25 أبريل، 2024 7:26 م
Search
Close this search box.

ماذا يحدث في الجانب الآخر ؟ (6) .. يوميات مدن العُزلة والجوع في ذكرى “تحرير سيناء” !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتب – عمر رياض :

عندما يقول البعض أن “الحرب خدعة”، فإن المقصود خداعه هنا هو “العدو”.. وليس “الشعب” صاحب الأرض، والذي تخوض الدولة المعارك من أجل تحريره.

لكن الحال في “سيناء”، المصرية، على العكس تمامًا.. بعدما فوجيء أهالي ” شمال سيناء”، المعزولة بشكل شبه كلي منذ أربعة سنوات تقريبًا، في صباح يوم 9 شباط/فبراير من العام الجاري؛ بمنع خروجهم من مدنها المختلفة، بالإضافة إلى منع – العالقين – من السكان والأهالي وأقاربهم من الدخول إلى المدن التي عزلت عن بعضها تمامًا، سواء بالنقاط الأمنية والآليات العسكرية أو لعدم توافر المواصلات بعد إغلاق محطات الوقود.

التعتيم في الداخل وتسريبات في الخارج..

في منتصف كانون ثان/يناير 2018؛ وقبل بداية العملية الشاملة، (سيناء 2018)، بثلاثة أسابيع نشرت مجموعة من الصحف العربية والأجنبية أخبارًا عن حشد تقوم به “مصر” لعملية عسكرية موسعة في سيناء.

وعلى سبيل المثال أوردت صحيفة (الشرق الأوسط) تقريرًا خبريًا؛ قالت فيه: “أكدت مصادر قبلية وأمنية بدء إستعدادات وحشود عسكرية، وصفتها بـ «غير المسبوقة» في المحافظة، التي تنشط فيها «عناصر مسلحة» موالية لتنظيم (داعش)”.

وإن “فترة الأيام العشرة الماضية شهدت زيادة في وصول المعدات الأمنية والعسكرية إلى مراكز العريش، والشيخ زويد، ورفح، وهي المناطق التي بدأت أجهزة الأمن توسيع دائرة الإشتباه فيها، اعتماداً على المعلومات الميدانية من العناصر القبلية المتعاونة مع قوات الجيش والشرطة، والطائرات، (من دون طيار)، أو (الزنانة)؛ كما يطلق عليها الأهالي، وكذلك كاميرات مراقبة الرؤية الليلية”.

وشرح المصدر أن “أجهزة الأمن الرئيسة دعمت القوات بشمال سيناء بصفوة الضباط المتخصصين في تتبع المعلومات، وتفكيك الخلايا الإرهابية، في إطار تكوين «كماشة» حول الإرهابيين من وسط إلى شمال المحافظة”.

وجاء ذلك تزامنًا مع نهاية مهلة الثلاثة أشهر؛ التي منحها “السيسي” لرئيس أركان الجيش بعد “عملية الروضة”، والتي تخللها أيضًا إستهداف طائرة وزير الدفاع، “صدقي صبحي”، في مطار العريش لحظة الإقلاع بصاروخ (كورنيت).

قبل بداية العملية أصدرت تعليمات رئاسية لجميع محافظات الجبهة الشرقية المتاخمة لسيناء بإخلاء عدد من الأسر في المستشفيات ووضعها على قائمة الطواريء.

كل ما كان يدور حول سيناء كان ينذر بحرب وشيكة، لكن دون معلومة معلنة أو إجابة شافية لإتخاذ الأهالي احتياطاتهم أو الفرار من الجحيم.

حتى يوم 9 شباط/فبراير 2018؛ لم تكن هناك معلومة مؤكدة عن إغلاق “شمال سيناء” بشكل كامل على أهلها وبدء الحرب الشاملة، بل أصبح هناك تعتيم مقصود عما يجري، كما غابت الأهداف المعلنة للحرب وهو ما صعد من النقد الموجه للدولة؛ فيما يخص التنسيق بين الحكومة والمواطنين أثناء فترة الحرب الغير محددة أو “الحرب المفتوحة”.

ما حدث في أيام الحرب والعزلة..

