مؤتمر الأنبار.. لا نتائج من دون مصالحة داخليّة

مؤتمر الأنبار.. لا نتائج من دون مصالحة داخليّة

كتب مشرق عباس : لم تكن دعوة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في 28 أيار الماضي إلى عقد مؤتمر لحل أزمة الأنبار “مفاجئة”. لكنها أتت “متأخرة” عن موعدها الطبيعي بحسب ردود الفعل من الأنبار نفسها.
 ودعا المالكي في كلمته الأسبوعيّة امس الاربعاء عشائر الأنبار وجميع من وقف بوجه مسلحي تنظيمَي “القاعدة” و”الدولة الإسلاميّة في العراق والشام” (داعش) إلى حضور مؤتمر موسّع يحقّق وحدة وطنيّة بعيداً عن الخلافات. وقال “أدعو جميع من يجد فيه الرغبة والوعي والقدرة ليكون مع الذين حملوا السلاح ومع الذين أفتوا بضرورة مقاتلة القاعدة من العشائر والمواطنين والتحقوا بالشرطة والجيش، أدعوهم جميعاً بأسرع وقت لعقد مؤتمر موسّع تعلن من خلاله وحدة وطنيّة في الأنبار من أجل القضاء على القاعدة”. أضاف “أتمنى أن لا نطرح الخلافات على الرغم من أنها ستبقى محترمة،والعمل على حلها. لكن نريد عودة المواطنين إلى منازلهم لاستقبال شهر رمضان في الفترة الراهنة”.
وعلى الفور صدرت ردود فعل متفاوتة من داخل الأنبار وخارجها حول هذه الدعوة.  فثمّة من رحّب بها خصوصاً في الأوساط الحكوميّة في الأنبار، فيما رأت كتلة “متحدون” السنيّة أن المؤتمر سيتحوّل إلى منبر للخطابات وشكّكت في أهدافه ونتائجه.
فردّ القيادي في كتلة المالكي “دولة القانون” علي العلاق باتهام المشككين بالمؤتمر بأنهم “فاشلون”.
لكن من داخل الفلوجة، قال عضو مجلس عشائر الفلوجة الشيخ محمد البجاري في اتصال هاتفي مع “المونيتور” إن “المؤتمر الذي دعا إليه رئيس الحكومة نوري المالكي جاء متأخراً جداً. وكان الأجدى الدعوة إليه عندما كنا نعتصم في الصحراء بشكل سلمي قبل تطوّر الأوضاع”.
أضاف أن “شيوخ الفلوجة والأنبار وعشائرهما ليس لديهم ثقة في الحكومة وبصدق نوايا المؤتمر. وإذا ما كانت ثمّة رغبة في حل الأزمة في الأنبار، فعلى الحكومة تقديم بوادر حسن نيّة، مثل وقف القصف المدفعي الذي يطال الفلوجة وعدد من المناطق وسحب الجيش إلى خارج المدن وتقديم المتورّطين في قتل الأبرياء إلى المحاكمة”.
وبعيداً عن التجاذبات السياسيّة حول مثل هذا المؤتمر، فإن مجرّد إقرار الحكومة العراقيّة بضرورة أن تكون المسارات السياسيّة لحلّ أزمة الأنبار متلازمة مع المسارات الأمنيّة والعسكريّة وليست منفصلة عنها، هو تطوّر، بصرف النظر عن كونه جاء متأخراً عن موعده الطبيعي.
وربما لن يكون الجدال حول تأخر دعوة رئيس الوزراء العراقي إلى عقد المؤتمر بعد 18 شهراً على اندلاع التظاهرات في المدن السنيّة عموماً وبعد خمسة  شهور على انفجار المواجهات الدامية بعد اقتحام الجيش العراقي ساحة اعتصام الأنبار نهاية العام الماضي، غير مفيد بقدر ضرورة استثمار الأجواء الإيجابيّة من قبل الأطراف المختلفة للتوصّل إلى حل نهائي للأزمة. وهذا ما دعا عضو الحكومة المحليّة في الأنبار يحيى المحمدي إلى القول إن “دعوة رئيس الوزراء نوري المالكي لعقد مؤتمر خاص بالأزمة التي تشهدها المحافظة جاءت في الوقت المناسب. والمجلس يوافقه الرؤى بشأن ضرورة تغليب لغة الحوار بين أطياف المجتمع الأنباري وتوحيد الجهود في محاربة تنظيم داعش”.
والأهم من الجدال حول التوقيت، هو الحديث عن آليات عقد المؤتمر وكيف يمكن أن يقود إلى نتائج.
يعلم الجميع أن الحكومة العراقيّة كانت قد فتحت بالفعل أبواب الحوار مع ممثلين عن العشائر المناهضة لها في داخل الفلوجة التي مثلها شيخ عشائر الدليم علي الحاتم أولاً في العاصمة الأردنيّة عمّان ومن ثم في عاصمة إقليم كردستان إربيل.
والحوارات التي جرت بين الطرفَين ركّزت بحسب تأكيدات مصادر مطّلعة على أجوائها لـ”المونيتور”، على “من جانب العشائر والمسلحين في الأنبار على سحب الجيش من مدن الأنبار، والتعويض على المتضرّرين من العمليات العسكريّة، وإنشاء قوة خاصة من العشائر لحماية المدينة إلى حين إعادة هيكلة الأجهزة الأمنيّة والإداريّة في المحافظة، والعفو عن المسلحين من خارج تنظيم داعش، ومن جانب ممثلين عن الحكومة على ضرورة قيام العشائر خصوصاً في مدينة الفلوجة بطرد مقاتلي تنظيم داعش منها عبر مواجهات عسكريّة داخليّة”.
لكن هذا الإطار المعلن للمفاوضات، تقف خلفه عقد كبيرة أهمها أن الأزمة الممتدّة وانفتاحها وتداخل الخنادق بين مقاتلي “داعش” ومقاتلي العشائر والمجموعات المسلحة المتحالفة معها، لن يسمح بإيجاد فرز موضوعي لساحة القتال بين الأطراف، خصوصاً أن الشهور الماضية شهدت تعاوناً بين الطرفَين.
وتوضح المصادر في داخل مدينة الفلوجة لـ”المونيتور” أن مقاتلي العشائر والمجموعات المسلحة الأخرى لا يرغبون بقتال “داعش” في هذه المرحلة، وأنهم يفضلون حلاً يسمح بإيجاد ممرات آمنة لانسحاب “داعش” من الفلوجة إلى خارجها بالتزامن مع انسحاب الجيش.
في هذه النقطة المركزيّة، يبرز الانقسام الكبير الذي حدث منذ اندلاع الاشتباكات بين عشائر الفلوجة وبعض مناطق الأنبار الأخرى، وعشائر الرمادي ومنها “البو ريشة” و”البو فهد” التي انضم زعماؤها إلى الجيش في قتال “القاعدة” وأعادوا تشكيل قوات عشائريّة لهذا الغرض. وهي لا تبدو أنها بعد خمسة شهور من المعارك، قادرة على تحقيق الأهداف التي شكلت من أجلها وهي طرد “داعش” من كل مدن الرمادي التي ما زالت تشهد تمركزات لعناصر التنظيم في بعض مناطقها.
تجدر الإشارة إلى أن ساحات الاعتصام في الأنبار كانت قد ضمّت كل العشائر الرئيسيّة فيها، قبل أن يحدث هذا الانقسام مع تفجّر المعارك ودخول تنظيم “داعش” بأرتال إلى مدن الأنبار ليستقرّ في الفلوجة.
والانقسام أنتج صراعاً شديداً بين زعماء القبائل الرئيسيّين، واتهامات بالتعاون مع تنظيم “القاعدة” وبـ”الخيانة” و”العمالة” و”محاولة التكسّب على حساب دماء الأهالي”.
في الواقع، إن الصراع الداخلي في الأنبار سواء على المستوى السياسي أو القبلي، يضع عراقيل كبيرة أمام التوصّل إلى حلول. وتباين المصالح بين هذه الأطراف عمّقته سياسات الحكومة العراقيّة في إدارة الأزمة منذ بدايتها.
وكان حديث المالكي في كلمته عن احترام المختلفين والمناوئين والتركيز على تصفية أزمة الأنبار من خلال المؤتمر، إشارة واضحة إلى التراجع عن مسارات لم تكن مناسبة في خلال الشهور الماضية لإدارة الأزمة.
إن تصنيف زعماء العشائر على أساس الولاء للحكومة والولاء لـ”داعش”، لم يكن تصنيفاً مفيداً. ومن نتائجه أن الأطراف المعارضة تشدّدت في مواقفها، واقتربت بالفعل من “داعش” لمواجهة انتقامات محتملة سواء من الحكومة أو من العشائر المقرّبة منها. وكان الأجدى العمل مبكراً على احتواء العشائر وتقريبها وتقليل التباينات في ما بينها لضمان موقف موحّد.
الحديث عن مؤتمر فعال لحل أزمة الأنبار يتطلب في الدرجة الأولى العمل على تقليل الخلافات العشائريّة والسياسيّة الداخليّة خصوصاً بين الفلوجة والأنبار. فمن دون إحداث التقارب المطلوب بين هذه الأطراف، ستكون قدرة المؤتمر على إنتاج الحلول ضعيفة.
وعلى هذا الأساس تكون المعايير التي ستحدّد لاختيار المشاركين في المؤتمر في غاية الأهميّة، ويجب أن تكون ثمّة مساحة واسعة لمشاركة الشخصيات المختلفة بالفعل مع الحكومة والمؤثرة فعلياً في مسارات الأزمة وكذلك المسلحين من خارج تنظيم “داعش”، كخطوة أولى تضمن إمكان تحويل قرارات المؤتمر إلى واقع قابل للتنفيذ.
مصير المقاتلين الذين حملوا السلاح ضد الحكومة في خلال الشهور الماضية ممن لاينتمون الى تنظيم “داعش”، يجب أن يكون حاضراً بدوره على طاولة البحث. فالمهمّ في هذه المرحلة هو استعادة الأنبار بشكل عام والفلوجة بشكل خاص من الوضع الذي آلت إليه الأمور، وتحقيق مصالحة داخليّة ومصالحة مع الحكومة تقود إلى إنهاء “داعش” بالسرعة الممكنة.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة