25 أبريل، 2024 5:21 م
Search
Close this search box.

ما بين الأسلمة والعلمانية .. إلى أين يسير “إردوغان” بتركيا ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

تحولات مجتمعية تتجه نحو تركيا في الفترة الحالية؛ بمحاولة الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، العودة إلى “الحقبة العثمانية الإسلامية”، التي كانت قبل ثمانية عقود.. ويتم ذلك من خلال خطوات متعددة، كان آخرها ما كشفته “وزارة التربية والتعليم” التركية عن خطط لإستيعاب نحو ربع الطلاب المتفوقين في المدارس العليا داخل “مدارس إمام خطيب” الدينية، في خطوة يرى النقاد العلمانيون أنها تعطي أولوية للتعليم الإسلامي.

ومن المقرر وضع أفضل 10 في المئة من طلاب السنة الأخيرة بالمدارس الثانوية في مدارس منتقاة، في إطار نظام جديد للقبول أقر، في حزيران/يونيو 2017، كجزء من إصلاحات في التعليم وجه بها الرئيس، “رجب طيب إردوغان”، الذي أعلن صراحة أن أحد أهدافه هو تنشئة “جيل ورع” في تركيا المسلمة.

وارتفع عدد التلاميذ في “مدارس إمام خطيب”، التي تأسست لتدريب الأئمة والخطباء المستقبلين، خمسة أضعاف، إلى 1.3 مليون طالب في السنوات الست الأخيرة.

ووفقًا لدليل نظام الامتحانات، المنشور على موقع “وزارة التربية والتعليم” التركية، فإن ما يقرب من 300 مدرسة، من بين 1367 مدرسة، تم اختيارها لإستقبال الطلاب الذين إجتازوا الامتحان، تتبع لمدارس “إمام خطيب”.

نسب مدارس الإمام الخطيب منخفضة..

وزير التربية والتعليم، “عصمت يلماز”، قال لمحطة تلفزيون (سي. إن. إن. تورك)؛ إن النسب المخصصة للمدارس الدينية منخفضة مقارنة بنسبة الـ 62 في المئة المخصصة لمدارس الثانوية العلمية والعادية.

ويقول متسائلًا: “هل يذهب الجميع إلى مدارس إمام خطيب ؟.. هذه مبالغة. نحن نتصور أن يكون مستوى الذهاب لإمام خطيب 23 في المئة، وهي نسبة ليست أكبر من 62 في المئة”.

ويوضح الوزير أن الدولة ليس لديها أي توجه لإرغام الآباء على إرسال أبنائهم إلى مدارس معينة.

الحكومة تحاول تحسين صورتها..

عضو “حزب الشعب الجمهوري” المعارض، “إوتكو كاكيروزر”، قال: “تحاول الحكومة توجيه التلاميذ الناجحين نحو مدارس إمام خطيب لتحسين صورتهم؛ بعد أن عجزوا عن تحقيق النجاح المنشود”.

وسيكمل أكثر من مليون طالب المدارس المتوسطة هذا العام، والـ 90 في المئة، الذين لا يتم إخضاعهم للامتحانات، سيفضلون المدارس القريبة من منازلهم.

وبموجب النظام السابق، كان جميع الطلاب مرغمين على دخول امتحان القبول بالمدرسة العليا، ويقول وزير التعليم التركي؛ إن النظام الجديد مصمم للحد من عدد الطلاب الذين يواجهون ضغط الامتحانات.

خطوات قضائية ضد النظام الجديد..

قالت نقابة معلمي جامعة إيجيتيم سين التركية، “The Egitim-Sen”، في بيان؛ إنها شرعت في خطوات قضائية ضد النظام الجديد.

وأضافت: “يواصل حزب العدالة والتنمية الحاكم الإصرار على سياسة جعل التعليم دينيًا”.

تحولات بنيوية وهيكلية منذ تولي “الحرية والعدالة ” الحكم..

عن مركزية الدين وتحولات البنى المجتمعية في تركيا؛ يقول الباحث في الحركات الإسلامية المقيم في تركيا حاليًا، “مصطفى زهران”، أن تصريحات الرئيس التركي، “رجب طيب إروغان”، التي دعا خلالها إلى ضرورة إعادة النظر في بعض أحكام فقهاء الإسلام الكلاسيكية والقديمة، لكونها لا تناسب روح العصر، أثارت جملة من الانتقادات في الداخل التركي وخارجه، وذلك عقب إلقائه كلمة افتتاحية على هامش حفل أقيم بمناسبة اليوم العالمي للمرأة؛ تناولت مواقف بعض رجال الدين وما يصدرونه من فتاوى وتصريحات إزاء المرأة اعتبرها “إردوغان” لا تواكب هذا العصر البتة، واصفًا إياهم بالعاجزين عن تقديم ما يتناسب مع مستجدات الواقع ومستحدثات العصر. وجاء في كلمته: “لا يمكن تطبيق الإسلام بأحكام صدرت قبل 14 و15 قرنًا، وتطبيق الإسلام يختلف بحسب المكان والزمان والظروف، وهنا يكمن جمال الإسلام”.

وفي محاولة لفهم حالة الجدل التي طفت على السطح جراء تصريحات الرئيس التركي، خاصة في الداخل التركي، يشير “زهران” إلى أنه لابد من فهم طبيعة السياق العام الملتف بالحالة التركية في اللحظة الراهنة، إذ شهد الفضاء المجتمعي والديني التركي خلال الـ 15 عامًا الأخيرة جملة من التحولات البنيوية والهيكلية العميقة؛ منذ وصول “حزب العدالة والتنمية” للسلطة في 2001، حتى وإن أتت تدريجية وليست جملة واحدة، عزز خلالها الشعور الديني بعد أن فتح المجال العام للتمظهرات الدينية والتنظيمية – التي كانت محظورة في الماضي القريب – متمثلة في إفساح المجال للطرق الصوفية وإعادة مأسسة الهيكلية الدينية الرسمية للدولة والإرتقاء بالمستويين العلمي والمعرفي للعاملين داخلها من الخطباء والوعاظ والأئمة، ما ساهم بدوره في تدشين عقد اجتماعي جديد يحتل الدين سلم أولوياته واهتماماته، بل ويرسم محددات وأطر الدولة التركية العلمانية.

لعب الخطاب الديني دورًا..

موضحًا أن أبرز تلك التمظهرات الأخيرة؛ والتي تعايشها تركيا حاليًا وما تعكسه من حجم هذا التحول، حجم  التعاطي السياسي والمجتمعي الإيجابي – الداعم والمحفز – الذي أبداه الشارع التركي إزاء العملية العسكرية ضد ميليشيات الـ”pyd” الكردية، في “عفرين”، بالداخل السوري، لما رأت في تحركات تلك الميليشيات تهديدًا لأمنها القومي، حيث لعب الخطاب الديني في المساجد والزوايا دورًا في هذه المعركة عبر شحذ الهمم وإستنفار الحماسة الدينية لدى القوى الأمنية العسكرية والشرطية الخاصة إبتداء ثم خلق حاضنة مجتمعية إنطلاقًا من المحددات الدينية وأطرها باعتبار هذا المقاتل “محمدي” وما تقوم به جنود الدولة التركية “جهادًا”.

وأشار “زهران” إلى أنه إنطلاقًا من هذه المحددات والأطر؛ تسببت تصريحات رئيس الجمهورية في إثارة الرأي العام الشعبي، توافق مع سياق جديد تعايشه الدولة التركية يحظى الدين داخله بمساحة تختلف جملة وتفصيلة عن سياقاتها القديمة، حينما كان منزويًا ومحذورًا، بدا وكأن الهدف الرئيس لـ”إردوغان”، من خلال انتقاداته تلك، التأكيد على أن ذلك الإنبعاث المتجدد للدين في الفضاء المجتمعي التركي سيكون عصرانيًا وحداثيًا ولن يكون تقليديًا ماضويًا ليناسب التنوع داخل الشريحة المجتمعية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى قطع الطريق أمام القوى المناهضة لعودة الدين في المجال العام وطمأنتهم بأن هذا الإستدعاء سيراعي هذه التباينات حتى لا تتحول الحالة الدينية إلى نصية جافة تفتقد المرونة والتحرك بإنسيابية في مجتمع ينتمي لدولة تقدم نفسها بأنها علمانية في المقام الأول.

لن تقبل بهذا التحول لأنه يهدد وجودها العلماني..

