خاص : كتبت – نشوى الحفني :
مازال مسلسل التناقضات مستمرًا بين “طهران” و”واشنطن”، فتارة يتحدثا عن تقارب بينهما وتارة أخرى تتبادل بينهما الاتهامات في وضع يضع الجميع في حيرة أمام ما يحدث.
ففي الوقت الذي تنتشر فيه الأنباء عن إبداء الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، رغبته في بدء محادثات مع “إيران”، جدد الرئيس الإيراني، “حسن روحاني”، التأكيد على أن بلاده سوف تجدد تخفيض إلتزاماتها ضمن “الاتفاق النووي” ما لم تفِ الدول الأوروبية بتعهداتها، في إشارة لتسهيل عملية التبادل المالي مع “إيران” وتصدير “النفط الإيراني”.
وقال “روحاني”، في اتصال مع نظيره الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، أمس، بحسب الرئاسة الإيرانية، إنه: “إذا لم تفِ أوروبا بتعهداتها، سوف تنفذ إيران الخطوة الثالثة من تخفيض التعهدات فی إطار الاتفاق النووی، وأن تنفیذ تعهدات الاتفاق النووی المُبرم وأمن الملاحة هدفان رئیسیان لإجراء محادثاتنا”.
وتابع “روحاني”، بحسب البيان، في إشارة لانسحاب “الولايات المتحدة” من الاتفاق العام الماضي، وإعادة العمل بـ”العقوبات الأميركية” على “إيران”، إن: “الرفع الكامل للعقوبات على إيران هو الأساس للمفاوضات المستقبلية”.
زيارة إيجابية في إتجاه المفاوضات..
ومن جانبه؛ وصف الرئیس الفرنسي، “إیمانويل ماکرون”، في هذا الحوار الهاتفي؛ زیارة وزیر الخارجیة الإیراني إلی “باریس”، بالإیجابیة، قائلًا: “أثبتت هذه الزیارة إرادة الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة لصون المصالح الوطنیة والإلتزام بالمفاوضات”.
ودعا الرئیس الفرنسي إلی الشراکة الثنائیة بین “إیران” و”فرنسا” لحل المشاکل والأزمات الإقلیمیة بما فیها أزمة “الیمن”.
“ترامب” أبدى مرونة..
وسبق تهديد “روحاني” إعلان المساعد السياسي لوزير الخارجية الإيراني، “عباس عراقجي”، أن الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، قد أبدى مرونة في موقفه تجاه السماح لـ”طهران” ببيع نفطها لدول أخرى.
وأكد “عراقجي”، لإذاعة (معارف) الإيرانية، أمس، أن “إيران” خاضت، في الأشهر الماضية، مفاوضات مكثفة مع “فرنسا” بشأن شروط عودة “طهران” إلى الإلتزام الكامل بالمسؤوليات المترتبة عليها بموجب “الاتفاق النووي”، موضحًا أن مكالمات هاتفية متكررة جرت بين الرئيسين، “حسن روحاني” و”إيمانويل ماكرون”، في هذا الصدد.
وأشار الدبلوماسي إلى أن أهم الشروط التي طرحتها “طهران” يتعلق ببيع نفطها، إذ أكدت أن لديها خيارين: إما شراء الأوروبيون نفطها مباشرة، أو إقناع “واشنطن” بإصدار تراخيص تسمح للشركات الأوروبية بإبتياع “النفط الإيراني”.
ولفت “عراقجي” إلى أن “ماكرون” طرح مبادرة بهذا الشأن على نظيره الأميركي، “ترامب”، وتابع: “كانت هناك مرونة في موقف الجانب الأميركي للسماح لنا ببيع نفطنا، بما يمثل فجوة في سياسة الضغط الأقصى الأميركية، وهذا هو النجاح الذي حققته سياسة المقاومة القصوى الإيرانية”.
وأكد “عراقجي” على أن المشاورات بهذا الشأن لا تزال جارية ولم تنته بعد، مضيفًا أن المفاوضات ستكون “صعبة ومعقدة للوصول إلى صيغة جديدة”، لكن ليس هناك أي بديل عنها أمام الأوروبيين والأطراف المعنية الأخرى، مجددًا تصميم “طهران” على الاستمرار في تقليص إلتزاماتها بموجب “الاتفاق النووي” تدريجيًا ما لم يتجاوب الأوروبيون مع مطالبها.
مبادرة لبيع النفط..
من جهتها؛ أكدت صحيفة (وول ستريت غورنال) أن الدبلوماسيون الأوروبيون يلتفون على مبادرة فرنسية جديدة لتخفيف الضغط الممارس على “طهران”، بفعل عقوبات “واشنطن”، لقاء إلتزام “إيران” الكامل بـ”الاتفاق النووي”.
وأفادت الصحيفة، أمس، بأن الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، أطلع نظيره الأميركي، “دونالد ترامب”، أثناء المشاورات بينهما في “بياريتس” الفرنسية على هامش “قمة مجموعة السبع”، على مبادرته الجديدة التي تهدف إلى تخفيف التوتر بين “واشنطن” و”طهران” وإقناع “إيران” بالعودة إلى الإلتزام بجميع المسؤوليات المترتبة عليها بموجب “الاتفاق النووي”، المبرم عام 2015، والذي أصبح على وشك الإنهيار إثر انسحاب “واشنطن”، منها العام الماضي.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أوروبيين تأكيدهم على أن المبادرة الفرنسية تقضي بالسماح لـ”إيران” ببيع ما لا يقل عن 700 ألف برميل من “النفط” يوميًا، ما يتجاوز بضعفين صادراتها الحالية، بالإضافة إلى منحها خط ائتمان دوليًا بمقدار 15 مليار دولار دون تعرض هذه الأموال لـ”العقوبات الأميركية”.
وأكد عدة دبلوماسيين مطلعين على المشاورات؛ أن “ترامب” و”ماكرون” بحثا هذه المبادرة في اجتماع شارك فيه أيضًا وزير الخزانة الأميركي، “ستيفن منوتشين”، ووزير المالية الفرنسي، “برونو لومير”، وقال سيد “البيت الأبيض” إنه؛ “منفتح لهذه الفكرة”، ووافق على مواصلة الجانب الفرنسي العمل عليها.
معارضة بعض مسؤولي إدارة “ترامب”..
في غضون ذلك؛ عارض بعض المسؤولين في إدارة “ترامب” هذه المبادرة، إذ نقلت الصحيفة الأميركية عن مسؤول أميركي رفيع المستوى قوله؛ إن الأوروبيين “يحاولون إنقاذ صفقة سيئة، وأوضح ترامب أن إيران لم تكسب أي مكاسب اقتصادية من جانب الولايات المتحدة مقابل العودة إلى اتفاق غير مناسب إطلاقًا”.
غير أن الدبلوماسيين الأوروبيين، حسب مصادر الصحيفة، يرون في المبادرة الفرنسية أول خطة واقعية لتخفيف التوتر العسكري في الخليج، محذرين في الوقت نفسه من أنه لا يمكن التنبؤ بخطوات “ترامب” المستقبلية، وخاصة أنه يتعرض للضغط من قِبل بعض مستشاريه وحلفائه الإقليميين.
وأطلع وزير الخارجية الفرنسي، “غان إيف لودريان”، زملاءه الأوروبيين على تفاصيل المشاورات حول المبادرة الجديدة، أثناء اجتماع عُقد أمس الأول الجمعة، في العاصمة الفنلندية، “هلسنكي”، مشيرًا إلى أنه من غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت “الولايات المتحدة” ستوافق على تخفيف عقوباتها ضد “قطاع النفط الإيراني”، لكن لم ترد بعد أي مؤشرات من “البيت الأبيض” على أن “ترامب” ينوي منع هذه المبادرة.
من جانبه؛ وصف وزير الخارجية الإيراني، “محمد جواد ظريف”، المبادرة الفرنسية، بأنها بناءًة، ومن المتوقع أن يصل مفاوضون إيرانيون إلى “فرنسا”، خلال الأيام القليلة المقبلة، لمواصلة العمل على هذه الخطة، حسب الصحيفة.
الثقة بـ”ظريف” خطأ جسيم..
في سياق موازٍ؛ قال وزير الخارجية الأميركي، “مايك بومبيو”، أمس، إنه ما كان يجب على “بريطانيا” أن تثق بتعهدات وزير الخارجية الإيراني، “محمد جواد ظريف”.
وأوضح “بومبيو”، عبر تغريدة نشرها على حسابه الرسمي في موقع، (تويتر)؛ أن “واشنطن” لديها معلومات مؤكدة تفيد بأن الناقلة الإيرانية، (أدريان داريا)، إتجهت إلى “سوريا”.
وكتب في حسابه: “لدينا معلومات ذات مصداقية تفيد بأن الناقلة.. إتجهت إلى طرطوس في سوريا. آمل أن تغير مسارها”.
وأضاف أنه: “من الخطأ الجسيم الثقة بظريف”، مشيرًا إلى وزير الخارجية الإيراني، “محمد جواد ظريف”، الذي أكد لـ”بريطانيا” أن الناقلة لن تبحر إلى “سوريا”.
وضعت ناقلة النفط على “القائمة السوداء”..
وكانت “وزارة الخزانة الأميركية” قد وضعت، أمس الأول، ناقلة النفط الإيرانية، (أدريان داريا)، على قائمتها السوداء وفرضت عقوبات على ربانها.
وقالت “سيغال ماندلكر”، وكيلة وزارة الخزانة، في بيان: “سفن مثل (أدريان داريا 1)؛ تُمكن (فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني) من شحن ونقل كميات كبيرة من النفط، الذي يحاول إخفاءه وبيعه بصورة غير مشروعة لتمويل أنشطة النظام الخبيثة ونشر الإرهاب”.
وأضافت: “أي شخص يقدم الدعم لـ (أدريان داريا 1) يجازف بتعرضه للعقوبات”.
