خاص : كتبت – هانم التمساح :
“من المؤسف أن أهالي غرب بغداد لم يساندوا إخوانهم في بغداد الشرقية؛ بالحجم المطلوب في مناطق الكرخ ذو الأغلبية السُنية، عدا مدينة الكاظمية، (معذرة لاستخدام تلك المصطلحات المذهبية البائدة)، يروجون أن الصراع (شيعي-شيعي).. أو أنهم يريدون الحصول على مكاسب دون أية تضحيات”.. هذا ما يدور الآن في النقاشات الجارية بين المتظاهرين في “العراق”، وما قاله أحدهم لـ (كتابات).
وتصدرت الشائعات التي تقول بأن الصراع الدائر في “العراق” الآن إقتتال (شيعي-شيعي) وليس للسُنة في هذا الصراع لا ناقة ولا جمل، وهذا ما يتنافى مع الواقع العراقي الجاري بالإرتباط مع طبيعة الانتفاضة والقوى المشاركة فيها.. والتساؤل: لماذا تضاءل دور السُنة والأكراد في هذه الانتفاضة ؟.. هذا ما سنجيب عليه في التقرير التالي..
لأول مرة تُهدم الطائفية.. كيف ؟
لأول مرة، ومنذ الغزو الأميركي العام 2003، ينخرط العراقيون والعراقيات من مختلف القوميات والديانات والمذاهب في “بغداد” وفي محافظات أخرى، والكثير من نشطاء “الحشد الشعبي” من الشباب المستقلين الذين ناضلوا في سبيل دحر الدواعش، وكذلك القوى والأحزاب الديمقراطية والكثير ممن كانوا يعملون أو يؤيدون الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية والسُنية، بالمظاهرات الشبابية، والتي تتحول يومًا بعد آخر إلى مظاهرات شعبية واسعة، بعد أن التحق بها العمال والطلبة والمعلمون وأساتذة الجامعات والنقابات العمالية والكثير من موظفي المعامل ومؤسسات الدولة والموظفون العموميون.
حتى من أمتنعوا عن المشاركة لظروف خاصة، يدعمون التظاهرات على استحياء بتصوير ذواتهم وإعلان دعمهم لإخوانهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، لأول مرة لا يعرف المشاركون في التظاهرات اليومية من هو شيعي أو سُني أو مسيحي أو إيزيدي أو مندائي أو كُردي فيلي.. مشارك في هذه الانتفاضة الباسلة، فالمشارك فيها مواطن والمشاركة مواطنة من “العراق” المستباح بالطائفية والفساد: “نازل.. آخذ حقي”. لهذا فإن محاولات اعتبار الصراع (شيعي-شيعي) خاطيء جدًا ومؤذٍ للانتفاضة الباسلة.
وتحاول هذه الإشاعات النيل من الانتفاضة واتساعها؛ يمارسها أبناء الطبقة السياسية، سواء الحكم الطائفي، للحد من شمولها مناطق “نينوى” وغرب “العراق” و”إقليم كُردستان”، أو يمارسها طائفيون سُنة ساوموا الأحزاب الشيعية الطائفية الحاكمة والتحقوا بالركب الفاسد وخذلوا الشعب العراقي كله؛ وليس أبناء وبنات المذهب السُني فقط، بترويجهم الوقح لمثل هذه الإشاعات النذلة.
فالحراك الجاري في “العراق” الآن يدور، منذ سنوات، وأحتدم في الفترة الأخيرة بين معسكرين: معسكر الشعب، كل الشعب العراقي الآبي، من جهة، وبين معسكر الطبقة الحاكمة، من شيعة وسُنة وغيرهما، من جهة أخرى، خاصة وأن الظلم الذي لحق بالشعب العراقي كان ولا زال عامًا وشاملاً للعرب والكُرد والقوميات الأخرى ولأتباع الديانات والمذاهب؛ وما لحق بهم من أضرار فادحة، سواء ما حدث في إجتياح “الموصل” أو في “الأنبار” و”الفلوجة”، أو ما حدث قبل عام في “البصرة”، أو ما يحصل اليوم في “بغداد” ومحافظات كثيرة أخرى، أو إزاء ما حدث تجاه الكُرد في فترة الصراعات القاسية مع “المالكي” ومن ماثله، تحت واجهات طائفية وفساد سائد، وهو الذي فتح عقول الشباب ووعيهم بما جرى ويجري فأنتفضوا متحدين لا يعرفون الطائفية.