في موازاة ذلك؛ يشير هذا التحول إلى حجم التدافع القائم وصراع الأفكار، الذي تشهده الدولة التركية حول مدى تموضع الدين داخل الفضاء المجتمعي التركي، ولابد من الإشارة إلى أن القبول بهذا التحول لا يمكن إضفاؤه على كافة التنويعات القائمة إذ أن تركيا تعج بكم من الأفكار الإيديولوجية التي لها إنعكاسًا على الواقع المجتمعي بطبيعة الحال، ما يعني عدم قبولها بهذا التحول الذي قد تراه يهدد وجودها العلماني، الذي رافقها خلال أكثر من ثمانية عقود ويزيد، أي أن هذا التحول في الفضاء المجتمعي في الداخل التركي سيجابه بحملة رافضة له ومتعقبة لأثره؛ خاصة أخطاءه وسلبياته التي يمكن حدوثها، ما يصعب من مهمة الساعين نحو ترسيخ الدين في ذهنية ومسلكية الجمهور التركي، نظرًا لخشية بزوغ أفكار متشددة تطيح بهذه المركزية التي حظي بها الدين، فتعود عقارب الساعة إلى الوراء مرة أخرى، ويبدأ الحديث عن إختطاف الدين لدولة مدنية علمانية ما يؤسس لمرحلة أكثر صعوبة يمكن أن تعود بتركيا إلى عهدها القديم المناوئ لتموضع الدين في المشهد المجتمعي.

ستعود إلى مرحلة ما قبل الجمهورية بالتدريج..

في خلاصة القول؛ يرى “زهران” أن تركيا تسير على وقع تحولات جوهرية في البنى المجتمعية والثقافية تعود بها إلى مرحلة ما قبل الجمهورية شيئًا فشيئًا، يستعيد الدين داخله عافيته ويتداخل بشكل كبير مع المشهد السياسي، ويضحى أحد أهم منطلقاته ومحدداته المستقبلية عبر ترسيخ أقدامه في المجال العام إبتداء وإفساح الطريق له لكي يتبوأ دور في عودة تركيا للعالمين العربي والإسلامي، بعد قطيعة دامت لأكثر من ثمانية عقود ويزيد، إذ اعتبرنا النخبة القائمة في السلطة الآن تسعى لتعزيز الروابط بينها وبين حاضر التاريخية وتراثها العثماني عبر أعمال فنية دعائية تمهد لعودتها وقبوليتها في الداخل التركي؛ ومن ثم خارجه، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مسلسل (أرطغرل)، والذي يتناول تاريخ تأسيس الإمبراطورية/الدولة العثمانية، إبتداء من طورها الأول، “السلجوقي”، وإنتهاء بقيام الدولة العثمانية، وآخر يعرض السيرة الذاتية لآخر السلاطين العثمانيين، “عبدالحميد الثاني”، وهي خطوات مدروسة ومنهجية  أضحى لها غاياتها التي تسعى إليها.

بالإضافة إلى دعوة “إردوغان” الأخيرة بضرورة إدراج اللغة العثمانية في المناهج الدراسية، لتلافي ما تسببت فيه الثورة اللغوية بالفترة الجمهورية ما أسماه بـ”تدمير اللغة التركية”، إلا جزء من إعادة ترسيخ الدين في البنى المجتمعية التركية ثقافيًا ومعارفيًا وموضوعيًا.

القوى المدنية تحذر من تنفيذه خطة طويلة الأمد لأسلمة تركيا..

في عام 2017، كانت قد حذّرت أحزاب وقوى مدنية وحقوقية من أن الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، ينفذ خطة طويلة المدى لأسلمة تركيا والانقلاب على هويتها العلمانية عبر سلسلة من القرارات، آخرها مشروع القرار، الذي ينتظر أن يناقشه البرلمان التركي، والذي يدفع لسنّ قانون يجيز الزواج الديني ويساوي بينه وبين الزواج المدني، ما قد يفتح الطريق أمام القبول بالزواج العرفي، حيث لا يسمح القانون التركي للمأذون الشرعي بعقد زواج رسمي ويقوم الموظفون من البلديات بهذه المهام. ومنذ تطبيق القانون المدني عام 1926، والموظفون المدنيون فقط هم من يمكنهم عقد الزواج في تركيا. كما أن من يذهب إلى مسجد ليعقد قرانه تتمّ محاكمته بالسجن لمدة تتراوح بين شهرين وستة أشهر.

واستغرب المعارضون الأتراك طرح هذا المشروع للتصويت؛ في غياب أيّ مشاكل تعترض الأتراك من الزواج المدني، ولا يجدون أيّ مبرّر لهذه المغامرة القانونية سوى رغبة “إردوغان” في تركيز جهاز مواز يقسّم الأتراك ويثير بينهم الخلافات حول الهوية الدينية والهوية المدنية.

وتساءل نائب حزب الشعب الجمهوري، “شينال صاري هان”، عن الحاجة لمنح هذه الصلاحيات بهذا الشكل ؟.. وقال: “هل هناك عجز أو عدم كفاية في البلديات أو مسؤولي الزواج القانوني لعمليات الزواج ؟”.

واعتبرت صحف معارضة أن هذه الخطوة تأتي ضمن رغبة حكومة “إردوغان” في التخلص من النظام العلماني وتعويد الأتراك على الأحكام الإسلامية؛ وكمقدمة لبناء حكم ديني يحقق للرئيس التركي أمنيته في أن يستعيد تجربة العثمانيين ولعب دور “السلطان”.

ولم تخف “كايه أوسلور”، ممثلة “حزب الشعب الجمهوري” في البرلمان، في الربط بين تفكير “إردوغان” وخططه لبناء مجتمع إسلامي مغلق وبين تفكير تنظيم (داعش)، الذي طبّق نماذج حكم عنيف في سوريا والعراق.

وقالت “أوسلور”: “العقلية التي أنشأت الدولة الإسلامية يتم تداولها في تركيا أيضًا، ولكن بإصدار مختلف”.

ولا تستبعد منظمات مدنية وحقوقية أن يكون إقرار الزواج الديني هادفًا لجعله مرجعية وحيدة لدى الأتراك، وأن تعمد الحكومة إلى تشجيع الناس على تهميش الزواج المدني، وهو ما من شأنه أن يدفع إلى الاعتراف بنماذج مقنّعة مثل الزواج العرفي وغيره من التسميات الرائجة بين أوساط إسلامية متشددة.

السكوت على ما يفعله “إردوغان” يضرب الهوية المدنية..

تحذّر هذه المنظمات من أن السكوت عن التغييرات الجوهرية التي يخرق بها “إردوغان” جدار العلمانية ستزيد من خطواته لأسلمة الدولة وضرب هويتها المدنية، لافتة إلى أن خطورة مشروع الرئيس التركي لا تقف عند المواقف السياسية التي وسّعت دائرة أعداء تركيا، وإنما في وضع أسس مشروع ديني منغلق وسط إرتباك وتردد بين القوى العلمانية.

ولا يخفي “إردوغان” أفكاره المتشددة ورغبته في أن يعيد تركيا إلى الوراء عبر قوانين تقلل من شأن المرأة أو تتدخل في الحريات الشخصية للأتراك؛ مثل تحريم الإجهاض والحث على إنجاب عدد كبير من الأطفال، “3 على الأقل”، والتمييز بين الجنسين، وهي الأفكار التي أدت إلى مظاهرة كبرى بميدان “تقسيم”، في حزيران/يونيو 2013.

عدم المساواة بين الرجل والمرأة..

في تشرين ثان/نوفمبر 2014؛ أثار “إردوغان” غضب جمعيات الدفاع عن المرأة، حينما أفتى بأن “ديننا الإسلام حدد دور النساء في المجتمع بالأمومة، وأنه لا يمكن معاملة الرجل والمرأة بالطريقة نفسها، لأن ذلك ضد الطبيعة البشرية”.

وتابع: “طباعهن وعاداتهن وأجسادهن مختلفة (…) لا يمكنكم وضع امرأة ترضع طفلها ورجلًا على قدم المساواة”.

وتدخل “إردوغان” في تقاليد الأتراك التاريخية؛ عندما رفض اعتبار عرق “الراكي”، شراب الأتراك، مطالبًا بإستبداله بشراب لبن “العيران”، ما أثار موجة من الإستهجان والتهكم.

وحتى لا تبقى هذه الأفكار بعيدة عن التنفيذ؛ دعا الرئيس التركي أيضًا إلى تفعيل دور المساجد في عموم البلاد، خلال الفترة القادمة، وجعلها مفعمة بالنشاط بشكل دائم، وليس فقط في أوقات الصلوات الخمس، وهو ما اعتبره متابعون دليلًا على توجه “إردوغان” لتكوين مجتمع مواز يعتمد الآليات التقليدية في التواصل، واللعب على البعد الديني لإختراق الوعي الشعبي.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب