22 ديسمبر، 2024 7:17 م

مؤشرات بتراجع واشنطن .. هل تثمر المحادثات عن اتفاق يحد من الحرب التجارية “الصينية-الأميركية” ؟

مؤشرات بتراجع واشنطن .. هل تثمر المحادثات عن اتفاق يحد من الحرب التجارية “الصينية-الأميركية” ؟

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

بعد ما استعرت الحرب التجارية بين “أميركا” و”الصين” مع بداية الشهر الحالي، وما حدث بينهما من فروض جديدة على التبادل التجاري، يبدو أن “أميركا” بدأت تتخذ خطوات متراجعة؛ حيث بدأت تكشف ما تريده من “بكين” على لسان المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض، “لاري كودلو”، من إن إدارة “ترامب” تريد أن ترى “نتائج في الأجل القريب” لمحادثات التجارة التي ستعقد بين “الولايات المتحدة” و”الصين”.

وأضاف “كودلو”، أنه لا يمكنه التهكن بما إذا كانت محادثات، أيلول/سبتمبر أو تشرين أول/أكتوبر 2019، قد تؤجل زيادة مزمعة في الرسوم الجمركية، التي سيبدأ سريانها في أول تشرين أول/أكتوبر المقبل، إلى 30 بالمئة من 25 بالمئة على بضائع صينية بقيمة 250 مليار دولار.

وأشار “كودلو” إلى أن “ترامب” أظهر استعدادًا لاستخدام الرسوم الجمركية كجزء من عملية التفاوض.

وأضاف قائلًا: “نريد أن نرى نتائج. نتطلع لأن نرى نتائج في الأجل القريب. عندما لا نرى نتائج فإننا نتخذ إجراءات إضافية … ومن ناحية أخرى، فإننا إذا رأينا فعلًا نتائج من هذه الاجتماعات المقبلة، عندئذ سيتحقق تقدم”.

ترامب” يدافع عن إجراءاته..

وكان الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، قد قال، في وقت سابق، إن الصينيين بارعون في رفض أي شيء، وهو ما يتطلب شدة في التعامل معهم، مضيفًا: “هذا ما يفعله ترامب”.

وأضاف، في تدوينة على (تويتر)، الأربعاء الماضي: “أعتقد أننا سنصل إلى حل في نهاية المطاف، يجعل الوضع أفضل مما نحن عليه حاليًا”.

وتابع: “بكل صراحة، فإن تأثير ما يفعله ترامب مع الصين لم يضع في بقية العالم، وخاصة في أوروبا، التي يجلس فيها المسؤولون للحديث عن تغيير القوانيين”، مضيفًا: “أميركا لا تستطيع الدفاع عن العالم أجمع، وتحمل تكلفة عدم وجود نظام لإدارة اقتصادنا لصالح دولة أخرى”.

وقال “ترامب”: “من يتهموننا بفرض تعريفات جمركية كبيرة، يجب أن يعلموا أن الولايات المتحدة الأميركية تحملت تكاليف محاربة الإرهاب على مدى 50 عامًا، لكن اتفاقًا حقيقيًا يمكن أن يحدث”، مضيفًا: “ربحنا الحرب التجارية مع الصين”، في إشارة إلى تقرير نشرته شبكة (سي. إن. بي. سي)، عن هذا الأمر.

رد فعل انتقامي..

والثلاثاء الماضي؛ نشرت الشبكة تقريرًا، قالت فيه إنها علمت من 3 مصادر، أن الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، يشعر بغضب شديد، بعد إجراء صيني جعله يتراجع عن مضاعفة الرسوم على البضائع الصينية، كما صرح بذلك، الشهر الماضي.

وقالت الشبكة الأميركية، إن “ترامب” اضطر في النهاية إلى تسوية الأمر وأقتصر الأمر على زيادة صغيرة في الرسوم المفروضة على البضائع الصينية.

وأوضحت الشبكة أن الإجراء الانتقامي الصيني، الذي أغضب “ترامب”، تمثل في إبلاغه، في 23 آب/أغسطس الماضي، بخطة صينية لفرض رسوم على منتجات أميركية بقيمة 75 مليار دولار، ردًا على الإجراء الأميركي بشأن فرض رسوم على منتجاتها.

وبدأت إدارة “ترامب”، منذ عامين، ممارسة ضغوطًا على “الصين”، حتى تجري تغييرات شاملة في سياساتها بشأن حماية الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا إلى الشركات الصينية والمنح الصناعية والوصول إلى السوق.

وتنفي “الصين” دومًا، الاتهامات الأميركية؛ بأنها تعمد إلى ممارسات تجارية غير عادلة، وتعهدت بالرد على الإجراءات العقابية الأميركية بتدابير مماثلة، وهو ما أدى إلى احتدام الحرب التجارية بين البلدين.

وأدى احتدام الحرب التجارية بين البلدين إلى تعطيل تجارة سلع بمئات المليارات من الدولارات، وتسبب في تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي وأضر بالأسواق.

تبادل رسوم جمركية جديدة..

