خاص: كتبت- نشوى الحفني:
أغرق حادث اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس)؛ “إسماعيل هنية”، الرئيس الإيراني الجديد؛ “مسعود بزشكيان”، في أزمة كبيرة بأول أيامه في المنصب، حيث يواجه مطالب داخلية للرد على ما يُعد استهدافًا مُهينًا لحليف أثناء زيارته لـ”طهران” لحضور تنصّيبه، بينما يسّعى لتحسّين العلاقات مع الغرب.
وتعهد “مسعود بزشكيان” بأن بلاده ستُدافع عن أراضيها وتجعل “المعتدين” يندمون على تصرفاتهم.
وقال (الحرس الثوري) الإيراني: “هذه الجريمة ستواجه ردًا قاسيًا ومؤلمًا”.
الأسوأ في الأمر أن “هنية” كان في “طهران” مع وفودٍ أجنبية أخرى، لحضور تنصّيب “بزشكيان”، مما يُبرز للآخرين مدى قلة الحماية التي يمكن أن يوفرها (الحرس الثوري) لحلفائه الدبلوماسيين.
ويصف القادة الإيرانيون وفاة “هنية”؛ بأنها تجاوز لخط أحمر، مما يعني أن نوعًا ما من الرد العسكري لا مفر منه.
وبسبب الإهانة التي تعرض لها (الحرس الثوري)، فإن الأصوات داخل “طهران” تُعيّد فتح الأسئلة حول ما إذا كان الرئيس السابق؛ “إبراهيم رئيسي”، الذي قُتل في حادث مروحية، كان ضحية حقيقية لخلل في المحرك أم تعرض للاغتيال ؟
إعادة جدولة النظام الأمني..
فيقول اللواء “محمد رشاد”؛ وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق وخبير الأمن القومي، لـ (كتابات)، أن موضوع اختراق الأجهزة الأمنية هي ضربة قوية لأجهزة الأمن في “إيران”؛ في ظل محاولاتها توسيّع نفوذها الإقليمي، لهذا يجب عليها المراجعة الأمنية، حيث يوجد العملاء في أي دولة، وهو ما يُثير الشكوك حول قوة الأمن الإيراني، لذلك ستُعيد “طهران” الآن جدولة نظامها الأمني لتفادي أي اختراقات قادمة.
لا علاقة لها بمقتل “رئيسي”..
وحول ربط ما حدث من اغتيال لرئيس المكتب السياسي لحركة (حماس)؛ “إسماعيل هنية”، بمقتل الرئيس الإيراني السابق؛ “إبراهيم رئيسي”، يرى أن حوادث طائرات الهليكوبتر في “إيران” واردة باستمرار فهي ليست عملية تخريب بقدر ما هي فشل في عمليات الصيانة واستبدال قطع الغيار.
حول إمكانية الرد؛ يقول إن “إيران” لابد أن ترد لأن ما حدث كان جرحًا للكرامة الإيرانية بشكلٍ غريب جدًا، لأنه هز نفوذها الإقليمي، لكن لابد أن نفهم أن الرد الإيراني اليوم سوف يتم من خلال الأذرع الإيرانية، و(حزب الله) أحد الأذرع وأخطرها على “إسرائيل” من منطلق أن الأهداف الإسرائيلية بالنسبة لـ (حزب الله) قريبة جدًا؛ وأنه يتعامل بصواريخ قصيرة المدى لا تستطيع منظومة (القبة الحديدية) صّدها، لكن إن ضربت “إيران” علي بُعد: (2000) كيلو متر؛ سيتم صّدها. لذلك لابد لـ (حزب الله) أن يثأر للشهيد “إسماعيل هنية”، لأن عدم الثأر يضع قيادات (حزب الله) في خطر .
تآكل الردع الإسرائيلي..
لافتًا إلى أنه نتيجة العمليات الأخيرة؛ بدأت تتآكل عملية الردع الإسرائيلية، حيث كانت أكبر دولة رادعة في المنطقة، إلا أنه الآن ومع ظهور جيل جديد من الصواريخ الإيرانية التي تضرب نقطة محددة وليست مساحة وهو ما لم تحسّب له “إسرائيل” حسُّبان حيث تستطيع “إيران” الوصول إلى العمق الإسرائيلي بسّهولة.
وتُعتبر “غزة” جبهة ذات أولوية لـ”تل أبيب”؛ فلم تُحقق أهدافها حتى الآن، وهي مصدر قلق لها لذلك تقوم بالاغتيالات، موضحًا أن “نتانياهو” سيستمر في حربه ضد “غزة” إلى أن يتأكد من تفكيك قوة (حماس)، وهو ما يحتاج لوقت طويل جدًا ويُمثل صعوبة كبيرة أمامها لوجود (حماس) تحت الأرض، فنحن الآن تخطينا الـ (300) يوم ولم تُحقق أى من أهدافها، لذلك تتعامل مع من يظهر من القيادات فوق سطح الأرض.
يفتح الأذهان لاغتيال “رئيسي” !
من جهته؛ قال اللواء “سمير فرج”، الخبير الأمني والاستراتيجي، إن “إيران” مختُّرقة من الداخل منذ اغتيال علماء الذرة الأربعة خلال عامي (2010-2012)، مشيرًا إلى أن حادث اغتيال “إسماعيل هنية”؛ داخل “طهران”، يفتح الأذهان إلى إمكانية أن يكون سقوط مروحية الرئيس الإيراني السابق؛ “إبراهيم رئيسي”، حادث اغتيال مُّدبر خاصة في ظل سقوط الرئيس في منطقة جبلية صعبة رُغم الاحتياطات التي يتم اتخاذها في رحلات ومواكب الرؤساء، بالإضافة إلى سقوط طائرته دون عن الطائرات التي كانت مرافقة له.
مؤكدًا أن “إيران” مضطرة هذه المرة للرد بشكلٍ موجع وقوي؛ لأنها وضعت في موقف حرج أمام شعبها بعد اغتيال “إسماعيل هنية”؛ رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس) على أراضيها عقب حضوره حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد؛ “مسعود بزشكيان”، لافتًا إلى أنه عندما اعترفت “الولايات المتحدة الأميركية” باغتيال “قاسم سليماني”؛ قائد قوات (فيلق القدس) التابعة لـ (الحرس الثوري) الإيراني، عام 2020، ردت “إيران” بضرب قاعدة (عين الأسد) الأميركية في شمال “سورية”، ولكن الرئيس الأميركي السابق؛ “دونالد ترامب”، فضحهم أمام العالم بعد شهرين بأن الرد الإيراني تم بالتنسّيق مع الإدارة الأميركية لحفظ ماء الوجه، وهو ما يعني أن الرد هذه المرة ربما لا يكون منسُّق مسّبقًا.
لا يمكن التنبؤ بمستقبل الأحداث..
وأشار الخبير الأمني والاستراتيجي؛ أنه لا يمكن التنبؤ بمستقبل الأحداث؛ خاصة في ظل رغبة “إسرائيل” لتوجيه ضربة استباقية لـ”طهران”، وسط تحذيرات أميركية شديدة اللهجة لـ”نتانياهو” للتهدئة؛ فهل سيستجيب رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يسّعى لإشعال الحرب، كما أن هناك ضغوط أميركية ومحاولات لتهدئة “طهران” ومنع رد قوي يمنع انزلاق المنطقة في حرب شاملة.
ولفت “فرج” إلى أن “إيران” أمام تحدي كبير وهو الحفاظ على برنامجها النووي الذي من المقرر أن يكتمل العام المقبل، وبالتالي فإن دخولها في حربٍ كبرى ربما يؤدى إلى خسارتها برنامجها النووي، فضلاً عن ضرورة الرد لاستعادة هيبتها وحفظ ماء وجهها وبالتالي فإن الرد من الممكن أن يكون موجع؛ ولكنه داخل قواعد الاشتباك، خاصة وأن “نتانياهو” يسّعى لاستغلال الفرصة لتوريط “طهران” والمنطقة في حرب شاملة وعدم وقف إطلاق النار في “غزة”.
استهداف المواقع العسكرية..
وأكد الدكتور “حامد فارس”؛ أستاذ العلاقات الدولية، أن هناك حتمية داخل “إيران” بضرورة أن يكون هناك رد موجع موجه من “طهران” باتجاه “إسرائيل”، ولكن الاختلاف الجوهري داخل دوائر صُنع القرار في “طهران” هو مدى قوة الرد وتأثيره وآلية تنفيذه.
موضحًا أن دائرة صُنع القرار الإيراني تبحث الآن عن تنفيذ عمليات نوعية تكون مؤثرة جدًا داخل “إسرائيل”، مؤكدًا أن الرد الإيراني سيكون قوي يتناسب مع حجم انتهاك السيّادة الإيرانية وإظهار “إيران” في صورة الدولة الضعيفة أمام شعبها والمجتمع الدولي.
وتوقع أستاذ العلاقات الدولية أن تستهدف “طهران” مواقع عسكرية؛ وليس مدنين، لافتًا إلى أنه يجري الآن خلق قواعد اشتباك جديدة بين الطرفين بعد أن كسّرت “إسرائيل” قواعد الاشتباك الأساسية حتى لا تدخل المنطقة في حرب إقليمية شاملة.
وأوضح أنه من الضروري أن يتم خلق قواعد اشتباك جديدة بين الطرفين، لأنه في حال ردت “إسرائيل” بشكل قوي على الرد الإيراني المنتظر ستتحول المنطقة إلى منطقة صراع نفوذ دولي، مؤكدًا أن “إيران” و”إسرائيل” غير مستعدتان لدخول حربٍ شاملة؛ ولكنها حرب الضرورة وحتمية الرد لحفظ ماء الوجه الإيراني.
هز صورة “إيران” الذهنية..
ووضع “د. محمد محسن أبو النور”، رئيس المنتدى (العربي) لتحليل السياسات الإيرانية، لـ (كتابات)، تحليلاً حول اغتيال “إسماعيل هنية”؛ في “طهران”، والرد الإيراني المتوقع في عدة نقاط هي: اغتيال أهم شخصية في “المقاومة الفلسطينية” ضد “إسرائيل” في “إيران”؛ ينال من “إيران” أكثر بكثير مما ينال من (حماس)؛ لأنه يهز الصورة الذهنية لـ”إيران” بعنف أمام داعميها ومناصريها بالداخل والخارج، مؤكدًا أن توقيت الاغتيال له دِلالة مهمة في أول يوم لتولي الرئيس الإصلاحي؛ “مسعود بزشكيان”، مقاليد الرئاسة وهو تطور يُشير إلى رغبة “إسرائيل” في نثر الأشواك على طريق “بزشكيان” نحو “أميركا” وإبعاد الرجل الإصلاحي وفريقه عن “البيت الأبيض”؛ كلما كان ذلك ممكنا. إذا الزمان والمكان لهما أكبر الأثر في هذه العملية الإسرائيلية ومن اتخذ هذا القرار في “تل أبيب” يعرف أن “إيران” لن تتسامح مع مثل هذا العمل ولا يمكن لها أن تكتمه في كبدها أو تمرره تحت أي ظرف؛ لأن حماية الضيف أهم من حماية أصحاب البيت.
وأوضح “أبو النور”؛ أنه بالتالي الرد الإيراني الجبري سيُعقد مسّيرة المفاوضات “الإيرانية-الأميركية”؛ خاصة أن “بزشكيان” وضع تلك المسألة كأولوية مركزية في برنامجه الانتخابي وفي فترته الرئاسية التي ستنتهي عام 2028، كما أنه سيعقد مفاوضات وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن في “غزة”.
لافتًا إلى أن طريقة الاغتيال بصاروخ موجّه إلى جسد “هنية”؛ وهو في غرفة نومه الساعة الثانية صباحًا بتوقيت “طهران”؛ (الساعة الواحدة والنصف بتوقيت القاهرة)، تُشير إلى أن هناك اختراقًا أمنيًا إلى أعمق الأعماق في “طهران”، وأن هذا الانكشاف الأمني سيجعل “إيران” مجبرة على فتح تحقيق على أعلى المستويات للعثور على الثغرات الاستخباراتية ومعرفة من يكون الـ”إيلي كوهين”؛ في مؤسسات الدولة، وهي بالمناسبة سبق وأعدمت مسؤولاً في (الحرس الثوري) لتعاونه مع إدارة “ترامب” في اغتيال “قاسم سليماني”.
وأكد أن الرد سيكون إيرانيًا بشكل مباشر بالتزامن مع عمليات من حلفاء “إيران” في المنطقة على غرار تجربة نيسان/إبريل الماضي، وقد تلجأ “إيران” إلى سلسلة من الإجراءات بما في ذلك احتجاز السفن في “مضيق هرمز” أو اغتيال شخصيات بارزة في “تل أبيب” أو شخصيات إسرائيلية نوعية بالخارج.
مجُّمل الأمر أن “إيران” ستقود عملية غير مسّبوقة ضد “إسرائيل” بعد هذا الاغتيال؛ ويمكن أن يرى ذلك بوضوح من خلال التصريحات المتواترة وعلى رأسها تصريح المرشد؛ “علي خامنئي”، نفسه.