خاص : كتبت – هانم التمساح :
أحاطت شكوك كبيرة بطريقة تنظيم التظاهرات التي دعا لها الزعيم الشيعي، “مقتدى الصدر”، بدعوى طرد القوات الأميركية من “العراق”، نظرًا إلى أنها تأتي خارج سياق حركة الاحتجاج العفوية المستمرة في البلاد، منذ ما يزيد على أربعة أشهر، كما أن شبهات قانونية تحوم حول قادة تلك التظاهرات، منذ نزولهم لساحة التظاهرات، كل تلك المؤشرات كانت تؤكد أن هذه التظاهرات ليست خالصة لوجه الوطن وإنما جاءت لتفريق جموع المتظاهرين السلميين والانتقام منهم.
استخدام المال العام لدعم تظاهرات “الصدر”..
وأظهرت وثائق رسمية أن مسؤولين حكوميين استخدموا صلاحيات حصرية، لاستعمال عجلات حكومية في نقل المحتجين من مدينة “البصرة” إلى “بغداد”، الموقع المركزي للتظاهر، ما دفع نشطاء حقوقيين إلى رفع دعاوى تتعلق بسوء استخدام المال العام.
وقال نشطاء إن استخدام العجلات الحكومية في نقل متظاهرين يُشتبه في أنهم حزبيون، هو دليل على الطابع السياسي الموجه الذي يهمين على تظاهرة “الصدر”. وبذلك تساهم الحكومة في عملية إهدار المال العام لصالح فرض وجهة نظر سياسية توجهها الأحزاب لقمع المتظاهرين.
مليونية رفض الوجود الأميركي التي يقودها “مقتدى الصدر”، تُخفي تحت ظلالها كثيرًا من الآلاعيب السياسية السطحية من جانب “الصدر” نفسه، ووكلاء “إيران” من الفصائل المسلحة.
وبالنسبة لـ”الصدر”؛ فإنه يحاول إعادة زعامته لما يسميه “فصيل المقاومة”، الذي بدأه عام 2003، وهو يعلم أن هذا العهد قد إنتهت مفاعيله، عام 2011، بعد اتفاقية رحيل الجنود الأميركان، الموقعة مع الحكومة وأحزابها. و”الصدر” ذاته كان قد حل (جيش المهدي) بعد خروج العديد من قياداته لتزعّم ميليشيات أخرى، وصلت أعدادها إلى الخمسين، بأوامر من “قاسم سليماني”.
والمليونيات الصادقة في شعاراتها العراقية تقف وجهًا لوجه ضد مليونية “الصدر”.
“أبودرع اللامي” من جديد..
وشهدت الساحة تصدر المجرم، “إسماعيل حافظ اللامي”، الملقب بـ”أبودرع”، مرة أخرى للساحة السياسية وبصحبته مجموعة من رجال (جيش المهدي)؛ سبق واتهمهم النظام السياسي ذاته بإرتكاب جرم قانوني وقالت إنهم: “متهمون بالتزوير والإستيلاء على الممتلكات والسرقة والإبتزاز والمساومة”.
و”أبودرع”؛ هو قائد ميليشيا “شعبوي”، ومعروف في الأوساط الشعبية بإرتكابه جرائم قتل وخطف وإبتزاز، إبان فترة الإقتتال الطائفي 2006، ضمن ميليشيات (جيش المهدي)، التي كانت تابعة لـ”الصدر”، آنذاك، وقتلت الآلاف من أبناء السُنة، لكنه عاد هذه المرة ليمارس جرمه ضد أبناء جلدته من العراقيين الشيعة، الذين لم تعجبهم أساليب إفقار البلد وإذلاله وأخضاع ثرواته ومصيره، تارة لـ”إيران” وتارة أخرى لـ”الولايات المتحدة”.
“أبودرع”؛ قصير القامة وذو لحية سوداء خفيفة ورأس يفتقر إلى التعليم كما إفتقر الشعر، ويسكن مدينة “الصدر” في “بغداد”، عندما كان اسمها مدينة “الثورة” في العهد السابق، ودونت مراكز الشرطة اسمه في خانة أصحاب السوابق والجرائم الصغيرة، قبل أن يكبر وتكبر معه جرائمه.
وذاع صيته، عام 2006، ذروة نشاط زعيم (القاعدة)، “أبومصعب الزرقاوي”، فأطلق عليه لقب، “زرقاوي الشيعة”، فيما كان أنصاره يفضلون لقب، “أبودرع”، ومصدر التسمية عائد إلى ضحاياه، إذ كان يُعثر عليهم والثقوب تخترق رؤوسهم من مثقاب كهربائي.
وخلال نشاطه في تنظيم (جيش المهدي)، التابع للزعيم السياسي، “مقتدى الصدر”، تحول من شخصية عادية إلى نجم أول، غير أن قائمة أصدرتها حكومة “نوري المالكي” الأولى، في 2 تموز/يوليو 2006، ضمت 41 متهمًا بالإرهاب ولم تضم اسمه، فأكتفت باسمين من تنظيم (جيش المهدي)، هما: “أبومصطفى الشيباني” و”أحمد الغروي”.
وكما لاحقت القوات الأميركية، “أبومصعب الزرقاوي” وأتباعه، لاحقت أعضاء (جيش المهدي) أيضًا، وأبرزهم، “أبودرع”، في هجوم واسع على مدينة “الصدر”، وفشلت في اعتقاله، فُصدر تعليق رئيس الحكومة، “نوري المالكي”، مُدينًا العملية، قبل أن تعود قواته إلى مدينة “الصدر” في عملية مماثلة، في نيسان/أبريل 2008.
واختفى اسم “أبودرع” حينها، وراجت أنباء عن اغتياله بسيارة مفخخة تابعة لتنظيم (الجيش الإسلامي)، استهدفت سيارة إسعاف كان يستخدمها في تنقلاته بين أحياء “الشعب والعامل” ومدينة “الصدر”، غير أن صورة نُشرت، في تشرين ثان/نوفمبر 2008؛ أظهرته في مدينة “قُم” الإيرانية مع أعضاء آخرين في (جيش المهدي).
وحينها سرب أتباع الزعيم السياسي، “مقتدى الصدر”، انشقاق “أبو درع” وقيادته فرق موت لا تأتمر بأمر تنظيم (جيش المهدي)، وهو ما لم يُثبت رسميًا.
“السيستاني” يتابع بقلق..
في المقابل؛ ذكرت مصادر سياسية أن “السيستاني” يتابع التصعيد الإيراني الجديد ضد “الولايات المتحدة” بقلق، ويخشى أن يؤدي إلى الإخلال بالتوازن الذي يسهم في المحافظة على استقرار البلاد الهش.
وما أثار المخاوف أكثر من أن تكون التظاهرة مقدمة لإستيلاء إيراني علني على القرار العراقي، هو دخول الميليشيات الرئيسة على خط تأييدها، بل والإسهام في تنظيمها. وعلى سبيل المثال، تولت حركة (النجباء)، المصنفة مع زعيمها، “أكرم الكعبي”، على اللائحة الأميركية للمنظمات الإرهابية، عملية تنسيق التغطية الإعلامية، فيما تتولى حركة (عصائب أهل الحق)، المصنفة وزعيمها، “قيس الخزعلي”، أيضًا على قوائم الإرهاب، الإشراف على نقل المشاركين في التظاهرات من مدن الوسط والجنوب إلى العاصمة العراقية، على أن تتولى (كتائب الإمام علي)، بزعامة “شبل الزيدي”، جانب تأمين موقع التظاهرات في “بغداد”.
المصادر أضافت، أن مكتب “السيستاني” طلب من المكاتب الفرعية في “بغداد” والمحافظات، تجنب الترويج للتظاهرة التي دعا إليها “الصدر”، في ظل إقتراب الأخير من دائرة حلفاء “إيران”، على الرغم من تأكيده المستمر على استقلالية قراره السياسي.
ولم يقف “السيستاني” عند هذا الحد، بل وجه أحد مكاتبه الرئيسة، في مدينة “كربلاء”، بدعم التصعيد الذي اختاره المحتجون العراقيون، بعدما إنتهت مهلتهم التي حددوها للأحزاب السياسية لتشكيل الحكومة الجديدة.
واعتُبر دعم “السيستاني”، لتصعيد المحتجين ضد السلطات الحاكمة، مؤشرًا واضحًا على موقفه الرافض لتصفية الحسابات بين “الولايات المتحدة” و”إيران” على أرض “العراق”، بمشاركة أطراف محلية.
انتحار سياسي لـ”الصدر”..
ويُعد الفشل المتكرر لمحاولات “الصدر” فض التظاهرات الشعبية، مرة عن طريق الدعوة لمليونية فاشلة؛ ومرة عن طريق قمع وإرهاب المتظاهرين العزل، بمثابة انتحار سياسي لـ”الصدر” ذاته باعتباره يقدم نفسه على أنه زعيم سياسي قادر على الإمساك بخيوط اللعبة في “العراق”.
كما إن الخاسر الوحيد من مظاهرة “مقتدى” سيكون أعضاء “تيار مقتدى” أنفسهم لا سواهم، إذ سيتم في هذه المظاهرات الدفاع عن إستراتيجية السلطة السياسية في المحاصصة وحرمان الناس من الوظائف والخدمات، والتغطية على شعارات ثوار “ثورة تشرين أول/أكتوبر”، الذين ينادون بتحسين واقع حياة العراقيين والإرتفاع بمستوى معيشتهم.