ماذا فعلت الجائحة بالعالم ؟ .. “المسح الإستراتيجي” يرسم آخر ملامح الخريطة الشرق أوسطية 2022 !

ماذا فعلت الجائحة بالعالم ؟ .. “المسح الإستراتيجي” يرسم آخر ملامح الخريطة الشرق أوسطية 2022 !

وكالات – كتابات :

تباينت التفاعلات السياسية والأمنية وحتى الاقتصادية في مناطق العالم المختلفة، خلال عام 2021، وألقت جائحة (كورونا) بظلالها بدرجة كبيرة على تلك التفاعلات، وسط تصاعد الاهتمام الدولي بمواجهة التهديدات الأمنية غير التقليدية، على غرار الأوبئة وقضايا المناخ ومسألة الحياد الكربوني، دون أن ينفي ذلك استمرار الظاهرة الإرهابية في أولويات صُنَّاع القرار حول العالم، وهي مؤشرات ترتبط في مجملها إرتباطًا وثيقًا بواقع ومستقبل منطقة الشرق الأوسط بطبيعة الحال.

وفي ضوء هذا؛ فقد نشر “المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية”، (IISS)، كتابًا بعنوان: “المسح الإستراتيجي 2021: التقييم السنوي للجغرافيا السياسية”، في تشرين أول/أكتوبر 2021. ويسلط الكتاب الضوء على أبرز التطورات الإستراتيجية، القائمة والمحتملة، في مناطق العالم المختلفة..

الاتجاهات العالمية..

أشار الكتاب إلى أبرز الاتجاهات الحالية والمحتملة في مناطق العالم المختلفة؛ وذلك على النحو التالي :

01 – تزايد الاعتماد على القوات المحلية لمكافحة الإرهاب..

حسب الدراسة؛ فمن المحتمل أن يزداد خطر تجدد الأنشطة الإرهابية أو تزايد حدتها، في ظل خفض الانتشار العسكري الخارجي في: “أفغانستان ومالي واليمن”، الذي لم يتزامن معه تحسن في كفاءة مؤسسات الحكم الوطني؛ ما يستدعي وضع أدوات جديدة لمواجهة الإرهاب، برغم صعوبة ذلك.

ووفق الكتاب؛ فإنه نتيجة ارتفاع تكلفة التدخلات الخارجية، انسحبت “الولايات المتحدة” من “أفغانستان”، وحذت بقية دول الـ (ناتو) حذوها، وقلصت “فرنسا” كذلك حضورها العسكري في “مالي”؛ ما سيزيد اعتماد الدول، التي تشهد حالة من عدم الاستقرار، على قواتها المحلية لاحتواء التهديدات الإرهابية.

02 – دور أكبر للقوى الإقليمية في حل “نزاعات الجوار”..

من المُرجح أن تُصبح العديد من النزاعات الإقليمية أكثر محليةً. وعقب انسحاب “الولايات المتحدة” من “أفغانستان”، سيقع عبء احتواء حكومة (طالبان)، ومنع تمدد التهديدات الأمنية من “أفغانستان” إلى الخارج، على عاتق دول الجوار، خاصة: “باكستان، وروسيا، والصين”، إضافة إلى “الهند”.

03 – تصاعد توظيف “القوة” خارج إطار القانون الدولي..

تسببت جائحة (كورونا) في زيادة رفض فكرة القيم العالمية، وتقلصت – بالتبعية – الرغبة في نظام دولي قائم على القواعد.

وبينت الجائحة أن الاستعداد لاستخدام القوة خارج إطار القانون الدولي تزايد نتيجة الانقسامات العميقة بين المصالح الوطنية للدول.

04 – عودة الدور المحوري للدولة الوطنية حول العالم..

شهدت الفترة التي سبقت ظهور فيروس (كورونا) تصاعدًا في مكانة الفواعل غير الحكوميين، مثل المنظمات غير الحكومية، والشركات المتعددة الجنسيات.

وعلى الرغم من ذلك، عادت الدولة الوطنية لتلعب أدوارًا مركزية. وتجلى ذلك في قيادة الدولة الوطنية الاستجابة لتحديات الاقتصاد والصحة في خضم الجائحة.

