خاص : ترجمة – محمد بناية :
يبدو أن “روسيا” سوف تُعِد لإقامة اجتماع “موسكو” الثاني بمشاركة عدد من دول المنطقة ووفد من “طالبان”، خلال الأسابيع المقبلة. بحسب صحيفة (ماندﮔار) الأفغانية؛ المحسوبة على جماعة المجاهدين.
وتعتزم “موسكو” دعوة “زلمي خليل زاد”، المندوب الخاص بالخارجية الأميركية للسلام في “أفغانستان”. ورغم أن “الولايات المتحدة” لم تعلن، حتى الآن، خبر مشاركة مندوبها بشكل رسمي، لكن يبدو أنها تريد عدم البقاء بعيدًا عن المساعي الروسية.
تسابق موسكو وواشنطن على الحوار مع “طالبان” !
وقد تحدث بعض المحللون مؤخرًا عن تعاون بين “موسكو” و”واشنطن” بشأن حوار السلام مع “طالبان”. وبحسب عقيدة هؤلاء، فـ”الولايات المتحدة” تشعر بالاستياء من الدور الروسي الملموس في القضايا الإقليمية، ومن ثم تعتزم الاستفادة هذه المرة من الأطراف الإقليمية لإنجاح مشروعها للسلام.
إلى أي مدى قد يكون هذا التصور واقعيًا ؟.. حتى الآن لا توجد مؤشرات واضحة، لكن الوضع الظاهري يشير إلى أن حل “الأزمة الأفغانية” سوف يكون صعبًا جدًا؛ طالما يصُعب على “واشنطن” وحلفاءها التعاون والاتفاق مع الأطراف الإقليمية، لاسيما وأن وسطية الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، مع الحكام في “إسلام آباد” غير معروفة، وقد أستحالت هذه العلاقات مؤخرًا إلى سجال لفظي بين قادة البلدين.
لقد وصف “ترامب”، بشكل عملي، الباكستانيين، على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي، (تويتر)؛ بـ”الحمقى”. وكتب: “أميركا غير مستعدة على منح الباكستانيين مليارات الدولارات، بينما لم تُتخذ في هذا البلد أي خطوة في مجال مكافحة الإرهاب والتعاون مع أميركا”.
وردًا على هذه التغريدة؛ كتب “عمران خان”، رئيس وزراء “باكستان”، على صفحته الشخصية بموقع، (تويتر)، مستخدمًا نفس نبرة “ترامب”: “أميركا لا يجب أن تبرر فشلها بأفغانستان على هذا النحو”.
وفي رأي السيد “خان”؛ أن “الولايات المتحدة” تكبدت مليارات الدولارات للقضاء على إحدى الجماعات بـ”أفغانستان”، لكنها عمليًا تتمتع حاليًا بقوة أكبر. وكما أن إستدلال السيد “ترامب” قوى ونابع عن وقائع سياسية إقليمية، فإن تغريدة رئيس الوزراء الباكستاني أيضًا صحيحة.
أميركا والدرس الأفغاني..
والواقع لو يبدي الطرفان الصداقة الضرورية، فيما يخص “القضية الأفغانية”، لما شهدت الأوضاع في المنطقة كل هذه الهزائم، ولما عامت “أفغانستان” في بحار الدم. وبينما تعلم “الولايات المتحدة” أن “باكستان” تستخدم التنظيمات المتشددة ضد “الحكومة الأفغانية”، لم تتخذ مطلقًا أي إجراء ضد مراكز إنتاح الإرهاب.
لكن أمام إمتلاك “الولايات المتحدة” القدرة على هذا العمل؛ ما الذي حال دون أن تتعامل “أميركا” بالمدارة مع “باكستان” ؟.. يبدو أن الوضع معقد بشكل يصعب معه إستيضاح الوقائع في ظل هذه الأجواء الملوثة.
إن مسألة وجود الجماعات الإرهابية، على هذا الجانب من الحدود الأفغانية، أوضح من الشمس بل حتى لا يحتاج إلى وثائق. عشرات الجماعات المتطرفة والإرهابية على مستوى عالي من التدريب وتحظى بأكبر المعدات العسكرية بشكل رسمي وشبه رسمي، لكنها تنشط عمليًا في “باكستان”؛ ولا هدف لها سوى مكافحة القيادات الأجنبية والحكومة الأفغانية.
أما الحدث الآخر؛ فليس موضوع مخابراتي ومعلوماتي مثل قواعد “كوريا الشمالية” لإنتاج الصواريخ النووية، حيث لا يمكن في الظاهر تأييد وجودها. لكن أبسط الأشخاص الذين يزورون “باكستان” يكتشف وجود التنظيمات المتطرفة والإرهابية التي تدعمها عمليًا الحكومة والجيش الباكستاني.
الجماعات الإرهابية صنيعة أميركية..
ورغم أن هذه الفصائل المتطرفة تسببت في مشاكل بالنسبة لـ”الحكومة الباكستانية”، ولكن في المجمل تمتزج بالمكاسب السياسية لذلكم البلد. والأميركيون يعلمون هذا الموضوع جيدًا، منذ فترة الحرب الباردة، حيث أغار “الاتحاد السوفياتي” السابق على “أفغانستان”، بل إنها متورطة في وجود الكثير من الجماعات الإرهابية بالمنطقة.
“بن لادن”، الزعيم السابق لتنظيم (القاعدة)، والذي قُتل قبل سنوات في هجوم لقوات “الكوماندز الأميركية” بالقرب من “إسلام آباد”، عُرف إبان الحرب الأفغانية كحليف إستراتيجي لـ”الولايات المتحدة الأميركية”.
كان لدى “أميركا” المعلومات الكافية بشأن قدرات “بن لادن” العسكرية وأهدافه، ولكن لم تطلب مطلقًا منع توسعه في المنطقة. في الوقت نفسه، ساهمت “باكتسان” بالتفاهم مع “أميركا” في الكثير من المشاكل الإقليمية، وقد استمر هذا التفاهم على قوته حتى قبل سنوات.
ويبدي الكثير من المحللين التشاؤم حيال تبعات علاقات “دونالد ترامب” المتوترة مع نظيره الباكستاني، ويقولون: “مكانة باكستان في السياسات الأميركية عميقة، وهذه الخلافات السطحية سوف تتسبب في إنهيارها”.
ويمكن الدفاع عن هذا التحليل من جهات مختلفة. على الأقل لم تعثر “الولايات المتحدة” على بديل لـ”باكستان”، بحيث تستطيع تجاوز هذا البلد. والأميركيون على إطلاع بمكانة “باكستان” الخاصة، ولذلك لا يميلون بقوة لتدمير الجسور وراءهم.
والروس يعرفون بأمر هذه المعضلة، ولذلك يسعون إلى التدخل في قضايا المنطقة بشكل أكبر من السابق. ويسعى الروس في الوقت نفسه للاستفادة من “طالبان”، التي تضغط على “الولايات المتحدة”. ويتخوف الروس من (داعش)؛ باعتباره تهديد محتمل، لكن لا يبدو أنهم اختاروا بديلاً مناسبًا لمكافحة هذا التنظيم. وفي مواضع واضحة قد يمثل (داعش) و”طالبان” وجهان لعملة واحدة.
ولو يريد الأميركيون بالفعل حل مشكلة “أفغانستان”، فإن عليهم أن يختاروا المواجهة المشتركة على الإرهاب بالتعاون مع “روسيا”. إن التعاون مع “تنظيم طالبان” أو العمل على دمج هذا التنظيم مع الحكومة، لن يؤدي إلى أي نتائج وسوف يُفاقم من مشكلة المنطقة أكثر من ذي قبل.