زاد على قطع شبكات الاتصال، بحجة الإرهاب طوال أربعة سنوات ماضية، قطع الطرق ليس بين شمال سيناء وباقي محافظات مصر فحسب، ولكن بين مدن محافظة شمال سيناء وبعضها؛ بل بين الأحياء السكنية وبعضها في المدينة الواحدة.

لذلك كانت الإستغاثات تتوالى من الأهالي العالقين على الطرق بين المدن، لكن دون جدوى، إلا أن صفة الكرم التي يتميز بها سكان سيناء حالت دون موت العالقين في الصحراء، بعد أن دعوا المسافرين العالقين للإنتظار في منازلهم وإقتسام الأكل والشراب؛ حتى تحدث إنفراجة وتعود الطرق للعمل مرة أخرى.

كانت الأيام الأولى خفيفة في وطأتها، حيث لم تكن المواد الغذائية على الأقل قد نفذت، كما بدأت مراكز لا مرئية ببث شائعات بنهاية العملية بعد نحو أسبوعين.

مع مرور أسبوع نفذ الوقود وعلق العمال والموظفين على طرق عملهم؛ وأغلقت المحال أيضًا لعدم السماح بدخول البضائع بكافة أنواعها، بالإضافة إلى الأدوية والمستلزمات الطبية، وكذا عدم دخول سيارات الإسعاف؛ وكان على المرضى أن يسيروا على أقدامهم عدة كيلومترات أو ربما يحملهم قريب أو صديق كالأطفال.

أهداف الحرب “مفتوحة” بحسب المتحدث العسكري..

لم تسد البيانات الأولى للمتحدث العسكري حاجة المواطنين لمعرفة مدة العملية الشاملة وأهدافها بالضبط، فقد سبقها ثلاث سنوات من العمليات دون تحقيق الوعد بـ”نهاية الإرهاب”، مما دعى قيادة الجيش لعمل مؤتمر صحافي لعدد محدود من الصحف الحكومية والخاصة لإعلان الأهداف، إلا أن الكثيرين من البسطاء لم يفهموا شيئًا من المؤتمر، بل زاد من حيرتهم وأسئلتهم عما إذا كانت الحرب ستنتهي قريبًا ؟.. هل سيتم تهجيرهم كمن سبقهم من أهالي المدن ؟.

نشر المتحدث العسكري البيان رقم (15) للقيادة العامة للقوات المسلحة، وجاء فيه:

– قيام القوات الجوية باستهداف وتدمير عدد (9) أهداف تمثل أماكن تستخدمها العناصر الإرهابية كقاعدة للإنطلاق والإختباء من القوات، بالإضافة إلى فنطاس مياه وعدد (3) سيارات دفع رباعى مفخخة.

– القضاء على عدد (4) عناصر تكفيرية شديدة الخطورة، والقبض على عدد (3) من القيادات التكفيرية بعدد من المناطق الجبلية بوسط سيناء إستناداً لتعاون معلوماتي من أبناء سيناء الشرفاء.

– القضاء على عدد (12) عنصر تكفيري مسلح خلال تبادل لإطلاق النار مع قوة المداهمات بمناطق العمليات، عثر بحوزتهم على أسلحة نارية وأجهزة اتصال لاسلكية.

– إكتشاف وتدمير عدد من الخنادق المجهزة هندسياً عثر بداخلها على عدد من البنادق الآلية والرشاشات الخفيفة والذخائر والملابس العسكرية ومواد الإعاشة.

– إكتشاف مخزن تحت الأرض بقطاع العمليات بـ”رفح”؛ عثر بداخله على عدد (34) صاروخ (غراد / كورنيت / أهرام)، وعدد (4) دانة (آر. بي. جي)، وكميات كبيرة من مادتي (سي. فور) والـ (تي. إن. تي) شديدة الإنفجار.

– ضبط وتدمير مخزن ومعمل لتصنيع العبوات الناسفة بمدينة “الشيخ زويد”؛ عثر بداخلهما على عدد (70) عبوة مضادة للأفراد، وعدد (60) قنبلة يدوية وعدد (200) مفجر وكميات من الأدوات والمواد الكيميائية شديدة الإنفجار وأجهزة اتصال لاسلكية.

