خاص: كتبت- نشوى الحفني:
مع ما بقي من أيام قليلة على تنصيب الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، ما زالت الرؤية ضبابية حول سياسته سواء الداخلية كانت أو الخارجية، وهو الأمر الذي يُثير التساؤلات حول ما يمُكن أن تُشّكله تلك السياسات على مستقبل الدول وعلاقتها بـ”واشنطن”.
صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية؛ تقول إن “ترمب” تركيزه على: “أميركا أولًا”، سيكون في المقام الأول على الجبهة الداخلية.
وكان ترحيل الملايين من المهاجرين غير المسَّجلين أحد تعهداته الانتخابية الرائدة، وتُشير تعييناته الأولية إلى أنه جاد بشأن هذه الأولوية.
ولكن الاقتراح تحوطه الأسئلة العملية والسياسية، وكان التعامل مع الاقتصاد المحلي من خلال خفض الضرائب والإنفاق والتغييّرات التنظيمية وعدًا رئيسًا آخر.
التضخم الاقتصادي..
وتُشير استطلاعات الرأي إلى أن الاقتصاد؛ التضخم في الغالب، كان أكثر أهمية من القضايا الأخرى في فوز “ترمب” على نائبة الرئيس؛ “كامالا هاريس”.
ولكن العديد من خبراء الاقتصاد قالوا إن أجندة “ترمب” الاقتصادية، بما فيها التعريفات الجمركية وتمدّيد التخفيضات الضريبية، قد تؤدي إلى جولة جديدة من التضخم والمزيد من الديون. كما أن عمليات الترحيل من شأنها أن تُعطّل الاقتصاد.
إخضاع الخدمة المدنية..
كذلك؛ تعهد “ترمب” بإخضاع الخدمة المدنية. وسيقود رجل الأعمال الملياردير؛ “إيلون ماسك”، ومنافسه السابق؛ “فيفيك راماسوامي”، مبادرة تتضمن خفض التكاليف والعثور على أوجه القصور. ويتمتع الاثنان بطموحات كبيرة، ويبدو أنهما يتمتعان بمباركة الرئيس المنتخب.
ومع ذلك؛ يواجهان تحديات متعددة قبل أن يتمكنا من تحقيق أكثر من مجرد تغييّرات رمزية.
ومع ذلك؛ قد ينجرف “ترمب” بسرعة إلى تحديات السياسة الخارجية. وسوف يواجه عالمًا من الفوضى والصراع: حرب مطولة في “أوكرانيا” يخوضها الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، تحت ضغط من عدوانية شديدة لدول الـ (ناتو)، والشرق الأوسط لا يزال في حالة من الاضطراب بعد أكثر من (15) شهرًا من الحرب، مع إضعاف “إيران”، و”سورية” بلا “بشار الأسد”؛ و”إسرائيل” أقوى عسكريًا ولكنها تُعاني من ندوب دولية بسبب سلوكها في الحرب في “غزة”.
تحديات “الصين” و”أوروبا”..
وتُشّكل “الصين” تحديات أخرى لـ”ترمب”؛ الذي هدّد بفرض تعريفات جمركية جديدة كبرى على دولة تُعاني من مشاكل اقتصادية خطيرة وطموحات عسكرية متنامية. وكمؤشر على نواياه، يُخطط “ترمب” لتعييّن العديد من صقور “الصين” في إدارته القادمة.
في الوقت نفسه؛ أصبحت حكومات في “أوروبا”، وخاصة “فرنسا وألمانيا”، ضعيفة، مع صعود الأحزاب اليمينية الشعبوية.
ويفتخر “ترمب”؛ بأنه صانع صفقات، وبدا نهجه في السياسة الخارجية في ولايته الأولى شخصيًا أكثر من كونه استراتيجيًا، فهو يُفضل التعامل مع المستبّدين بدلًا من العمل مع التحالفات التقليدية. بحسب المقاييس الأميركية/ الغربية المختلة.
وفي ولايته الثانية؛ من المحتمل أن يجد صعوبة أكبر في العمل مع أمثال: “بوتين”، والرئيس الصيني؛ “شي جين بينغ”، والزعيم الذي أرسل له ما سماه “ترمب”: “رسائل الحب”، زعيم كوريا الشمالية؛ “كيم جونغ-أون”.
“دانييل بنيامين”؛ رئيس الأكاديمية الأميركية في “برلين”، قال إن أحد أكبر التغييّرات منذ تولي “ترمب”؛ منصبه آخر مرة هو ما سماه (محور المقاومة)، الذي يضم “روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية”. وقال “بنيامين”: “هذا هو الآن واقع ثابت وثابت”.
نمط عالمي جديد من التدافع والتوتر..
ولفت أحد الدبلوماسيين الأوروبيين السابقين؛ الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة المداولات الداخلية إلى أن: “الأمر ليس مثل الحرب الباردة القديمة، ولكن يمكنك أن ترى نمطًا عالميًا من التدافع والتوتر”. في هذه البيئة، يُنظر إلى خصوم “ترمب” المتنافسين على أنهم أقل ميلًا إلى عقد صفقات قصيرة الأجل تعود بالنفع على الرئيس العتيّد.
قال “بنيامين”: “كان دليل ترمب القديم يتضمن الاعتقاد بأنه في أي يوم معين، يمكنه عقد صفقة مذهلة مع أي منهم؛ ويكون أفضل صديق للزعيم المعارض. فكر في تلك الدبلوماسية الشخصية الغريبة مع؛ كيم جونغ-أون، لن ينجح هذا الآن”.
قال “إيفو دالدر”؛ الرئيس التنفيذي لمجلس (شيكاغو) للشؤون العالمية والسفير الأميركي السابق لدى “حلف شمال الأطلسي”: “الأمر الكبير هو أن روسيا في حالة حرب مع الغرب”، و”بوتين” يُركز على إخضاع “أوكرانيا”، بهدف أطول أمدًا يتمثل في استعادة الموقع الاستراتيجي لـ”روسيا”؛ الذي فقدته في نهاية الحرب الباردة.
وأضاف “دالدر”: “هذا يعني أن بوتين شخصية مختلفة تمامًا.. أكثر عزلة. وأكثر تركيزًا على هدف واحد مما كان عليه عندما التقى ترمب به آخر مرة”. بحسب زعمه.
قد تُصبح الحرب في “أوكرانيا” أول اختبار لـ”ترمب”، نظرًا للوضع في ساحة المعركة هناك، وإرهاق القوات الأوكرانية المستنّفدة وتراجع الدعم في “الولايات المتحدة”، وخاصة بين الجمهوريين، للاستمرار في تقديم المساعدة لـ”كييف”.
وكان “ترمب”؛ قال خلال الحملة، إنه قد يتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في يومٍ واحد، وهو نوع من المبالغة التي اشتهر بها، ولكن الواقع مختلف، والقلق بين المحللين الأوروبيين هو أن “بوتين” سيكون لديه مطالب متطرفة وأن “ترمب”، الحريص على التوصل إلى اتفاق، قد يتنازل كثيرًا.
وتُشكّل تحركات “ترمب” المحتملة بشأن “أوكرانيا”؛ مصدر قلق كبيرًا بين حلفاء “الولايات المتحدة” في “أوروبا”، الذين كانوا جزءًا من التحالف الذي جمعه الرئيس؛ “جو بايدن”، في البداية، فهل يبيع “ترمب” الأوكرانيين باتفاقية تدمر سيّادة الأوروبيين ؟ وهل يمكن إجبار “أوكرانيا” على التنازل عن الأراضي، ولكن في مقابل ضمانات تربطها بالغرب ؟
فرصة إعادة تشكيل الشرق الأوسط..
