خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة أثارت تساؤلات عديدة داخل المجتمع اليمني، أقال الرئيس اليمني، “عبدربه منصور هادي”، رئيس الوزراء، “أحمد عبيد بن دغر”، من منصبه، وأمر بإحالته للتحقيق، وكلف “معين عبدالملك سعيد”؛ خلفًا له.
وذكرت وسائل الإعلام اليمنية، بحسب بيان الرئاسة، أن إقالة “بن دغر” بسبب الإهمال الذي رافق أداء الحكومة خلال الفترة الماضية في المجالات الاقتصادية والخدمية، وتعثر أداء الحكومة في تخفيف معاناة الشعب اليمني في سبيل حل المشاكل التي تواجهه وتوفير احتياجاته، بالإضافة إلى إنهيار العملة المحلية وفشل الحكومة في التعامل مع الحالة الاقتصادية المتدهورة للبلاد، وفشل الحكومة في إتخاذ إجراءات فعلية لمواجهة كارثة إعصار “لبان” الذي أصاب محافظة “المهرة” جنوبي البلاد.
وأصبح “بن دغر” ثاني مسؤول يمني تتم إقالته وإحالته إلى التحقيق، بعد وزير الدولة السابق، نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي حاليًّا، “هاني بن بريك”، العام الماضي، وهو أيضًا ثالث رؤساء الحكومة اليمنية المتعاقبين في عهد الرئيس “هادي”.
ويشار إلى أن المدن اليمنية تشهد احتجاجات بين الحين والآخر، إثر التدهور غير المسبوق للعملة اليمنية أمام العملات الأجنبية، وما يرافق ذلك من ارتفاع كبير في أسعار السلع والمواد الغذائية.
وكانت 4 أحزاب يمنية قد طالبت بضرورة تشكيل حكومة توافقية بين الأطراف والقوى السياسية المناهضة لسلطة “صنعاء”، تحصل على ثقة مجلس النواب، وتحظى بدعم “التحالف العربي” بقيادة “السعودية”.
والأحزاب الأربعة؛ هي “الحزب الاشتراكي”، (الحزب الحاكم في جنوب البلاد قبل توحيدها عام 1990)، و”التنظيم الناصري”، و”حزب العدالة والبناء”، و”حزب التضامن الوطني”، و”الحزب الجمهوري”.
مبررات لإضفاء الشرعية للإقالة..
ورفض مستشار الرئيس اليمني، “سلطان العتواني”، قرار التحقيق مع “بن دغر”، معتبرًا أن الإنهيار الاقتصادي للبلاد جاء بعد انقلاب “الحوثيين” و”علي عبدالله صالح” على السلطة.
وأكّد “العتواني” على أن المبرّرات المُعلنة لإحالة رئيس الحكومة، “بن دغر”، للتحقيق ما هي إلا صبغات لكي يكون القرار موضوعيًا لدى متّخذه، متسائلاً: “من يحقِّق مع من ؟”.
وقال “العتواني”: إن “الأزمات التي يعاني منها اليمن تشكّلت بشكل متراكم ولا علاقة لبن دغر بها، وما يحدث الآن هو تغيير أشخاص وليس تغيير حكومات بالمعنى الحقيقي لذلك”.
وقلّل مستشار الرئيس اليمني من قرار تغيير الحكومة بالقول: “لا جدوى من هذه التغييرات؛ فالحكومة لا تتحمّل مسؤولية ما وصلت إليه البلاد”.
ونبّه إلى ضرورة استجابة السلطات في “اليمن” للضغوطات الوطنية، بدلاً من الضغوطات الخارجية، في إتّخاذ مثل هذا القرار.
وشدّد على أن الضرورة الوطنية تقتضي تشكيل حكومة توافق وطني مصغَّرة لإدارة مهام المرحلة تلبية لمطالب القوى الداعمة للشرعية، (الأحزاب والمكونات).
ترحيب أممي..
من جانبها؛ رحبت “الأمم المتحدة”، بتعيين “معين عبدالملك”، رئيسًا جديدًا للحكومة اليمنية، وقال المبعوث الأممي إلى اليمن، “مارتن غريفيث”، في حسابه الرسمي على موقع (تويتر): “نرحب بتعيين معين عبدالملك سعيد، رئيسًا لوزراء اليمن، باعتباره شخصية عامة من الطراز الرفيع، ومعروفًا بسيرته المهنية”.
وأضاف: “نتطلع للعمل عن قرب مع رئيس الوزراء الجديد، للتعامل مع الوضع الاقتصادي الحرج في اليمن، ودفع العملية السياسية قُدمًا”.
خلافات وتبادل اتهامات..
وعقب الإقالة مباشرة، قالت مصادر يمنية إن رئيس الحكومة، “أحمد عبيد بن دغر”، هدد بالتصدي لمشروع “أنبوب النفط السعودي”؛ الذي تسعى “الرياض” إلى مده عبر محافظة “المهرة” الجنوبية.
وقالت مصادر يمنية، لموقع (كريتر سكاي)، إن “أحمد عبيد بن دغر”، زار الرئيس اليمني في مقر إقامته بالعاصمة السعودية، “الرياض”، عقب ساعات من قرار إقالته وإحالته إلى التحقيق، ودخلا في خلافات وتبادلا اتهامات بالفساد، حيث اتهم “بن دغر”، أبناء الرئيس “هادي”، بالفساد ونهب المال العام وطالب بمحاكمتهم.
وقال الموقع: “إن بن دغر طالب بمحاكمة نجل الرئيس اليمني؛ إلا أن السعودية مارست عليه ضغوطًا قبل أن يهدد الأخير بالحديث عن أنبوب النفط، الذي تعزم السعودية مده عبر محافظة المهرة في الشرق الجنوبي”.
وأجرت (اليوم الثامن) اتصالات بمصادر قريبة من الحكومة اليمنية، لكنها لم تنف وجود خلافات بين “هادي” و”بن دغر”، فيما قال مصدر عليم لـ (اليوم الثامن): “إن هادي أقال بن دغر دون أن يشعره، وأن رئيس الحكومة اليمنية تلقى اتصالات من رئيس اللجنة الخاصة السعودية، أبلغه هو الآخر عدم معرفته بقرار إقالته”.
وقال مصدر آخر: “إن بن دغر هدد بكشف الكثير من ملفات الفساد، وأنه يطالب بالتحقيق مع الجميع، وتوعد بكشف كل ما لديه من ملفات تدين نجل الرئيس اليمني، جلال هادي، بالفساد ونهب أموال، لكن الحكومة السعودية تدخلت وعملت على تهدئة التوتر بين الطرفين، قبل أن توجه الإعلام الرسمي والحزبي الذي تموله بعدم ذكر محاكمة بن دغر فقط؛ والإشارة إلى أنه أصبح رئيس حكومة سابق”.
وأثار قرار إعفاء “بن دغر” وحده من منصبه، دون إعفاء جميع وزراء الحكومة، جملة من تساؤلات اليمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي، حول سر الإبقاء على أعضاء الحكومة منذ عهد رئيس الحكومة الأسبق، “خالد بحاح”، خصوصًا وأن سبب الإعفاء هو السبب ذاته الذي أقيل بسببه “بحاح”، والمتمثل في “إخفاق الحكومة”، على الرغم من التعديلات الطفيفة التي أجريت على بعض الحقائب الوزارية.
فترة حافلة بالإخفاقات..
عن الإقالة يقول المحلل السياسي، “منصور صالح”، إن فترة بقاء “بن دغر” رئيسًا للحكومة اليمنية، هي “فترة حافلة بالإخفاقات”، إنهارت فيها العملة المحلية بشكل غير مسبوق، وصاحبها الفشل في التنمية، والإعمار وتوفير الخدمات، إلى جانب إخفاقات في المعركة ضد مشروع الانقلاب.
وأضاف أن الحكومة تحوَّلت في عهده إلى “حكومة عائلية، احتكرت فيها الوظيفة الوسطى على المقربين منه ومن أعضاء حكومته”، مشيرًا إلى أن عملية طباعة العملة بشكل مستمر دون غطاء مرتبطة بالفساد بشكل أساس.
وأوضح أن حكومة “بن دغر”، مارست استفزازات في الجبهة الداخلية، بما فيها استفزاز الجنوب و”قوات المقاومة الجنوبية” و”المجلس الانتقالي الجنوبي”؛ ما أسهم في خلق حالة من العداء ما بين القوى الجنوبية المؤثرة، وفي مقدمتها “الانتقالي الجنوبي”، و”جبهة الشرعية” ممثلة بالرئيس “هادي”.
وخلال الخلاف الشهير بين “بن دغر”، ومحافظ “عدن” المستقيل، “عبدالعزيز المفلحي”، أواخر العام الماضي، وصف الأخير “بن دغر” بـ”رئيس حكومة يخطف الماء من أفواه الناس، والضوء من عيونهم”، وقال في بيان استقالته: إن “الفساد المتفشّي في حكومة بن دغر، ملأت روائحه الكريهة أجواء اليمن ومدنٍ شتى في العالم، وقد أصاب البلاءُ البلادَ”.
ساهم في وجود فجوة بين التحالف و”هادي”..
ويقول المحلل السياسي، “منصور صالح”: إن “بن دغر، حرص على إيجاد منظومة متكاملة من الوسائل والمطابخ الإعلامية للترويج له واستهداف خصومه، والانفاق عليها بشكل مهول، وأوصل البلد إلى حافة الإنهيار، وفي عهده باتت الأوضاع الاقتصادية تسير بصورة سريعة نحو الإنهيار الكلي”.