– قيام عناصر المهندسين العسكريين بإكتشاف وتدمير فتحة نفق داخل أحد المنازل بالمنطقة الحدودية، وتفجير وإبطال مفعول عدد (83) عبوة ناسفة تم زراعتها لاستهداف القوات على محاور التحرك.

– تدمير عدد (285) وكر ومخزن وخندق بمناطق العمليات بشمال ووسط سيناء؛ عثر بداخلها على عدد من الأسلحة والذخائر والعبوات الناسفة والإطارات وقطع الغيار وكتب تدعو للفكر التكفيرى ووحدة إرسال لاسلكية ومركز إعلامي.

– ضبط وتدمير والتحفظ على عدد (6) سيارات أنواع، وتدمير عدد (32) دراجة نارية بدون لوحات معدنية، منهم أعداد مخبأة تحت الأرض.

– إكتشاف وتدمير عدد (6) مزارع لنبات “البانجو” و”الخشخاش” المخدر وضبط أكثر من (4680) كغم من المواد المخدرة المعدة للتداول.

ونتيجة للأعمال القتالية الباسلة بمناطق العمليات تم إستشهاد ضابط صف ومجند، وإصابة ضابط وضابط صف و(4) مجندين في أشرف ساحات النضال والتضحية.

لم تختلف البيانات عن سابقتها، ومع ذلك لم يعلم أحد ما هو الداعي للعزل التام والتعتيم على ما يحدث.

الأيام الصعبة..

ربما كانت حكايات الأهالي هي أصدق ما يمكن نقله هنا؛ ذلك بسبب المعاناة الشديدة التي خاضوها خلال الثلاثة أشهر الأخيرة المعروفة بـ”العملية الشاملة سيناء 2018″.

أكثر الحكايات مرارة؛ كانت إعتماد السكان، خاصة المتبقين فى “رفح” و”الشيخ زويد”، على الأعشاب والنباتات – الشيطانية – مثل “الخبيزة”؛ كغذاء أساس خلال الأسابيع الأولى للحصار، وإقتسام القليل من السكان للمتبقي من مخزون الطحين والخضروات.

ربما كان الجوع هو العقاب الأكبر في حصار الحرب الأخيرة، وبينما تحمل السكان تلك المرحلة بالتعاون والتضامن فيما بينهم، حتى بدأت شحنات طفيفة من معونات الجيش تظهر في الأفق – تدافع عليها الجوعى حتى لقي بعضهم مصرعه – إلا ان الحيوانات والطيور والأغنام لم تتحمل ذلك  فنفقت معظمها. وباتت طوابير إنتظار الغذاء شيء طبيعي؛ وربما بلا طائل.

كما وصل سعر غالون البنزين إلى 1200 جنيه، غير أنه لابد وأن يتحرك صاحب السيارة في الخفاء حتى لا تقوم الحملة العسكرية بمصادرته أو سجنه، ربما بتهمة مخالفة التعليمات، والتي تقضي بمنع تسيير أي مركبة بخلاف المركبات العسكرية.

“التعليم” هو الكارثة الأكبر التى واجهت السكان؛ فمن جهة توقفت الدراسة داخل محافظة “شمال سيناء” تمامًا، ومن جهة أخرى واجه الطلبة الدارسين بالجامعات، خارج المحافظة، صعوبة في نقلهم من “العريش” إلى جامعاتهم خارجها بسبب شرط الحصول على تصريح للخروج والدخول وركوب أتوبيسات خاصة بالمحافظة وسط زحام شديد من أصحاب الطلبات من المرضى وذوي الظروف الخاصة المتقدمين للموافقة على سفرهم.

تحكي طالبة أنها قضت أكثر من 24 ساعة في إنتظار وصولها من مدينة “الإسماعيلية” إلى “العريش” بسبب الإجراءات الأمنية، حيث كان الطريق يستغرق ساعتين ونصف على الأكثر.

يحدث ذلك؛ بينما تحتفل الأجهزة الرسمية وإعلامها بالذكرى الـ 36 لـ”تحرير سيناء”، التى لا يعلم سكانها أي مصير سوف يواجهون رغم الصبر وبقايا أمل.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب