2 مايو، 2024 12:36 ص
Search
Close this search box.

ماذا ينتظر العراق من انتخابات آيار ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – ابتهال علي :

مع اقتراب العراق من يوم الثاني عشر من شهر آيار/مايو القادم، يعكف المحللون ومراكز الأبحاث الاستراتيجية على إستكشاف ما سوف يسفر عنه سباق الانتخابات البرلمانية المقررة في ذلك التاريخ.. ويتبارون في تحليل العقبات التي تهدد الآمال التي تراود العراقيين أن تفرز هذه الانتخابات تحولًا جذريًا في المشهد السياسي بالبلاد المكبلة بالحروب والتفجيرات والفساد والصراعات المذهبية.

وأيضًا الأشواك التي تواجه رئيس الوزراء العراقي، “حيدر العبادي”، في سبيله للفوز في الانتخابات رغم أنه يقتحم السباق على صهوة إنتصاره على تنظيم الدولة الإسلامية، “داعش”، إذ نجح على مدى ثلاث سنوات فقط في القضاء على تنظيم “داعش” وإستعادة بسط السيادة العراقية عبر خريطة تتنازعها أنياب التقسيم، وهي إنجازات يعتبرها البعض صكًاً للفوز في الانتخابات؛ بل أنهم يضعونه في مصاف الرئيس الأميركي، “إبراهام لينكولن”، الذي استطاع خلال فترة رئاسته القصيرة، بين عامي 1861 و1865، من إعادة الولايات التي انفصلت عن الإتحاد والقضاء على الحرب الأهلية الأميركية.

استقرار هش وبيئة سياسية معقدة.. 

يرى تحليل نشرته صحيفة (نيويورك تايمز) الأميركية؛ عنوانه: “الدولة الإسلامية إنهارت، لكن سوف تسفر الانتخابات العراقية عن استقرار صعب المنال”، أن رئيس الوزراء العراقي يقدم نفسه بطلًا وطنيًا لدحره تنظيم “داعش” والحفاظ على وحدة العراق في مواجهة انفصال “إقليم كردستان العراق”، إلا أن التحدي الأكبر الذي يهدد، “العبادي”، في انتخابات آيار/مايو المقبل هو الاستقرار الذي لايزال هشًا، جراء الطائفية بين الشيعة والسنة والفساد المستشري داخل أروقة الحكومة العراقية، وحالة الاقتصاد المتردية وما يكابده ملايين المواطنين المشردين بعد المعارك ضد “داعش”.

أضافت الصحيفة الأميركية أن “العبادي”، الذي لم يقد حملة انتخابية من قبل ويمر بمفاوضات في بيئة سياسية شديدة التعقيد وليس أمامه من أجل الفوز سوى التحالف مع واحدة على الأقل من القوى السياسية الشيعية الثلاث في البلاد. مع الوضع في الاعتبار أن منصب رئيس العراق الشرفي يكون من نصيب الأكراد، ويتولى السنة منصب رئيس البرلمان أما الشيعة فلهم منصب رئاسة الحكومة، وذلك وفقًا للخريطة السياسية بالعراق، التي وضعتها الولايات المتحدة عقب سقوط نظام “صدام حسين” واحتلال البلاد عام 2003، وهو ما كرس الانقسام الطائفي والديني بالبلاد.

تعثر التحالف مع الأعداء..

هذه القوى هي: “نوري المالكي”، رئيس الوزراء السابق وأحد المنافسين بضراوة لـ”العبادي” على المنصب، وزعماء ميليشيات “الحشد الشعبي” الموالية لإيران؛ وعلى رأسهم “هادي العامري”، قائد “منظمة بدر”، وأخيرًا “مقتدى الصدر”، زعيم التيار الصدري، الذي أصبح مؤخرًا بطلًا شعبيًا للفقراء والعاطلين عن العمل ومعارضًا شرسًا للنفوذ الإيراني بالعراق.

والمعضلة أمام “العبادي” أن هذه القوى الشيعية تمتلك أجندتها الخاصة التي لا تتضمن بالضرورة التحالف معه، لذا يعتبر كل منهم عدوًا لدودًا له.

وأتسمت خطوات “العبادي” للتحالف مع هذه الشخصيات البارزة بالتخبط والفشل، حيث أعلن “حيدر العبادي” انفصاله عن “ائتلاف دولة القانون”، فصيله الأساس “حزب الدعوة”، الذي يسيطر عليه “نوري المالكي”، وتشكيل “ائتلاف النصر” الذي يضم 29 حزباً.

وتقدم “المالكي” بالترشح تحت مظلة “ائتلاف دولة القانون”، بينما يرأس “هادي العامري”، زعيم “منظمة بدر”، تحالف “الفتح”، في حين أسّس “مقتدى الصدر” حزباً جديداً أطلق عليه اسم “الإستقامة”؛ سوف يكون جزءاً من ائتلاف جديد تحت اسم “سائرون”، الذي يجمع “التيار الصدري” مع “الحزب الشيوعي العراقي” و”حزب الإستقامة” وعدد آخر من الحركات السياسية، وهو أمر يثير الاهتمام لتحالف الحزب الشيوعي العلماني مع تيار ديني.

وقد أجرى سياسيون، مقربون من “العبادي”، محادثات لجس النبض مع أتباع “الصدر” بشأن التحالف مع تياره، لكن بسبب غضب الأخير من تحالف رئيس الحكومة العراقية مع قادة الميليشيات الموالية لطهران لم تسفر الاتصالات عن نتائجها المرجوة.

مصداقية شعار “عابر للطائفية” على المحك..

كان الفشل أيضًا هو مصير مناورة “العبادي” لخلع عباءة التحالف مع غريمه “المالكي” في “ائتلاف دولة القانون” وفتح ذراعيه لـ”هادي العامري” زعيم تحالف “الفتح” لتوحيد صفوفهما، إذ أعلن “العبادي” إعلانه، في 14 كانون ثان/يناير الماضي، عن تشكيل ائتلاف نصر العراق، “العابر للطائفية” مع ائتلاف “الفتح”.

ومن جانبه، أكد “محمود الربيعي”، عضو المكتب السياسي لحركة “عصائب أهل الحق”، عن التوقيع رسمياً على اتفاق تحالف “نصر العراق” بين “العبادي” و”العامري”. وهو ما قوبل بإنتقادات شديدة؛ لاسيما من “مقتدى الصدر” – زعيم التيار الصدري – الذي وصف التحالف بـ “الإتفاق السياسي البغيض”.

واعتبر الباحث، “كيرك سويل”، في موقع (مركز كارينغي لأبحاث السلام الدولي)، أن “ائتلاف النصر” حمل في طياته بذور نهايته في أقل من 24 ساعة، وأن سياسة وتصريحات “العبادي” في الشهور الأخيرة المناوئة لميليشيات “الحشد الشعبي” – وهي الجناح العسكري لتحالف “الفتح”، كانت المعول الذي أدى لإنهيار التحالف الوليد؛ وقاد زعماء الميليشيات الشيعية للتشكك في جدوى ثمار ذلك الائتلاف.

ليأتي التحالف، الذي شكله رئيس الوزراء العراقي ليواجه المعركة الانتخابية، في صورة تبدو للمحللين ضعيفًا يفتقر إلى التجانس والشخصيات المؤثرة، ويضم عددًا من الكيانات والأحزاب السياسية، تصل إلى 29 حركة سياسية، مثل كتلة “نينوى”، وعلى رأسها، “خالد العبيدي”، وزير الدفاع السابق، و”كتلة عطاء”، بزعامة “فالح الفياض”، رئيس هيئة “الحشد الشعبي” و”منظمة بدر” وحركة “عصائب أهل الحق”.

وعزت مصادر، وثيقة الصلة بـ”العبادي”، هذه الأخطاء التكتيكية الخطيرة في حملته الانتخابية إلى ضغوط عامل الوقت وضرورة إنشاء كيان سياسي جديد في مهلة قصيرة. ما أدى إلى العجلة في المبادرة للتحالف مع تيارات طالما عارضها “العبادي”؛ مثل الأجنحة السياسية لـ”الحشد الشعبي”، وهو ما قد يعرض مصداقيته للإهتزاز. ويقوض شعاراته الانتخابية، التي تجد قبولًا لدى واشنطن، أنه “عابر للطائفية” وحصن منيع ضد انقسام العراق.

الصدر” يقتحم السباق في ثوب جديد..

يشكل “مقتدى الصدر”، زعيم التيار الصدري، تهديدًا جوهريًا لـ”العبادي”، إذ يعتبر التحليل أن الانتخابات ستكون بمثابة استفتاء على شعبية “مقتدى الصدر”، الذي عكف السنوات الأخيرة على ترسيخ صورة ذهنية، “Image”، جديدة له في أذهان العراقيين، وذهب “الصدر” لمدى أبعد في سياساته؛ عندما أبرم تحالفًا مع أبرز حزب علماني بالبلاد وهو “التحالف المدني الديمقراطي”.

وقدم “الصدر” تياره كقوة سياسية مستقلة عن طهران – حليفته السابقة – تدعم الحس الوطني لدى شيعة العراق، وأثارت تحركاته الأخيرة، على المستوى الخارجي، قلق “إيران”؛ ومنها تقاربه مع “المملكة السعودية”، إذ أجرى مباحثات مع ولي العهد السعودي، “محمد بن سلمان”، في مدينة جدة نهاية شهر تموز/يوليو الماضي؛ تناولا فيها سبل تعزيز العلاقات بين السعودية والعراق.

أعقبها بزيارة لـ”الإمارات”، فيما عكس توجهًا سياسيًا نادرًا للصدر، وتغيير بوصلة ولائه من إيران للدول الخليجية المؤثرة.

واعتبر المراقبون أن تقارب “الصدر”، مع “الرياض” و”أبوظبي”، يستهدف “الولايات المتحدة” وإقناعها بأنه شخصية سياسية متوازنة ومؤثرة قادرة على توحيد العراقيين السنة والشيعة.

ولطالما وجه “الصدر” إنتقادات شديدة لمؤسسات الدولة العراقية، متهمًا القائمين عليها بالفساد والولاء لمذاهبهم وأعراقهم بدلًا عن العراق كوطن. وفي آب/أغسطس الماضي، دعا “الصدر” أنصاره للتظاهر في “ساحة التحرير” بالعاصمة بغداد والمحافظات الأخرى ضد الفساد بالبلاد، وقد تكررت دعواته للصدريين للتظاهر للمطالبة بالإصلاح والقضاء على الفساد، وإقالة الفاسدين من الوزارات والهيئات الحكومية.

رياح “مؤتمر” إعمار العراق تجهض أمال “العبادي”..

ألمحت صحيفة (نيويورك تايمز) إلى أن مؤتمر المانحين الدوليين، الذي عقد في الكويت، يوم 12 شباط/فبراير الجاري، لإعادة إعمار العراق، كان فرصة ثمينة لـ”العبادي” لتعزيز ثقة العراقيين به، خاصة من الطائفة السنية، إذا نجحت حكومته في جذب مئات المليارات من الدولارات كمساعدات لإعادة بناء المدن السنية التي دمرت خلال الحرب وعمليات ضد تنظيم “داعش”.

وتقدر الأمم المتحدة أن حوالي 2.6 مليون عراقي، معظمهم من العرب السنة، لا يزالون مشردين بعد القتال ودمار بلداتهم.

وأعلن وزير التخطيط العراقي، “سلمان الجميلي”، في افتتاح المؤتمر، أن بلاده بحاجة إلى 88,2 مليار دولار لإعادة بناء ما دمرته النزاعات، وآخرها الحرب ضد تنظيم “داعش” على مدى ثلاث سنوات.

لكن جاءت الرياح بما لا يشتهي “العبادي”، ولم يتجاوز حجم مساهمة المنظمات والدول المانحة 30 مليار دولار، حسبما أعلن وزير الخارجية الكويتي، الشيخ “صباح خالد الصباح”، في ختام المؤتمر الذي استضافته بلاده. وترى (نيويورك تايمز) أن فشل مؤتمر الكويت شكل ضربة قوية لـ”حيدر العبادي”، قد تنهي مستقبله السياسي.

طريق “العبادي” مفروشًا بالأشواك.. ومطاردة السراب..

قد حذر دبلوماسيون غربيون؛ من أن هزيمة “العبادي” يمكن أن تغرق البلاد في صراع طائفي قد يمزقها. في الوقت نفسه يواصل “العبادي” خسارة من كان يطمع في دعمهم من السنة والطوائف الأخرى، حيث أبدى المسؤولون العراقيون، من المناطق السنية، إنتقادهم لقائمة مشاريع إعادة الإعمار، التي أبرزها وزراء “العبادي” في المؤتمر لتجاهل مجتمعاتهم وإحتياجاتهم.

ومن الأشواك الأخرى في طريق الانتخابات العراقية، دعوات المقاطعة التي تنتشر بين العراقيين، لاسيما الشباب، عبر مواقع التواصل الاجتماعي احتجاجًا على النخبة السياسية الملطخ تاريخها بالفساد والنعرات الطائفية والولاء لمذاهبها الدينية وأعراقها قبل الدولة.

ويرى المراقبون، إذا نجحت دعوات المقاطعة، فإن الشيعة سوف يسيطرون على مقاعد البرلمان العراقي الجديد.

ونقلت صحيفة (نيويورك تايمز) عن، “واثق الهاشمي”، رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية، أنه على الرغم من هذه التحديات، فإن “العبادي” هو الأوفر حظًاً للفوز في الانتخابات بسبب روح التفاؤل التي أستعادها  للعراقيين بعد إنتصاره على تنظيم “داعش”، وأكد على أن فترة رئاسة “العبادي” الثانية سوف تكون مفروشة بالورود.

توقع تحليل، “كيرك سويل”، في موقع (مركز كارينغي)، أن تفرز هذه الانتخابات حكومة ضعيفة على رأسها “العبادي”؛ وأن الغلبة ستكون للشيعة نتيجة لعوامل عدة منها قوة تنظيمهم وضعف ثقة الأكراد والسنة في حكومات العراق الشيعية الهوى.

و”كيرك سويل”، هو مؤسس نشرة (Inside Iraqi Politic)، نصف الشهرية، المعنية بالشأن العراقي.

واعتبر التحليل أن أحلام العراقيين بالتغيير أشبه بمطاردة السراب، بسبب الدور الأمني الخطير لميليشيات “الحشد الشعبي”، التي تدين بالولاء لإيران، وكذلك بسبب الخريطة السياسية بالعراق التي تحكم توزيع المناصب والحقائب الوزارية وفق محددات مذهبية وعرقية، وأشار التحليل إلى تأثير التحالفات المذهبية التي تبلورت مؤخرًا.

وبوجه عام، يتوقع إذا فازت كتلة “العبادي” بالانتخابات أن تتكون أغلبية البرلمان من الشيعة، رغم أن تحالفه دفع بستة مرشحين من السنة في المناطق ذات الأغلبية السنية، إلا أنهم يتمتعون بشعبية ضئيلة.

من المؤكد أن للانتخابات العراقية أبعادًا وإنعكاسات إقليمية ودولية، حتى أن بعض المحللين يرون أنها لغمًا في مسار الصراع الأميركي – الإيراني، ولفهم هذه الإشكالية، لابد من الإعتراف أن العراق ساحة للتنافس بين الولايات المتحدة وإيران، إذ تسعى طهران إلى التخلص من “ائتلاف النصر”، وزعيمه “العبادي”، لصالح آحد قيادات “ائتلاف الفتح”، بقيادة “هادي العامري”، أو الدفع بزعيم “ائتلاف دولة القانون”، “نوري المالكي”، للعودة للمنصب، وهو ما تعارضه الولايات المتحدة، التي تسعى للإبقاء على “حيدر العبادي” في منصبه، لاسيما أن إدارة الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، تضع نصب عينيها مواجهة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.

أذاً تمثل تلك الانتخابات لحظة حاسمة في تاريخ العراق يمكن عبرها التخلص من النفوذ الإيراني والأميركي، وإعادة تشكيل توازن القوى في منطقة الخليج، ويقضي على خطر تنظيم “داعش” للأبد.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب