خاص: كتبت- نشوى الحفني:
مع التحولات السورية المتسّارعة؛ كان للحضور الأوروبي المتزايد نصيبًا كبيرًا على الساحة السياسية السورية، خصوصًا بعد زيارة قيادات بارزة من “فرنسا وألمانيا” إلى “دمشق”.
تأتي هذه الزيارة كإشارة دعم للإدارة الجديدة في “سورية”، لكنها تحمل شروطًا متعلقة بالانتقال السياسي والشمولية في تمثيل مكونات الشعب السوري.
مطالب بعملية انتقالية سلمية..
وفي بيان؛ طالب وزيرا خارجية “فرنسا” و”ألمانيا”، الجمعة، من قائد الإدارة الجديدة في سورية؛ “أحمد الشرع”، المعروف بكنيته الحركية: “أبو محمد الجولاني”، بتحقيق عملية انتقالية سلمية تُمثل المجتمع السوري بتنوعه.
وأضاف البيان أن الإدارة السورية الجديدة: “أشارت بشكلٍ خاص إلى أن النساء سيكونن جزءًا من اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني الذي سيبدأ في الأيام المقبلة، وعرضت فرنسا وألمانيا خبراتهما لدعم العمل الدستوري الناتج عن المؤتمر الوطني”.
وأكد الوزيران على: “الحماية اللازمة للمصالح الأمنية، والتي تنطوي على مواصلة القتال ضد (داعش)، وأيضًا منع نشر الأسلحة الكيميائية للنظام”.
كما شددّا على ضرورة إنهاء القتال في شمال “سورية” وإيجاد حل يحفظ المصالح الأمنية للجميع، بما في ذلك: “شركاؤنا الأكراد” في “قوات سورية الديمقراطية”؛ (قسد)، “الذين نُقاتل إلى جانبهم تنظيم (داعش)”.
وتابع البيان: “كما تعهدت السلطات بمحاربة الإرهاب، واستضافة بعثة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية قريبًا، والعمل على حماية الحدود السورية”.
وأشار إلى التزام: “فرنسا وألمانيا بتقديم خبرتهما الفنية في علم الجريمة لتعزيز مكافحة الإفلات من العقاب على جرائم نظام الأسد”.
تبرز هذه التطورات في وقتٍ يشهد فيه الداخل السوري مرحلة انتقالية دقيقة، حيث التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية تتطلب جهودًا جماعية لتحقيق استقرار حقيقي.
واستهدفت زيارة الوزيرين الألماني والفرنسي إلى استكشاف سبُل تحقيق استقرار سياسي طويل الأمد في “سورية”، مع التركيز على إعادة دمج المناطق الخارجة عن سيّطرة النظام، ضمن هيكل دولة موحدة، بحسّب وسائل إعلام.
شروط رفع العقوبات..
وأكدت وزير الخارجية الألمانية؛ “أنالينا بيربوك”، أن رفع العقوبات سيعتمد على المضي قدمًا في العملية السياسية.
كما دعا وزير الخارجية الفرنسي؛ “جان-نويل بارو”، الجمعة، من “دمشق”، إلى إتلاف مخزون الأسلحة الكيميائية السورية، خلال لقائه ممثلين عن المجتمع المدني السوري، في إطار زيارة للقاء السلطات الجديدة.
تحول في النهج الأوروبي..
وبحسّب صحيفة (ليموند) الفرنسية يسّعى “الاتحاد الأوروبي” إلى دفع الأطراف السورية نحو اتفاق سياسي، يشمل جميع الفصائل، بما في ذلك القوى الإسلامية، مثل (هيئة تحرير الشام).
الوزيران الفرنسي والألماني أكدا؛ خلال مؤتمر صحافي مشترك، أهمية بناء الثقة بين الأطراف، كما شددّا على ضرورة ضمان حقوق الإنسان ومعالجة القضايا الإنسانية، بما في ذلك عودة اللاجئين وإعادة إعمار المناطق المتضررة.
ويرى محللون أوروبيون أن هذه الزيارة تُمثل تحولًا في النهج الأوروبي تجاه الأزمة السورية.
وطالبت وزيرة الخارجية الألمانية؛ “أنالينا بيربوك”، السلطات في “سورية”، بعدم إقامة: “حكومة إسلامية”، في ختام لقائها بـ”أحمد الشرع”.
ويُشير المحلل الفرنسي؛ “جان-بيير فيلييه”، في مقالٍ له على موقع (فرانس 24)، إلى أن “أوروبا” بدأت تُدرك ضرورة التعامل مع جميع الأطراف المؤثرة على الأرض، بما في ذلك تلك التي كانت تُعتبر سابقًا خارج نطاق الشرعية الدولية.
مخاطر تطبيع العلاقات..
في المقابل؛ يُحذر المحلل الألماني؛ “كلاوس ديتريش”، من أن هذا النهج يحمل مخاطر تطبيع العلاقة مع مجموعات لها تاريخ مرتبط بالعنف.
ويرى أن: “الاتحاد الأوروبي؛ بحاجة إلى ضمان أن أي تعاون مع (هيئة تحرير الشام) سيؤدي إلى تعزيز القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان”.
ومع سقوط النظام السابق؛ تسعى “أوروبا” إلى لعب دور أكثر فاعلية. وفقًا لمصدر في “وزارة الخارجية” الفرنسية، فإن الهدف الاستراتيجي هو دفع الأطراف جميعهم إلى عملية سياسية شاملة قبل الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة.
عقوبات على نظام “الأسد”..
ولعبت العقوبات الأوروبية دورًا محوريًا في الضغط على النظام السوري السابق لتحقيق تسوية سياسية.
منذ 2011، فرض “الاتحاد الأوروبي” عقوبات اقتصادية وسياسية شملت حظر تصدير النفط وتجميد أصول أفراد وشركات مرتبطة بالنظام السابق.
واستهدفت العقوبات أيضًا الصناعات الرئيسة والبنوك السورية. وفقًا لتقرير صادر عن “المجلس الأوروبي”؛ (EU Council)، كانت هذه الإجراءات تهدف إلى إجبار “دمشق” على الانخراط الجدي في المفاوضات مع المعارضة.
وبعد سقوط نظام “بشار الأسد”؛ في “سورية”، عبّر “الاتحاد الأوروبي”، عن موقفه من العقوبات المفروضة على البلاد، مؤكدًا أنه من السابق لأوانه رفعها.
في 15 كانون أول/ديسمبر 2024؛ كانت “كايا كالاس”، مسؤولة السياسة الخارجية بـ”الاتحاد الأوروبي”، قد صرحت بأن التكتل لن يرفع العقوبات إلا إذا ضمنت الحكومة السورية الجديدة عدم اضطهاد الأقليات وحماية حقوق المرأة، مع إقامة حكومة موحدة تنبذ التطرف الديني.
وأكد قادة “الاتحاد الأوروبي”؛ بعد سقوط “الأسد”، أهمية وجود عملية سياسية شاملة تُلبّي التطلعات المشروعة للشعب السوري، مع ضرورة احترام استقلال “سورية” وسيّادتها ووحدة أراضيها.
كما شدّدوا على ضرورة احترام حقوق الإنسان؛ بما في ذلك حقوق المرأة، وإقامة حكم غير طائفي وحماية أفراد الأقليات الدينية والعرقية، إضافة إلى ضمان حماية التراث الثقافي في “سورية”.
ويقول محللون إن العقوبات أثرت سلبًا على الشعب السوري أكثر من النظام، مما يُزيد تعقيد الأوضاع الإنسانية، ويُضعف جهود إعادة الإعمار.
في مقابل ذلك؛ تُحذر أطراف أوروبية من التسّرع في رفع العقوبات، قبل التأكد من أن النظام أو القوى الجديدة تمتثل للمعايير الدولية.
مع نهاية هذا الأسبوع.. وانتهاء سنة وبداية سنة جديدة، أصدرت “وزارة التربية والتعليم” السورية، التابعة لحكومة “أحمد الشرع”؛ (الجولاني سابقًا)، تعديلات في المناهج الدراسية لمراحل التعليم ما قبل الجامعي. ودون أدنى شك هي تغييّرات تتسّق مع الفكر القادم مع الإدارة الانتقالية الجديدة.
تطلع لمرحلة جديدة من الاستقرار..
ويعتقد الناشط السياسي السوري؛ “يوسف الزعبي”، أن الشعب السوري يعقد آمالًا كبيرة على رفع العقوبات الغربية.
ويرى “الزعبي”؛ في حديث لـ (24)؛ أن: “هذه العقوبات كانت جزءًا من الضغوط التي فرضها النظام السابق على الشعب، حيث كانت تُزيد من معاناته اليومية، وتضاعف من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية”.
ويؤكد “الزعبي”؛ أن رفع العقوبات سيَّساهم في تحسّين ظروف الحياة للسوريين، ويمنحهم فرصة للتعافي، والبدء مجددًا بعيدًا عن الحصار الاقتصادي، الذي عاشوه بسبب “الأسد”.
ويُضيف أن الشعب السوري يتطلع إلى مرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار، حيث يُمكنه الوصول إلى الدعم الدولي لإعادة إعمار البلاد، دون الخوف من العقوبات التي تحد من فرص النمو، مؤكدًا أن رفع العقوبات سيمكّن “سورية” من العودة إلى المجتمع الدولي بشكلٍ إيجابي، ويسَّهم في توفير الفرص الاقتصادية التي يفتقر إليها الشعب، بسبب الحصار، خاصة في ظل الضغوط التي تسبب فيها النظام السابق.
زيارة تحمل تفاؤلًا بشروط..
ووفقًا لعضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري؛ “أحمد بكوره”، فإن هذه الزيارة تحمل: “تفاؤلًا”، لكنها ترتبط بتنفيذ شروط أساسية، منها الانتقال السياسي وبناء حكومة تكنوقراط تشمل جميع المكونات.
ويُشير “بكوره”؛ في حديثه لبرنامج غرفة الأخبار في (سكاي نيوز عربية*، إلى أن “الاتحاد الأوروبي” يُدرك أهمية دعم المرحلة الانتقالية، ولكنه يُطالب بتحقيق توافق شامل داخل “سورية”، مشددًا على أهمية المدن الشمالية مثل “الرقة والحسكة” في العملية السياسية.
ويرى الناشط السياسي؛ “علي محمد السلطان”، أن “أوروبا” قدمت: “رسالة دعم” للإدارة الجديدة، معبّرًا عن قناعة “أوروبا” بالتغيرات التي حدثت بعد سقوط النظام السابق. لكنه أكد على أهمية أن يتجنب الأوروبيون فرض شروط صارمة، بل تقديم اقتراحات تساهم في تعزيز الشراكة وتحقيق التطلعات الشعبية.
يتطلب خطوات فعلية على الأرض..
أما أستاذ الفلسفة السياسية؛ الدكتور “رامي الخليفة العلي”، فقد شدّد على أن الدعم الأوروبي: “ليس بلا شروط”، ويتطلب خطوات فعلية على الأرض، خصوصًا فيما يتعلق بتشكيل حكومة تشاركية تضمن التمثيل العادل لجميع الأطراف.
وأضاف أن هناك قلقًا أوروبيًا من استمرار النفوذ الروسي في “سورية”، مما يُفرض تحديات إضافية أمام الإدارة الجديدة.
التواجد الروسي في “سورية”..
يُشكل الوجود الروسي في “سورية” نقطة توتر كبيرة في العلاقة “الأوروبية-السورية”.
وقد أشار “بكوره”؛ إلى أن الدور الروسي خلال السنوات الماضية كان سلبيًا للغاية، وأن تحقيق التغيّير يتطلب معالجة الأضرار التي لحقت بالشعب السوري جراء هذا النفوذ.
ومع ذلك؛ يؤكد الناشط “السلطان” على إمكانية بقاء القواعد الروسية إذا خدمت مصلحة الشعب السوري؛ وتم التفاوض على شروط واضحة.
من جهته؛ يرى الدكتور “العلي”، أن الأوروبيين: “يُفضلون عدم التعاون مع النظام الروسي”، ويُطالبون بانسحاب القوات الروسية كشرط لتحسّين العلاقات مع “سورية”.
هذا التوجه يعكس رغبة “أوروبا” في تقليص النفوذ الروسي في الشرق الأوسط، خاصة بعد تجربتها المقلقة مع “روسيا” في “أوكرانيا”.
كما أكد “العلي” أن التأثير التركي على الإدارة السورية الجديدة يُمثل مصدر قلق لبعض الأطراف، خصوصًا أن الأوروبيين يسعون لتحقيق توازن في الساحة السورية بمشاركة عربية أوسع.