مشيرًا إلى أنه “تظاهر بكونه رجل موقف أو صاحب مبدأ، وأكثر من الحديث عن السيادة ويحاول الإساءة واستهداف الأشقاء في التحالف، كما أسهم في وجود فجوة كبيرة ما بين التحالف والرئيس هادي؛ ما أضعف دور الرئيس وتسبب في عرقلة جهود التحالف في إطار حسم المعركة”.
حسابات حزبية..
فيما أوضح الكاتب، “صلاح السقلدي”، إن قرار إقالة بن دغر؛ “لا يخلو من الحسابات الحزبية، خصوصًا مساعيه الأخيرة لجمع قيادات حزبه، (المؤتمر الشعبي العام)، في الداخل والخارج، وهي مساعٍ استهدف بها هادي بدرجة أساسية – أو هكذا فهمها هادي وجماعته المؤتمرية”.
وفي منشور على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي، (فيس بوك)، يضيف أن الإقالة هي “رسالة تصالحية من هادي للانتقالي والإمارات”، ويقصد “المجلس الانتقالي الجنوبي”، الذي سبق وأن طالب بإقالة الحكومة نتيجة لـ”فسادها”.
قرار فاضح..
ويرى القيادي السابق في جماعة الحوثيين، “علي البخيتي”، أن قرار إقالة رئيس حكومة وتعيين غيره أمرٌ اعتيادي، “لو لم يكن هناك ديباجة حاقدة في القرار وإحالة للتحقيق؛ هذا ما يجعل قرار هادي فضيحة، فقد حمّل الحكومة المسؤولية ثم نصّ على بقاء أعضائها”.
تصفية للخصوم السياسيين..
من جانبه؛ يرى الكاتب والمحلل السياسي، “عبدالرحمن المحمدي”، أن “اليمن” يشهد عملية استخدام “ملف الفساد” لتصفية الخصوم السايسيين؛ وهو ما تمثل في قرار الرئيس، “عبدربه منصور هادي”، بإقالة “بن دغر” من منصبه كرئيس للوزراء.
ولفت “المحمدي” إلى أن “بن دغر” نفسه “جاء نتيجة غضب شعبي ضد حكومة بحاح السابقة، والتي شكلت بإجماع وطني، ولكن تم الانقلاب عليها بإيعاز من قوى إقليمية”.
وشدد على أن “اليمن” يتعرض إلى محاولة إسقاط النظام المجتمعي، لإيجاد دولة فاشلة تكون مرتعًا خصبًا للإرهاب والميليشيات المسلحة، وهذا ما يعني أن المنطقة قادمة على مرحلة غير مستقرة من “الإحتراب الداخلي”.
تقليص عدد الوزراء..
حول مهمة الحكومة الجديدة؛ تقول مصادر في الحكومة اليمنية، إن أولى المهام التي سيواجهها رئيس الحكومة اليمنية الجديد، “معين عبدالملك”، هي تقليص الحكومة وتشكيل حكومة أشبه بـ”حكومة حرب”، مكونة من بضع عشرة وزارة فقط، بدلاً عن الحقائب الوزارية الحاليّة، البالغ عددها 36 حقيبة.
وتضيف المصادر؛ أنه من المفترض الإعلان عن “الحكومة المصغّرة” المناسبة لوضع البلد والحرب، التي يشهدها ضد الانقلابيين “الحوثيين”، سيكون خلال شهر تشرين أول/أكتوبر الجاري، على أن تشرع هذه الحكومة في تنفيذ خطة معينة، محددة سلفًا.
إنقاذ الوضع الاقتصادي.. أول التحديات..
ويعتقد الصحافي اليمني، “عبدالرحمن أنيس”، أن الملف الاقتصادي سيكون في قائمة التحديات التي تنتظر رئيس الوزراء الجديد، لا سيما إيقاف تدهور العملة المحلية، باعتباره القضية الأكثر إلحاحًا الآن، لأن ضرره يمسّ المواطن بدرجة رئيسة، إذ أصبح الدولار الأميركي اليوم، يعادل 710 ريالات، بعد أن كان سعره يساوي 215 ريالًا يمنيًّا في عام 2015م.
ودعا “أنيس”، رئيس الحكومة الجديد، إلى إيقاف العبث الجاري في استنزاف العملة الصعبة، وخصوصًا فيما يتعلق بصرف مرتبات المسؤولين بالدولار، “وهي بدعة إنفردت بها حكومة بن دغر عن كل الحكومات السابقة التي حكمت اليمن، فلم يحصل من قبلُ أن تقاضى المسؤولون في الحكومة من درجة وزير إلى درجة وكيل مساعد مرتبات بالدولار؛ بمن فيهم المسؤولون المقيمون داخل اليمن”.
وإلى جوار مهمة إنقاذ الوضع الاقتصادي في “اليمن”، تبرز الأوضاع الإنسانية والأمنية والخدمية وإعادة الإعمار واستعادة المحافظات الخاضعة لسيطرة “الحوثيين”، كأبرز التحديات الأخرى التي تنتظر رئيس الحكومة اليمنية الجديد.