وكان أحدث تصعيد في الحرب التجارية بين البلدين؛ ما فرض، يوم الأحد الماضي، الأول من أيلول/سبتمبر الجاري، من رسوم جمركية إضافية على السلع.

بدأت هذه الجولة الجديدة اعتبارًا من، الأحد الماضي، مع فرض “بكين” رسومًا نسبتها خمسة في المئة على “النفط الخام” الأميركي، وهي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف “نفط الولايات المتحدة”، منذ بدأ أكبر اقتصادين في العالم حربهما التجارية قبل أكثر من عام.

وتم الاعلان عن أنه ستبدأ إدارة الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، فرض رسوم نسبتها 15 في المئة على واردات صينية تتجاوز قيمتها 125 مليار دولار، منها أجهزة الاتصال الذكية وسماعات البلوتوث؛ فضلًا عن أنواع كثيرة من الأحذية.

وردًا على ذلك، بدأت “الصين” فرض رسوم على بعض السلع الأميركية ضمن قائمة مستهدفة تبلغ قيمتها 75 مليار دولار. ولم تحدد “بكين” قيمة السلع التي ستفرض عليها رسومًا أعلى، اعتبارا من الأحد الماضي.

وفرضت “بكين” رسومًا إضافية نسبتها خمسة وعشرة في المئة، على 1717 سلعة، مما إجماليه 5078 منتجًا أميركيًا. وستبدأ “بكين” تحصيل الرسوم الإضافية على بقية السلع، في 15 أيلول/سبتمبر 2019.

ومن المقرر أن تسري الرسوم، التي تبلغ نسبتها 15 في المئة، على الهواتف الخلوية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة ولعب الأطفال والملابس، اعتبارًا من 15 كانون أول/ديسمبر 2019، بحسب ما نقلت (رويترز).

ما حدث في الكواليس..

وذكرت تقارير في “واشنطن” أن قرار الرئيس “ترامب”؛ بفرض رسوم جديدة على الواردات الصينية، جاء بعد أن عاد الوفد الأميركي إلى مفاوضات التجارة مع “الصين”، خالي الوفاض من جولة “شنغهاي” الأخيرة، حيث لم يقدم الجانب الصيني أي مقترحات جديدة لوقف الحرب التجارية بين البلدين.

وأضافت التقارير أن الرئيس “ترامب” كان مقتنعًا، بعد لقائه بالرئيس الصيني في “أوساكا”، أن “بكين” ستستأنف عمليات الشراء الضخمة للسلع الزراعية الأميركية كبادرة حسن نية لإعادة المحادثات المتوقفة إلى مسارها، لكن الصينيين لم يقوموا بشراء كميات كبيرة من هذه السلع منذ ذلك الاجتماع.

وأشارت التقارير الأميركية إلى أن الرئيس الأميركي كان غاضبًا للغاية، مما اعتبره فشل الرئيس الصيني في الوفاء بوعده لكبح جماح صادرات عقار “الفنتانيل” الصينية إلى “الولايات المتحدة”، وهو العقار الذي يُعد من أقوى المسكنات الطبية.

ونفت “الصين” هذه الاتهامات، وردت بأن “واشنطن” لم تفِ بإلتزاماتها الخاصة برفع الحظر عن شركة “هواوي”، عملاق الاتصالات الصيني، كما نفت تلميحات أميركية بأنها تحاول إطالة أمد المفاوضات حتى العام المقبل، على أمل وصول قيادة جديدة لـ”البيت الأبيض”؛ بعد انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2020.

وقد دافع الرئيس الأميركي عن الرسوم الجديدة، وقال إن الأمور تسير بشكل جيد مع “الصين”؛ وأنه يتعين عليها فعل الكثير، لإحداث تحول في مسار مفاوضات التجارة مع “الولايات المتحدة”، وقال إنه قد يرفع الرسوم أكثر إذا تقاعس الرئيس الصيني عن التحرك بسرعة أكبر للتوصل إلى اتفاق تجاري بين البلدين.

وأصر الرئيس “ترامب” على أن المستهلكين الأميركيين لا يتحملون عبء الرسوم الجمركية التي فرضت على الواردات الصينية، لكن العديد من الدراسات أظهرت أن الرسوم الجمركية على البضائع الأجنبية يتم دفعها دائمًا من قِبل المستوردين الأميركيين، وعادة ما يتم نقل التكلفة المضافة إلى تجار التجزئة والمستهلكين في نهاية المطاف.

وخلال أكثر من عام؛ عقدتا “الصين” و”الولايات المتحدة”، 11 جولة من المحادثات رفيعة المستوى، في محاولة لتسوية خلافاتهما التجارية، لكن المفاوضات فشلت وإنتهت إلى طريق مسدود، واتهمت “واشنطن”، الجانب الصيني، بالتراجع عن نقاط تم الاتفاق والتفاهم بشأنها، وردت “بكين” أن الوفد الأميركي طرح، خلال المفاوضات، مطالب غير واقعية تنتهك سيادة “الصين” وكرامتها.

وقالت إن حرب التعريفات الجمركية الأميركية ضد “الصين”، تُلحق الضرر بالاقتصاد والشعب الأميركي، كما تؤثر سلبًا على آفاق النمو في الاقتصاد العالمي، جراء حالة عدم اليقين التي تغلف السياسات التجارية، وقلق الأسواق الدولية من احتمالات تصاعد النزاع بشكل حاد بين “بكين” و”واشنطن” وإمتداده إلى قطاعات أخرى غير التجارة.

خطوة مشابهة لما بينهما..

وبسبب ما حدث بين البلدين؛ تقدمت “الصين” بشكوى ضد “أميركا” في “منظمة التجارة العالمية”، قال عنها “شريف الخريبي”، الخبير الاقتصادي، أن “بكين” تريد أن تقول للعالم كله أنها إتخذت جميع الخطوات التي تحفظ السلم والأمن العالمي والذي أساسه الاقتصاد.

وأكد “الخريبي” على أن “الولايات المتحده الأميركية”، التي هي أساس من اخترع السوق الحر ومن أسست اتفاقية “الغات” ومن نادت بحرية التجارة ورفع القيود الجمركية، تقوم الآن بحرب ليست ضد “الصين” فقط؛ وإنما ضد “الاتحاد الأوروبي” والبقية تأتي، مشددًا على أن كل القوى الاقتصادية الكبرى التي تنافس “الولايات المتحدة” سوف تدخل مع “الصين” في نفس الأزمة.

وأضاف الخبير الاقتصادي؛ أن خطوة “الصين” بتقديم شكوى ضد “أميركا” في “منظمة التجارة العالمية” هي خطوة مشابهة؛ سواء على مستوى العلاقات الثنائية بين البلدين أو على مستوى الانسحاب من المنظمات والاتفاقيات الدولية.

يصعب على “ترامب” التراجع السريع..

وعن الرسوم الجمركية الأخيرة؛ تقول “آيريس بانغ”، خبيرة اقتصادية في مجموعة (ING) للخدمات المالية، إنها تعتقد أن السوق “فسرت التطورات الأخيرة بشكل إيجابي للغاية”، مضيفة أنه سيكون من الصعب جدًا على “ترامب” التراجع بسرعة كبيرة، وأنه ليس من المؤكد حتى أن مناقشات أيلول/سبتمبر 2019 ستكون ذات مغزى.

كما تشرح “بانغ” أنه حتى وإن كانت المناقشات ذات مغزى، فإن: “كلا الجانبين سيؤكدان مجددًا لبعضهما البعض شروطهما المسبقة لإجراء مزيد من المحادثات، ما يعني بالنسبة للجهتين أن الطرف الآخر سيحتاج أولاً إلى تقديم تنازلات، الأمر الذي لا يدل على أي تقدم”، على حد قولها.

إنذار باستراتيجية حرب..

كما قال “محسن عادل”، عضو المجلس التخصصي للتنمية الاقتصادية، إن الحرب الاقتصادية التي تشنها “الولايات المتحدة الأميركية” ضد “الصين”، هدفها تحطيم حجم الصادرات الصينية الضخمة في العالم.

مشيرًا إلى أن تلك الحرب ستؤثر بالسلب على الاستهلاك الأميركي للمنتجات الصينية، نتيجة فرض قيود شرائية ورسوم جمركية.

ولفت إلى أن الوضع الراهن في العالم ينذر باستراتيجية حرب تجارية لـ”الولايات المتحدة الأميركية” على باقي الدول المصدرة في العالم بعد “الصين”، مثل “المكسيك” و”الاتحاد الأوروبي”، حيث ستبدأ فرض إجراءات وجمارك لتخفيض المنتجات التي تستوردها من تلك الدول.

السيناريوهات المستقبلية للعلاقات..

ويرى بعض المراقبين أنه في ظل هذا الوضع يمكن النظر إلى مستقبل العلاقات (الأميركية-الصينية) على ضوء سيناريوهين، الأول: أن كلًا من “واشنطن” و”بكين” سيجدا نفسيهما في حالة صراع سياسي وعسكري واقتصادي حاد، وبينما تتراجع “الولايات المتحدة” عن زعامتها في نواح عديدة، تسعى “الصين” إلى ملء الفراغ. وفي ظل هذا السيناريو ينظر البلدان لبعضهما نظرة ريبة وشك.

السيناريو الثاني: وهو التعاوني؛ وهو أن تستطيع كل من “الصين” و”أميركا” حل الخلافات القائمة بينهما، وهنا سيركز كل منهما على حسابات المنافع والمكاسب الاقتصادية التي يحققها كل طرف من وقف الحرب التجارية بينهما، من دون الهواجس المتعلقة بالأمن القومي وهو ما يتطلب من “أميركا” و”الصين” الجلوس على مائدة المفاوضات للتوصل لحل وسط يضمن الحد الأدنى من مصالحهما، وبالتالي عودة الاستقرار إلى الاقتصاد العالمي برمته.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة