خاص: كتبت- نشوى الحفني:
في خطوة أثارت الإدانات العربية والعالمية؛ صّوت (الكنيست) الإسرائيلي، الأربعاء، لصالح مشروع قانون يدعو الحكومة إلى فرض السيّادة الإسرائيلية على “الضفة الغربية”، بأغلبية: (71) صوتًا مقابل معارضة: (13) عضوًا.
وينص على أن “الضفة الغربية وغور الأردن”: “تُشّكلان جزءًا لا يتجزأ من الوطن التاريخي للشعب اليهودي”، ويدعو إلى اتخاذ خطوات استراتيجية لتثبيّت ما وصفوه: بـ”الحق التاريخي” وتحقيق الأمن القومي.
ويؤكد أن: “هذه الخطوة ستوضح للعالم أن إسرائيل لن تقبل حلولًا تنطوي على تنازلات إقليمية خطيرة، وأنها مُلتزمة بمستقبلها كدولة يهودية آمنة”.
قرار غير مُلزم..
ولا يحمل مشروع القانون صفة الإلزام ولا يُفرض على الحكومة خطوات تنفيذية.
وقالت “هيئة البث الإسرائيلية”: “لا تترتب على اقتراحات جدول الأعمال أي آثار عملية، ولن تؤثر على الوضع القانوني للضفة الغربية”.
ودعا رئيس مجلس (يشع) الاستيطاني؛ “يسرائيل غانتس”، الحكومة إلى ترجمة هذا القرار إلى خطوات عملية، قائلًا: “نحن في لحظة تاريخية لا يجب تفويتها. السيّادة ستُعزّز أمن إسرائيل وتُجسدّ حقنا في هذه الأرض”.
ويُنظر إلى هذا التحرك كتصعيد يُهدّد فرص التوصل إلى حل سياسي للصراع “الفلسطيني-الإسرائيلي”.
وقال وزير الأمن القومي؛ “إيتمار بن غفير”، خلال النقاش: “أتوجه إلى رئيس الوزراء بنداءً: دعونا لا ندخل في صفقات متهورة. يجب أن تكون لنا سيّطرة كاملة ومطلقة على غزة أيضًا. السحق، والسيّادة، وتشجيع الهجرة، والاستيطان – هذا ما نحتاج إلى فعله في يهودا والسامرة؛ (الضفة الغربية)، أيضًا”.
يقّوض “حل الدولتين”..
وفي ردٍ على هذه الخطوة؛ قال نائب الرئيس الفلسطيني؛ “حسين الشيخ”، إن: “مطالبة (الكنيست) الإسرائيلي الحكومة الإسرائيلية بفرض السيّادة الإسرائيلية على الضفة الغربية تُمثّل ليس فقط اعتداءً مباشرًا على حقوق الشعب الفلسطيني، بل أيضًا تصعيدًا خطيرًا يقوّض فرص السلام والاستقرار وحل الدولتين القائم على التفاوض، والذي يُفرض ويحمي الأمن الإقليمي”.
وأضاف أن: “هذه الإجراءات الإسرائيلية الأحادية، تنتهك بشكلٍ صارخ القانون الدولي والإجماع الدولي المستمر بشأن وضع الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك الضفة الغربية”.
ودعا “الشيخ”؛ المجتمع الدولي إلى: “الانتصار للشرعية الدولية ولقراراتها، والعمل على وقف هذه الانتهاكات ومنع ترسيّخ واقع الاحتلال بالقوة”. كما دعا دول العالم إلى: “الاعتراف بدولة فلسطين وإدانة وشجب هذا القرار”.
خطة لتأبيد الاحتلال..
كما أدان “أحمد أبو الغيط”؛ الأمين العام لجامعة الدول العربية، بأشد العبارات تصّويت (الكنيست) على مشروع قانون بفرض السيّطرة الإسرائيلية على “الضفة الغربية” المحتلة عام 1976.
وقال “أبو الغيط”؛ إن مشروع القانون يُمثّل حلقة في خطة متواصلة لفرض أمر واقع بتأبيد الاحتلال وضم الأرض الفلسطينية المحتلة.
ونقل “جمال رشدي”؛ المتحدث الرسمي باسم الأمين العام، عن “أبو الغيط”، تأكيده أن محاولات الاحتلال تغيّير الوضع القانوني لـ”الضفة الغربية”، بما فيها “القدس الشرقية”، مرفوضة ولا أساس قانونيًا لها، فـ”الضفة الغربية” أرض محتلة بواقع القانون الدولي وباعتراف “الأمم المتحدة”، وقوانين (الكنيست) لن تُغيّر شيئًا في هذه الحقيقة الساطعة.
وطالب “أبو الغيط”؛ المجتمع الدولي بالتصدي الحازم لمثل هذه الإجراءات الباطلة قانونيًا والساقطة أخلاقيًا، مشددًا على ضرورة التمسك بالقرارات الصادرة عن “مجلس الأمن”، وعلى رأسها القراران (242) 1967 و(2234) 2016، كأساس لإنهاء الاحتلال، وذلك في مواجهة خطط “إسرائيل” لتطبيع وضعية الاحتلال القانونية عبر ضم “الضفة الغربية”.
وأضاف أن الحركات الاستيطانية والدينية المتطرفة داخل “إسرائيل” ستقود المنطقة كلها إلى مواجهات دينية كارثية إذا لم يتم التصدي لها والوقوف بوجه طموحاتها المهووسة.
تسعى لتحويل السيّطرة إلى سيّادة قانونية..
وقال الخبير في القانون الدولي؛ “أنيس قاسم”، في تصريحات لموقع (CNN بالعربية)، إن ما تم الإعلان عنه من تصّويت (الكنيست) تأييدًا لمشروع قانون فرض السيّادة الإسرائيلية على “الضفة الغربية”، يُعدّ: “خطوة متقدمة وخطيرة” في سيّاق مخططات “إسرائيل” لضم “الضفة الغربية”، مُرجّحًا المُضّي قُدمًا في إنفاذ مشروع القانون.
وأضاف “قاسم” بالقول؛ إن “إسرائيل” شرعت؛ منذ عام 2018، بالتهيئة لإجراءات الضم، عبر إقرار حزمة قرارات وقوانين تدعم ضم “الضفة الغربية”، ما سيجعل من إنفاذ مشروع القانون الجديد: “فرصة مواتية”، بالتزامن مع حالة: “الانهيار للمجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة”، بحسّب تعبيره.
ورأى “قاسم” أن الانعكاسات الخطيرة لهذا المشروع تحمل عدة مستويات، لأن السيّطرة الإسرائيلية على “الضفة الغربية”؛ حتى الآن، هي سيطرة: “قوة احتلال لا تمنحها أي حق سيّادي على الأرض المحتلة”، إلا أن “إسرائيل” تسعى لتحويل هذه السيّطرة إلى: “سيّادة قانونية”.
وأضاف: “في عام 2018؛ أقر (الكنيست) الإسرائيلي قانون القومية الإسرائيلية، أو ما عُرف بقانون الدولة القومية للشعب اليهودي، وهو فعليًا أعلن السيادة الإسرائيلية على كل الأراضي الفلسطينية؛ عندما قال إن هذا الوطن الذي يمَّارس الشعب اليهودي حقه في تقرير المصير حصريًا، وألغى الحق الفلسطيني للفلسطينيين”.
تطبيق فعلى لقانون 2018..
ويرى “قاسم”؛ أن كل القرارات اللاحقة هي تفعيل تدريجي للتطبيق الفعلي لقانون 2018، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن ثمة رسائل عديدة يحملها هذا الإعلان، من بينها رسالة لـ”الأردن”، بشأن خطط التهجير وغيرها.
