وكالات – كتابات :
عاد الخلاف بين “لبنان” و”إسرائيل” على ترسيم الحدود البحرية إلى الواجهة، مع سعي “تل أبيب” لفرض الأمر الواقع بإرسال سفينة تنقيب عن “الغاز” إلى المنطقة المتنازع إليها، فهل تصل الأمور إلى الحرب ؟
كانت “إسرائيل” قد أرسلت، الأحد 05 حزيران/يونيو الجاري، سفينة تنقيب تابعة لشركة (إنرغيان) اليونانية، مقرها “لندن”، إلى حقل غاز (كاريش)؛ قُبالة الساحل في “شرق المتوسط”، وهو حقل غاز تقول “بيروت” إنه يقع في مياه متنازع عليها مع “تل أبيب”، وسط اتهامات متبادلة وتهديدات بالحرب.
موقع (ميدل إيست آي) البريطاني؛ نشر تقريرًا حول قصة ترسيم الحدود البحرية بين “لبنان” و”إسرائيل”، تناول فيه جذور النزاع ومراحله، وأين تقف الأمور عند هذه النقطة.
كانت “الولايات المتحدة الأميركية” قد سعت؛ منذ عام 2020، للتوسط بين “بيروت” و”تل أبيب” لحل النزاع بينهما وترسيم الحدود، بغرض مواصلة جهود اكتشاف “الغاز” في منطقة “شرق البحر المتوسط”. وقدمت بالفعل مقترحات في هذا الشأن لا تزال قيد الدراسة.
متى بدأت قصة النزاع البحري ؟
بدأت قصة النزاع على الحدود البحرية بين “لبنان” و”إسرائيل”؛ عام 2007، عندما وقَّعت الأولى اتفاقية فتح الحدود البحرية مع “قبرص”، وهو ما فتح الباب أمام احتمال تعديل حدود المنطقة البحرية بين “إسرائيل” و”لبنان”. وعلى الرغم من أن “البرلمان القبرصي” صدَّق على الاتفاقية؛ عام 2009، فإن “لبنان” لم يُصدّق عليها حتى الآن.
وفي عام 2010، وقَّعت “إسرائيل” و”قبرص” اتفاقية تنفيذية لتحديد المنطقة الاقتصادية الحصرية بينهما، واعتمدت “قبرص” فيها على اتفاقيتها مع “لبنان”؛ عام 2007، في تحديد الحد الشمالي لحدودها البحرية.
وكنتيجة لهذه الاتفاقية، حدث تداخُل بين الحدود البحرية الشمالية؛ التي تقول “إسرائيل” إنها حدودها من جهة، وبين الحدود البحرية الجنوبية لـ”لبنان” من جهة أخرى، وانتقد “لبنان”؛ الاتفاقية البحرية بين “إسرائيل” و”قبرص”، معتبرًا إياها اعتداءً على حقوقه السيادية الخالصة في تلك المنطقة.
ورغم ذلك؛ قامت “إسرائيل” بإيداع تلك الإحداثيات البحرية المتنازع عليها لدى “الأمم المتحدة” على أنها حدود “تل أبيب” البحرية، وكان ذلك في تموز/يوليو 2011. وتبلغ مساحة المنطقة المتنازع عليها: 860 كيلومترًا مربعًا، يوجد فيها حقل (كريش) لـ”الغاز الطبيعي”.
وفي عام 2017؛ اكتسب النزاع الحدودي البحري أهمية خاصة بعد أن وقَّع “لبنان” اتفاقًا لاستكشاف وإنتاج “الغاز الطبيعي” مع تحالف من الشركات الدولية مكون من (توتال) الفرنسية و(إيني) الإيطالية و(نوفاتيك) الروسية، وذلك في المربعين: 04 و09.
وجاءت نتيجة التنقيب في بلوك (04) سلبية؛ إذ إن كميات “الغاز” الموجودة لا تكفي للإنتاج التجاري وتغطية التكاليف، بينما جاءت النتائج في بلوك (09) مبشِّرة أكثر، وكان لا بدَّ من بدء الحفر فعليًا لتأكيد تلك النتائج.
لكن شركة (توتال) الفرنسية أعلنت أنها لن تبدأ عمليات الحفر واستخراج “الغاز الطبيعي” فعليًا؛ إلا بعد أن يتم حل النزاع على الحدود البحرية بين “بيروت” و”تل أبيب”.
عندما أعلنت “إسرائيل”، في حزيران/يونيو 2020، عن بدء التنقيب عن “النفط والغاز” في بلوك (72)، الذي يقع ضمن المنطقة المتنازع عليها مع “لبنان”، بدأت الوساطة الأميركية وتم بالفعل عقد أربع جولات من الحوار بين الجانبين برعاية أممية ووساطة أميركية، دون أن يتوصل الجانبان لاتفاق نهائي، لكن الأمور بينهما لم تصل إلى طريق مسدود.
ويزعم الإسرائيليون الآن أنهم وحدهم لديهم الحق في استغلال حقل (كاريش) للغاز؛ لأنه يقع عند الخط (23)، الذي لا يتداخل مع الحقل الغني بـ”الغاز”، لكن الجانب اللبناني يرفض تلك الرواية الإسرائيلية ويُصر على أن الخط (29) هو نقطة التقاء الحدود البحرية بين الجانبين وليست النقطة (23).
ماذا يقول الخبراء عن النزاع بين “لبنان” و”إسرائيل” ؟
خبير صناعة الطاقة ورئيس شركة الطاقة والبيئة؛ “رودي بارودي”، قال لموقع (ميدل إيست آي) إن الحسابات الإسرائيلية واللبنانية في تحديد الحدود البحرية لكل منهما غير دقيقة، مفسرًا ذلك بأن كليهما قام بحساب حدوده البحرية من عند الشاطيء مباشرة وهذا غير دقيق. “رسم لبنان الخط (23) بداية من البحر على بُعد نحو: 60 مترًا من الشاطيء، بينما رسمت إسرائيل خطها على بُعد: 30 مترًا فقط، وهذه الحسابات خاطئة من الناحية الفنية، وأثبتت التكنولوجيا الحالية أن إدعاءات إسرائيل غير صحيحة”.
لكن “فريدريك هوف”، الدبلوماسي الأميركي الذي كان مكلفًا بالوساطة بين “إسرائيل” و”لبنان”؛ من عام 2010 حتى 2012، قال للموقع البريطاني إن ما يقوله الجانبان يُعتبر وجيهًا وله ما يُبرره: “قبل أكثر من: 10 سنوات، قضيت أنا وفريقي في الخارجية الأميركية وقتًا طويلاً للغاية لدراسة كيف توصل لبنان وإسرائيل إلى تلك الإحداثيات، واقتنعنا أن كلاً منهما لديه وجهة نظر سليمة على الرغم من استخدامهما معايير مختلفة”.
وقال “هوف” إنه عرض على “نجيب ميقاتي”؛ عام 2011، الذي كان رئيسًا لوزراء “لبنان” وقتها، أن تحصل “بيروت” على: 55% من عائدات المنطقة المتنازع عليها؛ وتحصل “تل أبيب” على: 45%، لكن تم رفض المقترح من جانب الطرفين، وكان ذلك الاقتراح يعرف بعدها بأنه: “خط هوف”. “أشعر أنه لو نجح ميقاتي وقتها في قبول الخط الوسط الذي اقترحته؛ لاستفاد لبنان من عشرات المليارات من الدولارات من دخل الغاز الطبيعي”، بحسب “هوف”.
ما قصة الخطَّين 29 و23 ؟
قبل أشهر من بداية مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين، رفع الجيش اللبناني إلى حكومة “حسان دياب”، عبر “وزارة الدفاع”، مذكرةً تتضمن لوائح بتعديل إحداثيات الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية لـ”لبنان”، وتُفيد بوجود مساحة إضافية تعود إلى “لبنان” عن الإحداثيات التي كانت قد وُضعت عام 2011.
وبالفعل أقر رئيس حكومة تصريف الأعمال وقتها؛ “حسان دياب”، مرسومًا يوسع المنطقة التي يُطالب بها “لبنان” في خلافه بشأن الحدود البحرية مع “إسرائيل”، ويُعدل المرسوم الحدود البحرية جنوبًا، عبرَ إضافة: 1430 كيلومترًا مُربعًا إلى المنطقة اللبنانية، جنوبي ما يُعرف بالمساحة المتنازع عليها مع “إسرائيل”، وكان ذلك في نيسان/إبريل 2021.
وأُحيل مشروع المرسوم الخاص بتعديل المرسوم الأولي رقم (6433) لسنة 2011؛ إلى الرئاسة لإقراره قبل تقديم طلب لـ”الأمم المتحدة” للمطالبة الرسمية بتسجيل الإحداثيات الجديدة للمنطقة البحرية، لكن الرئيس؛ “ميشال عون”، لم يوقّع عليه، وهو ما أثار تساؤلات بل واتهامات طالت الرئيس ولا تزال.
إذ تسبَّب عدم توقيع “عون” على المرسوم في أزمة على الساحة اللبنانية، ووصف ناشطون موقفه: بـ”الخيانة العظمى”؛ خدمةً لمصالح سياسية، وفق تقرير لوكالة (الأناضول) التركية؛ إذ عبَّر العميد المتقاعد؛ “سامي رمّاح”، عن استغرابه، لافتًا إلى: “توقيع الرئيس عشرات المراسيم (بشكل استثنائي)، أي من دون إنعقاد مجلس الوزراء، بينما يتمنّع عن توقيع تعديل المرسوم (6433)، على الرغم من أهميته البالغة في حفظ ثروة لبنان النفطية”.
وتبلغ مساحة المنطقة المتنازع عليها: 860 كيلومترًا مربعًا؛ بحسب الخرائط المودعة من جانب “لبنان” و”إسرائيل” لدى “الأمم المتحدة”، وهي تُعد غنية بـ”النفط والغاز”، وفي حال تم تعديل: “المرسوم” من جانب السلطات اللبنانية، تزيد مساحة “لبنان” في البحر: 1430 كيلومترًا مربعًا إضافيًا، وتُصبح بذلك المساحة المتنازع عليها هي: 2290 كيلومترًا مربعًا. وهذه هي المسافة بين الخطين: (23) و(29).
هل يمكن أن تندلع الحرب بسبب الحدود البحرية ؟
الأمين العام لـ (حزب الله)، “حسن نصرالله”، قدم الإجابة عن هذا السؤال بقوله إن الجماعة قادرة على منع “إسرائيل” من استخراج “الغاز” من حقل (كاريش)، كما أن “لبنان” قد وجَّه تحذيرًا لـ”إسرائيل” من أي: “عمل عدواني” في المياه المتنازع عليها، بعد وصول سفينة تُديرها شركة (إنرغيان) إلى حقل غاز (كاريش)، بحسب (رويترز).
وفي كلمة تلفزيونية، الخميس الماضي، قال “نصرالله”: “المقاومة المقتدرة لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي أمام نهب ثروات لبنان؛ ولن تقف مكتوفة الأيدي”. وأضاف أن (حزب الله): “لديه القدرة العسكرية واللوجستية لمنع العدو من استخراج الغاز من (كاريش)… وكل إجراءات العدو لن تستطيع أن تحمي السفينة العائمة”.
“ما ستخسره إسرائيل في أي حرب تُهدد بها أكثر بكثير مما يمكن أن يخسره لبنان”، مضيفًا أن: “تهويل وتهديدات العدو اعتدنا عليها، ولكن ارتكابهم لأي خطأ ستكون تداعياته ليست إستراتيجية بل وجودية، وليس معلومًا إن كانت ستبقى المشكلة فقط مع لبنان”.
وأشار “نصرالله” إلى أن: “كل الخيارات مفتوحة أمام المقاومة وموجودة على الطاولة وبدون أي تردد، وعندما يُهدد العدو بالحرب يجب عليه أن يعلم أنّ المقاومة لا تخافها”. وقال “نصرالله” إن: “أي عمل باتجاه استخراج النفط والغاز من (كاريش) يجب أن يتوقف، وعلى العدو أن ينتظر نتيجة المفاوضات كما يفعل لبنان”.
كما وجَّه “نصرالله” تهديدًا مباشرًا إلى “الشركة اليونانية”، في إشارة الى (إنرغيان)، معتبرًا إياها: “شريكة في هذا الاعتداء على لبنان، وهذا تترتب عليه تبعات وعليها الانسحاب سريعًا، وعلى من أرسلها أن يتحمَّل المسؤولية لما قد يحصل لهذه السفينة ماديًا أو بشريًا”.
لماذا تسعى “أميركا” للوساطة ؟
“وزارة الخارجية” الأميركية أعلنت؛ هذا الأسبوع، أن “عاموس هوشستين”، كبير مستشاري الوزارة لأمن الطاقة، سيزور “لبنان”؛ يومي: 13 و14 حزيران/يونيو الجاري، “لمناقشة أزمة الطاقة في البلاد وتأكيد أمل واشنطن في أن تتمكن بيروت وإسرائيل من التوصل إلى قرار بشأن ترسيم حدودهما البحرية”.
وقال البيان إن: “الإدارة تُرحب بالروح التشاورية والصريحة للطرفين للتوصل إلى قرار نهائي من شأنه أن يؤدي إلى قدر أكبر من الاستقرار والأمن والإزدهار لكل من لبنان وإسرائيل والمنطقة”.
والأمر نفسه أكده “نبيه بري”، رئيس “مجلس النواب” اللبناني، بقوله إن الوسيط الأميركي سيزور “بيروت” لمناقشة النزاع مع “إسرائيل” بشأن الحدود البحرية، ومن المتوقع أن يرد “لبنان” على المقترح الذي كان المبعوث الأميركي قد قدمه؛ في شباط/فبراير الماضي.
وبحسب تقرير (ميدل إيست آي)، يقوم المقترح الأميركي بالأساس على اعتماد الخط (23) على أنه نقطة التقاء الحدود البحرية بين الجانبين، وهذا هو السبب الرئيس وراء عدم تصديق الرئاسة اللبنانية على مرسوم تعديل الحدود البحرية لاعتماد الخط (29) بدلاً من (23).
وتسعى “الولايات المتحدة” إلى الوساطة بين “لبنان” و”إسرائيل”، ليس فقط بسبب احتمال أن يتحول النزاع بينهما إلى صراع مسلح، ولكن أيضًا بسبب احتمال إشتعال الموقف في منطقة شرق المتوسط بشكل عام، وهي منطقة حولتها اكتشافات “الغاز”؛ في السنوات الأخيرة، إلى قنبلة موقوتة، جميع أطرافها حلفاء لـ”واشنطن” بطبيعة الحال.
كما أعطت الحرب الروسية في “أوكرانيا” بُعداً آخر من الأهمية لأزمة الحدود البحرية بين “بيروت” و”تل أبيب”، فـ”الخارجية الأميركية” تسعى بشتى الطرق لتأمين بدائل للطاقة الروسية من “نفط وغاز”، وبالتالي فإن إشتعال صراع مسلح الآن في منطقة “شرق المتوسط” سيكون بمثابة ضربة قاصمة لأسواق الطاقة بطبيعة الحال.
وقال “هوف”؛ للموقع البريطاني، إن “الولايات المتحدة” تسعى بكل الطرق إلى تجنب خروج الموقف عن السيطرة: “إنه موقف خطير، ولا يمكن حله إلا بالطرق الدبلوماسية. والمطلوب الآن من السياسيين اللبنانيين هو الاستقرار على موقف موحد للدولة، وهذا ليس موجودًا الآن”.