28 فبراير، 2025 9:26 م

ما بين تفكيك القضية الكُردية وإيقاف النزاع المسلح .. إلى أين يمكن أن تصل مبادرة “أوجلان” ؟

ما بين تفكيك القضية الكُردية وإيقاف النزاع المسلح .. إلى أين يمكن أن تصل مبادرة “أوجلان” ؟

خاص: كتبت- نشوى الحفني:

في إعلان تاريخي صُدر في “إسطنبول”؛ دعا مؤسس حزب (العمال الكُردستاني)؛ “عبدالله أوجلان”، الخميس، الحزب إلى إلقاء السلاح وحل نفسه.

وقال في الإعلان؛ الذي أعده من زنزانته الانفرادية في سجنه في “جزيرة إمرالي”، حيث يقضي عقوبته منذ توقيفه عام 1999، إن: “على جميع المجموعات المسلحة إلقاء السلاح؛ وعلى حزب (العمال الكُردستاني) حل نفسه”.

تأتي هذه الدعوة بعد أربعة أشهر من عرض “أنقرة” السلام على “أوجلان”؛ البالغ: (75 عامًا).

وتلا الإعلان وفد من نواب حزب (المساواة وديمقراطية الشعوب)؛ المؤيد للأكراد، الذي زاره في سجنه في وقتٍ سابق من اليوم.

وأضاف “أوجلان”: “أدعو إلى إلقاء السلاح، وأتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة”.

فشل محاولات وقف النزاع..

ومنذ سجنه؛ كانت هناك محاولات لوقف النزاع المسَّتمر منذ عام 1984؛ والذي خلف أكثر من: (40) ألف قتيل. وانهارت الجولة الأخيرة من المحادثات وسط أعمال عنفٍ عام 2015.

وتوقفت الاتصالات إثر ذلك حتى تشرين أول/أكتوبر، عندما عرض زعيم حزب (الحركة القومية)؛ “دولت بهجلي”، على “عبدالله أوجلان”، بادرة سلام مفاجئة، طالبًا منه نبذّ العنف.

ترحيب “قسد”..

وقال قائد (قوات سورية الديمقراطية)؛ “مظلوم عبدي”، الخميس، إنه يُرحب بالدعوة “التاريخية” التي وجهها “عبدالله أوجلان”؛ زعيم حزب (العمال الكُردستاني)، المسجون في “تركيا”، لجماعته بحل نفسها.

وأضاف “عبدي”؛ في تصريحات خلال إحاطة عبر الإنترنت، أن دعوة “أوجلان” تنطبق فقط على حزب (العمال الكُردستاني)، وليست: “مرتبطة بنا في سورية”.

وذكر “عبدي”؛ في تصريحات نقلها مترجم، أن إعلان “أوجلان” ستكون له آثار إيجابية في المنطقة.

وتُشيّر تصريحات “عبدي” إلى أن إعلان “أوجلان” لن يكون له تأثير على الفور على “قوات سورية الديمقراطية”؛ على الرُغم من ارتباط (وحدات حماية الشعب) الكُردية في “سورية”، التي تُشّكل صُلب “قوات سورية الديمقراطية”، بحزب (العمال الكُردستاني).

وتقول “تركيا” إن (وحدات حماية الشعب) لا يمكن تمييّزها عن حزب (العمال الكُردستاني)، ولطالما خاضت مع الفصائل المسلحة السورية؛ المتحالفة مع “أنقرة”، معارك ضد هذه الجماعة.

وأضاف “عبدي”: “إذا حل سلام في تركيا؛ فهذا يعني أنه لا يوجد مبَّرر لمواصلة مهاجمتنا هنا في سورية”.

تُسيّطر على المناطق الكُردية..

وتمكنت جماعة “عبدي” من توطيّد سيّطرتها على المناطق الكُردية في شمال “سورية”؛ بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، وأصبحت فيما بعد شريكًا رئيسًا لـ”الولايات المتحدة” في الحرب ضد تنظيم (داعش)، وهذا أدى إلى توسّع أكبر للمنطقة الخاضعة لسيّطرتها.

وكان الصراع بين “قوات سورية الديمقراطية” والجيش السوري في عهد الرئيس؛ “بشار الأسد”، آنذاك، محدودًا. والآن تواجه “قوات سورية الديمقراطية” دعوات من الإدارة الجديدة في “دمشق”؛ التي أطاحت بـ”الأسد”، في كانون أول/ديسمبر الماضي، لتندمج في قوات الأمن الحكومية التي تشّكلت حديثًا.