وقال: “أعتقد أن الإعلان في (الكنيست)؛ أمس الأول، هو تمهيد واضح لما سيأتي، ربما بعد شهر أو شهرين أو سنة، وهذا ينطوي على رسالة للأردن تُفيّد بأن إسرائيل ستقوم بذلك، مع ما سيسّتتبع ذلك من نتائج، وفي مقدمتها تهجير الفلسطينيين، وأن الأمن القومي الأردني لا يعنيّنا”.
معضَّلة أمام “الأردن”..
وتتمثل الهواجس هنا في احتمالات لجوء “إسرائيل” إلى استخدام ورقة الفلسطينيين القاطنين في “الضفة الغربية” من حملة الجنسية الأردنية، والمَّقدرة أعدادهم، بحسّب تقديرات غير رسمية، بما يزيد قليلًا عن: (300) ألف، مع رصد مراقبين لادعاءات إسرائيلية تروّج لوجود مليون منهم.
ويرى مراقبون أن هذا الملف قد يُشكّل معضلة لدى “الأردن”، الذي يرصد منذ بدء الحرب على “قطاع غزة” والتصعيد الإسرائيلي في “الضفة الغربية”، حركة المعابر الحدودية مع “إسرائيل”، ليتتبع أي حركة غير اعتيادية بحسّب مصادر مطلعة.
وشدّد “قاسم” على أن هناك متسعًا من الوقت أمام “الأردن” لاتخاذ إجراءات قانونية وسياسية وبدائل لمواجهة هذه التوجهات والرد عليها. وأضاف: “إذا فُرضت السيادة الإسرائيلية القانونية، كما يسميَّها الإسرائيليون، فإن هذا حتمًا يُهدّد الأمن القومي الأردني، خاصة وأن هناك مئات الآلاف من الفلسطينيين في الضفة الغربية من حملة الأرقام الوطنية الأردنية، ومن أصحاب الأملاك والأراضي هناك”.
ويرى “قاسم” أن هناك إجراءات عديدة قد يلجأ إليها “الأردن”؛ متعلقة بمراجعة مسألة حماية الحدود المشتركة مع “الضفة الغربية” المحتلة، واللجوء إلى التحكيم الدولي، ومسألة الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في “القدس” المحتلة، خاصة وأن اتفاقية السلام “الأردنية-الإسرائيلية” تنُص على احترام “إسرائيل” للدور الأردني.
ويرى أيضًا، أن تحديات أخرى ستقع على عاتق “الأردن” في حال نفاذ القانون، منها كيفية حماية الأملاك التي يمتلكها حملة الأرقام الوطنية الأردنية في “الضفة الغربية”، والتهديدات بالتهجير التي قد تُلحق بقرابة: (300) ألف شخص من حملة الأرقام الوطنية الأردنية، بحسّب تقديره.
“غَزّنة الضفة”..
وفي هذا السياق؛ رسم الكاتب والدبلوماسي الإسرائيلي السابق؛ “نمرود نوفيك”، وهو عضو بارز في مجموعة (قادة من أجل أمن إسرائيل)، في مقاله المنشور في مجلة (تايم) الأميركية، صورة قاتمة لما يصفه: بـ”غَزّنة الضفة” أو تحويل “الضفة” إلى “غزة” جديدة، محذرًا من أن المنطقة تتجه نحو سيناريو دموي ينذَّر بانفلات السيّطرة، إن لم يُكبح فورًا.
خمس جبهات..
وأشار الكاتب إلى أن الحرب على “غزة” ليست سوى جبهة واحدة من أصل خمس تواجه “إسرائيل” حاليًا، تشمل (حزب الله) في “لبنان”، و(الحوثيين) في “اليمن”، والميليشيات الإيرانية في “سورية والعراق”، إلى جانب “إيران” نفسها. في ظل هذا التشتَّت الأمني، تغيّب “الضفة الغربية” عن أولويات الحكومة، ما يسمح للعنف بالتفاقم بعيدًا عن الرقابة.
رفع العقوبات..
ورأى “نوفيك” أن أحد محفزات العنف هو قرار إدارة “ترمب”؛ في كانون ثان/يناير 2025 برفع العقوبات عن المستَّوطنين، ما بعث برسائل خاطئة شجعت المتطرفين. ومع غياب الردع، بدأ متطرفون إسرائيليون باستغلال الدعم السياسي الضمني، بينما يُغرق الشباب الفلسطيني في اليأس، ما يدفعهم إلى خيار المقاومة المسلحة.
الثنائي المتشدَّد..
وتوقف الكاتب عند التأثير المدمر للثنائي السياسي المتشدَّد: “إيتمار بن غفير”؛ وزير الأمن القومي، الذي يتبّنى علنًا خطاب: “تفوق اليهود”، ويسعى لتسليح المستوطنين، خصوصًا في “الضفة”. و”بتسلئيل سموتريتش”؛ وزير المالية ونائب وزير الدفاع، الذي يدعو صراحة إلى خنق “السلطة الفلسطينية” وزيادة الاستيطان لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة.
ويحمّل “نوفيك”، رئيس الوزراء؛ “بنيامين نتانياهو”، مسؤولية تمكيّن هؤلاء، عبر منحهم هذه المناصب الحيوية منذ أواخر 2022.
تسليح المستَّوطنين..
وأشار الكاتب إلى أن المستوطنين المتطرفين أصبحوا أكثر تنظيمًا وتسليحًا، واستغلوا انشغال الجيش بالحرب في “غزة” لتكثيف هجماتهم على القرى الفلسطينية، والتي تضاعفت خلال النصف الأول من عام 2025 مقارنة بالعام السابق.
وأضاف أن الجيش الإسرائيلي، الموزع بين عدة جبهات، يتردد في التصدي لهم، خصوصًا في ظل الغطاء السياسي الذي يحظى به قادة هذه الاعتداءات.
في المقابل؛ يعيش الفلسطينيون في “الضفة الغربية” حالة من انعدام الأمن الكامل. غياب الحماية، سواء من الجيش أو من “السلطة الفلسطينية” المفَّلسة، يُعزز قناعة الشباب بأن العمل المسلح هو الطريق الوحيد. أما الجيل الأكبر، الذي كان يُعارض الانتفاضة الثانية، فلم يُعدّ يملك الحُجج لإقناع أبنائه بتجنب العنف.
عصابات يحميها الائتلاف الحاكم..
وأشار الكاتب إلى أن مجموعة (قادة من أجل أمن إسرائيل)، التي ينتمي إليها، وجّهت رسالة عاجلة إلى وزير الدفاع الإسرائيلي، محذّرة من أن: “جماعات يهودية منظمة تشعل المنطقة”، ودعت إلى معاقبة كل متورط في الإرهاب، بغض النظر عن خلفيته.
ولفت الكاتب النظر إلى أن نقطة التحوّل قد تكون الاعتداء الأخير على منشأة عسكرية إسرائيلية من قبل مستوطنين، ما دفع “نتانياهو” للقول: “لا يمكن لأي دولة متحضرة أن تتسامح مع هذا النوع من العنف”.
أما زعيم المعارضة؛ “يائير لابيد”، فوصف منفذَّي هذه الاعتداءات: بـ”الإرهابيين اليهود وعصابات إجرامية محمية من الائتلاف الحاكم”.
يرى “نمرود نوفيك”؛ أن اختبار الدولة الإسرائيلية الحقيقي يكمن في قدرتها على احتواء هذا التصعيد، واتخاذ إجراءات حقيقية ضد إرهاب المستوطنين. فالفشل في ذلك، كما يقول، سيحوّل “الضفة الغربية” إلى نسخة دموية أخرى من “غزة”، مع ما يحمله ذلك من عواقب وخيمة على الأمن الإقليمي وعلى مستقبل العلاقات “الفلسطينية-الإسرائيلية” برمّتها.