تضيق مساحات الحرية المتاحة أمام الشباب العراقي مع توجه المجتمع نحو محافظة دينية أكبر، فيستحيل سير الشاب مع صديقته في الشارع، كما تضيق عليه السلطات ممارسة بعض الاستعراضات بالدراجات النارية أو رياضة الباكور تحت طائلة الضرب وتلفيق التهم.
ويلقي مصطفى نظرة سريعة على مرآة دراجته النارية، ثم يدير بحركة خاطفة معصم يده اليمنى نحو الأسفل دافعًا الدراجة للانطلاق بسرعة والتحرك بطريقة بهلوانية أمام عشرات المتفرجين المتحمسين في بغداد.
ما إن تمر بضع دقائق على عرض مصطفى (22 عامًا) حتى تتعالى صفارات إنذار سيارات الشرطة، وتقتحم المكان وسط حالة من الفوضى بين المتفرجين، الذين يحاولون الفرار من اي زاوية ممكنة خشية التعرّض للاعتقال.
المرح ممنوع
يقول احمد، احد منظمي التجمع الاسبوعي لهواة الدراجات النارية في منطقة الجادرية في بغداد، ”الامر يتكرر في كل مرة. الشرطة لا تريدنا ان نمرح”، مضيفًا “يبررون ذلك بالقول ان هذا الامر جزء من استراتيجة حماية بغداد”.
ويشدد مصطفى من جهته على انه يريد ان يرى العراق “كأي بلد آخر”، موضحًا أن “في الدول الاخرى نوادي ينتمي اليها الناس لممارسة هواياتهم ومتابعة شغفهم بامور معينة”.
يتكرر مشهد الكر والفر بين الشرطة ومجموعات الشباب في الجادرية كل يوم جمعة، في روتين اسبوعي يعكس السخط الذي يعتري شباب العراق على ما يعتبرونه سوء فهم لاحتياجاتهم من قبل الاجيال الاكبر منهم، بعد عقد من نهاية حكم صدام حسين.
وتقرّ الشرطة بأنه قد يكون من الممتع مشاهدة سائقي الدراجات وهم يقومون بحركاتهم البهلوانية، الا انها ترى في ذلك خطرًا على السائقين الاخرين، لكنهم لم ينجحوا حتى اليوم في الحصول على اذن باغلاق طريق، ووضعها في تصرفهم وحدهم.
يوضح احد عناصر الشرطة، الذين ساهموا في مطاردة المتفرجين وانهاء عرض الدراجات، “اتمنى لو انهم يحصلون على موقع مخصص لما يقومون به، لكن ليست بايدينا حيلة، فنحن لا نستطيع اغلاق الطريق، كما إن هوايتهم هذه خطرة”.
وبحسب ارقام كتاب الحقائق الخاص بوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية، فان 57 بالمئة من سكان العراق هم دون سن الـ25، تخوض اعداد كبيرة منهم صراعًا مع القيود الاجتماعية التي يفرضها قادة البلاد، والاجيال الاكبر.
ومن التعامل مع العنف اليومي المتواصل منذ غزو البلاد عام 2003، الى الازمات السياسية المتلاحقة، لا تجد الحكومة العراقية المساحة الكافية لوضع اهتمامات الشباب على رأس اولوياتها. وتفتقد بغداد، عاصمة الثقافة العربية لعام 2013، للقاعات المخصصة للحفلات الموسيقية، وتشتهر قاعات السينما المتبقية فيها بأفلامها الإباحية، رغم وجود بعض النوادي الشبابية الخاصة والبعيدة عن متناول غالبية الشباب.
قيود اجتماعية
ويشتكي طالب الموسيقى هشام (25 عامًا) من القيود الاجتماعية التي تحاصر الشباب. ويقول “من المستحيل ان تسير في الشارع برفقة صديقة. لماذا؟، اهلا بك في العراق”، مضيفًا “الناس، الاهل، الحكومة، العشائر، كلهم يعتقدون ان هذه الامور سيئة اصلا”.
ويميل نظام الحكم في العراق منذ سقوط صدام حسين نحو حراك محافظ اكثر تدينًا، يتجسد بالحملات المتكررة ضد النوادي الليلية واشكال الترفيه المختلفة، وحتى الموسيقى التي يعتبرها البعض “حرامًا”.
يعاني حيدر (25 عامًا) من هذه القيود، وهو الذي يمارس مع ثمانية من اصدقائه رياضة نادرة في العراق هي “الباركور”، التي تقوم على الركض بسرعة في الطرق والحدائق وغيرها من الأماكن والقفز فوق الحواجز والقيام بحركات بهلوانية. يقول حيدر المقلب باسم “امير” انه” عندما يرانا الناس يدعوننا بالقرود، لكننا لا نهتم لذلك، ولا نتعامل مع هذا الامر بطريقة سيئة”.
تلفيق تهم
عدم التعليق على هذا الوصف بالنسبة الى حيدر واصدقائه شيء، والهروب من الشرطة شيء اخر، علما ان حيدر سبق وان قضى ليلتين في السجن، بسبب قيامه بالقفز فوق حواجز في شارع قرب منزله، واتهم بانه سارق. ويوضح حيدر “لم تصدقني الشرطة عندما قلت اني كنت امارس رياضة الباركور. قضيت يومين في السجن، وتعرّضت للضرب”.
وبهدف عدم اثارة المشاكل مع الشرطة، يمارس حيدر واصدقاؤه حاليا رياضتهم المفضلة في حديق الزوراء، التي عادة ما تلجا اليها العائلات هربًا من صخب بغداد بازدحاماتها وتفجيراتها وقلة اماكن الترفيه فيها.
ويقول عادل، زميل حيدر، “نريد من الحكومة ان تهتم بالشباب. عليها ان توقف تنظيم المهرجانات السياسية التي لا تقدم ولا تؤخر”. ويتابع نحن من يحتاج المساعدة”.