05 – بروز ظاهرة “تراجع العولمة” في ظل الجائحة..

تسببت جائحة (كورونا) في بروز جملة من الظواهر، وعلى رأسها ما تُعرف: بـ”ظاهرة تراجع العولمة”؛ حيث تراجعت تجارة البضائع العالمية بنسبة: 5.3%، في عام 2020، كما تراجع السفر الجوي بنسبة الثُلثين.

ويجب الأخذ في الاعتبار أن أزمة العولمة لم تبدأ مع الوباء، بل بدأت مع الأزمة المالية العالمية، في عام 2008.

06 – ضعف استجابة الحكومات للتهديد السيبراني..

تصاعدت المخاوف بشأن المنافسة السيبرانية بين القوى الكبرى في ضوء حدوث سلسلة من الحوادث السيبرانية البارزة، في عامي: 2020 و2021، وبدت الحكومات كأنها غير قادرة على تحقيق استجابة معقولة تجاه التهديدات السيبرانية المتزايدة.

07 – تزايد أعداد الدول المتطلعة إلى الحياد الكربوني..

يرى “برنامج الأمم المتحدة للبيئة” أن أهم تطور مشجع، فيما يتعلق بسياسة المناخ في عام 2020؛ هو العدد المتزايد من البلدان التي إلتزمت بتحقيق أهداف إنبعاثات صافية صفرية تقريبًا، أو ما يُعرف: بـ”الحياد الكربوني”.

وإذا تم تحقيق هذه الإلتزامات، فإن ذلك سيكون متسقًا مع ما تضمنته “اتفاقية باريس”؛ التي تم تبنيها في 2015. ومن الملاحظ وجود تنوع لافت في الخطط التي وضعتها الدول لتحقيق “الحياد الكربوني”؛ حيث لا يوجد نموذج: “مقاس واحد يناسب الجميع” للجداول الزمنية أو الطرق التي أعلنت عنها الدول لتحقيق “حياد الكربون”.

وتبقى معظم الخطط المعلنة مجرد طموحات لم تصل إلى مستوى الأفعال.

08 – انعكاسات إيجابية للجائحة على قضايا المناخ..

أدى وباء (كورونا) إلى انخفاض في إنبعاثات (ثاني أكسيد الكربون) العالمية؛ بنسبة: 6.4%، في عام 2020، لكن تلك الإنبعاثات عادت بقوة في النصف الثاني من العام.

وأتاح التراجع المؤقت فرصة قصيرة للبلدان لوضع أهداف المناخ في قلب أي سياسة للتعافي الاقتصادي.

09 – الانتقال من “قومية اللقاح” إلى “دبلوماسية اللقاح”..

سادت قومية اللقاح على دبلوماسية اللقاح بالنسبة إلى البلدان الديمقراطية المتقدمة، وكانت النتيجة أن الأثرياء والأقوياء حصلوا على اللقاحات في وقت مبكر، بينما اضطرت البلدان الأقل ثراءً والأقوى إلى الانتظار.

وفي ضوء ذلك؛ كانت: “روسيا” و”الصين”؛ قادرتين على الهيمنة على المرحلة الأولى من دبلوماسية اللقاحات. فيما كانت التحركات الأولى من قبل الغرب لمواجهة دبلوماسية اللقاح؛ التي تنتهجها: “الصين” و”روسيا”، في القمة الافتراضية للمجموعة الرباعية، التي تضم: “أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة”، في آذار/مارس 2021؛ حيث تم الإعلان خلالها عن خطة لتوفير مليار جرعة من لقاح (كورونا)؛ لدول جنوب شرق آسيا لنهاية 2022.

10 – تغيُّر نهج “الجغرافيا الاقتصادية” في المناطق الحيوية..

بدأت الاقتصادات الأوروبية الغربية الرائدة، في عام 2020، تغير مناهجها الجغرافية الاقتصادية في منطقة المحيطين: “الهندي” و”الهاديء”، وتنوع شراكاتها الاقتصادية بعيدًا عن “الصين”، على خلفية الشكوك بشأن تدخل الحكومة الصينية في عمل شركات مثل: “هواوي”، وتوظيفها للتجسس على الحكومات الأجنبية.

آفاق الشرق الأوسط..

تناول الكتاب أبرز التوجهات العامة في منطقة الشرق الأوسط؛ خلال الفترة الماضية، التي جاءت على النحو التالي :

01 – تصاعد تأثيرات جائحة “كورونا” على تفاعلات الشرق الأوسط..

تسببت جائحة (COVID–19) في خسائر اقتصادية لجميع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عدا “مصر”، كما انخفض الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة، عام 2020، بنسبة: 3.9%، لكن هذا الانخفاض لم يأتِ بشكل متساوٍ، وكان أكثرها تأثرًا الاقتصادات المعتمدة على “النفط والسياحة والنقل والتحويلات من الخارج”.

وفقًا للكتاب، فإن من المتوقع حدوث انتعاش، في عام 2021، ولكن من المُرجح أن يكون غير متساوٍ، بسبب تبايُن معدلات التطعيم والسياسات الاقتصادية.

كما سلطت الجائحة الضوء على الفجوة في قدرات الرعاية الصحية والموارد المالية بين دول الخليج الغنية ومعظم الدول الأخرى في الشرق الأوسط؛ التي واجهت نقصًا في المعدات الطبية، أو بعض الحوادث في المستشفيات، على غرار ما حدث في “العراق”.

02 – إعادة تشكيل “اتفاقيات السلام” للجغرافيا السياسية بالمنطقة..

وكما جاء بالدراسة الرصدية؛ فإن من المتوقع أن تؤدي اتفاقيات السلام إلى إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية في المنطقة.

وحسب الكتاب؛ فقد حصل “المغرب” على مكاسب من تدشين العلاقات مع “إسرائيل”، وكان على رأسها الاعتراف الأميركي بالسيادة المغربية على “الصحراء الغربية”، كما تمت إزالة “السودان” من القائمة السوداء للدول الراعية للإرهاب.

03 – تخفيف التوترات الإقليمية مع استمرار ديناميكية التنافس..

شهد العام الماضي؛ تخفيفًا نسبيًا، وإن كان مؤقتًا، للتوترات في الشرق الأوسط، مع سعي القوى الإقليمية إلى التكيف مع ضغوط وتكاليف جائحة (COVID–19)، والإجهاد والإحباط من الصراعات الإقليمية، بالإضافة إلى السعي إلى التكيف مع توجه الإدارة الأميركية الجديدة لترويض الصراعات. ويأتي هذا بالرغم من استمرار أسباب المنافسة وعدم الاستقرار الإقليمي دون معالجة إلى حد كبير.

04 – تراجع حضور تيارات الإسلام السياسي في المنطقة..

لفت الكتاب إلى أنه تراجع حضور ونفوذ تيارات وجماعات الإسلام السياسي بقدر كبير، بعد الصعود الكبير في العقد الماضي، بيد أنه من غير الواضح ما إذا كان هذا التراجع يُشير إلى اتجاه مستمر؛ حيث يظل لدى بعض تلك التيارات نفوذ في مناطق معينة من الشرق الأوسط.

05 – نشاط مستمر لبؤر تنظيم “داعش” في “العراق” و”سوريا”..

حسب الدراسة؛ لا يزال “العراق” و”سوريا” بؤرًا لنشاط تنظيم (داعش) الإرهابي، على الرغم من تراجع هجمات التنظيم بوضوح، بعد خسارة التنظيم آخر موطيء قدم له، في “العراق” و”سوريا”؛ عام 2019.

وتُركز إستراتيجية (داعش) الجديدة على محاولة استنزاف العدو من خلال العديد من هجمات الكر والفر المتكررة، على غرار حرب العصابات. ومن ثم، تركزت هجمات (داعش)، بنسبة كبيرة؛ على الكمائن واغتيالات المسؤولين.

ووفقًا للكتاب، فإن هجمات (داعش) لا تزال تُشكل تهديدًا كبيرًا في “سوريا” و”العراق”؛ حيث استطاع التنظيم استغلال المشهد السياسي والأمني المعقد في كلا البلدين، وبطء وتيرة الإعمار في المناطق التي كان يُسيطر عليها سابقًا.

06 – انحسار الإرهاب في شمال إفريقيا وشبه الجزيرة العربية..

وفقًا للرصد؛ فقد انحسرت نشاطات التنظيمات الإرهابية بدرجة كبيرة في “شمال إفريقيا” و”شبه الجزيرة العربية”، لكن من غير الواضح إذا كان هذا انحسارًا مؤقتًا أم اتجاهًا مستمرًا، مع ضرورة أخذ تصاعُد الأنشطة الإرهابية في “آسيا الوسطى وإفريقيا” في الاعتبار.

07 – دعوات متصاعدة لإعادة دمج سوريا في المجتمع الدولي..

ساهم (قانون قيصر) في عرقلة عودة العلاقات بين “سوريا” والدول العربية، وفي الوقت الذي شجبت فيه بعض الدول الغربية، الانتخابات الرئاسية؛ التي أُجريت في “سوريا”، في آيار/مايو 2021، تسعى “الصين” و”روسيا” وبعض الدول الإقليمية إلى إعادة اندماج “سوريا” بالكامل في المجتمع الدولي.

لكن مع ذلك، يرتبط مستقبل “سوريا” إلى حد كبير بديناميكية التفاعل بين: “روسيا والولايات المتحدة وتركيا”.

08 – استمرار الدور الإيراني التصعيدي برغم التفاهمات النووية..

أفاد الكتاب؛ بأن من غير المؤكد ما إذا كانت التفاهمات المتوقعة بين “الولايات المتحدة” و”إيران”؛ بشأن البرنامج النووي، ستؤدي إلى وقف التصعيد في “العراق وسوريا واليمن”.

وحسب الكتاب؛ فإن الأدلة ربما تُشير إلى عكس ذلك، على الرغم من إنكار “طهران” أي تأثير لها على الميليشيات العاملة في تلك البلدان.

09 – تفاقُم مستمر للأوضاع السياسية والاقتصادية في لبنان..

أدت عقود متواصلة من الفساد وسوء الإدارة إلى العديد من الأزمات، في “لبنان”، لعل أبرزها انفجار “مرفأ بيروت”، في 04 آب/أغسطس 2020؛ الأمر الذي دفع حكومة “حسان دياب” إلى الاستقالة، لكن البلد واجه فراغًا سياسيًّا عقب ذلك، في ظل عدم قدرة، “سعد الحريري”؛ على تشكيل حكومة جديدة.

وقد أدى تفاقم كل هذه الأوضاع إلى جعل إدارة الأزمة الاقتصادية أصعب من ذي قبل، وفقدت “الليرة” أكثر من: 90% من قيمتها في غضون عامين، كما أن أكثر من نصف سكان “لبنان” باتوا دون خط الفقر.

10 – مقاومة بعض التيارات السياسية للإصلاح في العراق..

أدى إفتقار رئيس الوزراء العراقي، “مصطفى الكاظمي”؛ إلى القاعدة الحزبية، إلى تقييد عمله من قبل الأحزاب السياسية القوية التي قاومت أي إصلاح سياسي أو اقتصادي؛ الأمر الذي تزامن مع تحديات انخفاض أسعار “النفط”، وتضخم القطاع العام، وتزايد عجز الموازنة.

أضف إلى ذلك التحديات الأمنية مع النفوذ الكبير للميليشيات على الساحة العراقية.

وختامًا، فقد لفت الكتاب إلى تنامي مستوى القلق من إمكانية وقوع حرب بين “الولايات المتحدة” و”الصين”؛ بعد وصول “بايدن” إلى السلطة.

ولا شك أن هذه الحرب المحتملة ستقوض – في حال حدوثها – الاستقرار الحالي في ميزان القوة العالمي، وأن اضطراب العلاقات “الأميركية-الصينية” سيُقلص القدرة على حل الأزمات العالمية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة