خاص : كتبت – هانم التمساح :
وكأن السيناريو يعيد نفسه.. بين بلدان الوطن العربي دائمًا يكون الفقراء وقود المعارك، تبني الطبقة السياسية أمجادها وثرواتها على حطام المهمشين والفقراء، ويبدو أن “تشرين” يأبى أن يغادر دون إعلان الشعب اللبناني غضبه ضد الفساد والفقر والبؤس. هو نفسه الفقر والفساد واستغلال الشعب تحت اسم “الطائفية”، الذي وحد “فقراء العراق”، وحد أيضًا “فقراء لبنان” ضد الطبقة الحاكمة.
انتفاضة هزت شوارع لبنان وشلت حركته..
انتفاضة عارمة شهدتها المناطق اللبنانية احتجاجًا على الضرائب والأوضاع المعيشية الصعبة. وتوسعت رقعة الاحتجاجات بشكل غير مسبوق من الشمال إلى الجنوب. وشهدت مفارقات من مثيل التهجم على منزل النائب، “ياسين جابر”، ومكتب النائب، “هاني قبيسي”، والنائب، “محمد رعد”، إلى إحراق صور زعماء أو تمزيقها في غير مكان. وبدا المشهد الغاضب عابرًا للمناطق والطوائف، وهو إن بدا سلميًا بداية، فقد تبدّل ليشمل أعمال تكسير وشغب وحرق إطارات وتصادم مع القوى الأمنية التي أعلنت عن جرح ستين عنصرًا في صفوفها. وأصيب عشرات المتظاهرين بحالات إغماء نتيجة استخدام القوى الأمنية القنابل المُسيلة للدموع، وسجلت أضرار كبيرة في الممتلكات في وسط “بيروت”.
بدأ عدد من الشبان، في “ساحة رياض الصلح”، احتجاجًا على إقرار ضرائب جديدة، حيث نفّذوا اعتصامًا عبّروا فيه عن رفضهم لسياسة الحكومة حيال القضايا المعيشية. وعمد البعض منهم إلى قطع الطرق المحيطة بـ”مجلس النواب” والسرايا الحكومية، لتندلع بعدها اشتباكات بين المتظاهرين والقوى الأمنية، بعد ساعات طويلة شهدتها المناطق اللبنانية.
وقع الاحتجاجات، التي ملأت شوارع “لبنان”، لا سيما العاصمة، “بيروت”، مساء الخميس واستمرت حتى صباح الجمعة، حيث لا يزال عدد من الطرقات مقفل بالإطارات المشتعلة على الرغم من محاولة القوى الأمنية فتح معظمها، يجتمع “مجلس الوزراء” لمناقشة الوضع المتأزم.
هتافات ضد الطبقة السياسية كلها بلا طائفية..
ولأول مرة؛ تخرج التظاهرات بـ”لبنان” على هدف موحد ومطالب موحدة؛ دون فكرة الحشود والحشود المضادة، لم تظهر نغمة سُني أو شيعي أو مسيحي أو درزي، الهتافات رددها جميع المقهورين ضد السلطة الحاكمة بكل إنتماءاتها الإيديولوجية، وكسرت كل التابوهات المحرم الإقتراب منها، فلم تفرق بين “سعد الحريري” أو “حزب الله” ولا “حركة أمل”، حتى أنها طالت الرئيس اللبناني أيضًا.
كبار السن يفترشون الأرصفة !
وفي الوقت الذي يرفع فيه النواب والسياسيين شعارات إنمائية يخوضون تحت معاركهم السياسية، يقبع عدد كبير من كبار السن في “لبنان” على الطرقات وفي أزقة الشوارع بحثًا عن فتات الطعام. يفترشون الأرصفة تحت الجسور، حفاة، عراة، يتخذون من أماكن رمي النفايات مأوىً لهم.
عشرات الحالات تصادفها يوميًا على الطرقات، لا تأبه الطبقة السياسية لمعظمها، على الرغم من أنهم كبار في السن يحتاجون إلى الرعاية وتأمين أبسط الحقوق في نهاية حياة كريمة. لا نهاية يبحثون فيها عن فتات الطعام في النفايات ويتوسلون مبالغ زهيدة من المال.
السياسيون يتنصلون من الأزمة التي صنعوها..
يبدو أن السياسيين في “لبنان” قد تحوّلوا بين ليلة وضحاها إلى خبراء وفقهاء اقتصاديين وإصلاحيين عقلاء يتصنعون الغيرة والقلق، وإلى ثوّار متمرّدين على الهدر والفساد عبر الأرقام التي يوردونها للمرّة الأولى منذ تداولهم مختلف الوزارات على مدى عقود من الزمن عن رواتب ومخصّصات وتعويضات خيالية وبدلات تمثيل وسفر وعن تلزيمات بالتراضي وتهرّب ضريبيّ وإيجارات مبانٍ حكومية مقفلة وسلسلة رتب ورواتب غير مدروسة وعن نهب مزمن في الوزارات والمجالس الرديفة لها وعن مرافيء وحدود سائبة وجمعيات وهميّة لذوي القربى. كل ذلك ظهر فجأة حينما خرج الشعب ثائرًا.. إنهم يبدون وكأن لا ناقة لهم ولا جمل في ما آلت إليه الأمور في “لبنان” من عجز وإنهيار وإفلاس ومديونية وإفقار ورعب وهلع في صفوف المواطنين.
وزيرة الداخلية : استقالة “الحريري” لن تحل الأزمة..
وفي حين سارت أنباء، أمس، عن احتمال استقالة الحكومة، أكدت وزيرة الداخلية، “ريا الحسن”، أن المسألة غير مطروحة، وأن استقالة رئيس الحكومة، “سعد الحريري”، لن تحل الأزمة بل ستعقدها.
وأعلنت رئاسة مجلس الوزراء، بحسب ما أفادت الوكالة الرسمية؛ أنه: “تم نقل مكان إنعقاد جلسة الحكومة التي كانت مقررة في السراي الكبير عند الساعة الثانية من بعد ظهر الجمعة إلى القصر الجمهوري في بعبدا”.
مواجهات ومصابين..
إلى ذلك؛ استمر قطع الطرقات، الجمعة، في بعض المناطق، فقد أوضحت (الوكالة الوطنية للإعلام): “أن أوتوستراد جبيل، (الذي يصل بين بيروت والشمال)، في الإتجاهين ما زال مقفلًا بالإطارات المشتعلة في محلة سنتر صفير، ويشهد الأوتوستراد زحمة سير خانقة”.
المواجهة التي استمرت بين قوى الأمن الداخلي اللبناني وبين المتظاهرين؛ والتي دارت من “ساحة الشهداء”، وسط العاصمة، وأمتدت إلى “ساحة رياض الصلح”، عند مدخل السرايا الحكومي، واستمرت حتى ساعات الفجر الأولى وأدت إلى وفاة عاملين سوريين قضيا خنقًا من جراء دخان الحريق الذي أضرم في أحد الأبنية في “بيروت”.
بدوره أعلن “الصليب الأحمر اللبناني”؛ بأنه عالج سبعين مصابًا ميدانيًا ونقل 26 جريحًا إلى المستشفيات.
وزير الاتصالات يصفهم بالمخربين !
فيما اتهم وزير الاتصالات اللبناني، ما أسماها، بأيادٍ خفية، بالوقوف وراء الاحتجاجات، متمنيًا عدم اللجوء إلى أساليبَ تَقضي على ما تبقى من اقتصاد، على حد قوله. وأضاف أن الموازنة لن تتضمن ضرائب جديدة أو رسومًا جديدة، مشيرًا إلى طلبه من رئيس الحكومة التصويتَ غدًا على مشروع الموازنة كما تقدمَ بها.
وكان “مجلس الوزراء” قد ناقش فرض رسوم على المكالمات عبر تطبيق (واتس آب) وتطبيقات أخرى مماثلة، في إطار مساع لزيادة الإيرادات في مسودة ميزانية البلاد، للعام 2020، وهي الخطوة التي أثارت احتجاجات وتظاهرات حاشدة في العاصمة اللبنانية، “بيروت”، وعدد من المناطق اللبنانية الأخرى؛ فكانت القشة التي قسمت ظهر البعير.
متظاهرو الضاحية يلومون “حزب الله” لعدم محاسبة الفاسدين..
وتظاهرَ العشرات في ضاحية “بيروت الجنوبية”؛ مُوَجهين اللوْمَ لـ”حزب الله” لعدم محاسبته الفاسدين.
كما ردد العشرات من المتظاهرين شعارات تطالب بإسقاط النظام، حيث قطع المتظاهرون جسرًا رئيسًا في العاصمة، “الرينغ”، وأنطلقوا بمسيرةٍ من أمام مبنى مركز “حزب الكتائب اللبنانية” في “الصيفي”.
إغلاق البنوك والمدارس والمؤسسات..
وفي وقت سابق؛ أعلنت “جمعية مصارف لبنان” إغلاق كافة البنوك في “لبنان”، اليوم، كما أصدرت “وزارة التربية والتعليم العالي” أيضًا بيانًا بإقفال المدارس الرسمية والخاصة والجامعات بسبب الأوضاع الراهنة.
المسؤولون التفتوا لصراعهم وفسادهم وتركو لبنان تنهار..
“لبنان” المُنهك؛ شرع سياسيوه حديثًا بالتعرف على أعداد موظفيه وتضخم قطاعه العام بعدما حشروا فيه المحاسيب عند كل استحقاق انتخابي، وذلك فهل كانوا يعرفون بما يجري في وزاراتهم ومؤسساتهم وصناديقهم ومرافئهم ومطاراتهم وسفاراتهم طوال سنين، مذ كان الدين العام يقارب الملياري دولار ويغضّون النظر ؟.. أم كانوا مأخوذين بحروبهم العبثية الصغيرة والكبيرة والمناكفات والنزاعات على الحصص والمواقع وإجراء القرعة على الثوب اللبناني ؟.. أم كانوا شركاء فعليين في صناعة الإنهيار والعجز عبر تغليب المحسوبيات السياسية وعبر النهب المنظم للمال العام وعبر استبعاد الأكفّاء من اللبنانيين عن مواقع القرار؛ وهو نفس ما حدث في “العراق”، التفت الساسة لصراعاتهم الطائفية وأقتنصوا من خيرات البلد قدر استطاعتهم وتركوا الشعب يأن الفقر والجوع؛ حتى خرجت التظاهرات الغاضبة تهتف بسقوط الحكومة العراقية.