“ماكرون” في مهب الريح .. تصاعد الاحتجاجات الباريسية تشيع نظامًا ينهار !

“ماكرون” في مهب الريح .. تصاعد الاحتجاجات الباريسية تشيع نظامًا ينهار !

وكالات – كتابات :

على مدار الأشهر الماضية؛ تتكرر التظاهرات في العديد من العواصم العالمية، لكن لـ”باريس” شأن آخر بالنسّبة للرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، الذي بات في مأزقٍ شديد بسبب دخول الطلاب على خط التصّعيد الذي يقوده الشارع بسبب قانون رفع سّن التقاعد.

وظل الشباب في البلاد بعيدين إلى حدٍ كبير عن مظاهرات الشوارع التي قادتها النقابات العمالية لمدة شهرين، وإضرابات النقل ضد خطة “ماكرون” لرفع سّن التقاعد من: (62) إلى (64 عامًا)، شّعرت الحكومة أن حركة الاحتجاج يمكن احتواؤها، بحسّب تقرير لصحيفة (الغارديان) البريطانية.

لماذا يقلق “ماكرون” من دخول الشباب على خط الأزمة ؟

لكن المظاهرات في الشوارع؛ يوم الثلاثاء 28 آذار/مارس 2023، أظهرت إلى أي مدى أدى الشعور المناهض لـ”ماكرون” والغضب من استخدام السلطات التنفيذية الدستورية للمُضّي قُدمًا في تغييّرات المعاشات دون تصويت برلماني، إلى دفع أعداد متزايدة من الشباب للمشاركة.

هناك غضب خاص بين الشباب الفرنسيين إزاء ما يُنظر إليه على أنه أداء شرطي شّرس من جانب “شرطة مكافحة الشغب” إزاء المظاهرات. ويعتزم أكثر من: 90 ألف طالب الانضمام إلى مسيّرات في الشوارع، يوم الثلاثاء المقبل، أي أكثر بثلاث مرات مما كانت عليه الأسبوع الماضي.

حوصرت العشرات من الجامعات بالاحتجاجات، بما في ذلك العديد من الجامعات التي لا تشهد عادةً مثل هذا النوع من الاحتجاج، كما هو الحال في “لاروشيل”؛ في غرب “فرنسا”. قام المراهقون بتكديسّ الصناديق لحصار المدارس الثانوية في “باريس” ومدن أخرى.

يؤدي وجود فتيان تتراوح أعمارهم بين: (17) و(18 عامًا)، إلى تعقيد تكتيكات الشرطة الفرنسية، والتي كانت بالفعل موضوع: 17 تحقيقًا في أعمال عنف وسوء تصرف مزعومة في الأيام الأخيرة.

ويقول الطلاب إن الغضب يتصاعد، فيما يقول بعضهم إنهم اجتازوا للتوّ عمليات الإغلاق الخاصة بـ (كوفيد)، ليواجهوا الخوف من تهديد شبكة الأمان الاجتماعي لدولة الرفاه ونظام المعاشات التقاعدية في “فرنسا” لمستقبلهم ومستقبل آبائهم – كل ذلك بينما لم تُعالَج أزمة المناخ بالصورة الصحيحة بعد.

تكمن الصعوبة التي يواجهها “ماكرون” في أنه لم يكن قادرًا على تقديم خارطة طريق واضحة للخروج من هذا الوضع غير المعتاد؛ حيث مُرِّر القانون من قِبَل الحكومة، ومع ذلك فإن المحتجين يُكثفون مظاهراتهم، التي تتسّع وتبدو مفتوحة بلا نهاية في الأفق.

يرفض “ماكرون” إلغاء تغييّراته في نظام التقاعد؛ إذ إن مصداقيته كإصلاحي تعتمد على هذه التغييّرات. ويبدو أنه يأمل في اللعب لكسّب الوقت، مفترضًا أن الجمهور سيفقد صبره إزاء صناديق القمامة المشتعلة ونوافذ المتاجر المحطمة التي تتضح بشكلٍ متزايد على أطراف ما كانت حتى الأيام الأخيرة مظاهرات سلمية بقيادة النقابات العمالية.

ومثل احتجاجات “السّترات الصفراء”؛ المناهضة للحكومة في عاميّ 2018 و2019، يتركز الغضب على “ماكرون” نفسه. كُتِبَت على الجدران في “باريس”؛ خلال الأيام الماضية، عبارات مثل: “الموت للملك”، و”استقالة ماكرون”.

حتى إذا أقال “ماكرون”؛ رئيسة الوزراء؛ “إليزابيث بورن”، وأجرى تعديلاً وزاريًا في الحكومة لمحاولة المُضّي قدمًا – وهو ما لا ينوي القيام به – فقد يُنظر إليه على أنه مجرد إجراء شّكلي على المدى القصير.

مُعضلة “ماكرون” الصعبة..

تكمُن المشكلة الحقيقية لـ”ماكرون”، الذي أعيد انتخابه لولاية ثانية كرئيس في الربيع الماضي؛ ضد اليمينية المتطرفة “مارين لوبان”، في أن حزبه الوسطي خسّر بسرعة أغلبيته المطلقة في الانتخابات البرلمانية؛ في حزيران/يونيو، وسّط مكاسّب لليمين المتطرف واليسار الراديكالي.

وقد جعل هذا الحكومة تُكافح من أجل تمرير تشريع دون الخلط بين الحلفاء هنا وهناك، أو استخدام السلطات التنفيذية الدستورية لتجنب تصويت البرلمان. وليست الخطوة الجذرية لحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة خيارًا قابلاً للتطبيق؛ لأن استطلاعات الرأي تُظهر أن الوسّطيين الموالين لـ”ماكرون” سيكونون أسوأ حالاً ويفقدون مقاعدهم، في حين أن حزب “لوبان” من المحتمل أن يربح واليسار الراديكالي سّيبقى مستقرًا.

تُظهر أزمة معاشات التقاعد مدى صعوبة تمرير التشريعات الأخرى التي اقترحتها الحكومة.

قبل ست سنوات؛ وصل “ماكرون” إلى السلطة كشخص خارجي يعِد بمصالحة الشعب الفرنسي. لكن الثقة في السياسة تتعثر. الثقة في النظام في “فرنسا” عند أدنى مستوياتها منذ احتجاجات “السّترات الصفراء” المناهضة للحكومة، وفقًا لاستطلاع الرأي الأخير لـ”مركز العلوم السياسية”؛ (Po Cevipof).

ينظر الفرنسيون إلى السياسة بانعدام الثقة، أكثر من نظرائهم الألمان والإيطاليين، ويرون السياسيين على أنهم: “فاسدون إلى حدٍ ما” أو “يخدمون مصالحهم الخاصة”.

عندما أُعيدَ انتخاب “ماكرون”؛ في نيسان/إبريل الماضي، جاء جزءٌ من أصواته من أشخاص على اليسار لم يوافقوا عليه أو على برنامجه؛ ولكنهم أرادوا استبعاد “لوبان”. اعترف “ماكرون” بذلك ووعد بممارسّة السياسة بشكلٍ مختلف، مع مزيد من التشاور. لكن المحتجين لا يرون ذلك يحدث.

سياسة “ماكرون” الخارجية تأثرت..

وقد أثرت المشكلات الداخلية لـ”ماكرون” بشكلٍ حاسم هذا الأسبوع، وللمرة الأولى، على أجندته الدبلوماسية الدولية. ذكرت صحيفة (Le Monde) الفرنسية أن القرار غير المسّبوق بإلغاء زيارة الدولة للملك “تشارلز” أضرّ بالهيبة الفرنسية. وقال حزب (الجمهورية) اليميني؛ إن الإلغاء في اللحظة الأخيرة أعطى انطباعًا مقلقًا عن الذعر في بلدٍ ينهار من الداخل.

ربما كانت رمزية الزيارة صعبة – فقد سّخر اليسار من خطط عشاء فخم مع الملك في “قصر فرساي” – لكن الأمن واللوجستيات جعلا الزيارة مسّتحيلة. كان الملك “تشارلز”، حريصًا على إظهار أوراق اعتماده، وهو أن يستقل قطارًا إلى “بوردو”، لكن إضرابات النقل كانت ستّوقفه وكان المتظاهرون قد تجمعوا بالفعل.

يُركز دستور “فرنسا”؛ البالغ (65 عامًا)، على السلطة في يد الرئيس الفرنسي على حساب النواب؛ مما يسمح لـ”ماكرون” بتجاوز البرلمان المنقسّم في ظروف معينة. ويُكرر يسار “جان لوك ميلينشون” الراديكالي، الذي دافع منذ فترة طويلة عن دستور جديد لإنهاء الجمهورية الخامسة ويحد من سلطات الرئيس، تلك الحجج التي شوهدت على لافتات في المظاهرات.

انخفضت تقييّمات تأييد “ماكرون” إلى: 28%، وهي أدنى نسّبة منذ أزمة “السترات الصفراء”. لكنه قال إنه يقبل: “انخفاض الشعبية” التي تأتي مع رفع سن التقاعد. لا يمكنه الترشح مرة أخرى لإعادة انتخابه؛ حيث يوجد حدٌّ يمتد لفترتين متتاليتين فقط.

لكن مع تفاخر حزب “لوبان” بدعمه المتزايد بسّبب أزمة المعاشات التقاعدية، يأمل نواب “ماكرون” الوسطيون أن تتمكن رئيسة الوزراء؛ “بورن”، في الأيام المقبلة من تقديم استراتيجية حول كيفية حكم “فرنسا”؛ خلال السنوات الأربع المتبقية لـ”ماكرون”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة