مأزق “الكاظمي” .. بين مطرقة الأميركان وسندان الإيرانيين !

مأزق “الكاظمي” .. بين مطرقة الأميركان وسندان الإيرانيين !

خاص : كتابات – بغداد :

“العراقيون وغلق السفارة الأميركية سباق مع الزمن”.. تحت هذا العنوان، نشر “د. منقذ داغر”، مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وعضو مجلس إدارة مؤسسة (غالوب) الدولية، مقالاً تحليليًا على موقع (منتدى فكرة) التابع لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى..

رسالة “واشنطن” وصلت “بغداد” .. حاسمة !

يرى الدكتور “منقذ داغر”، في بداية مقاله، أنه سواء أتُخذ قرار غلق السفارة أم لم يتخذ بعد؛ فإن المؤكد أن الإدارة الأميركية أرسلت رسائل قوية للحكومة العراقية ولقوى العملية السياسية في “العراق” مفادها أن صبر الأميركان قد نفد تجاه استمرار ضرب السفارة والمصالح الأميركية والغربية الأخرى في العراق. وأن الأميركان لم يعودوا قادرين على عدم الرد أكثر من ذلك. وقد كان مساء يوم 27 أيلول/سبتمبر الجاري بروڤة أولية للتعرف على ردود الأفعال السياسية والشعبية العراقية تجاه محاولة التصعيد الأميركية التي لوحت بها الإدارة خلال الأيام الماضية.

لقد اشتعلت مواقع ومنصات الإعلام العراقية بالأنباء عن مغادرة السفير الأميركي لبغداد وغلق السفارة، ووصلت التصورات بالبعض إلى انتظار إعلان الرئيس “ترامب”، في إيجازه الصحافي الاستثنائي لمساء يوم الأحد 27 أيلول/سبتمبر؛ عن قرار “الولايات المتحدة” بغلق السفارة ومهاجمة الميليشيات المدعومة إيرانيًا، بل وحتى فرض عقوبات مماثلة للعقوبات الأميركية المفروضة على “إيران” !

وعلى الرغم من أن المؤتمر الصحافي لـ”ترامب” انتهى دون حتى الإشارة لـ”العراق”، إلا أن النخب السياسية والأوساط الشعبية في العراق لاتزال قلقة جدًا من احتمال غلق السفارة وما سيعقب ذلك من عواقب قد لا تنحصر بمهاجمة مواقع وقيادات في الميليشيات الشيعية؛ بل وتتعداها لوضع العراق تحت طائلة العقوبات الأميركية، وهو ما يذكر العراقيين بما قد يكون أسوأ كوابيسهم التي خبروها في العصر الحديث وهو الحصار الاقتصادي الذي امتد طيلة الاثنتي عشرة سنة التي سبقت سقوط النظام السابق.

هلع من أشباح الماضي والحاضر..

إن مجرد التلويح بهذا الاحتمال خلق موجة كبيرة من الهلع في العراق، رغم عدم قوة هذا الخيار منطقيًا لأنه يعني ببساطة قبول أميركا بالتخلي النهائي عن “العراق” ووضعه في سلة واحدة مع “إيران”. هذا يعني بالتأكيد خسارة كل ما استثمرته “أميركا” في العراق طيلة العقود الماضية ! مع ذلك فإن سبب هذا الهلع لدى العراقيين من هذا الاحتمال هو ما جرّبوه سابقًا من قسوة العقوبات الاقتصادية والسياسية على كل مناحي الحياة بخاصة؛ وهم يعلمون أن العراق لم يعد كما كان في التسعينيات يملك قاعدة صناعية وزراعية لا بأس بها تمكنه من التكيف (نسبيًا) مع تبعات الحصار. كما أن العراقيين القلقين من هيمنة إيران على مقدراتهم، يخشون أن مثل هذا القرار الأميركي، بوضع العراق مع إيران في سلة واحدة، سيؤدي إلى إنهاء أي أمل لديهم بتحسن الأوضاع واستعادة سيادتهم المسيطر عليها من قِبل إيران إلى حد كبير، وهذا كابوس آخر لا يقل رعبًا عن كابوس الحصار الاقتصادي والسياسي.

وإذا كان عقدي الثمانينيات والتسعينيات قد أديا إلى موجة الهجرة الأولى للعراقيين، والعقدين الأولين من الألفية الثانية قد خلقا موجة نزوح وهجرة هائلة ثانية فإن احتمال فرض عقوبات أميركية جديدة على العراق سيؤدي بلا شك إلى موجة هجرة عراقية ثالثة قد لا تقل عن تلك التي خلقها احتلال (داعش) للمناطق السُنية عام 2014. هذا فضلاً عن احتمالات الفوضى السياسية والاجتماعية التي سيخلقها تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والتي قد تقود إلى انفصال أجزاء معينة من العراق وأولها كُردستان وقد يكون ثانيها المناطق السُنية.

أطراف ترحب سرًا !

تفيد المعلومات الأتية من واشنطن – يواصل “داغر” – أن القرار الأميركي بغلق السفارة بات جاهزًا إن لم يكن قد أتُخذ فعلاً. إن الاحتمال الأرجح أن هذا القرار سيؤدي إلى سحب كل الدبلوماسيين والمتعاقدين الأميركان من بغداد وباقي المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات مما يقلل من احتمالات تعرضهم لخسائر في حال قرر الأميركان مهاجمة تلك الميليشيات. وبعد الهجوم الأخير بالصواريخ على “قاعدة الحرير” في “أربيل”، والذي يريد إيصال رسالة أن الأميركان لن يكونوا بأمان من نيران الميليشيات حتى وإن غادروا بغداد؛ فإن إبعاد الأميركان المتواجدين في العراق عن أي خطر محتمل سيمثل أولوية قصوى قبل بدء أي تحرك عسكري من الجيش الأميركي. إن الأميركان يفترضون أن هذه الهجمات التي ستشنها القوات الأميركية ستلاقي ترحيبًا، (غير معلن)، من أطراف عراقية معينة وغض نظر من أطراف أخرى بضمنها أطراف رسمية عراقية. لكن الواقع يشير إلى أن هذا الاحتمال – إن حصل – سيؤدي إلى تحريك إيران لجميع أذرعها الإعلامية والسياسية، فضلاً عن العسكرية داخل العراق مما يجعل “الكاظمي” بين مطرقة الأميركان وسندان الإيرانيين ويجعل من الصعب عليه دعم الهجمات الأميركية أو السكوت عنها. وفي حال أضطر لإستنكار هذه الهجمات والمطالبة بإيقافها فإنه يخاطر بإمكانية غضب إدارة “ترامب” ووضعها العراق في نفس سلة التعامل مع إيران. ومما قد يزيد الأمر سوءً هو احتمالات الرد من قِبل الميليشيات ومن يدعمها عسكريًا على الهجمات الأميركية، وهذا مما قد يجبر الأميركان على إرسال المزيد من القوات وخلق تعقيدات كبيرة للإدارة القادمة للبيت الأبيض حتى وإن كانت ديمقراطية. بالتالي فإن احتمالات إصلاح الأمور، (كما يأمل الإيرانيون ومن يتبعوهم في العراق)، مع أميركا بعد فوز “بايدن”، ستكون هي الأخرى معقدة وصعبة جدًا من الناحية العملية مما يؤذن باحتمالات مواجهة عسكرية وسياسية طويلة بين أميركا وإيران على أرض العراق وإدخال العراق في نفق مظلم وطويل.

الحل الأسهل..

ومن وجهة نظر “داغر”؛ إن الحل الأسهل والأمثل، كما يبدو الآن، لتجنب حصول ذلك هو قيام حكومة العراق بالسيطرة على الميليشيات وسلاحها ووقف الهجمات على المصالح الأميركية. ورغم أن ذلك قد يبدو صعبًا في ظل ضعف الإمكانات المتاحة لـ”الكاظمي” للقضاء على هذه الميليشيات إلا أن العوامل الآتية قد تفيد “الكاظمي” كثيرًا في مواجهته مع الميليشيات إذا كان جادًا فيها :

دعم المرجعية الدينية في “النجف” لهذا التوجه؛ بخاصة بعد البيان الذي أصدره مكتب “السيستاني”، قبل بضع أسابيع، بعد لقائه بـ”غينين هينيس-بلاسخارت”، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق.

الشعبية الكبيرة التي بات يتمتع بها “الكاظمي”، حيث تشير آخر استطلاعات الرأي التي أجريتها مؤخرًا أن حوالي 80% من العراقيين؛ منهم أكثر من 70% من الشيعة، لديهم رأي مفضل جدًا أو مفضل تجاه “الكاظمي”. في ذات الوقت فإن ذات الاستطلاعات تشير إلى ضعف كبير في شعبية تلك الميليشيات في المناطق الشيعية.

الدعم الأميركي والدولي لضرورة التخلص من نفوذ الميليشيات في العراق، بخاصة بعد أن امتدت هجماتها لتصيب بعثات ومصالح أخرى غير أميركية. وفي حال تبدل الإدارة الأميركية الحالية فإن “الكاظمي” قد يفقد أي أمكانية للحصول على دعم أميركي مماثل لما قد يحصل عليه الآن.

إن عامل الزمن يعمل لصالح الميليشيات وليس لصالح “الكاظمي” وحكومته، لذا فإن أي تأخير لي اتخاذ قرار حاسم تجاه هذه الميليشيات قد يجعل الأميركان يتحركون عسكريًا لأخذ زمام المبادرة. وفي حال حصول ذلك فإن احتمالات الفوضى السياسية والاقتصادية التي أشرتُ لها في أعلاه واردة جدًا وسيكون من الصعب إيقاف تداعياتها الخطيرة.

من حضر “العفريت” عليه صرفه !

على جانب آخر، نفى عدد من المراقبون والخبراء، في تقرير مفصل نشرته (سبوتنيك) الروسية، أية نية لدى الولايات المتحدة القيام بأي عمليات في هذا التوقيت ضد (الحشد الشعبي)، وربما تلجأ للتهدئة من خلال المفاوضات السرية مع إيران، وقد تقوم ببعض العمليات غير المباشرة عن طريق أذرعها، كما أن إسرائيل تقوم بالعديد من العمليات ولا تعلن عنها خوفًا على المصالح الأميركية في سوريا والعراق.

يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، “قيس النوري”، إن الولايات المتحدة تواجه مشكلة كانت هي سببها حين وفرت للقوى “الميلاشوية” المسلحة، المرتبطة بإيران، فرص نموها وتمددها، وكان في حسبانها توظيفها لمواجهة المقاومة الوطنية، خاصة وأن تلك المقاومة الحقت بالقوات الأميركية خسائر فادحة بالأرواح والمعدات، فكانت الاستعانه بالقوى الإيرانية المتواجدة في العراق والممثلة بالأحزاب الطائفية إحدى وسائل مواجهة تصاعد العمل الوطني المقاوم.

وأضاف؛ عندما أصبحت هذه القوى الدخيلة في وضع يوفر لها فرص فرض شروطها في إطار التنازع الأميركي الإيراني، إنحازت هذه القوى إلى جانب التوجهات الإيرانية، وهنا أدركت الإدارة الأميركية أنها قد خسرت حليفها المحلي المسلح، وباتت تلك القوى تتعارض علنًا مع التوجة الأميركي في مشروعه بالعراق.

وتابع أستاذ العلوم السياسية، في إعتقادنا أن الولايات المتحدة سوف لن تلجأ إلى المواجهة العسكرية في لجم الميليشيات الإيرانية في هذا التوقيت بالذات، الذي يتزامن مع دخول الانتخابات الرئاسية الأميركية وهى مرحلة حاسمة، خشية وقوع خسائر بشرية في صفوف قواتها مما ينعكس سلبًا على “ترامب” تحديدًا، لذلك سوف تعمد إلى خطوة تكتيكية تتمثل بسحب رعاياها من بغداد نحو شمال العراق لحين انتهاء الانتخابات الرئاسية، مع احتمال أن تتسابق إدارة “ترامب” بالسعي للتفاوض مع إيران لإيجاد صيغة توافقية بينهما، كذلك هناك احتمال تفاوض سري بين إيران ومجموعة إدارة المرشح المنافس، “جون بايدن”، لإفشال مسعى “ترامب”، وبما يزيد من فرص فشله في ولاية ثانية، ما يعيد إلى الأذهان ما جرى لإسقاط الرئيس الأميركي الأسبق، “كارتر”، وهو يواجه المرشح، “ريغان”، حيث عمد الأخير إلى تأسيس قنوات سرية مع إيران لتأخير إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في السفارة الأميركية بطهران، آنذاك، وهو إجراء سجل لصالح “ريغان” أمام منافسة “كارتر”.

وضع مضطرب لكافة الأطراف..

من جانبه قال الخبير العسكري والاستراتيجي العراقي، اللواء “ماجد القيسي”، لم تقم الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة بأي ضربات لمقرات (الحشد الشعبي)، ونفى الحشد ما تردد أمس الأول عن ضربة أميركية لأحد المقرات على الحدود العراقية السورية.

وأضاف، إن الإسرائيليين دائمًا ما يشنون ضربات بالساحة السورية، يعلنون عن بعضها ويتكتمون على البعض الآخر، وبشكل خاص الضربات القريبة من الحدود العراقية، كما أن إسرائيل لا تعلن عن عمليات استهداف (الحشد الشعبي) العراقي خوفًا من ردود الأفعال داخل العراق في ظل تواجد القوات الأميركية ومصالح واشنطن في المنطقة.

وعلق “القيسي”، على الأخبار المتداولة بشأن عزم واشنطن غلق سفارتها في بغداد قائلاً، أعتقد إنها وسائل ضغط على الحكومة العراقية للقيام بمزيد من الإجراءات، والبعض يصور أنه حال غلق السفارة وسحب البعثات الدبلوماسية والقوات الأميركية، سوف تقوم واشنطن بشن بعض الضربات ضد الفصائل المسلحة وأهداف في الداخل العراقي، في حين أن القوات الأميركية قد شنت عملية المطار وغيرها في وجود البعثات الدبلوماسية وغير الدبلوماسية وانتشار القواعد الأميركية بكثافة في ذلك التوقيت.

وأشار الخبير الاستراتيجي إلى أن العراق اصبح ساحة للصراع “الأميركي-الإيراني” بعد انتهاء العمليات العسكرية ضد تنظيم (داعش) الإرهابي، وخروج الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي مع طهران، هنا أصبح الصراع بين واشنطن وطهران واضح داخل العراق، من خلال التصعيد الدبلوماسي، أو بالتصعيد من خلال الوكلاء باستخدام الورقة الأمنية، ومن المفترض أن تنسحب القوات الأميركية من العراق وفق جدول زمني متوافق عليه مسبقًا، وقد مرت عملية الانسحاب بثلاث مراحل، أولها تخفيض عدد القواعد، وبالفعل تم تقليص العدد من 11 قاعدة إلى إثنين فقط في “إربيل”، شمال العراق، وقاعدة “عين الأسد” في بغداد، والمرحلة الثانية هو تخفيض عدد القوات.

وتابع “القيسي” أن التخفيض الأميركي لعدد القوات المتواجدة بالعراق جاء لعدة أسباب منها، أن القوات العراقية من وجهة نظر التحالف الدولي والولايات المتحدة أصبحت جاهزة للقيام بمهامها، وبقاء عدد معين من تلك القوات هو لتأمين الدعم الاستخباري والجوي للجيش العراقي، كما أن خفض القوات مرتبط بالإنفاق العسكري ووعود “ترامب” بإعادة القوات والجنود الأميركيين إلى ديارهم في الانتخابات الماضية وقبيل الانتخابات القادمة، حيث سحبت واشنطن ما يقارب 11 ألف من ألمانيا عائدين إلى الولايات المتحدة الأميركية، كما يخطط لتخفيض عدد القوات في أفغانستان إلى 4500 وفي العراق 3000 عنصر، إذا تسعى أميركا لتقليص قواتها بالخارج لتقليل الإنفاق.

وأوضح الخبير الاستراتيجي أن وضع القوات الأميركية بالعراق اليوم يختلف كليًا عن وضعها في العام 2011، “قوات محتلة”، تواجد القوات اليوم جاء بناء على طلب واستدعاء من الحكومة العراقية لمواجهة تنظيم (داعش)، وفق البند الرابع من اتفاقية الإطار الاستراتيجي، والتي تسمح لبغداد بطلب المساعدة من حكومة الولايات المتحدة في حال التهديدات الأمنية، وبالتالي تم التشاور بين الجانبين وذهبوا إلى مجلس الأمن، وأصبح العراق جزء من التحالف الدولي لمحاربة التنظيم وأرسلت واشنطن قواتها إلى العراق، وضع القوات الأميركية يتعلق اليوم بالحكومة والتي تتفاوض مع واشنطن عبر حوار استراتيجي بدأ بالجولة الأولي في حزيران/يونيو الماضي، وسوف تستمر تلك اللقاءات بعد انتهاء الانتخابات الأميركية وجائحة (كورونا).

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة