23 ديسمبر، 2024 7:22 ص

“مجيد آباد” الإيرانية .. من عطر النعناع إلى رائحة الزبالة !

“مجيد آباد” الإيرانية .. من عطر النعناع إلى رائحة الزبالة !

خاص : ترجمة – محمد بناية :

“جاء الصحافي، جاء الصحافي، اذهبوا سريعًا إلى المسجد، النساء، الرجال !.. أهالي منطقة مجيد آباد، جاء الصحافي، وتعالوا وتحدثوا عن مشاكلكم….”، بهذه الكلمات إنطلق صوت خادم المسجد في هواء القرية الملوث برائحة البلاستيك المحترق.

تقع قرية “مجيد آباد كهريزك”، المنسية، على مسافة 40 كم من “طهران”. يقول سكانها؛ “كنا قبل 20 عامًا نصاب بالحيرة من روائح الريحان والنعناع، والآن رائحة حريق النفايات والتنظيف الحمضي خلف الأبواب المغلقة وجدران مصانع البلاستيك”. بحسب “محمد معصوميان”؛ المحرر بصحيفة (إيران) الرسمية الصادرة عن وكالة أنباء الجمهورية الإيرانية، (إيرنا).

مدينة النفايات والتلوث..

كلما أسأل شخص عن عنوان “مجيد آباد”؛ ينظر إليّ متعجبًا وكأن هذه القرية لا وجود لها بالأساس. عبرت سالكًا طريق على جانبه الأيمن يقع موقع “الدفاع الجوي” وعلى جانبه الأيسر مقابر “جنة الزهراء”؛ وأول لافتة رأيتها كُتب عليها: “مجيد آباد، مجمع فرخي الصناعي”.

تقدمت قليلاً رأيت سلسلة محلات بيع البلاستيك تمتليء بالعمالة المشغولة في شحن وتفريغ الحاويات. أنزلت زجاج نافذة سيارتي، فإذا برائحة غاز مسببة للدوار بمختلف أنواع النكهات الكيميائية تأسر السيارة. ورأيت عمود لافتة “مجيد آباد” مكسور واللافتة على الأرض.

دخلت شارع “الإمام الحسين”، الذي ينتهي بك من ناحية بالصحراء ومن الناحية الأخرى بجدار تغطيه أرقام تليفونات عملاء بيع وشراء النفايات، والبلاستيك، وإنتاج كل أنواع التبغ وشفرات الحلاقة ومطاحن البلاستيك.

ورأيت “بهنام ياري”، بشعره الأبيض، أمام منزله يحاول ربط السقالة. فتحت نافذتي للحديث فسألني: ألديك أرض هنا ؟.. هل أنت صاحب ملك ؟. أظهرت له بطاقتي فقال مبتسمًا: “حين يأتي أحدهم إلى هنا يدعي ملكية هذه الأرض”. وتقريبًا يعاني كل الأهالي في القرية من هذه المشكلة !.. كان “بهنام”، الذي يبدو في الخمسين من العمر؛ قد أمتلك قبل نحو 17 عامًا قطعة أرض في القرية، وشرع في بنائها تدريجيًا بعد العلاج من الإدمان، لكن أين اختفت السماء الزرقاء والسهول الخضراء، “الآن تهب باستمرار روائح المحروقات والدخان الكثيف؛ الذي يملأ المنطقة بالكامل. تقدمت بشكوى مرارًا، لكن من يُصغي ؟”..

لم نكد نتبعد عن مصنع وشركة الصرف الصحي حتى هبت الأدخنة من جديد. تقدمنا معًا في المنطقة، فإذا بأصوات مطاحن البلاستيك تنتشر في كل مكان: “هذه قرية دون كود قروي أو حتى وجود على الخريطة. وكلما يأتون يأخذون الإحصائيات وينسبونها إلى قرية، (ده نو)، التي تبُعد مسافة 2 كم تقريبًا”.

منسية من الجميع !

يكتسي الأسفلت بغشاء “مائي-طيني” أصفر اللون. وهو ما يطلق عليه، أهالي القرية، اسم الحمض؛ ويعتقدون أنه يُستخدم في غسل البودرة عن بعض المواد البلاستيكية، “وهو نفس الحمض الذي كان في الأودية المحيطة وقامت البيئة بجمعه، لكنهم يقومون في القرية بهذا العمل داخل الورش”.

تتجول الكلاب في المنطقة، ورأيت طفلان يلعبان مع الكلاب. يرتدي خادم المسجد العجوز نظارة ذات عدسات مقعرة وأخذ يتحدث عن مشكلات الحياة بالقرية. وهو يبلغ من العمر 45 عامًا ومقيم بالقرية ويتحدث متحسرًا عن سنوات رائحة الريحان والنعناع، قائلاً: “لا يوجد ليل بالقرية حاليًا فهم يخرجون ويشعلون النيران، وينتشر الدخان في الهواء، لدرجة أن نشعر بضيق التنفس داخل بيوتنا”.

يتنفس مجددًا بعمق وأشتم رائحة حادة تشبه رائحة الحمض. لكن مشكلة “مجيد آباد” فقط في روائح حرق النفايات السيئة: “وتقع قرية (باقر آباد) على مسافة 4 أقدم، لكن إذا تريد الذهاب فسيكون عليك دفع مبلغ 10 آلاف طومان لوكالة تأجير السيارات؛ لأنه لا يوجد حتى خط أتوبيس واحد في القرية. فلو يريد النساء والأطفال الذهاب إلى مكان ما يساعدهم أمثال السيد، بهنام”.

بعد ذلك ممرنا من حارة مليئة بالنفايات إلى وديان خلف المنازل. رأيت من بعيد منظومة دفاع جوي. الطين اللزج يزيد صعوبة التنقل. وقفت فوق إحدى التلال وأبصرت عامل يرتدي قناع يعمل في إحراق وتفكيك الزبالة، ويبقى السؤال: لو كان هذا مكان للحياة؛ فماذا يفعل أصحاب النفايات، وإذا كان مكان صناعي فلماذا يعيش الناس هنا ؟

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة