وكالات- كتابات:
استهدفت “إيران”؛ في الموجة الـ (15) من ردّها العسكري على عدوان كيان الاحتلال الإسرائيلي، حديقة (غاف يام نيغيف) التكنولوجية في مدينة “بئر السبع” المحتلة، جنوبي “فلسطين” المحتلة. الضربة “المركّزة” أصابت هدفًا حيويًا في البُنية التكنولوجية والأمنية لـ”إسرائيل”. فما الذي يجعل هذه الحديقة هدفًا لـ”إيران” ؟ وما أهميّتها العسكرية والسيبرانية ؟ وما دلالات هذا الاستهداف ؟
الحديقة التكنولوجية في “بئر السبع”: قلب الابتكار الإسرائيلي..
بدأت حديقة (غاف يام نيغيف) للتكنولوجيا المتقدمة؛ المركز الأكثر تطورًا للبحث والتطوير في كيان الاحتلال، نشاطها في السنوات الأخيرة بجوار حرم جامعة (بن غوريون) وفرع (C4i) التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي، في مدينة “بئر السبع”.
وأُنشئت هذه الحديقة؛ التي تم افتتاحها في أيلول/سبتمبر 2013، باحتفال رسمي حضره رئيس حكومة الاحتلال؛ “بنيامين نتانياهو”، وعددٍ من كبار المسؤولين، بهدف إنشاء ساحة دولية جديدة لفرص الابتكار العلمي والتطور التكنولوجي في مختلف المجالات، بالإضافة إلى مجالات البحث التي تُدرّس وتُطوّر ضمن مراكز الأبحاث المتقدّمة التابعة لجامعة (بن غوريون).
ويعمل في هذه الحديقة اليوم أكثر من: (2500) مهندس في نحو: (70) شركة مقيَّمة فيها. كما تضم نحو: (7000) جندي وجندية من الوحدات التكنولوجية في جيش الاحتلال. وعلى مقُربة منها، يعيش في جامعة (بن غوريون) أكثر من: (20) ألف طالب وباحث، بهدف تعزيز التفاعل المستمر بين القطاع الأكاديمي والبحثي والعسكري والصناعي.
تبرُز أهمية هذا المجمع كونه من المنشآت التي تعتمد على أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات السريعة، ما يُتيح لوحدات الاستخبارات اتخاذ قرارات دقيقة وفورية. كما يمتلك قدرات عالية في تتبّع الطائرات والصواريخ والتحركات البرية المعادية عبر الأقمار الاصطناعية، ويقدّم صورة شاملة للوضع الأمني في “إسرائيل” والمنطقة.
يُعدّ هذا المجمع أيضًا من الحصون السيبرانية المتقدّمة، إذ لا يكتفي بالدفاع، بل يؤدي أدوارًا هجومية في الفضاء السيبراني. وقد تم الاستثمار في تطويره بشكلٍ مستمر لمواكبة التهديدات الجديدة، ويعمل على تبّني تقنيات مثل التعرف على الوجوه، وتحليل الصوت، والذكاء الاصطناعي، لتوجيه الأنشطة العسكرية وتعزيز الردع.
وتكتسّب هذه المنشأة أهمية استراتيجية إضافية، نظرًا لموقعها الجغرافي كحلقة وصل بين شمال وجنوب “إسرائيل”، وكونها جزءًا من الحزام الأمني المحيط بمفاعل (ديمونا) النووي، ما يجعلها في قلب معادلة الأمن القومي الإسرائيلي.
“في خدمة الأمن السيبراني الإسرائيلي”.. أبرز شركات “غاف يام نيغيف”..
تضمّ الحديقة التكنولوجية عددًا من الشركات الرائدة في مجالات الأمن السيبراني والتكنولوجيا المتَّقدمة. فما أبرزها ؟ وما طبيعة عملها وأهميتها ضمن المنظومة العسكرية الإسرائيلية ؟
01 – شركة (Dell EMC)؛ التي أصبحت تُعرف اليوم باسم (Dell Technologies)، المتخصّصة في البُنى التحتية السحابية وتخزين البيانات والحوسبة المتقدّمة.
تُدّير هذه الشركة مراكز بحث وتطوير في “بئر السبع” ضمن مشاريع الأمن السيبراني، وتلعب دورًا بارزًا في تطوير حلول للبُنى التحتية الرقمية الحكومية والعسكرية. وقد شاركت في فعاليات (CyberSpark) بالتنسيّق مع جهات عسكرية إسرائيلية.
في كانون ثان/يناير 2023، فازت (Dell) بعقد توريد وصيانة خوادم ومعدّات بقيمة تزيد على: (150) مليون دولار لـ”وزارة الحرب” الإسرائيلية وجيش الاحتلال، ضمن تمويل أميركي عبر المساعدات الخارجية.
02 – تحضر شركة (IBM) بقوة؛ وهي التي تعمل في مجالات “الذكاء الاصطناعي”، الحوسبة الكمية، والأمن السيبراني. ولها تاريخ طويل في كيان الاحتلال، حيث تُدّير مشاريع مشتركة مع الجامعات والمؤسّسات الحكومية، إضافة إلى تعاون بحثي مباشر مع “الجيش” ووحداته مثل (8200) الاستخبارية في مجالات تحليل البيانات وتعلم الآلة.
03 – أما شركة (Oracle)؛ فهي مزوّد رئيس للحلول السحابية وتعمل في إدارة قواعد البيانات والموارد، وقد شاركت في تطوير أنظمة تخدم الوزارات الأمنية الإسرائيلية، وتُسّهم في مشاريع أمنية على الصعيدين المدني والعسكري.
04 – شركة (Deutsche Telekom Innovation Labs)؛ وهي الذراع الابتكارية لشركة الاتصالات الألمانية، متخصّصة في شبكات الجيل الخامس والأمن السيبراني، ورغم عدم وجود تعاون عسكري معلن معها، إلا أن تموضعها ضمن بيئة (CyberSpark) يُسهّل تنسيقًا غير مباشر مع مؤسّسات أمنية وعسكرية.
05 – شركة (WiX) المتخصّصة في تطوير مواقع الإنترنت وأدوات (SaaS) للمصممين والشركات الصغيرة، تُشارك في بيئة الحديقة، رغم أنها لا تركّز على التطبيقات الأمنية مباشرة، فإن كثيرًا من موظفيها هم من خريجي وحدات النخبة التكنولوجية في جيش الاحتلال.
06 – من الشركات المهمة أيضًا؛ (Mellanox)، التابعة لشركة (NVIDIA)، ذات الجذور الإسرائيلية، والتي تعمل في مجال الشبكات عالية الأداء ومعالجات البيانات والحوسبة المتقدّمة.
وتُستخدم مكونات (Mellanox) في البُنى التحتية الدفاعية ومراكز القيادة والتحكم، حيث تصنع مكونات تُستخدم في الحوسبة العسكرية، وتعمل مع هيئة “الرقابة الإلكترونية” الإسرائيلية.
07 – وفي مجال الاستثمار العسكري (Incubit)؛ وهي حاضنة تكنولوجية تابعة مباشرة لشركة (Elbit Systems)، أكبر مصنّع خاص للأسلحة في “إسرائيل”. وتُعرف (Incubit) بأنها تُدّير استثمارات في شركات ناشئة تُركز على تطوير حلول تكنولوجية تخدم المؤسّسة العسكرية الإسرائيلية، خاصة في مجال الطائرات المُسيّرة وأنظمة المراقبة.
08 – كذلك تنضم شركة (RAD)؛ (المعروفة سابقًا باسم: RADA)، إلى هذا الحضور عبر تقنياتها المتقدّمة في الاتصالات والرادارات الدفاعية وأنظمة الاستشعار. وتُستخدم منتجاتها من قبل القوات الإسرائيلية لرصد الطائرات المُسيّرة والصواريخ القصيّرة المدى، بما في ذلك دمجها في منظومات مثل (القبة الحديدية).
09 – كما تُعدّ (CyberArk) واحدة من الشركات الرائدة عالميًا في مجال أمن الهويات والبُنى التحتية الحرجة. وقد تعاونت مع “وزارة الحرب” الإسرائيلية لتأمين هذه البُنى، وتوظف عددًا كبيرًا من خريجي وحدات النخبة الإلكترونية في جيش الاحتلال.
10 – وتبرز (JVP Cyber Lab)؛ كمسرّع أعمال واستثمار استراتيجي في شركات الأمن السيبراني الناشئة، وتؤدّي دور الوسيط بين القطاع الخاص ومتطلبات المؤسّسة الأمنية، لا سيّما من خلال شراكات مع خبراء سابقين في وحدة (8200).
ويُشار إلى أنّ هذه الشركات تُعدّ جزءًا من مشهد أوسع، إذ تنشط في الحديقة التكنولوجية في “بئر السبع”، أيضًا كيانات بارزة أخرى مثل (رافائيل) للصناعات الدفاعية و(مايكروسوفت) وشركات دولية ومحلية إضافية، ما يُعزّز الطابع “العسكري-السيبراني” الموجود.
وحدات تقنية نخبوية تابع لـ”جيش الاحتلال”..
وعلى مقربة من واحدة من أخطر قواعد الحوسبة العسكرية في كيان الاحتلال، سقط الصاروخ الإيراني، بمنشأة تحتضّن وحدات تكنولوجية نخبوية تتبع لشعبة الاتصالات والدفاع السيبراني في الجيش الإسرائيلي، تضم:
01 – (لوطم): مكتب التكنولوجيا المتقدّمة، مسؤول عن تطوير وإدارة أنظمة المعلومات العسكرية، ويعمل على توفير حلول برمجية متقدمة لأذرع الجيش المختلفة.
02 – (مَمْرام): مركز الحوسبة وأنظمة المعلومات، وحدة نخبوية عريقة تُشرف على تطوير بُنى الحوسبة العسكرية، ويُعتبر خريجوها من الأهم في سوق العمل التكنولوجي.
03 – (متسفن): نظام قيادة وسيّطرة رقمي؛ (C4I)، يُستخدم لتجميع المعلومات ودعم اتخاذ القرار في الوقت الحقيقي.
04 – (متسوعاف): نظام اتصالات عملياتي مشفّر، يؤمّن التواصل الآمن بين الوحدات خلال المعارك، مع قدرة عالية على مقاومة الهجمات السيبرانية.
ما بعد الاستهداف.. قراءة في دلالات الضربة..
هذا الاستهداف ليس الأول من نوعه لمدينة “بئر السبع”، إذ كانت “إيران” قد استهدفت؛ يوم الخميس، ضمن الموجة الـ (14) من (الوعد الصادق 3)، الحديقة التكنولوجية العسكرية الواقعة بالقرب من مستشفى “سوروكا” الإسرائيلي.
كما أنّه ليس منفصلًا عن استهداف معهد (وايزمان)؛ في “تل أبيب” قبل أيام، الذي كان يُستخدم كمختبرات بحث في مجالات الأحياء، والكيمياء الحيوية، وعلوم الحياة.
رغم ذلك؛ تنذَّر الضربة الإيرانية الأخيرة بنقل المعركة إلى مستوى آخر تمامًا بضرب البُنية التحتية التكنولوجية لجيش الاحتلال، ما قد يُعدّ أكثر ضررًا من تدمير أهداف عسكرية، أو اقتصادية، على أهميتها. أيضًا، يهدم الصاروخ الإيراني الذي استهدف الحديقة، سردية “إسرائيل” ضمن رؤية: “الجنوب الذكي” والبُنية التحتية الأمنية والمعلوماتية.
كما وتأتي هذه الضربة في سياق الرد على استهداف الاحتلال الإسرائيلي لمراكز الأبحاث والمصانع الإيرانية.
كذلك، يمكن اعتبار صاروخ أمس الأول، رسالة من “إيران” إلى مراكز القرار الإسرائيلية، بأنّها تعلم جيدًا المواقع الحسّاسة والحيوية داخل كيان الاحتلال وماهيّتها، بالإضافة إلى مكانها، وأنّها قادرة على استهدافها بدقّة. فهل تُصبّح إحدى نقاط قوّة “إسرائيل”، إحدى نقاط ضعفها ؟