و”تركيا” واحدة من الداعمين الرئيسيين للإدارة السورية الجديدة.

وعبّر “عبدي” عن استعداد قواته لأن تكون جزءًا من “وزارة الدفاع” الجديدة، لكنه قال إنها يجب أن تنضم ككتلة وليس كأفراد، وهو ما رفضته الحكومة الجديدة.

ولم تتم دعوة “قوات سورية الديمقراطية” أو الإدارة التي يقودها الأكراد إلى “مؤتمر الحوار الوطني”؛ الذي عُقد بـ”دمشق”، في 25 شباط/فبراير 2025. وقالت الإدارة التي يقودها الأكراد إن المؤتمر لا يُمثّل السوريين.

وقال “عبدي” إن السلطات الكُردية السورية ستُنظم حوارًا محليًا خاصًا بها عن مستقبل المنطقة الشمالية الشرقية.

ترحيب “بارزاني”..

من جهته؛ رحّب رئيس إقليم كُردستان العراق؛ “نيجيرفان بارزاني”، الخميس، بالرسالة التي وجّهها “عبدالله أوجلان”، زعيم حزب (العمال الكُردستاني)، المسجون، والتي دعا فيها الحزب إلى حل نفسه والتخلي عن السلاح.

وقال “نيجيرفان بارزاني”؛ في بيان عبر منصة (إكس): “نُرحب بحرارة برسالة السيد أوجلان؛ ودعوته لحزب (العمال الكُردستاني) إلى حل نفسه وإلقاء سلاحه”.

وأضاف “بارزاني”: “نأمل أن يلتزم حزب (العمال الكُردستاني) بهذه الرسالة وتنفيذها، ونأمل أن تمهّد هذه الدعوة الطريق لتحقيق السلام والحلول السلمية”.

وأضاف رئيس الإقليم: “لا شك أن العصر الحالي هو عصر النضال السلمي والمدني والديمقراطي، والذي يمكن من خلاله تحقيق نتائج وإنجازات أفضل، وليس عبر السلاح والعنف”.

نتيجة تحولات داخلية وخارجية..

تعليقًا على تلك الخطوة؛ يرى الباحث السياسي؛ “فايق بولوت”، خلال حديثة لبرنامج (ستوديو وان)، على (سكاي نيوز عربية)، أن هذا الإعلان لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة تحولات داخلية وخارجية دفعت الطرفين إلى مراجعة مواقفهما.

ووضح قائلًا: “هناك ديناميات جديدة، تتعلق بالمشهد الإقليمي والدولي، جعلت من الضروري البحث عن مخرج تفاوضي للصراع، إذ لم تُعدّ المواجهة المسَّلحة تُحقق أهداف أي من الطرفين”.

وأضاف أن القضية الكُردية ليست محصورة في “تركيا” فقط، بل تمتّد إلى “كُردستان العراق” و”شمال سورية” وحتى “إيران”، مما جعل من الضروري إيجاد تسّوية تأخذ في الاعتبار البُعد الإقليمي.

مناقشات خلف الأبواب المَّغلقة..

ويكشف “بولوت” أن المفاوضات بين الأكراد والحكومة التركية لم تبدأ اليوم، بل تعود إلى ما لا يقل عن عامين. ويُشير إلى أن المسؤولين الأتراك كانوا يُناقشون هذا الملف خلف الأبواب المغلقة، كما أن القوى الكُردية، سواء في “أوروبا” أو في “جبال قنديل” أو داخل “إقليم كُردستان العراق”، تُدرك الحاجة إلى تسّوية سياسية لإنهاء النزاع.

دور الأطراف الكُردية في مسّار التسّوية..

ومن بين الأطراف الكُردية الفاعلة؛ برز دور رئيس إقليم كُردستان العراق؛ “نيجيرفان بارزاني”، الذي صرّح بأن “جماعة قنديل”، المكوّنة من قيادات حزب (العمال الكُردستاني)، ستجتمع لدراسة إعلان “أوجلان” والتشّاور حول الخطوات التالية. كما تحدث “بولوت” عن انعقاد مؤتمر مُرتقب يُناقش مخرجات البيان وآليات تنفيذه.

ويؤكد “بولوت” أن البيان ليس مجرد إعلانٍ لإلقاء السلاح؛ بل سيشمل قضايا جوهرية تتعلق بحقوق الأكراد في “تركيا”، مثل الاعتراف باللغة الكُردية كلغة رسمية ثانية، وضمان الحقوق الثقافية، وتحقيق تطورات في الإدماج السياسي للأكراد داخل مؤسسات الدولة التركية.

خطوات تدريجية..

ويُشير الباحث السياسي إلى أن تطبيق هذا الاتفاق سيتم وفق مراحل مدروسة، وليس عبر قرارات فورية. ويقول: “لن يكون هناك وقف فوري للقتال، بل سيتم عبر خطوات تدريجية تشمل انسحاب المقاتلين من الجبال، وتحديد أماكن جديدة لإقامتهم، سواء داخل كُردستان العراق أو في دول أوروبية مثل السويد والنرويج”.

لتفكيك القضية الكُردية..

من جهته؛ صرّح “كرم سعيد”، خبير الشؤون التركية بمركز (الأهرام) للدراسات السياسية، أن دعوة “أوجلان” تأتي في إطار محاولات متواصلة لتفكيك ملف القضية الكُردية، وتجدّيد دعوات السلام، خصوصًا في ظل التطورات الإقليمية الراهنة.

وأوضح “سعيد”؛ في تصريحاتٍ خاصة لموقع (الأسبوع)، أن سقوط النظام السوري والضغوط الأميركية المتزايدة على الميليشيات الموالية لـ”إيران” في “العراق”، قد أثرت على وضع حزب (العمال الكُردستاني) وأذرعه السياسية والعسكرية في المنطقة.

وأشار “سعيد” إلى أن هذه الدعوة ليست مفاجئة بالكامل؛ إذ سبق لـ”أوجلان” طرح فكرة إلقاء السلاح من خلال حزب (الديمقراطية ومساواة الشعوب)؛ الجناح السياسي للحزب في “تركيا”. كما أرجع هذه الخطوة إلى عوامل عدة، أبرزها تقدم “أوجلان” في العمر والظروف الإقليمية التي لم تُعدّ تصب في مصلحة الحزب.

مبادرات ومقدمات للسلام..

لفت الخبير إلى وجود مؤشرات مهدت لهذا الإعلان، منها مبادرة رئيس حزب (الحركة القومية)؛ “دولت بهجلي”، الذي دعا لإحضار “أوجلان” إلى “البرلمان التركي” لإلقاء خطاب يُعلن فيه تفكيك الحزب وإلقاء السلاح، بالإضافة إلى دعم الرئيس التركي؛ “رجب طيب إردوغان”، لهذه المبادرة.

التداعيات المَّحتملة..

حول التداعيات المحتملة لهذه الخطوة؛ تحدث “سعيد” عن إمكانية إطلاق عملية سلام بين “تركيا” والتيار الكُردي في الداخل، وربما محاولة توظيف “قوات سورية الديمقراطية” لفتح قنوات اتصال مع “تركيا” بهدف تخفيف العمليات العسكرية التي انطلقت في 30 تشرين ثان/نوفمبر الماضي.

كما أشار إلى احتمالية قبول القيادة الميدانية لحزب (العمال الكُردستاني)؛ في “جبال قنديل”، شمال “العراق”، بتفكيك الحزب والتخلي عن السلاح، مع احتمال وجود وسّاطة من حزب (الاتحاد الديمقراطي الكُردستاني) في شمال “العراق”.

عوائق أمام نجاح المبادرة..

رُغم التفاؤل الحذر؛ اعتبر “سعيد” أن فرص نجاح المبادرة في إنهاء الأزمة الكُردية ضئيلة، مشيرًا إلى عدة تحديات، من بينها ضعف نفوذ “أوجلان” داخل الحزب مقارنة بالقادة الميدانيين؛ مثل “جميل بايك”، وإصرار التيار الميداني في شمال “العراق” على مواصلة العمل المسلح ما لم تُقدم “تركيا” ضمانات وحقوقًا للأكراد.

وأضاف أن “تركيا” تسّعى لاستثمار الظرف الإقليمي الحالي، خاصة بعد انهيار نظام “الأسد” في “سورية”؛ وتحالفها مع “إقليم كُردستان العراق”، لتعزّيز موقفها وتفكيك المشروع الكُردي في المنطقة.

السيناريوهات المَّحتملة..

اختتم “سعيد” حديثه؛ بالإشارة إلى أن التأثير الإيجابي المَّحتمل لهذه الدعوة قد يتمثل في إحداث انقسام داخل المكونات الكُردية نفسها، خاصة أن هناك تيارات كُردية لا تزال تدعم “عبدالله أوجلان”، مما قد يؤدي إلى ميل بعضها نحو السلام مقابل استمرار تيارات أخرى في التمسَّك بالسلاح.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة