25 أبريل، 2024 1:46 م
Search
Close this search box.

ماذا يحدث في الجانب الآخر ؟ (8) .. رحلة عودة صحافي في رمضان إلى “أرض الخوف” السيناوية !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتب – عمر رياض :

إنتظرت من دون أمل في قبول إدراج اسمي ضمن كشوف أسماء العابرين إلى “سيناء”، شمال مصر..

فقد إشيع؛ قبل أسابيع – مع بداية دخول وخروج عدد قليل من السكان إلى شبه الجزيرة المحاصرة بتنسيق أمني – أن التصريحات الأمنية والعبور لن يكون إلا لمن هم يحملون “محل إقامة” بشمال سيناء فقط، “الجنسية السيناوية”.

أما من هم من سكان سيناء وتركوا أهاليهم للعمل أو لأي سبب آخر، أقاموا خارجها، فلن يسمح لهم برؤية أهاليهم لأجل غير معلوم.

تعدى إغلاق “سيناء”، اليوم، ثلاثة أشهر كاملة – هي أٌشهر الحصار بدون طعام أو خدمات – فقد أغُلقت المدينة تمامًا بحجة “حرب سيناء الشاملة 2018”.

منذ ذلك الوقت أغلقت الطرق؛ وظل عدد من الأهالي عالقين على طريق الحرب دون دخول أو خروج للعاصمة، “العربش”.

بدأت الحكومة في إدخال بعض الخضروات بالأمس القريب، وأيضًا منحت بعض “الحالات الحرجة والطلبة” ما يسمى بالتنسيق الأمني، وهو تصريح بالخروج من “سيناء” وآخر للدخول إليها، لكن بالإضافة إلى الظلم الكبير في تحديد الحالات الحرجة أو المسافرين لعملهم، لم يتجاوز عدد الممنوح لهم التصريحات 10% فقط من سكان الشمال السيناوي.

كنت ممن يحملون محل إقامة بـ”القاهرة”، وعلى حسب الإشاعات – والمعلومات الغير معلنة أو المؤكدة من تلك الجهات الأمنية – فكان المتوقع هو رفض التنسيق والسماح بدخولي، أبلغني إخوتي وجيراني وأصدقائي أنهم قبلوا أسمي ومنحوني تصريح دخول؛ وسوف إتجه معهم في رحلة العودة إلى “العريش”.

لم أقم بزيارة “سيناء” ورؤية أهلي منذ قرابة الثلاثة سنوات، خلال أول عامين من الخروج من “سيناء” كانت “نقابة الصحافين” قد أوقفتني بـ”الشطب من جداولها” – دون إنذار سابق حتى – فقط لمجرد أني كنت في زيارة طويلة إلى أهلي في “العريش” مع بداية الحظر والحرب.

وكانت “نقابة الصحافيين” المصرية قد منعت، بشكل كامل، الصحافيين من تغطية ما يحدث داخل “سيناء” تنفيذًا لتعليمات سياسية.

لكن في ذلك الوقت لم أكن مجرد صحافي؛ بل فرد في أسرة تقبع تحت نيران وقصف وتفجيرات “حرب” حصلت فجأة وتطورت بسرعة.

ولم يكن أمام أي فرد يعيش خارج “سيناء” سوى البقاء والإطمئنان على ذويه في الداخل السيناوي.

الرحيل ثم العودة..

غادرت “العريش” آخر مرة؛ في 25 تشرين ثان/نوفمبر 2015، اليوم التالي لتفجير فندق “سويز إن العريش”.

الحادث نجُم عن تفجير سيارة مفخخة بالقرب من فندق “سويز إن”، مقر إقامة اللجنة القضائية والمشرفة على العملية الانتخابية.

متجهًا إلى “نقابة الصحافيين” في “القاهرة” لأسأل عن سبب إرسال خطاب “شطب من عضوية النقابة”؛ إلى منزل عائلتي في “العريش”، دون إنذار أو حتى مكالمة هاتفية.

لم أجد من يجيب؛ وظلت “النقابة” تماطل لعامين، حتى في منحي أوراق تحقيق الشخصية، حسب تعليمات جديدة لا يعرف أحد من أصدرها ومتى.

كنت حبيس منزلي، مثل السكان في “سيناء” تمامًا، طوال تلك الفترة قبل أن يمنحني النقيب المؤقت، “حاتم زكريا”، أوراق تحقيق شخصية، “بدون عمل” صحافي.

