وكالات- كتابات:
لليوم الثاني يقع الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، في مأزق مع مؤيديه بسبب الموقف الداعم لما تقوم به “إسرائيل” من حرب وحشية ضد سُكان “قطاع غزة”، رُغم التصريحات التي تخرج في بعض الأوقات حول رغبة “واشنطن” في وقف الحرب، إلا أن الواقع على الأرض عكس ذلك.
فقبل أيام استخدم ممثل “الولايات المتحدة” في “مجلس الأمن” حق النقض؛ (الفيتو)، ضد قرار بوقف الحرب الإسرائيلية بـ”قطاع غزة” فورًا؛ ما أثار العديد من التساؤلات عن الموقع الحقيقي لإدارة “بايدن” من وقف هذه الحرب.
لكن ورُغم ذلك؛ فإن مجاراة الرئيس “بايدن” لموقف “نتانياهو” المندفع للاستمرار في الحرب تعّرض لضربتين متواليتين، الخميس 14 كانون أول/ديسمبر، فكانت الضربة الأولى من وزير الدفاع الإسرائيلي؛ “يوآف غالانت”، الذي قال إن مهمة استئصال (حماس) ستسّتغرق أشهرًا، ليُخالف بذلك ما ورد عن رغبة أميركية في تقليل حدة العمليات العسكرية في وقتٍ قريب، بحسّب تقرير لصحيفة (الغارديان-The Guardian) البريطانية.
وجاءت الضربة الأخرى فيما كشفه تقرير استخباراتي أميركي مسّرب عن أن نحو: (45%) من إجمالي القذائف؛ (29 ألف قذيفة)، التي أسقطتها “إسرائيل” على “غزة”، منذ 07 تشرين أول/أكتوبر، هي: “قنابل غبية”، أي غير موجهة، وتُحدث خسائر كبيرة في الأرواح والبُنية التحتية.
صرَّح “غالانت” بأنه يتوقع استمرار الحملة العسكرية عدة أشهر أخرى أمام الكاميرات الصحافية، وفي حضور مستشار الأمن القومي الأميركي؛ “جيك سوليفان”، الذي ذهب إلى “إسرائيل” لينقل إلى مسؤوليها رسالة أميركية مفادها أن عليهم تغييّر تكتيكات حملتهم، وأن الأولى بهم أن ينتهوا منها في غضون أسابيع. وفي اليوم نفسه، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ “بنيامين نتانياهو”، تصريحات وزير دفاعه، بالقول إن “إسرائيل” لن توقف الحرب إلا حين تبلغ النصر الكامل.
يتناقض ما ورد في التقرير المسّرب بشأن القنابل المسّتخدمة في “غزة” مع ادعاءات “وزارة الخارجية” الأميركية؛ بأنها ليست لديها أية مخاوف ولا دلائل تُشير إلى ما إن كان القصف الإسرائيلي على القطاع يمكن أن ينطوي على انتهاك للقانون الإنساني الدولي.
وتسّتدعي هاتان القضيتان شكوكًا جديرة بالانتباه في طبيعة سّيطرة “الولايات المتحدة” على الحملة السياسية والعسكرية التي شّنتها “إسرائيل” على “قطاع غزة”، والتي تصفها بأنها ليست إلا ردًا على هجمات السابع من تشرين أول/أكتوبر، وتوحي بأن لـ”واشنطن” ربما أجندة لا تُعلنها من هذه الحرب.
حتى أيام قليلة مضت؛ كانت الرواية التي يُرددها “البيت الأبيض” أن هذه الحرب تسّتند إلى مبررات وجيهة للدفاع عن النفس، وأن الهدف الموضوع لها واقعي ويمكن تحقيقه، وأن “الولايات المتحدة” عليها أن تحتضن الحكومة الإسرائيلية لكي تتغلب “تل أبيب” على الصدمة التي تعرضت لها، ولكي تتمكن “واشنطن” من توجيه عملية صُنع القرار في “إسرائيل”، ومنع التصعيد الإقليمي.
وحرصت “وزارة الخارجية” الأميركية في تصريحاتها الإعلامية المتوالية على ذكر أمثلة تبُيِّن بها أن “إسرائيل” تستمع للنصائح الأميركية، وتتصرف بناءً عليها، سواء أكان ذلك في مسألة إيصال المساعدات الإنسانية، أم في توفير المناطق الآمنة، أم في تعديل حملة القصف الجوية، أم في الخطط المتعلقة بالقطاع بعد الحرب.
تأثر صورة “بايدن” في الداخل والخارج..
وبحسّب الصحيفة البريطانية؛ فإن السّردية الأميركية بدأ الضعف يعتّريها من كل جانب، فقد ظهرت إلى العلن خلافات مكبوتة بين “الولايات المتحدة” و”إسرائيل”، ليس فقط بشأن الأساليب المتبعة في الحملة العسكرية، بل في الأهداف الموضوعة لها أيضًا وجعل إدارة “بايدن” في مرمى الانتقادات الداخلية والخارجية.
فعلى سبيل المثال؛ تلقت “الولايات المتحدة” انتقادات كثيرة لأنها استخدمت حق النقض؛ (الفيتو)، الأسبوع الماضي، لإسقاط دعوة لوقف إطلاق النار في “مجلس الأمن”؛ التابع لـ”الأمم المتحدة”. ثم لم يكد يمر يومان حتى تلقى المتحدث باسم “وزارة الخارجية” الأميركية مزيدًا من الانتقادات في دفاعه عن “إسرائيل”. وذكرت صحيفة (واشنطن بوست-The Washington Post) الأميركية في تقريرٍ لها؛ أن “الولايات المتحدة”: “ناقشت” إسرائيل بشأن حادثة مقتل الصحافي بوكالة (رويترز)؛ “عصام عبدالله”؛ وبشأن الصور: “المزعجة للغاية” لفلسطينيين جرَّدتهم القوات الإسرائيلية من ملابسهم في “غزة”؛ وبشأن: “التقارير المثيرة للقلق” عن استخدام “إسرائيل” للفوسفور الأبيض في قصف “لبنان”.
ومع ذلك؛ صرح الرئيس الأميركي، يوم الاثنين 11 كانون أول/ديسمبر، بأن حرصه على مناصرة “إسرائيل”: “لا يتزعزع”، ثم استدرك على ذلك القول: “لكن على (قادة إسرائيل) أن يحذروا. فالرأي العام العالمي كله يمكن أن يتغيّر بين عشّية وضحاها. ولا يمكننا أن نسمح بحدوث ذلك”.
ونُقل عن “بايدن”، يوم الثلاثاء 12 كانون أول/ديسمبر، قوله إن “إسرائيل” تُخاطر بخسّارة الدعم الدولي بسبب: “قصفها العشوائي” في “غزة”. وانتقد الرئيس الأميركي؛ حكومة “نتانياهو” اليمينية المتطرفة، التي قال إنها: “لا تُريد أي حل يقترب ولو من بعيد من حل الدولتين”.
مناورة أم حقيقة ؟
لا نعرف ما إذا كانت تصريحات “بايدن” تأتي ضمن تحركات إعلامية مقصودة للضغط على الحكومة الإسرائيلية، أم أنها تتبع منهجية وصفها محلل السياسات في معهد الشرق الأوسط؛ “بريان كاتوليس”، في مقالٍ له، بأنها دبلوماسية تعتمد على المراوغة وخلط الأوراق، بلا تغيّير كبير في السياسة المتبعة.
في كلتا الحالتين؛ فإنها ليست بالسياسة الجديرة بأن ينتهجها الرئيس الأميركي. فهو يتلقى الانتقادات من ناحية لأنه: “ترك إسرائيل تقتل: (18) ألف فلسطيني”، وهو يظهر – من الناحية الأخرى – في صورة الحليف الذي تتلقى “إسرائيل” دعمه، لكنها لا تستمع إليه، أي إنهم يأخذون منه السلاح، لكنهم لا يُريدون نصيحته.
والخطر الذي يحدق بالرئيس الأميركي الآن؛ هو أن تُصبح معارضته جزءًا من خطة “نتانياهو” للبقاء في الحكم. فواقع الأمر أن “نتانياهو” بدأ في حملة السّعي لإعادة انتخابه في الانتخابات التي يتوقع أن تُعقد العام المقبل، والأمر عنده لا يتعلق بالحرب الجارية فحسّب، فهو لا يتوانى عن فعل شيء في سّعيه إلى السلطة. وإذا لزم الأمر، فإنه مسّتعد لأن يقدم نفسه في صورة الزعيم الذي واجه التدخل الأميركي غير المبرر في أمن “إسرائيل” لتقوية حملته الانتخابية.
وقد انتشر على الإنترنت مقطع فيديو قصير باللغة العبرية، ادعى فيه “نتانياهو” أنه الوحيد القادر على التصدي لرغبة “واشنطن” والدول العربية في إحياء مسألة: “حل الدولتين”، وقال فيه: “لن أسمح بذلك. وعلى إسرائيل ألا تُكرر خطأ اتفاق أوسلو”، و”لن أسمح، بعد التضحيات الجسّيمة التي بذلها مواطنونا ومقاتلونا، أن نُسلِّم (السلطة) في غزة إلى أشخاص يعلِّمون الإرهاب ويؤيدونه ويمولونه. ولن أسمح بأن تكون غزة (حماسستان) ولا (فتحستان)”.
وبناءً على ذلك؛ يسّعى رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى إحباط خطط الغرب الرامية إلى إعادة إحياء “السلطة الفلسطينية”؛ التي تُسّيطر عليها حركة (فتح)، وتسّليمها المسؤولية عن “غزة” و”الضفة الغربية”. ومن ثم، يكون الحل الوحيد المتبقي هو أن تتولى “إسرائيل” إدارة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو أمر ترفضه “الولايات المتحدة”.
المعضلة التي يواجهها؛ “بايدن”، هي كيفية التعامل مع “نتانياهو” وحكومته بعد أن انتقلت الخلافات بينهما إلى العلن. وربما ينبغي للرئيس الأميركي أن يتواصل مع قادة إسرائيليين آخرين، ويتعاون معهم للتوصل إلى نوع من التفاهم مع القادة العرب، ثم يضغط على “نتانياهو” بعد ذلك لقبوله.