خاص : كتبت – نشوى الحفني :
استضافت مدينة “ميونخ” الألمانية أعمال “مؤتمر ميونخ الأمني” في دورته الـ 56، أمس الجمعة، حيث من المؤكد مشاركة نحو 40 رئيس دولة وحكومة؛ ونحو 100 وزير هذا العام، من بينهم الرئيس الأميركي، “ترامب”، والفرنسي، “ماكرون”. وقد افتتح الرئيس الألماني، “فالتر شتاينماير”، أعمال المؤتمر، الذي يأتي في وقت تعصف بالمنطقة الكثير من الأزمات، حيث تلقي قائمة طويلة من الصراعات بالشكوك حول قدرة السياسة الدولية على التوسط لإحلال السلام.
وتشارك دول أخرى بمسؤولين بارزين؛ منهم وزير الخارجية الأميركي، “مايك بومبيو”، ووزير الخارجية الصيني، “وانغ يي”، ووزير الخارجية الإيراني، “محمد جواد ظريف”. كما أن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، (ناتو)، “ينس ستولتنبرغ”، والمدير التنفيذي لموقع (فيس بوك)، “مارك زوكربيرغ”، هم أيضًا على قائمة الحضور.
أجندة المؤتمر..
وناقش صناع القرار والخبراء من جميع أنحاء العالم النقاط الساخنة من الحرب القائمة في “ليبيا” إلى الأزمة النووية مع “إيران”؛ وصولًا إلى موضوع أزمة تغُير المناخ في العالم.
ويُعتبر المؤتمر أيضًا منبرًا هامًا لمناقشة الإستراتيجيات المستقبلية للسياسة الخارجية الأميركية، حيث كان من الموضوعات التي سوف تحظى بنقاش هي خطة السلام في الشرق الأوسط، التي أعلن عنها “ترامب”، في الشهر الأول من عام 2020، والتي لم تلقى أصداء إيجابية من القيادة الفلسطينية، ومع ذلك، على عكس الجهات الفاعلة الأخرى، قدمت “واشنطن”، تحت قيادة “ترامب”، مفهومًا مفصلًا يفترض أن يجد حلولًا تستند إلى حل عادل بالنسبة لجميع الأطراف.
فشل لا يُغتفر للمجتمع الدولي في سوريا..
قبل إنطلاق المؤتمر؛ قال رئيس مؤتمر ميونخ الأمني، “وولفجانغ إيشينجر”، إنه: “قلق للغاية” بشأن “الفشل الذي لا يُغتفر” للمجتمع الدولي في “سوريا”، التي مزقتها الحرب، كما أعرب عن أسفه لأن خطة السلام الليبية، التي تم التوصل إليها مؤخرًا في “برلين”، قد فشلت هي الأخرى.
وقال: “لدينا المزيد من الأزمات، أزمات أكثر خطورة وأحداث مروعة أكثر مما يمكن للمرء أن يتخيلها”، وهذا سيعني الكثير من العمل للمشاركين في القمة، حيث ستتواصل الاجتماعات حتى يوم الأحد المقبل.
كما يمكن أن تتأجج التوترات في (الناتو)، خلال هذا الحدث، حيث يدفع “ماكرون”، “أوروبا”، لتصبح أكثر استقلالية عن “الولايات المتحدة”، “حليفتها القوية”، بما في ذلك عبر التعاون في مجال الردع النووي.
وفي هذه الأثناء؛ ومع وصول الديمقراطية الأميركية البارزة والعدو اللدود لـ”ترامب”، “نانسي بيلوسي”، إلى “ميونخ”، سيكون هناك في المؤتمر ممثلين للمعسكرين، المؤيد والمعارض، للرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، في وقت يتسم بالانقسام السياسي الشديد في “واشنطن”.
خطوات متثاقلة لألمانيا في سياستها الخارجية..
وانتقد رئيس المؤتمر، “فولفجانغ إشينجر”، الخطوات المتثاقلة للسياسة الخارجية الألمانية.
وقال “إشينجر”، في تصريحات، الجمعة، إن الخطاب المدوي للرئيس الألماني السابق “يواخيم جاوك”، خلال المؤتمر عام 2014، والذي طالب فيه بتحمل “ألمانيا” المزيد من المسؤولية على المستوى العالمي، حلحل بعض الأمور، “لكني أرى تثاقلًا في التحرك نحو هذا الإتجاه؛ في ظل السرعة الهائلة التي تتطور بها السياسة العالمية”، مشيرًا إلى غياب العزيمة اللازمة لذلك.
وأكد الدبلوماسي البارز، الذي يتولى رئاسة المؤتمر منذ عام 2009، أن القوة العسكرية لـ”ألمانيا” ضعيفة للغاية مقارنة بثقلها السياسي في “أوروبا”، وقال: “أعتقد أن دول الجوار ستسعد إذا استخدمت ألمانيا نفس عدد الطائرات، التي تستخدمها الدنمارك في مكافحة تنظيم (داعش). لم نُسيّر أي طائرة تُطلق النار، بل تلتقط صورًا فقط”.
يُذكر أن “الدنمارك” شاركت في مكافحة تنظيم (داعش)، في “سوريا” و”العراق”، خلال الفترة من عام 2014 حتى 2016، بمقاتلات من طراز (إف-16)، بينما يُشارك الجيش الألماني، حتى اليوم، بطائرات استطلاع من طراز (تورنادو)؛ في “التحالف الدولي” لمكافحة (داعش).
وافتتح الرئيس الألماني، “فرانك-فالتر شتاينماير”، أمس، “مؤتمر ميونخ الدولي للأمن”، الذي يُعقد سنويًا.
وكان “شتاينماير” قد دعا خلال المؤتمر، عام 2014، عندما كان يشغل منصب وزير الخارجية، إلى إضطلاع “ألمانيا” بمزيد من المسؤولية على المستوى العالمي، لكنه لم يُشدد على الدور العسكري مثلما فعل الرئيس السابق، “جاوك”.
وأكد “إشينجر” على ضرورة توفير الوسائل العسكرية في “ألمانيا” بالقدر الكافي، وقال: “الدبلوماسية القوية تقتضي للأسف – عندما يدور الأمر حول أزمات – إلى التهديد في حالة الضرورة بالوسائل العسكرية. الوسائل العسكرية يتعين أن تكون أداة ضمن عدة في صندوق الأدوات … إذا كنا لا نمتلك هذه الوسائل، تتحول الدبلوماسية في أغلب الأحيان إلى كلام فارغ، وبالتالي يمكن أن نشكو على الدوام من مدى سوء الأوضاع في سوريا، لكن دون تغيير شيء”.
وفي هذا السياق؛ أشاد “إشينجر” بمقترح وزيرة الدفاع الألمانية، “أنيغريت كرامب-كارنباور”، بإرسال مهمة عسكرية أممية إلى شمال “سوريا”، وقال: “هذا المقترح كان إشارة في الإتجاه السليم، حتى لو كان وقت طرحه غير مبشر بالنجاح”.
منصة دولية..
حول أهمية المؤتمر، قال الدكتور “طارق فهمي”، أستاذ العلوم السياسية بجامعة “القاهرة”، إن “مؤتمر ميونخ للأمن”، بـ”ألمانيا”، يُعد منصة دولية لمناقشة القضايا والتحديات التي تواجه المنظومة الأمنية في العالم ورصد القضايا التي تهدد الاستقرار والسلام الدولي، والحديث عن القواسم المشتركة التي تجمع دول العالم.
مشيرًا إلى أن “مؤتمر ميونخ” ينعقد تحت أجندة عمل ثابتة تتعلق بأمرين؛ وهي مهددات الأمن الدولي وكيفية مواجهتها، والآخر بشأن مراجعة الإستراتيجيات التي تطرحها الدول الكبرى لمواجهة الإرهاب، والتركيز على التهديدات التي تواجه “أوروبا”، ومناقشة الأوضاع في المناطق المضطربة والنزاعات وتحليل الصراعات الدولية.
وأكد أن المؤتمر يُعد من أهم المؤتمرات الدولية؛ وتكتسب أهميته هذا العام بعد أن عادت العناصر الإرهابية تهدد “أوروبا”، لافتًا إلى أن “ألمانيا” و”فرنسا” سيقودان “الاتحاد الأوروبي”، بعد خروج “بريطانيا” منه، الفترة المقبلة.
وذكر “فهمي”، أن المؤتمر سيُناقش قضايا عودة المقدمين الأجانب لبلادهم وظاهرة الإرهاب المتمدد، وسيطرح رؤى وأفكار وإستراتيجيات مواجهة التنظيمات الإرهابية في العالم والتحولات الجارية في بنية النظام الدولي بما يرتبط بالأمن والاستقرار العالمي، واقتراح إستراتيجيات لمواجهة التحديات والمخاطر التى تواجه المنظومة الأمنية العالمية.
وضع إستراتيجية لمواجهة التحديات..
من جهته؛ أوضح الدكتور “إكرام بدرالدين”، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن “مؤتمر ميونخ للأمن” بـ”ألمانيا”، يهدف إلى وضع خطط للتعاون الأمني الدولي وتبادل المعلومات الهامة بين الدول المشاركة، ولا سيما في القضايا الأمنية التي تؤرق العالم.
وأضاف “بدرالدين”؛ أن “مؤتمر ميونخ” تكمن أهميته في أنه يهتم بالأوضاع والتطورات والمشكلات الأمنية في المناطق المختلفة من العالم، واستعراض ما تم إنجازه وكيفية التغلب على الصعوبات والتحديات، ودراسة التداعيات الخطيرة للأزمات المشتعلة، ولا سيما في “ليبيا” ومناقشة التوترات القائمة بين “إيران” و”الولايات المتحدة الأميركية” ومدى تأثيرها على منطقة الخليج.
وأشار إلى أن العالم لازال يبحث عن الأمن، لذلك يجب تكثيف الجهود الدولية من خلال تبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية وتبادل للآراء ووضع إستراتيجية لمواجهة التحديات بهدف الوصول إلى حلول للأزمات ومنها مكافحة الإرهاب العالمي.
فرصة لإلتقاء الأفكار..
ورأى الدكتور “محمد صادق إسماعيل”، مدير المركز “العربي” للدراسات السياسية، أن “مؤتمر ميونخ للأمن” فرصة لإلتقاء الأفكار بين قادة العالم ومنصة عالمية تتحدث عن قضايا الأمن وكيفية إيجاد حلول لها؛ فيما يتعلق بالقضايا الراهنة على الساحة العربية في “سوريا” و”ليبيا” وغيرها.
ونوه “صادق” إلى أن القضايا التي سيتم طرحها هي؛ الهجرة الغير شرعية والإرهاب وقضية اللاجئين ومستجدات القضية الليبية والتدخل التركي وشرق المتوسط، وما يمس الأمن في منطقة “المتوسط” و”الغاز”، لذلك لابد من التنسيق بين “جنوب أوروبا” و”شمال إفريقيا” لمواجهة التحديات الأمنية التي تهدد العالم.