في رحلة العودة؛ كان علينا الذهاب إلى مدينة “الإسماعيلية” لنبيت لليوم التالي حتى نلحق بعَبارة السيارت، “المعدية”، التي سوف تنقلنا في الصباح إلى الناحية الشرقية من “قناة السويس” – أرض الحرب – “سيناء”.

كنت أعلم مسبقًا أن الرحلة أصبحت تستغرق من 8 إلى 10 ساعات بسب الأكمنة الأمنية المنتشرة، وكان الطريق بأكمله من “الإسماعيلية” إلى “العريش”، عاصمة الشمال السيناوي، لا يستغرق ساعتين على الأكثر.

على عكس توقعي؛ كانت العَبارة فارغة في أول أيام “رمضان”، كما أن التفتيش لم يتجاوز العشر دقائق، وقد بلغ في بعض الأحيان خمسة ساعات، بسبب توقيف طوابير بالغة الطول من السيارات، السعادة كانت على وجوه الركاب بعد أن عبرنا واحدة من النقاط العتيدة.

لكن ظل أمامنا ما يقرب من سبع نقاط؛ بعضهم قد يعطل الرحلة، بسبب سمعة التفتيش والتدقيق، بل وبعض التضييق.

كان عدد الكمائن قد زاد، وزاد معه التفيش والتدقيق والتحري، هذا ما كنا نتوقعه نحن مجموعة من ركاب سيارة ملاكي تفضل صاحبها بتوصيل الناس مجانًا، فكان هذا هو الحال بين السكان والجيران والزملاء طوال فترة الحرب؛ إقتسام الطعام والبيوت والسيارات.

معنا أم كانت قد أجرت عملية جراحية بالقلب خارج “سيناء”؛ وطالبة ماجيستير لم تدخل “سيناء” منذ شهر كامل بسبب رفض “مكتب تنسيق الجامعات”، وأخرى منعت من الدخول لثلاثة أشهر.

هذه المرة كان الجنود والقادة من ضباط الجيش مقدرين لحال وشكل الركاب، طبعًا بعد التحري الدقيق.

تتم عملية الإيقاف والتفتيش كل دقائق، على حسب بُعد الأكمنة، على الطريق الدولى لـ”العريش” بسبب الانتشار المكثف للكمائن.

وصلنا مدينة “بئر العبد” – منتصف الطريق تقريبًا – وهي آخر المدن والقرى التي لا يتطلب الوصول إليها تصريح وتنسيق أمني، لكن يخضع سكانها أيضًا للتفتيش حتى الوصول لها.

بعد تجاوز كمين “بئر العبد”؛ بدأنا نلاحظ إبلاغ الكمائن بمواصفات السيارة وبيانات الركاب، “لتأمينها على الطريق”، وتأمين الكمائن من أي هجمة لسيارة مجهولة.

ظلت الكمائن تُبلغ وتُسلم بعضها بعضًا مواصفات السيارة واحدة تلو الأخرى طوال 80 كيلومتر.

كانت شاحنات كبيرة تمر بجانبنا على الطريق تحمل أطنان من الخضروات والمؤن الغذائية للمدن المحاصرة، كان الجيش يؤمن تلك الشاحنات بمدافع ثقيلة، مما أثار سخرية البعض من حالنا: “لهذا الحد وصلنا، نؤمن الشاحنات بينما لم نستطيع تأمين البلاد حتى الآن”، فحتى الآن لا يعلم أحد متى تنتهي “الحرب على الإرهاب” التي وضعت مواعيد لنهايتها أكثر من مرة في الماضي.

تغير شكل الطريق وأصبح أكثر خطرًا وقلقًا خلال ثلاث سنوات، بداية من تغير الإتجاهات بدون علامة أو إشارة إلى إغلاق طرق بأكملها من الطريق الموازي لقرية “الروضة”، المشهورة بقتل رواد مسجدها.

وقد ظلت قرية “الروضة”، للناظر من بعيد، على الطريق مجموعة من “العشش” والبيوت البسيطة المحاطة بنقاط أمنية فقط، دون التنمية التي وعد بها أهلها خلال التصريحات التي تلت الحاث.

وصلنا كمين “الميدان”، “بوابة مدينة العريش”، وهو كمين عتيد وشهير، ربما لتحكمة في الدخول الفعلي للمدينة بعد هذا الطريق الطويل.

وقد بقي العديد من السكان لأيام في كمين “الميدان”، سواء مع فرض الحظر قبل ثلاث سنوات أو مع محاصرة “شمال سيناء” عقب إعلان الحرب الأخيرة.

“رمضان”.. في “أرض الخوف”..

بعد حادث “كرم القواديس”، في تشرين أول/أكتوبر 2014، فرض حظر التجوال على مدينة “العريش” لأول مرة، وبعد أسابيع قليلة، يتذكرها كل سكان وزائري المدينة في ذلك الوقت.

فكان اليوم لا يكفي الأهالي لقضاء حواجئهم، حيث كان عليهم الذهاب لأعمالهم ومدارسهم وشراء مستلزماتهم وتجهيزها للإفطار، قبل السادسة مساء تمامًا، حيث يمنع التجوال لـ 12 ساعة، وحتى السادسة من صباح اليوم التالي.

عدنا في “رمضان” أيضًا، لكن هذه المرة إلى مدينة محاصرة، حيث توقفت الدراسة تمامًا، وتوقف تدفق الغذاء لشهور أيضًا، أُغلقت المحال طوال اليوم وليس وقت 12 ساعة من الحظر فقط، أصبحت المدينة “مدينة أشباح”، لما يظهر في شوارعها من آثار الإشتباكات والتفجيرات والقصف، مدن تعيش أزمة حقيقة منذ أن إختفى بعضها تمامًا – مثل “رفح” وأجزاء من “الشيخ زويد” – أمام الجرافات والمنجنزرات وقصف الطائرات.

“كنا لا نخشى الموت في عز الحرب؛ وقت ما كانت الرقاب تقطع وتلقى في الميادين، كنا لا نهاب الموت كبارًا وصغارًا، اليوم أصبحنا نخاف..”، قال الرجل الخمسيني، ثم أكمل: “في بداية الحرب؛ كنا نعرف جيدًا أن الجيش يعتقل الإرهابيين، أما الآن لا نعرف من يُعتقل، فلا يوجد أي معيار للاعتقال بغته، أو الخطف من الشوراع، أي منا يمكن أن يذهب بلا رجعة”.

لم يختلف حال “العريش” عن ما كان يحكي بعض القادمين منها إلى “القاهرة”، أو في محادثات تليفونية، كانت تنقص الصورة فقط.

الميادين الأساسية أصبحت “معسكرات” صغيرة بأسلحة ثقيلة لا تتوقف عن تحذير من يقترب بتفريغ الرصاص في الهواء، العابريون يقولون أن هذه الأيام أحسن حالاً من الشهور السابقة.

أزمات صنعتها الحرب ومازالت باقية..

كانت أزمة العمل قد بدأت في التفاقم، منذ بداية فرض الحظر على “العريش”، العاصمة في 2014، حيث مُنعت أدوات وبضائع بعينها؛ مثل “الإلكترونيات والأسلاك وقطع غيار الأدوات المنزلية”، بحجة أنها قد تساعد المسلحين في صناعة أسلحتهم وقنابلهم.

ثم مُنع دخول وتداول بيع وشراء أنوع معينة للسيارات، لنفس السبب، لكن اليوم فقد أُغلقت مشاريع صغيرة؛ كالمحال بأكملها، لنفس السبب، وهاجر أصحابها أو جلسوا في بيوتهم، ومعظمهم من شريحة الشباب العمرية.

بالإضافة إلى ذلك؛ منعت الحرب بعض العاملين في المناطق المغلقة تمامًا من الوصول لعملهم، مما دفع أصحاب العمل لفصلهم، رغم أنهم يعلمون أن الوصول لمقرات العمل في هذه المناطق، مثل منطقة “الشرق”، المعزولة، و”وسط سيناء”، هو حتمًا مميت.

توقف التعليم تمامًا خلال “حرب سيناء الشاملة 2018″، وقد كانت الوزارات، قبل ذلك، تفكر فقط بضم المدن المنكوبة إلى مدينة “العريش”، لكن حتى “العريش” طالتها إشتباكات الحرب العنيفة.

توقف الصيد والتدجين والتسمين لعدم وجود الأعلاف وتصاريح الصيد.

حتى الآن لم يصل الوقود إلى المحطات، بإستثناء لترات قليلة صُرفت قبل “رمضان” لتسير بعض السيارات، بالإضافة إلى اللترات المتبقية في سيارات العائدين إلى “العريش” مرة أخرى.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب