خاص / واشنطن- كتابات
في العام 2009 تصاعدت في الولايات المتحدة مخاوف من ان تكون قوة رئيس الوزراء العراقيالسابق نوري المالكي التي زادتها نتائج الانتخابات المحلية توسعا وثباتا، قد وفّرت أرضيةلنظام الرجل الواحد وان كان ذلك ديمقراطيا كما الحال في تجربتي بوتين روسيا وشافيز فنزويلا.
وأفاد حينها تقرير لصحيفة “يو أس أي توداي” أن قرار رئيس الوزراء نوري المالكي بإنشاء قوة عسكرية خاصة غير تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية، يثير الكثير من القلق من أن يكونالمالكي بصدد تأسيس نظام ديكتاتوري جديد، لافتا الى أن أياد علاوي رئيس الوزراء العراقيالاسبق وأحد المنتقدين لحكومة المالكي، حذر بلهجة شديدة من خطورة تمرير مشروع القرارالذي تقدمت به الحكومة العراقية، والذي يهدف إلى إنشاء قوات خاصة تكون تحت مسؤوليةرئيس الوزراء مباشرة ولا علاقة لها بوزارتي الدفاع والداخلية.
وكان المالكي قد أصدر قرارا سنة 2007 تم بموجبه إنشاء مكتب قوة مكافحة الإرهاب الذييتألف من أربعة آلاف مقاتل يعدون الأفضل في قوات الجيش العراقي، لكن مقربين من رئيسالوزراء ، يحملون على المخاوف الاميركية، فتنقل الصحيفة عن النائب عباس البياتي إن“واشنطن كانت تتبرم في الماضي من ضعف مؤسسة رئاسة الوزراء، وبعدما نجح المالكي فيتقوية مركزه وأخذ بزمام الأمور داخل العراق باتت واشنطن تتخوف من قوته وتشكك في نواياهوتحذر من تحوله إلى ديكتاتور“.
من جهته، أعرب الكولونيل المتقاعد بيتر منصور الذي كان عمل مع القوات الأميركية في العراقعن مخاوفه من أن يستخدم المالكي هذه القوة لضرب خصومه السياسيين. بينما يشعر خبيرمكافحة التمرد ديفيد كلكولين ان الظروف التقليدية لقيام انقلاب عسكري تتشكل في العراق. وتتضمن هذه الظروف بحسب الخبير الاميركي “وجود نخبة سياسية فاسدة منفصلة فيالمنطقة الخضراء عن حياة الناس، بينما خارج اسوار هذه المنطقة تنمو قدرات الجيش العراقيالذي يقترب اكثر من حياة الناس فهو يعمل معهم ويحاول ان يحل مشاكلهم“.
وكانت أصوات اميركية معنية بالقضايا الاستراتيجية تخشى مما يوصف بانه خلل كبير فيالجيش العراقي يتعلق باحتمال عودته الى اداء “ممارسات قمعية“، ويعتقد الكثير منالعسكريين الأمريكيين ان الجيش العراقي وان تحسنت قدراته كثيراً، فانه “مؤسسة لا تتوفرعلى ايمان قوي بالحكم المدني الديموقراطي“.
انهم مستعدون لقتل الناس!
و في ذلك الوقت توقع ضابط أمريكي عمل مستشاراً لكبار العكسريين العراقيين انه “ما ان تنسحب القوات الامريكية سيعود القادة العسكريون العراقيون الى ممارسات عهد صدامالتي اعتادوها“. و يقول الميجر مات ويتني “لقد علمّهم صدام كيف يفرضون السيطرة علىالناس وقد اسهمنا نحن أيضا في ترسيخ هذا الاتجاه لديهم على مدى السنوات الأربعالاخيرة في اثناء مكافحتنا التمرد“، مضيفا “انهم مستعدون لقتل الناس، الكثير من الناس لتحقيق الاستقرار في العراق“.
ويقول ضابط آخر هو الميجر جاد كويل الذي عمل مستشاراً لوحدة عسكرية عراقية اشرفعلى تدريبها الجيش الامريكي “عندما تعرف الضباط العراقيين ويكونون صادقين معك،سيقولون لك ان فكرة الديموقراطية والحكومة المنتخبة في العراق مثيرة للضحك تماماً.”
وتشير شخصيات عسكرية وامنية اميركية الى ما تعتبره تهديدات محتملة تواجه المهمةالامريكية في العراق، ومنها “ظهور رجل قوي يخرج من رحم النظام الديموقراطي كالمالكيليقوم بتقويضه كما هو الحال في المثالين الروسي والفنزويلي“، وهو ما حصل فعلا بعد خمس سنوات من ذلك التحذير، اما التهديد الثالث فهو “انهيار النظام الحالي بسبب انسحابأمريكي مبكر يؤدي إلى انهيار الأمن“، وهو ما تحقق فعليا في 2012 أي بعد نحو عام من الانسحاب.
وتجمع تلك الشخصيات على ان منع التهديد الاول هو من مسؤولية العراقيين، اما منع التهديدالثاني فأنه يقع على عاتق الولايات المتحدة، انطلاقا مما تراه “مسؤولية” الرئيس (اوباما حينها ) مشددة على ان “واجبه الان كزعيم للبلد الذي كان السبب وراء ولادة التجربة الديموقراطيةالعراقية الناشئة ان يتأكد من انه لن يفعل شيئاَ يقوض هذه التجربة“، وهو ما تحقق فعليا حين ترك أوباما الحبل على الغارب في العراق، حتى سيطر تنظيم داعش على ثلث البلاد.
ولكن ما تعتبره تلك الشخصيات “مسؤولية أمريكية” في عدم انهيار النظام السياسي فيالعراق جراء الانسحاب الوشيك، يتضمن ” مسؤولية عراقية” نتيجة تفاقم الصراع بين اطرافالحكم، وثمة رأي امريكي واسع مفاده ان الكثيرين يخشون من لجوء العراقيين نحو العنفلحل خلافاتهم عند انسحاب القوات الاميركية“، وفي هذا الصدد يتوقع المحلل الاميركي جونماكريري ان على بلاده ان” تقلق بشأن ترتيبات تقاسم السلطة التي فرضتها على الفرقاءالعراقيين” ويرى ان تلك الترتيبات لم تنتج سلاما واضحا بين الفرقاء العراقيين، وعبر ذلك فاناحد اقوى الفرقاء سيحاول في حالة انسحاب الولايات المتحدة ان يخرق ترتيبات اقتسامالسلطة مؤكدا “دائماً ما يكون تقاسم السلطة تمهيداً للعنف خصوصاً بعد انسحاب القوةالتي فرضت ذلك الاسلوب“، وهو ما سيطر على الأوضاع في البلاد حتى اليوم.