إلى ذلك؛ سيكون لدى “ترمب” الفرصة للمساعدة في إعادة تشكيل الشرق الأوسط؛ ولكن هناك سؤالان كبيران على الأقل. أولًا، إلى أي مدى سيمنح “إسرائيل” حرية التصرف بطرق لم يفعلها “بايدن” ؟.. ثانيًا، ما هو موقفه تجاه “إيران” ؟.. هل سيرى فرصة للتفاوض أم سيتخذ نهجًا متشدّدًا للغاية ؟ تم تفسير اختياره لسفير “إسرائيل”، حاكم أركنساس السابق؛ “مايك هاكابي”، المؤيد بشدة لـ”إسرائيل”، على أنه علامة على أنه سيستسلم لرئيس الوزراء الإسرائيلي؛ “بنيامين نتانياهو”، أكثر مما فعل “بايدن”.
توسيع الممتلكات الإقليمية الأميركية..
وعلى مدى الأسابيع الماضية؛ أثار الرئيس الأميركي المنتخب؛ “دونالد ترمب”، زوبعة، عندما قال إن على “الولايات المتحدة” أن توسّع ممتلكاتها الإقليمية بتشجيع “كندا” على الانضمام إلى الاتحاد الأميركي، لتكون الولاية: (51)، وشراء “غرينلاند” من “الدنمارك”، واستعادة السيّطرة على قناة “بنما”.
ونقل “جايمس بيكرتون”؛ في مجلة (نيوزويك) الأميركية، عن أحد خبراء التاريخ الأميركي أن سياسات “ترمب” كانت بمثابة: “عودة إلى القرن التاسع عشر”، الذي شهد توسع “الولايات المتحدة” غربًا عبر “أميركا الشمالية”، وحتى احتلال “كوبا والفلبين”. وقال أكاديمي ثانٍ متخصص في الإمبريالية الأميركية، إن “ترمب” كان يسّعى إلى: “شكل أقدم من استعراض القوة”؛ الذي: “يعود إلى الأيام الدموية لتيدي روزفلت”.
وبعد فوزه في الانتخابات على نائب الرئيس؛ “كامالا هاريس”، في تشرين ثان/نوفمبر، أعلن “ترمب” أنه يعتزم فرض رسوم جمركية جديدة: بـ (25%) على كل البضائع، التي تدخل “الولايات المتحدة” من “كندا”، و”المكسيك”، حتى: “يوقف” البلدان تهريب المخدرات والمهاجرين غير الشرعيين إلى البلاد.
وحملت هذه الخطوة؛ رئيس الوزراء الكندي؛ “غاستن ترودو”، على التوجه بسرعة إلى منتجع “ترمب”، (مار آ لاغو) في “فلوريدا”، لمناقشة هذه القضية، وبعد ذلك وصف الرئيس المنتخب الزعيم الكندي؛ بسخرية: بـ”الحاكم ترودو” على منصة (تروث سوشيال).
وعندما طلبت (نيوزويك) تعليقًا؛ قالت “آنا كيلي”، المتحدثة باسم إدارة “ترمب” الانتقالية: “يتدفق زعماء العالم إلى الطاولة، لأن الرئيس ترمب يفي بالفعل بوعده بجعل أميركا قوية مرة أخرى. وعندما يتولى منصبه رسميًا ستفكر الدول الأجنبية مرتين قبل تمزيق بلادنا. ستحظى أميركا بالاحترام مرة أخرى، وسيكون العالم كله أكثر أمانًا”.
الاتحاد الأميركي..
وكان “ترمب” قد دعا صراحة؛ في 18 كانون أول/ديسمبر، “كندا”، إلى الانضمام إلى الاتحاد الأميركي. وفي 22 كانون أول/ديسمبر، كتب على (تروث سوشيال): “من أجل الأمن القومي والحرية في أنحاء العالم، تشعر الولايات المتحدة الأميركية، بأن ملكية غرينلاند والسيطرة عليها ضرورة مطلقة”.
وفكرت “الولايات المتحدة” جديًا في تقديم عرض لشراء “غرينلاند وإيسلندا” أثناء رئاسة؛ “أندرو جونسون”، في 1867 و1868. وفي 1946، عرض الرئيس “هاري ترومان”، على “الدنمارك”، (100) مليون دولار من سبائك الذهب مقابل الإقليم. ولم ينجح لا “جونسون” أو “ترومان” في ذلك.
وفي 21 كانون أول/ديسمبر، قال “ترمب” أيضًا إنه قد يُطالب بإعادة قناة “بنما” إلى السيّادة الأميركية، إذ مُولت القناة وبنيَّت بفضل “الولايات المتحدة”، ولكنها أعيدت إلى “بنما” في 1999، بموجب اتفاق وقّعه الرئيس؛ “جيمي كارتر”، في 1978.
وقال “ترامب”: “الرسوم التي تُفرضها بنما سخيفة؛ مع الأخذ في الاعتبار الكرم الاستثنائي، الذي منحته الولايات المتحدة لبنما”.
وفي حديثه لـ (نيوزويك)، قارن خبير التاريخ الأميركي بجامعة (فلوريدا)؛ البروفيسور “شون آدامز”، مقترحات “ترمب” مع الإمبريالية الأميركية في القرن التاسع عشر.
وقال إن: “خطة الاستحواذ على غرينلاند تقدم بعض الشيء من الارتداد إلى القرن التاسع عشر؛ عندما كان العديد من السياسيين الأميركيين، خاصة الديمقراطيين، عدوانيين جدًا في التوسع الإقليمي”.
وأضاف: “لذلك، ومنذ أربعينيات وستينيات القرن التاسع عشر، شهدنا استحواذ الولايات المتحدة على مساحات شاسعة من المكسيك، وآلاسكا الروسية، ومحاولات فاشلة لضم سانتو دومينغو، جمهورية الدومينيكان، وشراء غرينلاند وإيسلندا من الدنمارك. وكانت الفكرة أن الحكومة الجمهورية هي هدية أميركا للعالم، وكانت في حاجة إلى توسيعها قدر الإمكان، وكانت الفرص الاقتصادية التي جاءت مع التوسع بمثابة مكافأة لطيفة أيضًا”.
وقارن “آدامز” طموحات “ترمب” مع طموحات “جاكسون”، الذي أشرف على شراء “آلاسكا”. ومع ذلك، قال إن الرئيس المقبل أقل اهتمامًا بتوسيع الحكومة الجمهورية.
استعراض قديم للقوة..
طيلة تاريخها؛ توسعت “الولايات المتحدة” بشكلٍ كبير بشراء الأراضي من بلدان أخرى، مثل “لويزيانا” من “فرنسا” في 1803، و”فلوريدا” من “إسبانيا” في 1819، و”غادسدن” من “المكسيك” في 1854، و”آلاسكا” من “روسيا” في 1867.
وفي حديثه لـ (نيوزويك)، رأى “دانيال إميروار”، الخبير في الإمبريالية الأميركية؛ الذي يدرس في جامعة (نورث وسترن)، أن مقترحات “ترمب” ستكون بمثابة: “عودة إلى رؤية قديمة للقوة، حيث يتحقق الأمن بالمساحات المزروعة” بدل التحالفات والتجارة.
ومع ذلك؛ شكك “إيميروار” في الاقتراح القائل إن سياسات “ترمب” ترقى إلى: “العودة إلى عصر الإمبراطورية”، وذلك لأن العصر الحالي نفسه إمبريالي، حيث يشبَّه النفوذ الأميركي العالمي، نفوذ الإمبراطورية.
وقال: “لن يكون من المبالغة أن في رؤية مئات القواعد العسكرية للولايات المتحدة خارج حدودها؛ نوعًا من الإمبراطورية. لكن من الواضح أن ترمب يشعر براحة أكبر مع شكل قديم من أشكال استعراض القوة يعود إلى الأيام الدموية لتيدي روزفلت”.
قاتل “روزفلت”؛ في الحرب “الإسبانية-الأميركية”، حيث قاد وحدة من سلاح الفرسان. وشهد الانتصار الأميركي في الصراع، تسليم “إسبانيا”؛ “بورتوريكو، وغوام، والفلبين”، إلى “الولايات المتحدة”، وتخلت أيضًا عن السيّادة على “كوبا”.
وأثناء رئاسته بين 1901 و1909، أشرف “روزفلت” على بداية تشييّد “قناة بنما”، وأرسل “الأسطول الأبيض العظيم” الشهير في جولة حول العالم لاستعراض القوة العسكرية الأميركية.