هل حقًا يصمت الأكراد ؟
لم يتحرك الشعب الكُردي في دعم الانتفاضة حتى الآن؛ لأن الحكومة الكُردية تعتقد بأن “عادل عبدالمهدي” أنصفها، ولكن “عبدالمهدي” لم ينصف حقوقها المشروعة والعادلة، بل فتح خزينة الدولة فقط لكي يُسكت صوت الحكومة المتذمرة، ولكن لم يرسي دعائم علاقات سليمة بين الدولة الاتحادية والإقليم الكُردستاني، وما فعله لأجل الأكراد مؤقت يزول بزوال “عبدالمهدي” نفسه، وبالتالي فإن حكومة “إقليم كُردستان العراق” على خطأ كبير وحساباتها غير مدروسة وغير مدققة !.. ويعي مثقفي “كُردستان”، من مختلف الاختصاصات والمجالات والإتجاهات، ذلك جيدًا؛ لذا فقد ساندوا بحرارة انتفاضة الشعب العراقي وأصدروا بيانًا بهذا الصدد، ومن المتوقع أن الشعب الكُردي سيتحرك أيضًا لصالح دعم المناضلين في “بغداد” والوسط والجنوب، لأن الإقليم وشعبه لا يزال، وسيبقى طويلاً، جزءًا من “العراق”، مع الإعتراف الكامل بالحقوق المشروعة والعادلة للشعب الكُردي في “إقليم كُردستان العراق” وفي بقية أقاليم كُردستان، خاصة وأن التظاهرات تهتف: “نريد وطنًا حرًا ديمقراطيًا وكريمًا”، “نريد استرداد الوطن المستباح والجريح والمباع للأجنبي”، “نريد وطنًا لا يعرف التمييز القومي والديني والمذهبي أو التمييز ضد المرأة”، “نريد وطنًا يضع موارد البلاد المادية والمالية والبشرية في خدمة التنمية الوطنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية”، “نريد فرص عمل للعاطلين الذين يشكلون الملايين من الشبيبة من النساء والرجال”، “نريد وطنًا لا سراق ونهابة وقتلة فيه”، “نريد وطنًا يحمي كرامة وحياة ومستقبل مواطنيه ومواطناته”.
فزاعة “داعش” والتهم الجاهزة تمنع السُنة من المشاركة..
المحافظات السُنية، (الأنبار، صلاح الدين، نينوى)، لم تشارك في الاحتجاجات حتى الآن؛ ولا تزال المدن العراقية السُنيّة “صامتة” إزاء الاحتجاجات التي تشهدها العاصمة، “بغداد”، ومختلف محافظات البلاد، رغم دعوات يطلقها نشطاء بضرورة الإنضمام إلى ركب التظاهرات، خاصة أن تلك المدن تعاني أوضاعًا خدمية سيئة، بسبب الحرب على تنظيم (داعش)، وسيطرة كبيرة لفصائل “الحشد الشعبي”، الموالية لـ”إيران”.
يقول الزعيم القبلي، “يحيى السنبل”، أن: “الأجواء التي تحيط بالاحتجاجات عمومًا، فضلًا عن تهمة (الدعشنة)، التي بإمكانهم إلصاقها بالمحافظات السُنية، التي لم تُعد تحتمل مزيدًا من الإنهاك، ومخاطر التعرض إلى خضة قد تودي بها إلى مرحلة أسوأ مما يعيشه أبناؤها حاليًا”.
وأضاف: “التظاهرات في المحافظات السُنية، لابد لها أن تنطلق، فزمن الطائفية قد ذهب، لكن النظام الحالي مازال يجعل تلك الحواجز بين أبناء الشعب، لأنها تعزز سلطته ووجوده”.
ومنذ احتجاجات عام 2012، وما أعقبها من دخول (داعش)، لم تشهد تلك المدن، ذات الغالبية السُنية، أي تظاهرة أو مشاركة خلال الفترة الماضية، رغم تصاعد موجة الاحتجاج جنوب “العراق”.
الاتهامات موجودة في كل الأحوال..
ووسط كل هذا؛ يأمل الشعب العراقي أن يتوحد، بغض النظر عن قوميته ودينه ومذهبه الديني أو الفكري والسياسي الديمقراطي. لإسقاط الطغمة الطائفية الفاسدة الحاكمة. لتنتصر إرادة الشعب الحر والمنتفض ولتندحر سياسات الحكام الجهلة والفاسدين والطائفيين، التي يمثلها شخوص مثل: “المالكي” و”الجعفري” و”المنتفگي” و”الحلبوسي”، ومن سار على نهجهم من الأشخاص والزمر الفاسدة.
أما عن الاتهامات التي يخشاها السُنة، إن شاركوا، ففي كل الأحوال الاتهامات موجودة والتخوين موجه للجميع، بما فيهم الشيعة المتظاهرين، وردًا على هذه الاتهامات يقول الصحافي العراقي، “منتظر الزيدي”، صاحب أشهر حذاء في العالم العربي والذي رشق به الرئيس الأميركي، “جورج دبليو بوش”، حينما كانت تجلس إلى جواره تلك القيادات التي تتهم المتظاهرين بالعمالة: “نحن كمتظاهرين لم تدعمنا أي جهة سواء بالعلن أو بالسر، ولكن في المقابل نجد أن الفاسدين والسلطة يقف معهم النظام الإيراني بقوة وفي العلن، هذه سلطة خارجية أم سلطة داخلية، هذا تدخل خارجي أم تدخل داخلي”.
وأضاف: “يتهمنا إعلام محور الممانعة مرارًا وتكرارًا بأننا تابعين للسعودية ولأميركا؛ وفي المقابل يصفون أصحابهم في العراق والموالين لإيران والذين جاءوا مع أميركا بأنهم هم النزيهون والوطنيون !”.
وتابع “الزيدي”، في تصريحات صحافية: “من الآن ولغاية يوم الجمعة؛ نحن عازمون على إسقاط حكومة الفاسدين، وليس فقط حكومة، عادل عبدالمهدي. ومن ثم سوف يتم إتخاذ إجراءات أكثر لحل هذا الدستور الطائفي وهذه الحكومة الطائفية. لا نريد للعراق أن يكون لبنانًا جديدًا، وأن يكون التوظيف على الطائفة وعلى المذهب وعلى العرق، فليكن رئيس الوزراء مسيحي أو سُني أو صابئي، فليكن من أي جهة كانت، شرط أن يكون وطنيًا، من أبناء هذا الوطن وليس مستوردًا”.