قرصنة وتهديدات..
فيما اتهم “ظريف”، “الولايات المتحدة”، أمس، بممارسة “قرصنة وتهديدات” لمنع “إيران” من بيع “النفط” لعملاء تقليديين، وذلك بعدما أدرجت “واشنطن”، ناقلة النفط الإيرانية، (أدريان داريا)، في القائمة السوداء بدعوى إتجاهها إلى “سوريا”.
وقال “ظريف”؛ على (تويتر): “الولايات المتحدة تمارس قرصنة وتهديدات لمنع إيران من بيع النفط لزبائن تقليديين.. كف عن الإزعاج يا بومبيو.. سنبيع النفط لأي مشترٍ”.
“ترامب” ينفي علاقة واشنطن بفشل عملية إطلاق القمر الصناعي..
ودخل على خط الأزمة، ما أثاره نشر الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، أمس الأول، صورة لموقع عملية إطلاق فاشلة لقمر صناعي إيراني، مخاوف الاستخبارات من كشف أسرار عمليات المراقبة والاستطلاع الأميركية وفضح أسرارها.
وأظهرت الصورة غير الملونة، التي نشرها “ترامب” على (تويتر)، موقع الإطلاق في مركز للفضاء بشمال “إيران”؛ بما في ذلك برج خدمات وقاذفة تعرضا للتدمير.
ونفى في تغريدة له تحت الموقع المحدد لمكان الإطلاق، أن تكون “الولايات المتحدة” ضالعة في “الحادث المأساوي أثناء الاستعدادات النهائية لإطلاق الصاروخ، (سفير)، من موقع الإطلاق رقم واحد في (سمنان) بإيران”.
وفي حديثه للصحافيين في “البيت الأبيض”، في وقت لاحق، يوم الجمعة، دافع “ترامب” عن نشره للصورة وأكد مجددًا أن “الولايات المتحدة” ليس لها علاقة بهذا الحادث.
وقال: “كانت لدينا صورة. قمت بنشرها وهو ما لدي الحق المطلق في القيام به”.
وأضاف أن الإيرانيين “كانوا سيطلقون صاروخًا كبيرًا ولم تسر الأمور بشكل جيد. لا علاقة لنا بذلك”.
وكتب: “أطيب التمنيات لإيران؛ وأتمنى لها التوفيق في تحديد ما حدث في الموقع رقم واحد”.
خبر سار للخصوم..
واعتبر “باتريك إدينغتون”، وهو محلل سابق لصور الأقمار الصناعية بـ”وكالة المخابرات المركزية الأميركية”، (سي. آي. إيه)، أن الصورة التي بثها “ترامب” هي صورة سرية التقطها قمر تجسس أميركي على ما يبدو.
وأضاف: “إذا نشر الرئيس ببساطة على (تويتر) صورة من إفادة سرية، جرى التقاطها عبر أكثر قدراتنا في مجال الاستطلاع تقدمًا، فإن هذه من دون شك أخبار سارة لخصومنا”.
ومضى يقول: “في حين يحظى (ترامب) بسلطة رفع السرية عن أي وثيقة اتحادية، فإن (تويتر) ليس وسيلة شرعية لذلك”.
وأبلغ مسؤول دفاعي أميركي، شبكة (سي. إن. بي. سي)، بأن الصورة التي بدت أنها لقطة من نسخة مادية لصورة القمر الصناعي، كانت في تقرير مخابرات، يوم الجمعة.
وفي 24 آب/أغسطس 2019، ذكرت الإذاعة الوطنية الأميركية، نقلاً عن صور الأقمار الصناعية التي تلقتها من مختبرات (بلانيت)، أن “إيران” قامت بطلاء مركز الإطلاق المحترق لإجراء اختبارات جديدة.
ويُعد برنامج الفضاء الإيراني مصدر قلق لـ”الولايات المتحدة” و”أوروبا”، لأن الصواريخ الحاملة للأقمار الصناعية يمكن أن يكون لها استخدام مزدوج كصواريخ (باليستية) طويلة المدى تحمل رؤوسًا نووية.
وتتهم “الولايات المتحدة”، “طهران”، باستخدام التكنولوجيا لإطلاق أقمار صناعية في المدار كجزء من جهودها لتطوير أسلحة نووية. وقد نفت “إيران” هذا الاتهام.
وتطالب “الولايات المتحدة” بإنهاء برنامج الصواريخ (الباليستية) الإيرانية وفق قرار مجلس الأمن 2231 التابع لـ”الأمم المتحدة”، الذي يحظر على “إيران” تطوير صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية.
وكانت “إيران” قد فشلت في تجربتين سابقتين لإطلاق قمرين صناعيين بواسطة صاروخين بعيدي المدى في غضون دقائق، وذلك في 15 كانون ثان/يناير و5 شباط/فبراير الماضيين.
وذكرت تقارير أميركية، حينها، أن إدارة الرئيس الأميركي، “دونالد ترمب”، نفذت برنامجًا سريًا لتعطيل اختبارات الصواريخ الإيرانية.