خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
توقّيع “الاتفاقية الدفاعية الاستراتيجية المتبادلة”؛ (Strategic Mutual Defence)، بين “السعودية” و”باكستان”، بتاريخ 17 أيلول/سبتمبر 2025م، عقب الهجوم الإسرائيلي على “قطر”، أثار موجة من التكهنات في المحافل الدولية. بحسّب ما أستهل تحليل “نسرین محمدیان”؛ خبير قضايا غرب آسيا، المنشور على موقع “مؤسسة الدراسات المستقبلية في العالم الإسلامي” الإيرانية.
ورغم غموض تفاصيل الاتفاق حتى الآن؛ لكن يعتبره المحللون خطوة على صعيد التقييّم الجيوسياسي الإقليمي.
وفي هذه المقالة القصيرة؛ سوف نبحث في تقيّيم المحللين الدوليين لتداعيات هذا الاتفاق على “الهند والإمارات العربية المتحدة”؛ ودوره في المعادلات الإقليمية والعالمية.
مخاوف هندية..
يتخوف المحللون الغربيون والهنود من أن يؤثر الاتفاق على التوازن الأمني في “جنوب آسيا”، وأن تتحول “السعودية” إلى داعم محتمل لـ”باكستان” ضد “الهند”.
بالوقت نفسه وصف آخرون؛ مثل “كريستوفر كلاري”، أستاذ العلوم السياسي، الاتفاق بالعرض المسرحي، ويعتقد أن “السعودية” لن تضطلع بدورٍ مهم في الصراع “الهندي-الباكستاني”، لأن الاتفاق موجّه بالأساس ضد الكيان الإسرائيلي.
في المقابل؛ يعتقد “براهما تشلاني”، الخبير الهندي، أن “السعودية” باعتبارها محور الإرهاب وكذلك “باكستان”، سوف تُزيد من وتيرة التشدَّد.
من جهة أخرى؛ أكد “كي سي سيمغ”، الدبلوماسي الهندي السابق، على ضرورة الصبر والمشاهدة، وقال: “ربما تنضم قطر إلى الإمارات”. بدورها أكدت “الخارجية الهندية” على المصالح المشتركة، وأعلنت أن على “السعودية” مراعاة الحساسية المتبادلة.
وذكر تقرير “مؤسسة الدراسات السياسية الدولية”؛ (ISPI)، أن الاتفاق سوف يؤثر على الممر “الهندي-الشرق أوسطي-الأوربي”؛ (IMEC)، لأن “السعودية والإمارات” مركزان رئيسيان.
وفيما يخص الجوانب العالمية والنووية للاتفاق، يرى المحللون الأميركيون والإسرائيليون في الاتفاق تغييرًا لقواعد اللعبة المصحوبة بالتركيز على الخطر النووي والمنافسة بين “الولايات المتحدة” و”الصين”.
لكن أطرف التحليلات وأكثرها دقة لأنه يقترب من الواقع؛ هو تعليق مركز (بلفور) الذي أكد، أن الاتفاقية الدفاعية “السعودية-الباكستانية”، مجرد إشارة أكثر منها التزامًا، بمعنى أن “السعودية” تُرسل إشارات متَّزامنة تُركز على “إسرائيل” و”إيران”، وليس “الهند”.
هذه الاتفاقية أكبر من مجرد ضجة إعلامية، ولن توفر مظلة نووية باكستانية لـ”السعودية”، ولن تُغيّير العقيدة الباكستانية.
تداعيات الاتفاق على “الهند”..
شبه القارة الهندية؛ باعتبارها قوة إقليمية في “جنوب آسيا” وشريك اقتصادي رئيس لـ”السعودية”، تنظر بقلق إلى هذا الاتفاق.
ورغم أن الاتفاق لا يستهدف “الهند” بشكلٍ مباشر، إلا أن تعزيز الروابط العسكرية بين “السعودية” و”باكستان”، العدو التاريخي لـ”الهند”، يُثيّر تساؤلات وقلقًا حول التوازن الاستراتيجي في “جنوب آسيا”.
يعتقد بعض المحللين أن هذه المعاهدة قد تُعقّد الحسابات الأمنية لـ”الهند” في حال نشوب صراع مع “باكستان”، مثل التوترات الحدودية التي وقعت في أيار/مايو 2025م. ولذلك، فإن احتمال الدعم غير المباشر من “السعودية”؛ لـ”باكستان”، سواء من خلال الموارد المالية أو النفوذ السياسي، يجعل “الهند” تُعيّد النظر في استراتيجياتها الدبلوماسية.
ومن المحتمل أن تسعى “الهند”، من خلال تعزيز علاقاتها الدفاعية والاقتصادية مع “الولايات المتحدة” ودول الخليج مثل “الإمارات”، إلى تحييّد أي تأثير سلبي.
أما “الإمارات العربية المتحدة”؛ فهي أيضًا عضو رئيس في “مجلس التعاون الخليجي”، وبالطبع منافس لـ”السعودية” في هذه المعادلة، ولها مكانة خاصة.
وتوقّيع معاهدة دفاعية بين “الهند” و”الإمارات”؛ في اليوم التالي مباشرة، بعد اتفاقية الأمن بين “السعودية” و”باكستان”، يعكس حجم التوافق الاستراتيجي بين “أبوظبي” و”نيودلهي”. بما في ذلك بنود الاتفاق التي تشمل تبادل المعلومات والتدريبات العسكرية المشتركة، مما يُعزّز هذه الفكرة.
مع هذا؛ قد ترى “الإمارات” هذه المعاهدة كجزء من تحالف أوسع في الخليج نظرًا لأولوياتها ومواقفها ضد “إيران”. ويتوقع المحللون أن “الإمارات”، رغم عدم الدعم المباشر للاتفاقية الدفاعية بين “السعودية” و”باكستان”، لا تُريد أن تضر بعلاقاتها المتنامية مع “الهند”، وهذه الازدواجية، التي هي جزء منها في سياق التنافس بين “محمد بن سلمان”؛ ولي العهد السعودي، و”محمد بن زايد”؛ حاكم “الإمارات”، تضع “أبوظبي” في موقف حساس يتطلب منها تحقيق التوازن بين (التحالف العربي) والشراكة مع “الهند”.
ختامًا؛ يجب القول إن معاهدة الدفاع بين “السعودية” و”باكستان”، أكثر من كونها تهديدًا مباشرًا ضد “الهند” أو “الإمارات”، هي جزء من جهود “الرياض” لتقليل اعتمادها على “الولايات المتحدة” والرد على التهديدات الإقليمية.
وتُعدّ هذه الاتفاقية بالنسبة لـ”الهند” تحذيرًا بضرورة تعزيز دبلوماسيتها مع دول الخليج و”أميركا”، بينما من المُرجّح أن تُحاول “الإمارات” لعب دور الوسيّط للحفاظ على مصالحها في كلا المحورين.
ومع ذلك؛ فإن الغموض في تفاصيل الاتفاق، بما في ذلك نطاق الالتزامات العسكرية والنووية، جعل بعض المحللين الدوليين يرونه بمثابة عرض استراتيجي أكثر من كونه التزامًا عمليًا.