“مؤتمر باريس” .. فرصة “ماكرون” للإستحواذ على الملف الليبي !

“مؤتمر باريس” .. فرصة “ماكرون” للإستحواذ على الملف الليبي !

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

في الوقت الذي تنطلق في التحذيرات من النتائج العكسية التي قد يؤتيها “مؤتمر باريس” حول “ليبيا”، إنطلقت في العاصمة الفرنسية فعاليات المؤتمر، الثلاثاء، برعاية “الأمم المتحدة” بمشاركة أبرز المسؤولين الليبيين؛ بهدف التمهيد لإجراء انتخابات قبل نهاية 2018، في هذا البلد الغارق في الفوضى منذ 2011.

والاجتماع، الذي يستضيفه الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، يشارك فيه كل من رئيس الوزراء، “فايز السراج”، وخصمه المشير، “خليفة حفتر”، الرجل القوي في شرق البلاد والذي إنطلقت حوله دعوات من “إخوان ليبيا” لمنعه من الحضور، ورئيس مجلس النواب، “عقيلة صالح عيسى”، ورئيس مجلس الدولة، “خالد المشري”.

تسعى لإنتزاع إلتزام جماعي..

الرئاسة الفرنسية أعلنت، مساء الإثنين الماضي، أن “باريس” ستسعى، خلال الاجتماع، لإنتزاع “إلتزام جماعي بفعل كل ما يمكن فعله من أجل أن تجري انتخابات، (رئاسية وتشريعية)، بحلول نهاية العام”.

قد يؤدي لنتائج عكسية..

لكن “مجموعة الأزمات الدولية” اعتبرت، في مذكرة خطية، الإثنين، أن “الاجتماع قد يؤتي نتائج عكسية إذا لم يكن هناك توافق أوسع يشمل أطرافًا سياسية وعسكرية أخرى”.

مركز الأبحاث أوضح أن هذا المؤتمر تغيب عنه بالخصوص مدينة “مصراتة”؛ التي تعتبر فصائلها المسلحة من بين الأقوى في غرب ليبيا ويعتبر ساستها من الأكثر نفوذًا.

وأضافت المجموعة، في مذكرتها، أنه “تمت دعوة عدد من الليبيين للمشاركة على هامش المؤتمر، ولكن لن تتم دعوتهم للتوقيع على الاتفاق”.

وأوضحت أن هذا الترتيب لم يرق بالخصوص لوفد “مصراتة”، الذي “رفض التوجه إلى باريس؛ ما إن أُبلغ بأنه لن يُعامل كبقية الوفود الأربعة”.

إجراء الانتخابات أمر غير واقعي..

ولفتت إلى أن “إجراء انتخابات هذا العام هو أيضًا أمر غير واقعي، من وجهة نظر تقنية بحتة”، مشيرة إلى أنه “لا الإطار القانوني ولا الإطار الدستوري متوفرين، وهي عوائق يبدو تجاوزها مستحيلاً في خلال فترة قصيرة”.

واقترحت المجموعة أن يصدر عن “مؤتمر باريس” إعلان “مفتوح” وخالٍ من التعهدات الخطية، محذرة من أن أي خيار آخر من شأنه أن يزيد من التوترات السياسية في البلاد ومن عدائية الأطراف التي تشعر بأن المبادرة الفرنسية أقصتها أو همّشتها.

ولفتت، “الأزمات الدولية”، إلى أنه “لا يزال هناك الكثير من العمل الواجب القيام به كي يثمر أي جهد يرمي لتحقيق الاستقرار في ليبيا اتفاقا على (…) إستراتيجية سياسية واقتصادية وأمنية قابلة للحياة، ويمكن أن تنضوي فيها موافقة واسعة من الأطراف الليبيين وداعميهم الدوليين”، وهو أمر “لا تتيحه المبادرة الفرنسية”.

وقد دعا “الإليزيه” إلى “مؤتمر باريس” ممثّلين عن 19 دولة معنية بالملف الليبي: “الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وإيطاليا”، القوة الاستعمارية السابقة، والدول المجاورة لليبيا: “مصر وتونس وتشاد”، والقوى الإقليمية: “الإمارات وقطر والكويت وتركيا والجزائر والمغرب”.

ويشارك في المؤتمر أيضًا كل من الرئيس الكونغولي، “دنيس ساسو-نغيسو”، رئيس لجنة الاتحاد الإفريقي الرفيعة المستوى حول ليبيا، ورئيس بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، “غسان سلامة”.

لقاء سابق بين “السراج” و”حفتر”..

“ماكرون”، الذي جعل من الاستقرار إحدى أولويات سياسته الخارجية المهتمة بقوة بمنطقة الساحل، سبق له وأن رعى، في تموز/يوليو 2017، لقاء بين “السراج” و”حفتر” قرب باريس.

وما زالت “ليبيا” تعيش على وقع أعمال عنف وانقسامات عميقة رغم توقيع اتفاق سياسي، في كانون أول/ديسمبر 2015، بهدف إعادة الاستقرار للبلد الذي غرق في الفوضى إثر الإطاحة بنظام “معمر القذافي”، في 2011.

والاتفاق السياسي الذي رعته “الأمم المتحدة” أدى إلى تشكيل حكومة “الوفاق الوطني”. لكن هذه الحكومة لا تحظى بإجماع في ليبيا، حيث تواجه خصوصًا منافسة سلطة موازية في شرق البلاد مدعومة من قوات المشير “حفتر”.

الداخل الليبي غير متفائل..

ومثل “مجموعة الأزمات الدولية”، لا يبدو الداخل الليبي متفائلاً بمخرجات أو توصيات هذا الاجتماع، ويرى أن فرص نجاحها قليلة ما لم تحدث إنفراجة في الأزمة الليبية المستمّرة منذ سقوط نظام الزعيم الراحل “معمر القذافي”.

ويرجع عدد كبير من الليبيين توقعاتهم إلى وجود قوى على الأرض تتحكم في المشهد السياسي والأمني، خاصة الميليشيات المسلحة في الغرب الليبي؛ وبعضها متحالف مع “حكومة الوفاق”، وهي تعيق التوصل إلى أي توافق سلمي أو محاولات للصلح أو تقارب بين الفرقاء، خاصة أن المبادرة الفرنسية لحلّ الأزمة التي يرى البعض أنها لم تأت بالجديد، لا تستجيب إلى رؤيتها أو مصلحتها.

المجالس العسكرية تعلن رفضها للقاء..

وأستبق 13 مجلسًا عسكريًا في المنطقة الغربية اجتماع باريس، وأعلن في بيان مساء الأحد الماضي، رفضهم لهذا اللقاء، بحجّة أن المبادرة الفرنسية التي لا تمّثلهم تهدف إلى توطين “حكم العسكر”، ولا تدعو للتداول السلمي على السلطة، وتراعي القانون العسكري الليبي في شروط تولّي المناصب العسكرية.

وأكدت التشكيلات المسلحة، في البيان، على أن العملية الانتخابية “شأن ليبي” ويجب أن تتم بآليات دستورية وأخرى قانونية معتمدة واجبة النفاذ في كل الظروف والأحوال، مطالبة بإعطاء الأولوية القصوى إلى “وقف الحرب” داخل التراب الليبي.

وتجدر الإشارة إلى أن المبادرة الفرنسية حول الأزمة الليبية، تتضمن 13 بندًا رئيسًا هي:

– توحيد مؤسسات الدولة السيادية، وأولها “المصرف المركزي”، وإنهاء كل المؤسسات الموازية للإدارات الرئيسة.

– إعادة فتح دورة جديدة لتسجيل الناخبين في منظومة الانتخابات لفترة إضافية مدتها 60 يوماً.

– حثّ الأطراف على الاعتراف بالدستور، الذي وضعته هيئة صياغة الدستور، كأساس لأي كيان للدولة وسيادتها.

– وفي هذا الصدد؛ ضرورة دعم البعثة الأممية لدى ليبيا للتشاور مع الأطراف الليبية لتطوير نسخة الدستور ووضع جدول زمني محدد للاستفتاء عليه.

– الاتفاق على إجراء الانتخابات قبل نهاية عام 2018، بناءً على جدول زمني تعلن عنه البعثة الأممية، وبإشرافٍ من المفوضية العليا للانتخابات وحكومة الوفاق الوطني.

– تضمن قوى الأمن الليبية، بالتنسيق مع الأمم المتحدة والاتحادين الأوروبي والإفريقي والجامعة العربية، أمن التحضير للانتخابات في البلاد، وعملية الاقتراع تحت إشراف دولي، بالتوازي مع فرض عقوبات من قبل المجتمع الدولي على أي معرقل أو معيق أو متدخل في عملية الاقتراع.

– ينقل مقر مجلس النواب في أقرب وقت، كما نصت على ذلك بنود الإعلان الدستوري للبلاد.

– الإلتزام بدعم الحوار العسكري الليبي الجاري في القاهرة، والإلتزام بدعم توحيد الجيش وتشكيل الهيكلة العسكرية الوطنية، التي ستعتمد بعد الانتخابات، على أن يكون الجيش تحت قيادة مدنية.

– بالتزامن مع العملية الانتخابية، وبعد تنظيم الانتخابات، تلتزم الدول المعنية بالملف الليبي بدعم ليبيا والسلطات الليبية، من أجل تحسين الخدمات المقدمة إلى المواطنين، (الوصول للماء والكهرباء …).

– التشديد على احترام الاتفاق ونتائج الانتخابات. وسيحمل المجتمع الدولي كل زعيم وممثل ليبي يخرق ذلك الاتفاق المسؤولية، وسيفرض عليه عقوبات.

– يجدد المجتمع الدولي ثقته في كل من “حكومة الوفاق” و”مجلس النواب” و”مجلس الدولة” و”الجيش الوطني”.

– دعم المجتمع الدولي لعقد المؤتمر الوطني الجامع في ليبيا أو خارجها، والذي تشترك فيه كل الأطراف الليبية، وذلك خلال ثلاثة أشهر، لمتابعة تنفيذ “اتفاق باريس”.

لا إمكانية لنجاح اللقاء..

ورغم أهمية النقاط التي تضمنتها المبادرة، لا يرى النائب بالبرلمان، “علي التكبالي”، أي إمكانية لنجاح هذا اللقاء في ظل وجود ميليشيات مسلحة تعد هي الحاكم الفعلي في العاصمة “طرابلس”، وذلك بالرغم من إنتظارات الليبيين الذين من “فرط لهفتهم على إنهاء محنتهم، أصبحوا يتلقفون أي مبادرة على أنها الحل لأزمتهم”.

لن تؤتي ثمارها..

اتفق معه الأكاديمي الليبي، “عقيلة دلهوم”، وقال إن الجهود الفرنسية في توحيد رؤية أطراف الحكم الفوضوي في ليبيا بجناحيه السياسي والعسكري، “لن تؤتي ثمارها”.

مضيفًا، في تدوينة على صفحته بالـ (فيسبوك): أنهم “سيتفقون هناك في الفنادق الفارهة، ويتصافحون بإبتسامات باهتة، وربما يوقعون على أوراق جاهزة، ثم يرجعون إلى شرنقاتهم حيث صوت الرصاص، وتبدأ التفجيرات والمكائد، ليتكرر الفشل، لأن الإفشال لأي اتفاق هو الغاية، وبقاء الحال كما هو عليه أكثر نفعاً، لمن تلذذوا النشوة مع استمرار معاناة الناس”.

كما يرى النائب بالبرلمان، “صالح فحيمة”، أن المبادرة الفرنسية “لن يكتب لها النجاح”، في ظل إهمال بعض الدول الفاعلة في المشهد السياسي الليبي وغيابها عن هذا الاجتماع، مثل “إيطاليا”، مشيرًا إلى أنّها “لم تأت بالجديد وقامت بتلخيص مطالب الليبيين في نقاط”، دون تحديد آلية وجدول زمني لتطبيقها على الأرض.

تساهم في عودة قوارب الموت..

في الوقت ذاته؛ فجر “مؤتمر باريس” حول ليبيا، خلافًا فرنسيًا إيطاليًا حول إدارة الملف الليبي، خرج إلى العلن عندما أكد السفير الإيطالي في ليبيا، “وزيبي بيروني”، الأحد الماضي، في تصريح لجريدة (لاماتينو) الإيطالية، على أن “الانقسامات والمبادرات غير المنظمة تساهم في عودة قوارب الموت”، في إشارة إلى المبادرة الفرنسية لحل الأزمة الليبية، مضيفًا أن “الهدف ليس زيادة الإلتزامات، بل تنفيذ ما جرى الإلتزام عليه حول ليبيا”.

وفي السياق ذاته؛ اتهمت الصحف الإيطالية الصادرة، الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، بالسعي لضرب المصالح الإيطالية في ليبيا، وخاصة في “حقول الغاز والنفط”.

يريد سرقة ليبيا..

وقالت صحيفة (ilgiornale) الإيطالية إن الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، يريد “سرقة” ليبيا، وإن الخطة الفرنسية “تستغل الصدام بين القبائل وإنعدام اليقين الإيطالي”، ما لم يمنعها “بوتين”.

ورأت الصحيفة الإيطالية أن “ماكرون” يسعى إلى الإستحواذ على ثروات الطاقة في المستعمرة الإيطالية السابقة؛ مستغلاً الفوضى الليبية والفراغ السياسي الانتقالي الحالي في “روما”.

وشددت الصحيفة الإيطالية على أن المبادرة الفرنسية لحل الأزمة الليبية بجمع الفرقاء الليبية في اجتماع دولي ينعقد في “باريس”، تهدف إلى إنتزاع مكانة إيطاليا السياسية والاقتصادية في ليبيا.

وأعربت الصحيفة عن القلق من لقاء “باريس” الدولي بشأن ليبيا، وذلك لأن مجرد إنعقاده يحقق “إجماعًا  بين الأطراف الليبية الأربعة، وإن كان مؤقتًا، سينجح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في تحريك المياه الراكدة”، لافتة إلى أن “ماكرون” اختار أكثر الأوقات ملاءمة “للتخلص من الزخم الإيطالي” في مرحلة الانتقال السياسي الحالي في إيطاليا.

فرصة لـ”ماكرون”..

“باريس” إنتهزت الفرصة المناسبة ليس فقط بالنسبة للأوضاع في روما، بل وعلى جبهة “الأمم المتحدة”، بحسب الصحيفة الإيطالية؛ التي لفتت إلى تصريح المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا، “غسان سلامة”، بعدم القدرة على تجديد اتفاقيات المصالحة بين الفرقاء الليبيين المنتهية أواخر 2017، ولكون الولايات المتحدة بعيدة وغير مهتمة بالأزمة الليبية، ما رأت فيه ظرفًا مواتيًا للغاية يتيح لـ”ماكرون” التصرف طليق اليدين !

ولفتت إلى أنه من أجل “الحفاظ على غازنا ونفطنا والبقية الباقية من النفوذ الدولي، لا يمكننا في الوقت الحالي الاعتماد على روسيا التي يبدو أنها عازمة على استعمال (الفيتو) في الأمم المتحدة لمنع مشروع انتخابات ماكرون قصير الأجل”.

بينما قلّلت صحيفة (كوريري ديلا سيرا) من أهمية المبادرة، التي توقعت لها الفشل، كما حدث مع المبادرة التي أطلقتها “باريس” في تموز/يوليو الماضي.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة