خاص: كتبت- نشوى الحفني:
في أول محادثات رفيعة المستوى بين “موسكو” و”كييف”؛ منذ اندلاع “حرب أوكرانيا”، أتضحت الرؤية حول أن البلدين بعيدان عن درب وقف النار، إلا أنه لا تزال هناك نافذة لقدرٍ أكبر من الدبلوماسية.
ظهر هذا عندما أعلن وزير الخارجية التركي؛ “هاكان فيدان”، عن موافقة الطرفين من حيث المبدأ على إجراء مزيد من المحادثات، وهي نقطة حاسمة بالنسبة للرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، الذي يُريد سلامًا سريعًا.
مطالب أوروبا وأوكرانيا مقابل روسيا..
وفي الآونة الأخيرة؛ كانت “أوكرانيا” و”الولايات المتحدة” ودول غربية أخرى دعت إلى وقف إطلاق النار (30 يومًا) دون شروط مسبَّقة للسماح بإجراء محادثات سلام.
فيما كررت “روسيا” مطالبها بانسحاب “أوكرانيا” من أربع مناطق أوكرانية والاعتراف بالسيّطرة الروسية عليها. ولم تُقدم اللهجة المتَّزنة في تصريحات كلا الجانبين التي أعقبت المحادثات شيئًا يُذكر لجسر الهوة بينهما.
وتُمثّل مقترحات طرحتها “الولايات المتحدة” وأخرى مضادة أشارت إليها “أوروبا” و”أوكرانيا” في محادثات الشهر الماضي، أقرب ما يكون إلى مخطط اتفاق سلام.
وقال مصدر حكومي أوكراني كبير، أمس، إن أحدث المطالب الروسية في “إسطنبول” تضّمنت تخلي “كييف” عن رغبتها في الحصول على تعويضات والاعتراف الدولي بخمس مناطق من “أوكرانيا” على أنها روسية؛ وأن تُصبح “أوكرانيا” دولة محايدة.
وتجاوزت المطالب الروسية ما ورد في المقترحات الأميركية أو الأوكرانية والأوروبية.
وقال مصدر دبلوماسي أوكراني؛ لـ (رويترز)، إن “روسيا” قدمت مطالب في المحادثات: “منفصلة عن الواقع وتتجاوز بكثير أي شيء خضع للنقاش من قبل”.
المصدر؛ الذي رفض الكشف عن اسمه لحساسية المحادثات، قال إنها تضّمنت إنذارات بانسحاب القوات الأوكرانية من بعض أراضيها: و”شروطًا أخرى غير بناءة”.
تحذيرات روسية..
وأشار كبير مفاوضي (الكرملين)؛ “فلاديمير ميدينسكي”، بعد المفاوضات، إلى أن “روسيا” يُمكن أن تستمر في القتال ما دامت تحتاج ذلك لتحقق أهدافها.
وقال مستشهدًا بالانتصارات العسكرية في الحرب التي استمرت (21 عامًا) ضد “السويد”؛ في القرن الثامن عشر، إبّان حكم القياصرة، إن “كييف” تُعزّز فقط من أسباب زوالها بمقاومتها مطالب السلام الروسية.
كذلك؛ قال رئيس مجلس الأمن الروسي؛ “دميتري مدفيديف”، عبر منصة (إكس)، إن المفاوضات الفاشلة قد تُفضّي لحرب أشد ضراوة وفتكًا.
وحثّ “مدفيديف”: “كل من يوجهون لروسيا الإنذارات التفاوضية الأخيرة؛ أن يدَّركوا أن المفاوضات لا تؤدي بالضرورة إلى وقف الأعمال العدائية”، مضيفًا بأن: “المفاوضات غير الناجحة يُمكن أن تؤدي إلى مرحلة أكثر فظاعة من الحرب، بأسلحة أعتى ومشاركين جدَّد”.وفقًا لما نقلته قناة (آر. تي).
في وقتٍ سابق؛ وصف المؤرخ السويسري؛ “رولاند بوب”، في مقابلة مع صحيفة (برلينر تسايتونغ)، الإنذار الذي وجهه المستشار الألماني؛ “فريدريش ميرتس”، إلى “روسيا” بشأن “أوكرانيا”؛ بأنه: “دليل عجز”.
خطوات جوهرية وتطور مهم..
ورُغم ذلك؛ قال “بيتر سليزكين”، وهو زميل كبير ومدير برنامج روسيا في مركز (ستيمسون)، إن وعود المفاوضين بالإفراج عن ألف أسيّر حرب والاجتماع مرة أخرى لإجراء محادثات وتقديم رؤيتهم لوقف إطلاق النار كانت: “خطوات جوهرية”.
وأضاف: “أعتقد أنها بادرة تبعث على الأمل، لأن دخول الطرفين في اتصال مباشر تطور مهم”.
نتائج متوقّعة..
بينما قال أحد كبار المسؤولين الأوكرانيين الذين شاركوا في المحادثات مع “روسيا”؛ عام 2022، التي فشلت في وقف الحرب الشاملة؛ لـ (رويترز)، إن: “كل رحلة تبدأ بخطوة واحدة. وهذه هي بداية الرحلة. دائمًا ما تشهد بداية أي مفاوضات مبالغة في المطالب. هذا أمر تقليدي”.
يقّوض مسّاعي أوروبا لفرض العقوبات..
وتقول صحيفة (العين الإخبارية)؛ أن النتائج الهشّة التي تمخضّت عن المحادثات، أدت إلى إعادة الكرة مجددًا إلى ملعب “ترمب”، الذي غيّر موقفه فجأة يوم الخميس؛ أي قبل يوم واحد فقط من بدء المفاوضات، حينما قال إنه بحاجة للقاء نظيره الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، حتى تتحقق انفراجة.
ويبدَّد هذا التصريح – في الوقت الراهن – آمال “أوروبا” في دفع “واشنطن” لفرض حزمة جديدة من العقوبات على “روسيا”.
وفي حالة فرض عقوبات، فستكون هذه لحظة فارقة في رئاسة “ترمب”؛ التي أبدى خلالها حتى الآن تعاطفًا تجاه “روسيا” وتراجع عن سياسات سلفه؛ “جو بايدن”، المؤيدة لـ”أوكرانيا”.
وتوجه قادة أربع قوى أوروبية كبرى إلى “كييف”؛ الأسبوع الماضي، وهدّدوا بفرض مزيد من العقوبات على “روسيا” إن لم توافق على وقف لإطلاق النار (30 يومًا)؛ بدءًا من 12 آيار/مايو الجاري، وهي خطوة قالوا إن “الولايات المتحدة” تدّعمها.
لكن عندما اقترح “بوتين” إجراء محادثات بدلًا من وقف إطلاق النار، كتب “ترمب” منشورًا على وسائل التواصل الاجتماعي حثّ فيه “”زيلينسكي” على الموافقة فورًا دون أن يذكر العقوبات المنتَّظرة على “روسيا”، رُغم أنه لمّح؛ على مدار أسابيع، إلى استيائه مما وصفه بتباطؤ “بوتين”.
واقترح “زيلينسكي” إجراء محادثات مباشرة مع “بوتين” انطلاقًا من حرصه على عدم إغضاب “ترمب”. لكن “بوتين” لم يرَّد إلا في اللحظات الأخيرة عندما اختار وفدًا لم يشّمله ولا أيًا من وزرائه الأساسيين.
وفي تعليق له على اختيار “مدينسكي” رئيسًا للوفد، قال المحلل السياسي الروسي؛ “فلاديمير باستوخوف”: “لا أحد يُرسل متعهدي الدفن إلى حفل زفاف”، في إشارة إلى دوره في محادثات 2022؛ التي لم يُكتب لها النجاح.
وبعد استئناف المفاوضات في “إسطنبول”، عاد قادة القوى الأوروبية الأربع و”زيلينسكي” للتواصل هاتفيًا مع “ترمب” لمناقشة سيّر المحادثات.
كما جدّد الفريق الأوكراني علنًا الدعوة لإجراء محادثات مباشرة بين “زيلينسكي” و”بوتين”، قائلًا إن الرئيس الروسي وحده هو من يملك التفويض لاتخاذ قرارات بشأن عدد كبير من الملفات المطروحة.
وفي مقابلة مع (فوكس نيوز)، قال “ترمب” إنه يعتقد أنه يستطيع التوصل إلى: “اتفاق” مع “بوتين”، لكنه سيفرض عقوبات على “روسيا” إذا: “لم نتوصل إلى اتفاق”.
وذكر تحليل لصحيفة (وول ستريت جورنال)؛ أن المحادثات المباشرة بين “أوكرانيا” و”روسيا”؛ هذا الأسبوع أظهرت للرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، أن “بوتين” هو العقبة الوحيدة أمام تحقيق السلام مثلما يدّعي الأوكرانيون والأوروبيون.
استراتيجية “بوتين”..
وقال “توماس غراهام”؛ الباحث البارز في (مجلس العلاقات الخارجية)، إن “بوتين”، بإرساله وفدًا منخفض المستوى، مطابقًا للوفد الذي أرسله إلى “تركيا”؛ عام 2022، قد أشار إلى نيّته اتخاذ موقف غير مقبول من قبل “أوكرانيا”.
وأشار “غراهام” إلى أنه خلال تلك المحادثات في بداية الحرب، عانى الجيش الروسي من انتكاسات، لكنه لم يُعانِ بعد من الانتكاسات الكارثية التي لحقت به في وقتٍ لاحق من ذلك العام؛ والتي شوهت سمَّعته كقوة برية. بحسب زعمه.
ويدّعي “غراهام” إلى أن استراتيجية “بوتين” المتشدَّدة أدت إلى إزعاج “ترمب”؛ الذي تعرّض لضغوط متزايدة في الداخل لتشدّيد العقوبات على “روسيا”، كما شعر القادة الأوروبيون بفرصة لإقناع “ترمب” أخيرًا ببذّل المزيد من الجهود لدعم مطلبه بوقف إطلاق النار.
تكثيف القصف..
وكثّف الجيش الروسي من قصفه لـ”أوكرانيا” حتى أثناء المحادثات. وبعد ساعات من اجتماع “إسطنبول”، أصابت طائرة روسية مُسيّرة حافلة في منطقة “سومي”؛ شمال شرق “أوكرانيا”، مما أسفر عن مقتل (09) أشخاص وإصابة أربعة.
وتقول “موسكو” إن وقف إطلاق النار لن يخدم سوى مصلحة “كييف”؛ من خلال منح القوات المسلحة الأوكرانية وقتًا لإعادة التجهيز والتسّليح.
خطة دبلوماسية مدَّبرة..
وأشار التحليل للصحيفة الأميركية؛ إلى أن اجتماع الجانبين الأوكراني والروسي في “إسطنبول” كان تتويجًا لخطة دبلوماسية مُدبّرة بعناية من قِبل قادة “فرنسا وألمانيا وبريطانيا وبولندا”. فبعد مواجهة “زيلينسكي” مع “ترمب”؛ في “البيت الأبيض”، نصّحوه بقبول مطالبه دون قيّد أو شرط، بما في ذلك الدعوة إلى وقف إطلاق النار، وفقًا لما ذكره عددٍ من المسؤولين الأوروبيين.
وأجرى القادة الأربعة عدة مكالمات مع “زيلينسكي”؛ قبل زيارته إلى “كييف” الأسبوع الماضي، حيث وجّهوا له النصائح حول كيفية التعامل مع نهج “ترمب” غير المتوقّع في التوسط في اتفاق سلام. ثم اتصلت المجموعة بـ”ترمب” تلقائيًا على هاتفه المحمول لإبلاغه بقبول “زيلينسكي” الكامل لمقترحاته لوقف إطلاق النار.
ثم أصدروا إنذارًا نهائيًا لـ”بوتين” لقبول وقف إطلاق النار أو مواجهة عقوبات على صادرات النفط والغاز الروسية الحيوية. ويقول دبلوماسيون أوروبيون إن قرارهم الجديد أصبح ممكنًا بفضل تغييّر القيادة في “ألمانيا”، حيث أصبح “ميرز” الآن مستَّعدًا لقبول عقوبات أشد على “موسكو”.
عبء على “بوتين”..
وقال “إيفان كراستيف”؛ الباحث في معهد (العلوم الإنسانية) في “فيينا”، والذي التقى الرئيس الروسي في عدة مناسبات: “لقد سمح هذا الأمر لأوروبا بأن تُصبح أخيرًا ممثلة للسلام”.
وأضاف “كراستيف”؛ إن العبء يقع الآن على عاتق “بوتين” ليشّرح لـ”ترمب” سبب رفضه مبادرته لوقف إطلاق النار، على الرُغم من عرض “زيلينسكي” وداعميّه الأوروبيين.
وقال “سنان أولغن”؛ مدير مركز (إيدام) للأبحاث في “إسطنبول”، إن إصرار “بوتين” على أن يكون ممثلًا فقط من قبل مساعدين صغار في “إسطنبول” استبّعد أي إمكانية لإجراء مفاوضات جادة أو التزام بوقف إطلاق النار، مما جعله يبدو غير محترم لـ”ترمب”.
واستغل “زيلينسكي” الموقف إلى أقصّى حد، قائلًا للصحافيين قبل محادثات “إسطنبول”؛ إن: “ترمب بحاجة إلى تصديق أن بوتين يكذب بالفعل”.
ومع ذلك؛ يبقى السؤال مطروحًا: هل الرئيس الأميركي مُستعدٌّ لاستخدام سلطته لوضع نظيره الروسي تحت ضغطٍ أكبر للتحرك نحو السلام – وخاصةً ما إذا كان سيُغلق شريان الحياة الاقتصادي لروسيا”.