خاص : كتبت – هانم التمساح :
يبدو أن فضائح الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، على خلفية العلاقات بين “واشنطن” و”كييف”، والتي جاءت صلب إجراءات التحقيق مع “ترامب”، الذي يُتهم بحجب مساعدات عن “أوكرانيا”، كان قد وافق عليها “الكونغرس”، للضغط على “كييف” من أجل إجراء تحقيق مع منافسه السياسي، “جو بايدن”..كانت تتطلب عملًا عملاقًا ليستعيد به ثقة الشعب الأميركي قبيل الانتخابات الرئاسية.. ويبدو أيضًا أن “ترامب” كان على ثقة بأنه سيتخطى تلك الأزمة؛ وكان يخطط للخروج من مأزقه حتى أنه كان يصف هذا التحقيق بأنه: “مطاردة للسراب”، نافيًا إرتكابه أية مخالفات.
ورغم الإدانة التي خرج بها “ترامب” من قِبل “الكونغرس” و”مجلس الشيوخ”؛ إلا إنه مُقدم على الترشح لفترة رئاسية جديدة، خاصة وأنه – حسب مصلحة الأميركان – قدم خدمة جليلة بقتل أكبر عدوين مزعومبن لـ”الولايات المتحدة”، في أقل من 10 أسابيع.. ليرفع بذلك نسبة شعبيته مستغلًا “الإسلام فوبيا” التي يروجونها لشعوبهم.
ضربتين متتاليتين.. لصالح “ترامب” !
خلال أقل من 10 أسابيع؛ استطاعت “الولايات المتحدة” أن تقتل زعيمين، تعتبرهم “واشنطن” إرهابيين تسببوا في مقتل الآلاف في منطقة الشرق الأوسط، حيث قتل زعيم تنظيم (داعش)، “أبوبكر البغدادي”، في 27 من تشرين أول/أكتوبر 2019، وتبعه مقتل قائد (فيلق القدس)، في “الحرس الثوري” الإيراني، “قاسم سليماني”، في الثالث من كانون ثان/يناير 2020.
“البغدادي”؛ كان المطلوب الأول في العالم، واستطاعت قوات خاصة أميركية الوصول إليه، في تشرين أول/أكتوبر الماضي، في مخبأه بـ”سوريا” والقضاء عليه، فيما قُتل “سليماني” ومرافقوه بضربة نفذتها طائرة مُسيرة قصفت المركبة التي كان يستقلها خلال زيارته لـ”العراق”، وذلك بعد أيام قليلة من هجوم نفذته عناصر (الحشد الشعبي) على محيط “السفارة الأميركية”، بـ”بغداد”.
ويمثل كل من “البغدادي” و”سليماني” وجهان لعملة الإرهاب، فبينما تسبب “البغدادي” في مجازر بـ”سوريا” و”العراق”، كان “سليماني”؛ مسؤولًا عن مقتل الآلاف، بينهم أميركيون وإيرانيون معارضون.
وتُشكل عملية القتل، لـ”البغدادي” و”سليماني”، نجاحًا فيما يتعلق بجمع المعلومات الاستخباراتية والتعاون مع الأطراف الداخلية والأجنبية المنخرطة في الحرب السورية والعراقية، وتنفيذ دقيق من قِبل القوات الأميركية.
“سليماني”.. مهندس نفوذ إيران في الشرق الأوسط..
مارس “سليماني”، (62 عامًا)، ذو الشخصية القوية؛ وكان يقود (فيلق القدس)، في “الحرس الثوري” الإيراني، المُكلف بالعمليات الخارجية لـ”إيران”، تأثيرًا حاسمًا في سياق المباحثات السياسية الأخيرة لتشكيل حكومة عراقية جديدة.
ويُنظر له على أنه الشخصية المحورية التي تُجسد النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، حيث عزز ثقلها الدبلوماسي، خاصة في “العراق وسوريا ولبنان” وحتى “اليمن”.
وأظهر “سليماني” مواهبه في “العراق”، المحاذي لبلاده. ففي كل تطور سياسي أو عسكري في هذا البلد، كان نشطًا في الكواليس.
ومن تمدد تنظيم (داعش) إلى الاستفتاء على استقلال “إقليم كُردستان”، أو حتى حاليًا على صعيد تشكيل الحكومة الجديدة، كان في كل مرة يلتقي الفرقاء العراقيين ليشرح أمامهم المسار الذي يتوجب سلوكه، وفق عدد من المصادر التي شاركت في هذه الاجتماعات التي كانت تُعقد في السر.
ويعود نفوذه إلى فترات سابقة، إذ كان يقود (فيلق القدس)، حين غزت “أميركا”، “أفغانستان”، في 2001.
وقال “ريان كوكر”، الذي كان سفيرًا لـ”الولايات المتحدة” في “كابول” و”بغداد”، في مقابلة مع “هيئة الإذاعة البريطانية”، (BBC)، عام 2013، إن: “محادثي الإيرانيين كانوا واضحين جدًا حول واقع أنه حتى لو أبلغوا وزارة الخارجية، فإن الجنرال هو من سيتخذ القرارات في نهاية المطاف”.
وبعدما قضى عقودًا من حياته خلف الكواليس، بدأ “سليماني” يتصدر أخبار وسائل الإعلام، منذ بدء النزاع في “سوريا”، عام 2011، حيث تقدم “إيران” دعمًا ثمينًا لنظام الرئيس، “بشار الأسد”.
في تلك الأثناء؛ توالت صوره على الجبهات العسكرية وفي وثائقيات، كما جرى تجسيد شخصيته في فيلم رسوم متحركة وفي فيديو موسيقي.
وفي مقابلة متلفزة بُثت في تشرين أول/أكتوبر الماضي، روى أنه أمضى فترة من النزاع “اللبناني-الإسرائيلي”، في 2006، في “لبنان” إلى جانب قادة (حزب الله).
وعلى الصعيد الدولي؛ يعتبر بعض المسؤولين الغربيين أنه الشخصية المحورية في إطار علاقات “طهران” بجماعات مثل (حزب الله) اللبناني و(حركة حماس) الفلسطينية.
وقتل “سليماني”، مع قيادي كبير في (الحشد الشعبي) العراقي، الموالي لـ”طهران”، هو “أبومهدي المهندس”، فجر الجمعة، في هجوم صاروخي أميركي استهدف سيارتهما قرب “مطار بغداد الدولي”.
وكانت “الولايات المتحدة” تتعقب عن كثب تحركات الجنرال “سليماني” لشهور؛ وكان بإمكانها قتله قبل ذلك بفترة طويلة.
وذكر (البنتاغون) أن: “الجنرال سليماني كان يعمل بِكد على وضع خطط لمهاجمة دبلوماسيين وجنود أميركيين في العراق وفي أنحاء المنطقة”.
“البغدادي”.. خليفة الإرهاب..
تزعم “أبوبكر البغدادي”، لبضع سنوات، تنظيم (داعش)؛ الذي سيطر في وقت من الأوقات على مساحات شاسعة من “سوريا” و”العراق” وأعلن فيها “دولة الخلافة”.
وتحول “البغدادي” إلى زعيم أبرز التنظيمات المتطرفة في العالم من خلال المال والسلطة ومعرفته الدينية، والتي كانت سببًا في نجاحه في استغلال الجغرافيا والتحالفات لصالح مشروع “الخلافة”، هي التي مكنته من فرض نفسه؛ رغم إفتقاده لمعايير الشخصية القيادية، وفق تقرير نشرته وكالة (فرانس برس).
ولخمس سنوات، تحكم التنظيم بأراض شاسعة، وكانت له محاكمه الخاصة، وحتى نظامه الضريبي وعُملته، فضلًا عما قام به هو وأتباعه من أفعال تخطت حدود الرعب، من قتل جماعي وسبي واغتصاب وقطع رؤوس.
وتحكم (داعش)، في وقت من الأوقات، بمصائر سبعة ملايين شخص على مساحة تفوق 240 ألف كيلومتر مربع، تمتد بين “سوريا” و”العراق”، عام 2014.
وتسبب (داعش)، بقيادة “البغدادي”، في سبي الآلاف من الأيزيديات بعد مهاجمة مواقعهم في “العراق”.
وقطع، التنظيم، رؤوس العديد من الأبرياء والمدنيين في عدد من دول العالم، ورعى عددًا من الهجمات الإرهابية حول العالم.
وطوال حياته، التي تبقى طي السرية، لم يقم سوى بظهور علني واحد دخل التاريخ، حين ألقى خطابًا، في تموز/يوليو 2014؛ نصب نفسه فيه “خليفة” داعيًا، المسلمين في العالم، إلى مبايعته.
فرصة سانحة لإنقاذ “ترامب”..
وبالرغم من أن الرئيس الأميركي كان قد أعطى، قبل فترة طويلة، وعدًا بسحب القوات الأميركية من الشرق الأوسط، لكن علاقات “واشنطن-طهران” أصبحت أكثر توترًا، خلال رئاسة “ترامب”، مع تشديده للعقوبات ضد “طهران”، وانسحابه من الاتفاق الشامل لتسوية قضية البرنامج النووي الإيراني، والذي اعتبره فاشلاً.
خبراء في السياسة الخارجية الأميركية يرون أنه قد يكون وراء قرار “ترامب”، باغتيال “قاسم سليماني”؛ وفي هذا الوقت بالذات، لغزًا وماذا يعني هذا بالنسبة لمستقبل العلاقات “الأميركية-الإيرانية”.
“بي جيه كراولي”، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأدنى؛ ومؤلف كتاب (الخط الأحمر: السياسة الخارجية الأميركية في زمن سياسات متصدعة ودول فاشلة). يقول: “لقد تعرضنا لهجوم من قِبل الميليشيات المدعومة من إيران، والرد هو بقصف مراكزها في العراق وسوريا. وفوجئت إدارة ترامب بحجم الهجوم الذي تعرضت له السفارة الأميركية في بغداد، واعتبرته تصعيدًا خطيرًا يقف خلفه سليماني. وعندما سنحت الفرصة لضرب الهدف، أذن الرئيس الأميركي بتنفيذ الضربة”.
ويضيف: “دونالد ترامب ليس صاحب إستراتيجية عظيمة. وهو يؤمن بسياسة اللحظة، ويتصرف بشكل غريزي، وكنت سأتفاجأ لو أنه فكر في الآثار اللاحقة، وما الذي سيترتب على هذا القرار”.
لقد أتيحت له الفرصة ليتخلص من “الرجل السيء”، الأمر الذي لم يفعله “باراك أوباما”.. “ربما كان هذا كل ما يحتاج إلى سماعه”.