبات كبيرة في عملية الإصلاح يأتي على رأسها تحدي خفض التكاليف، وتراجع مزايا القنوات الكابلية مقابل القنوات الرقمية.
مؤشرات التراجع..
يُشير المقال إلى أن شبكة (سي. إن. إن) الإخبارية؛ تواجه مشكلات عدة تسببت في تراجع المشاهدات والتأثير السياسي للشبكة، ومن أهمها:
01 – تراجع نسب المشاهدة والتقييمات المنخفضة..
يُشير المقال إلى أن جميع القنوات الإخبارية الرئيسة قد فقدت مشاهديها منذ خروج “ترامب” من “البيت الأبيض”، لكن تقييمات (سي. إن. إن)؛ هي الأسوأ في المجموعة؛ ففي نهاية شهر تشرين أول/أكتوبر 2022، انخفض جمهور (سي. إن. إن)؛ في “الولايات المتحدة”، إلى أدنى مستوى منذ عام 2015؛ حيث جذبت القناة: 431 ألف مشاهد يوميًا فقط.
وفي وقتٍ سابق من شهر تشرين ثان/نوفمبر 2022، تراجعت الشبكة خلال حدث الانتخابات النصفية الأميركية للمرة الأولى في تاريخها؛ حيث اجتذبت الشبكة: 2.6 مليون مشاهد؛ مقابل: 7.4 مليون لقناة (فوكس نيوز)؛ و3.2 مليون لقناة (MSNBC).
وفي هذا السياق؛ يقول أحد المسؤولين التنفيذيين في الشبكة: “إنه من المتوقع أن يكون هناك تخفيضات كبيرة لمئات الوظائف”.
02 – انخفاض حصة الشبكة من رسوم المشتركين..
بحسب المقال؛ فإن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن حصة (سي. إن. إن) من رسوم المشتركين في الكابل من المتوقع أن تنخفض بنسبة تصل إلى: 6% في عام 2022، وهي الميزة التي جعلت نموذج أعمالها واحدًا من أعظم الأعمال في تاريخ الأخبار وفقًا للمقال.
ويُشير المقال إلى أن هذه هي السنة الثانية على التوالي من تراجع شبكة (سي. إن. إن)، ولا يرى المديرون التنفيذيون أي نهاية لذلك التراجع في الأفق المنظور، كما وصف أحد المنتمين إلى الشبكة الوضع في (سي. إن. إن)؛ بأنه: “أسوأ وقت” منذ انضمامه إليها في منتصف التسعينيات من القرن الماضي.
وفي إطار ذلك؛ أكد التحليل أن قيادة (سي. إن. إن) تحتاج إلى مصادر جديدة للإيرادات لتُكمّل مهّامها.
03 – تراكم المشكلات وخسارة القيادات المؤثرة..
يُشير التقرير إلى أن الشبكة تعمل على مدار: (42 عامًا) في توزيع الكابلات، وقد شهد رؤساء الشبكة السابقون الكثير من حالات الصعود والهبوط، والمشكلات ومنها تراجع التقييمات، والفضائح التحريرية، والمشكلات الإستراتيجية.
كما كان الاستقرار على هوية (سي. إن. إن) أيضًا صراعًا شبه دائم في ضوء أن (فوكس نيوز) تُمثل اليمين، و(MSNBC) تُمثل اليسار.
ولكن حتى إذا انخفضت مبيعات الإعلانات، فقد استمرت عائدات توزيع الكابلات الثابتة في زيادة. ومن ثم، يرى التحليل أن التحدي الفريد الذي يواجهه الرئيس الحالي للشبكة؛ “كريس ليخت”، هو كونه أول قائد لـ (سي. إن. إن)؛ يواجه أزمة التقييمات، والركود الإعلاني، والروح المعنوية المنخفضة، والأهداف الصعبة لخفض التكاليف، ومشكلات التحرير، والإنحدار الهيكلي في نموذج أعمال الشبكة، وكل ذلك في وقتٍ واحد؛ ففي غضون أسابيع قليلة من توليه منصب الرئيس، تم تكليف “ليخت” بإلغاء (سي. إن. إن بلس)، وهو مشروع بث قيمته: 300 مليون دولار لم يمر عليه سوى أسابيع قليلة.
فيما يُشير التقرير إلى أنه لا تزال شبكة (سي. إن. إن) لم تتخط فكرة رحيل المدير التنفيذي السابق؛ “جيف زوكر”، الذي أطيح به في وقتٍ سابق من هذا العام؛ إذ يقول أحد المخضرمين في غرفة أخبار (سي. إن. إن): “كان زوكر محبوبًا كثيرًا من نواحٍ عديدة؛ فقد قاد المنظمة بأكملها بطريقة شخصية للغاية، وقد سقط كل ذلك بعد مغادرته، ونحن لم نتعاف حقًا”، فيما يُضيف مسؤول أول تنفيذي في الشبكة قائلاً: “ليس لدى ليخت قوة عظمى مثل زوكر؛ فهو يهتم بالسياسة أكثر من العمل”.
04 – وقوع الشبكة في فخ الاستقطاب القائم بـ”الولايات المتحدة”..
يُشير التقرير إلى أن (سي. إن. إن) تحولت من الاسم الأكثر ثقةً في الأخبار لتُصبح العلامة التجارية الإخبارية الأكثر استقطابًا في “الولايات المتحدة”؛ إذ لا يوجد أي منفذ إخباري تلفزيوني آخر به فجوة كبيرة بين المستجيبين ذوي الميول اليسارية الذين يثقون بإنتاج (سي. إن. إن)، وأولئك اليمينيين الذين يعتقدون أنها متحيزة؛ وذلك وفقًا لاستطلاعات منذ عام 2018؛ من معهد (رويترز) لدراسة الصحافة في جامعة “أكسفورد”.
محاولات الإصلاح..
في إطار تزايد المشكلات التي تواجهها شبكة (سي. إن. إن)، يُشير التحليل إلى أن هناك محاولات للإصلاح من جانب الإدارة العُليا، ومن مؤشرات ذلك:
01 – إقرار الإدارة خطة إنقاذ مشتركة..
بعد مضي ستة أشهر على عمله الجديد، اتجه “ليخت” لخطة عمل لإنقاذ أول قناة إخبارية أميركية تعمل على مدار 24 ساعة؛ من حالة فوضى خطيرة، وكان ذلك في منتصف تشرين أول/أكتوبر 2022.
وبحسب المقال، كان الرئيس التنفيذي لشركة (وارنر)؛ “ديفيد زاسلاف”، جنبًا إلى جنب مع؛ “جون مالون”، الملياردير الليبرالي، و”ستيف نيوهاوس”؛ أكبر مساهم في (وارنر)، يدعمون ذلك.
وبحسب التقرير؛ فإن هؤلاء الرجال الثلاثة لديهم خبرة كبيرة في مجال صناعة الكابلات، ويعرفون ما هو أفضل لشبكة (سي. إن. إن).
02 – تعديل المحتوى الإخباري والإبتعاد عن السياسة..
كانت خطة “ليخت”؛ التي تم توضيحها، هي إعادة (سي. إن. إن) إلى جذورها؛ لتكون أقرب إلى الروح التأسيسية لـ”تيد تيرنلر”، الذي سعى إلى: “جعل الأخبار هي الأساس” بدلاً من الآراء التي بدأت تنتشر عبر القناة في السنوات الأخيرة.
وعلى حد تعبير “زاسلاف”، فإن (سي. إن. إن) الجديدة: “ستُناضل من أجل الصحافة أولاً”، و”أكثر من مجرد السياسة”، كما يسعى “ليخت” إلى جعل (سي. إن. إن) كأنها صحيفة تُركز على الأخبار العاجلة بجانب خلق محتوى آخر متعلق بنمط الحياة والرياضة؛ على أمل أن يبقى جذب المشاهدين.
ومع ذلك فإن بعض الآراء ستبقى، ولكن بنبرة مختلفة بشكلٍ ملحوظ؛ فقد صرح “ليخت”؛ لصحيفة (فايننشيال تايمز): “عليك أن تكون مقنعًا ويجب أن يكون لديك ميزة”.
03 – إصلاح الشؤون المالية والإبتعاد عن الاستقطاب..
يسعى “ليخت” لإعادة بناء علامة تجارية رأى المراقبون أنها سيطر عليها الاتجاهات ذات الميول اليسارية، التي أصبحت أكثر وضوحًا في سنوات “ترامب”، ويُحاول أيضًا إصلاح الشؤون المالية للشبكة.
04 – تقديم تنازلات للتوافق مع الشركات الداعمة..
على الرغم من المشكلات التي تُعانيها، فإن (سي. إن. إن) علامة تجارية إخبارية عالمية؛ لا تزال تُدّر مبالغ كبيرة من المال.
وقدر فريق “ليخت” أن الأرباح التشغيلية هذا العام ستتراوح بين: 700 مليون دولار و750 مليون دولار؛ وذلك بحسب المقال، لكن هذا يقل بنحو نصف مليار دولار عن ذروة ربحية (سي. إن. إن) في عهد “جيف زوكر”.
وفي هذا السياق؛ يُشير المقال إلى أنه إذا استمر تراجع (سي. إن. إن)، فهذه مشكلة لا تستطيع شركة (Warner Bros Discovery) – التي تحمل صافي ديون بقيمة: 47.5 مليار دولار – تحملها؛ فبعد ستة أشهر فقط من إغلاق اندماج (وارنر) مع (ديسكفري)؛ بقيمة: 43 مليار دولار، يتعرض “زاسلاف” لضغوط من المستثمرين لخفض نفقاته بمليارات الدولارات من خلال إعادة هيكلة وصفها مؤخرًا بأنها: “فوضوية”؛ ولذلك ففي السنوات القادمة، ستحتاج (سي. إن. إن) إلى التنازل للعيش داخل (وارنر).
05 – التوافق بين السياسة التحريرية والسياسة التجارية..
يُشير التقرير إلى أنه في ضوء إصلاحات “ليخت”؛ يُثار سؤال حول إذا ما كان التحول التحريري منطقيًا من الناحية التجارية؛ إذ يعتقد مدير سابق في الشبكة أن: “الصحافة الموضوعية” هي: “أذكى إستراتيجية للشبكة، وهي الإستراتيجية الوحيدة التي ستنجح”، كما يعتقد المقال أن: “الأخبار الموثوقة” فرصة تجارية “هائلة”، فيما يرى فريق مبيعات الإعلانات في شركة (وارنر) أن المُعّلنين سيكافؤون بفرصة الظهور بجانب علامة تجارية موثوق بها، ودفع علاوة مقابل ذلك؛ إذ تبيع (سي. إن. إن) بالفعل الإعلانات بمعدلات أعلى لكل مشاهد من (فوكس نيوز) أو (MSNBC)؛ ولذلك يُراهن “ليخت” على إستراتيجيته التحريرية التي تُعزز هذه الميزة.
عقبات الإصلاح..
يُشير المقال إلى أن مشاهدي الأخبار المنتظمين على قنوات الكابلات هم أكثر حزبية ومولعون بالأخبار في بلد شديد الاستقطاب.
ومع وجود (فوكس نيوز) و(MSNBC)، اعتمدت (سي. إن. إن) في الماضي؛ على الأحداث الكبيرة لجماهيرها الأكبر، ولكن المجموعة الهائلة من منافذ الأخبار الرقمية وخيارات الترفيه قوضت هذه الميزة.
في هذا السياق؛ يقول “ليخت”: “هناك عشرات الملايين من الأشخاص الذين قرروا أن الأخبار الكابلية القديمة لم تُعد جزءًا من حياتهم، وأن الأمر لا يستحق وقت فراغهم”؛ ولذلك بالنسبة لـ”ليخت” سيكون رهانه الكبير الآخر على الأصول الرقمية لشبكة (CNN)، التي تشمل واحدًا أكبر مواقع الأخبار باللغة الإنكليزية في العالم، وتستضيف أكثر من: 500 مليون زيارة شهريًا.
وقد استثمر “ليخت” في التكنولوجيا لتحسين تجربة المستخدم العالية الأداء.
كما أن “ليخت” يتحدث عن حاجة الشبكة لإيجاد مصادر جديدة للنمو في نهاية المطاف في عالم؛ حيث رسوم تلفزيون الكابل – التي لا تزال تُمثل غالبية إيراداتها – في انخفاض الطويل الأجل.
وفي الوقت الحالي، تمنع العقود المبرمة مع موزعي الكابلات (سي. إن. إن) فعليًا من القدرة على بث قناتها الإخبارية على منصات الإنترنت، لكن المديرين التنفيذيين في شركة (وارنر) يأملون التغلب على ذلك.
وسيتم إطلاق منصة جديدة العام المقبل لتحل محل (HBO Max)، ومن المتوقع أن تكون (CNN) علامة تجارية بارزة في حزمة (وارنر).
فيما يُشير المقال إلى أن قلق “ليخت” الأكثر إلحاحًا؛ هو تخفيضات التكاليف داخل الشبكة، التي تُعاني بالفعل من الإلغاء المفاجيء لـ (سي. إن. إن بلس). وقد طلب “ليخت” من فريقه التنفيذي النظر في طرق: “تحديد الحجم المناسب” للشبكة، وهو بمنزلة دافع شامل لخفض التكاليف؛ إذ يجب العثور على نحو: 100 مليون دولار من المدخرات هذا العام، وهو ما يُعادل أقل بقليل من عُشر ميزانية الشبكة.
ومن المتوقع ألا يؤدي ذلك إلى قطع مئات الوظائف فحسب، بل سيؤدي إلى إغلاق البرامج؛ وربما حتى محطات كاملة في إمبراطورية (سي. إن. إن)، وسيتم الكشف عن هذه التخفيضات في أوائل كانون أول/ديسمبر 2022.
ختامًا، يُشير المقال إلى أن حاجة شركة (وارنر) إلى إصلاح ميزانيتها العمومية وسداد بعض ديونها أدت إلى تغذية التكهنات الدائمة بأن (سي. إن. إن) قد يتم تجميدها في الأشهر القادمة؛ إذ يرى بعض كبار العاملين في (وارنر) أن (سي. إن. إن) هي أحد الأصول التي يمكن بيعها دون الإضرار بأعمال البث الأساسية للشركة، لكن “زاسلاف” ألغى أي حديثٍ جاد عن البيع؛ فهو يرى أن الأصول قيمة للغاية بحيث لا يمكن خسارتها.
كما يرى المقال أنه حتى لو تم بيع (سي. إن. إن)، فإن تراجع الشبكة في الربحية قد يعني أن الأصل قد يتم تداوله مقابل مبلغ ضئيل يتراوح بين: 06 مليارات دولار و08 مليارات دولار، وهو ما لا يكفي لتغيير ديون (وارنر).