ليس “العراق” وحده .. دول عربية تُجرم التطبيع بقوانين “مخترقة” وأميركا تترصد !

ليس “العراق” وحده .. دول عربية تُجرم التطبيع بقوانين “مخترقة” وأميركا تترصد !

وكالات – كتابات :

في 26 آيار/مايو 2022؛ صوَّت “البرلمان العراقي” بالإجماع، على أوَّل قانون من نوعه يُجرِّم التطبيع وإقامة العلاقات مع “إسرائيل”، لتصل عقوبة التطبيع حسب القانون الجديد إلى الإعدام أو السجن المؤبَّد، وعلى الرغم من أن الخطوة نالت إشادة كبيرة من المجموعات والفصائل الفلسطينية؛ بوصفه خطوة في صالح “القضيَّة الفلسطينية”، خصوصًا في ظلِّ توجُّه العديد من الدول العربية؛ في السنوات الأخيرة، لتطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، على خلفيات “اتفاقيات أبراهام”، فإن ثغرةً وُصفت بالخطيرة في المادة الرابعة من القانون، قد تُفرغه من محتواه وتحوِّله عن هدفه المُعلن.

ويتعلَّق الأمر بالمادة الرابعة من القانون الجديد التي تُخوِّل لوزير الداخلية صلاحية إعطاء الموافقة على زيارة “إسرائيل”: “لأسباب دينية”، وهو ما قد يفتح الباب أمام علاقات مقنَّنة بين “العراق” و”إسرائيل” بحجَّة السياحة والسفر وممارسة الطقوس الدينية؛ ومن ثم فإن هذا القانون؛ الذي أُقر من أجل تجريم العلاقات مع “إسرائيل” قد يتحوَّل عمليًّا إلى: “تقنين التطبيع”، بدلًا من تجريمه، حسبما أفاد منتقدو القانون؛ كما رصد تقرير لصحيفة (الغارديان) البريطانية.

تجريم للتطبيع أم تشريع له ؟.. مادة قانونية تُثير الجدل !

وكان “العراق” قد سنَّ؛ منذ سنة 1969، قانونًا لتجريم التطبيع ينصُّ على: “يُعاقَب بالإعدام كل من حبَّذ أو روَّج مباديء صهيونية بما في ذلك الماسونية، أو انتسب إلى أي من مؤسساتها أو ساعدها ماديًّا أو أدبيًّا أو عمل بأي كيفية كانت لتحقيق أغراضها”، إلَّا أن هذا القانون قد جرى تجميده بعد سقوط نظام “صدَّام حسين”؛ إثر الغزو الأميركي لـ”العراق”، وعاد هذا القانون للتفعيل سنة 2010، مع تعديل العقوبة من الإعدام إلى السجن المؤبد.

مصدر الصورة: BBC

ويتضمن القانون الجديد، الذي صوت عليه: 275 نائبًا من أصل: 329، عددًا من الفقرات المهمة، أبرزها: “تجريم أي نوع من التعاون أو التعامل السياسي والأمني والاقتصادي والفني والثقافي والرياضي والعلمي، وتحت أي نشاط أو عنوان كان، مع الكيان الصهيوني، وتأكيد أنَّ العراق بحالة حرب مع دولة الاحتلال، وكل ما يُصدر من أفراد، أو مؤسسات، أو جماعات، أو حركات، أو أحزاب، يخل بهذا المفهوم بما يصب في دعم وجود الاحتلال ماديًّا أو معنويًّا، يدخل ضمن جرائم الخيانة العظمى التي توجب أحكامًا بين الإعدام والسجن المؤبد، وفقًا لقانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل”.

وينص كذلك على: “حظر التعامل مع الشركات والمؤسسات التي تتعامل مع هذا الكيان أو تُعتبر داعمة له أو ترتبط به”، وكان سياسيُّون ونوَّاب برلمانيون قد عبَّروا عن تحفُّظهم من صياغة هذا القانون، كما وصفه البعض بأنَّه قانون: لـ”تشريع التطبيع”؛ بدلًا من تجريمه، بالنظر إلى الفقرة التي لا تُمانع من زيارة “إسرائيل” بحجَّة الزيارات الدينية، بترخيص من “وزارة الداخلية”.

ومن بين هؤلاء المعترضين، النائب البرلماني السابق؛ “عبدالأمير تعيبان”، الذي غرَّد على حسابه في (تويتر): “أعلن تحفُّظي على قانون تحريم التعامل مع المحتل؛ وما احتوى من استثناءات تنسف اسم القانون وتُثبت مضمون التطبيع  لأنه شرع أو سمح للعدو بزيارة (أور) في الناصرية و(الكفل) في بابل والعزير في العمارة، وذهاب من في قلوبهم هوىً إلى إخوان يوسف بحجة زيارة القدس”.

أما النائب البرلماني السابق؛ “عزَّت الشابندر”، فقد علَّق على القانون على حسابه الشخصي على (تويتر) بقوله: “البرلمان العراقي أخرجَ قانون؛ (تجريم التطبيع)، من النافذة لِيُدخلَ قانون؛ (تشريع التطبيع)، من أوسع أبوابه”.

وكان “لبنان” أوَّل بلد عربي يتبَّنى قانونًا لمناهضة التطبيع؛ منذ سنة 1955، الذي ركَّز حينها على منع التعاملات المالية والاقتصادية مع “إسرائيل”، لكن هذا القانون – مثلما يوضِّح ناشطون في مكافحة التعامل مع “إسرائيل” – يحتاج إلى تطبيق أكثر صرامة؛ بالإضافة إلى توضيح وتفصيل الصياغة القانونية الأصلية ومواكبة تطوُّرات أشكال التطبيع بين مختلف الأفراد والمؤسسات والحكومة الإسرائيلية.

وكانت “سوريا” هي الأخرى قد تبنَّت؛ سنة 1963، القانون الصادر عن “الجامعة العربية”، الذي يُركِّز بصورة أساسية على تجريم التعاون التجاري والاقتصادي مع “إسرائيل”، أمَّا “السودان” فقد أصدر قانونًا يُجرم التعامل مع الإسرائيليين أو المقيمين في “إسرائيل”؛ في سنة 1958، إلا أن السلطات العسكرية الحاكمة في “السودان” ألغت هذا القانون عقب التطبيع مع “إسرائيل”؛ خلال سنة 2020.

أما في الخليج؛ فقد أنشأت “قطر” مبكِّرًا مكتبًا يُراقب مقاطعة “إسرائيل”؛ منذ سنة 1963، ويمنع القانون القطري أشكال التطبيع المالي والتجاري مع الإسرائيليين أو من يعملون لحسابهم، ويُعاقب مخالف ذلك بالأشغال الشاقة لمدَّة بين ثلاثة وعشر سنوات.

مصدر الصورة: رويترز

إلا أن الحكومة القطرية؛ خلال فترة التسعينيات، قد قامت بخطوات لتطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، من بينها فتح مكتب علاقات تجارية إسرائيلي في العاصمة القطرية؛ “الدوحة”، سنة 1996، أما في “الكويت” فقد وافق “مجلس الأمَّة”؛ “من حيث المبدأ”، على قانون لحظر التعامل مع “إسرائيل” في آيار/مايو 2021.

وكانت (حركة مجتمع السلم) الإسلامية؛ في “الجزائر”، قد اقترحت مسوَّدة قانون في “البرلمان الجزائري” من أجل تجريم التطبيع مع “إسرائيل”؛ في 18 آيار/مايو 2022، وأبرز ما جاء في هذا القانون هو: “تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني ومنع الاتصال أو إقامة أية علاقات أو فتح مكاتب تمثيل مع الكيان الصهيوني بطرق مباشرة أو غير مباشرة، ومنع السفر من الكيان الصهيوني وإليه، أو دخول حاملي الجنسية الإسرائيلية أو استقبالهم في الجزائر أو في مقرات البعثات الدبلوماسية التابعة لها”.

“تونس”.. التطبيع الخفيُّ من بوابة السياحة الدينية..

خلال الحملة الانتخابية للترشُّح لرئاسة الجمهورية، رفع الرئيس التونسي؛ “قيس سعيد”، لواء مقاطعة “إسرائيل”، وروَّج لهذه السياسة بصورة رئيسة خلال المناظرة الرئاسية مع منافسه آنذاك؛ “نبيل القروي”، إلا أن “تونس” حتى الآن لم تُسنّ أي قانون لتجريم التعامل مع “إسرائيل” بصورة مباشرة.

وكانت الكتلة الديمقراطية المُشكَّلة من (حركة الشعب) و(التيار الديمقراطي)؛ قد تقدَّمت بقانون لتجريم التطبيع مع “إسرائيل”؛ في 15 كانون أول/ديسمبر 2020، إلا أن مسودة القانون هذه بقيت تراوح أدراج البرلمان دون نقاش أو عرض على التصويت، إلى غاية انقلاب “قيس سعيد”، وقراره بحلِّ “البرلمان التونسي” وتجميد أعماله؛ في تموز/يوليو 2020، وخلال الأحداث الأخيرة لاقتحام “المسجد الأقصى” من طرف الإسرائيليين، دعت (الهيئة الوطنية للمحامين)؛ في “تونس”، إلى تجريم التطبيع: بـ”صفة قانونية وصريحة”.

وتُعدُّ الحالة التونسيَّة أنموذجًا إلى ما قد يؤول إليه الوضع؛ في “العراق”، في ظلِّ مقترح قانون تجريم التطبيع الحالي الذي أقرَّه “البرلمان العراقي”، ففي حين أنّ المنظمات الحقوقية والجمعيات التونسية؛ بالإضافة إلى المسؤولين السياسيين تُساند تجريم التطبيع ومقاطعة “إسرائيل”، فإن الوضع الميداني مختلف عن هذه الشعارات.

فمن بوَّابة السياحة الدينية وزيارة المقدَّسات اليهودية، تسمح “تونس” سنويًّا بزيارة آلاف اليهود؛ “جزيرة جربة”، جنوب “تونس”، من بينهم إسرائيليون، وفق ما أفادت به مصادر صحافية ومقاطع فيديو لإسرائيليين زاروا المنطقة لأداء الطقوس الدينية تحت رعاية رسمية وحضور لوزراء من الحكومة التونسية.

كما أن الحكومة التونسية؛ ولأول مرَّة في تاريخها، قد عرفت وجود وزير متَّهم من طرف العديد من السياسيين والإعلاميين بامتلاك جنسية إسرائيلية، ويتعلَّق الأمر بوزير السياحة السابق؛ “روني الطرابلسي”، الذي شغل المنصب ما بين سنتيْ: 2018 و2020، وكان “طرابلسي”، الذي عمل في المجال السياحي نَشِطَ في تسهيل زيارات اليهود إلى “جزيرة جربة” التونسية، قد اتُهم بالترويج للتطبيع بسبب تصريحاته القائلة بأنَّه: “ينبغي تسهيل زيارة جزيرة جربة لجميع اليهود”.

توجُّه أميركي لمعاقبة البلدان التي تُجرِّم التطبيع..

تتَّجه “الولايات المتَّحدة” إلى التضييق بصورة أكبر على البلدان التي تُشرِّع قوانين لتجريم التطبيع، إذ أقدم كل من السيناتور الديمقراطي؛ “كوري بوكر”، والجمهوري؛ “روب بوتمان”، على تقديم مسودة قانون يهدف إلى: “الإبلاغ عن الإجراءات المتخذة ضد التطبيع مع إسرائيل”، في السادس من آب/أغسطس 2020.

ويستهدف هذا القانون معاقبة البلدان العربية التي تمضي في مسار تجريم التطبيع مع “إسرائيل”، وذلك من خلال تقرير سنوي تُعدُّه “وزارة الخارجية” توثِّق فيه حالات: “الانتقام من المدنيين بسبب انخراطهم في علاقات شخصية مع إسرائيليين”.

وجاء في مشروع القانون ما يلي: “في حين تُرسل بعض حكومات جامعة الدول العربية؛ إشارات بشأن تعزيز التعاون مع إسرائيل على المستوى الحكومي، يواصل معظمها اضطهاد مواطنيها الذين أقاموا علاقات شخصية مع الإسرائيليين في المنتديات غير الحكومية، وذلك من خلال مزيج من الإجراءات القضائية العقابية وإجراءات عقابية أخرى خارج نطاق القانون”.

مصدر الصورة: ألترا تونس

وأضاف: “إذ ما زالت بعض الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية تحتفظ ببعض القوانين الصارمة المناهضة للتطبيع؛ والتي تُعاقب مواطنيها على علاقاتهم الشخصية مع الإسرائيليين، هذا وتفرض تلك الدول عقوبات تشمل السجن وإسقاط الجنسية والإعدام، أما العقوبات التي هي خارج نطاق القانون والتي تفرضها هذه الدول وغيرها من الدول العربية، فهي تتضمن السجن بإجراءات موجزة، واتهامات بالخيانة في وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة، والإدراج في القائمة السوداء المهنية. إذ تحكم قوانين مناهضة التطبيع، مع الأشكال الانتقامية الأخرى، على هذه المجتمعات بالقطيعة المتبادلة، وبالتالي تقلل من إمكانية المصالحة والتسوية”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة