وكالات – كتابات :
وسط استمرار احتجاجات “الحجاب” واتساع رقعتها، قصف (الحرس الثوري) الإيراني بصواريخ وطائرات مُسيّرة؛ أهدافًا عسكرية في “كُردستان العراق”، فما علاقة الأكراد بما تشهده شوارع “إيران”؛ منذ مقتل “مهسا أميني” على يد “شرطة الأخلاق” ؟
(الحرس الثوري) قال، الأربعاء 28 أيلول/سبتمبر، إنه قصف القواعد الرئيسة لـ (كومالا) – الحزب (الديمقراطي الكُردستاني) الإيراني – وحزب (الحرية الكُردستاني): بـ”صواريخ دقيقة التوجيه وطائرات مُسيّرة” للمرة الثالثة في 04 أيام. وحذّر الفيلق من أن الضربات ستستمر حتى زوال التهديد: “بشكلٍ حاسم”.
وأكد حزب (كومالا) أن: 10 طائرات مُسيّرة هبطت في منطقة “زرغويز”، وقال حزب (الحرية الكُردستاني) إن مقره الرئيس؛ في “شيراوا”، تعرض للقصف، وقال الحزب (الديمقراطي الكُردستاني) الإيراني إن قواعده ومقره في “كوي سانجق” تعرضت للقصف.
حكومة “إقليم كُردستان العراق” قالت؛ في بيان لها إن: “الهجوم على فصائل المعارضة بصواريخ جمهورية إيران الإسلامية تحت أية ذريعة هو موقف غير صحيح، يُروج لتفسير مضلل لمسار الأحداث”.
لماذا قصفت إيران أهدافًا كُردية ؟
السلطات الإيرانية تُلقي باللوم في الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ أكثر من أسبوعين على: “مثيري شغب”؛ تصفهم بأنهم مرتبطون: بـ”أعداء أجانب”، ووجهت اتهامات لجماعات معارضة كُردية إيرانية مسلحة تعمل في “العراق” المجاور؛ بالتسلل إلى المناطق الكُردية في “إيران”: “لزرع انعدام الأمن”.
وقالت مصادر كُردية عراقية إن الهجمات بطائرات مُسيّرة استهدفت: 10 قواعد على الأقل لأكراد إيرانيين بالقرب من “السليمانية”؛ في “كُردستان العراق”، صباح الأربعاء، دون الإدلاء بتفاصيل عن خسائر بشرية، بحسب تقرير لـ”هيئة الإذاعة البريطانية”؛ (BBC).
وقال “طارق حيدري”، حاكم مدينة “كويه” الكُردية العراقية، لـ (رويترز) إن شخصين، أحدهما سيدة حُبّلى، قُتلا وأصيب: 12 آخرون هناك، وأضاف أن بعض المصابين نُقلوا في حالة حرجة إلى مستشفى في “أربيل”.
بينما قال (الحرس الثوري) في بيانه، الذي بثه التلفزيون الرسمي: “ستستمر هذه العملية بكامل عزيمتنا حتى يتم القضاء على التهديد بشكلٍ فعال وتفكيك قواعد الجماعات الإرهابية، وتتحمل سلطات المنطقة الكُردية إلتزاماتها ومسؤولياتها”.
وتشهد “إيران” حاليًا أكبر مظاهرات منذ عام 2019، والتي عمَّت البلاد للاحتجاج على وفاة الشابة الكُردية؛ “مهسا أميني”، (22 عامًا)، يوم 16 أيلول/سبتمبر، بعد احتجازها لدى “شرطة الأخلاق”، التي تُنفذ القيود الصارمة المفروضة على زي النساء.
وشنَّت السلطات الإيرانية، ولا تزال، حملة قمع واسعة النطاق للسيطرة على الاحتجاجات، أدت إلى سقوط: 76 قتيلاً؛ حتى الإثنين 26 أيلول/سبتمبر، بحسب منظمات حقوقية، وقوبلت القضية بإدانة دولية واسعة النطاق، لكن الإجراءات المشددة لم تمنع الإيرانيين من المطالبة بإسقاط الزعيم الأعلى؛ آية الله “علي خامنئي”، وبقية أعضاء المؤسسة الدينية.
انتشرت المظاهرات الغاضبة إلى أكثر من: 80 مدينة منذ وفاة “أميني”، وعلى الرغم من ارتفاع عدد القتلى وحملة قمع شرسة من قبل قوات الأمن باستخدام الغاز المسيل للدموع والهراوات، وفي بعض الحالات، الذخيرة الحية، أظهرت مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي استمرار الإيرانيين في الاحتجاجات وترديد: “الموت للديكتاتور”.
“أميني”، وهي من مدينة “سقز” الكُردية؛ شمال غربي “إيران”، كانت قد لفظت أنفاسها الأخيرة بعد أن اعتقلتها “شرطة الأخلاق”، ثم نقلت إلى المستشفى بعد دخولها في غيبوبة، ما أدى إلى أول ظهور كبير للمعارضة في شوارع “إيران”؛ منذ أن سحقت السلطات احتجاجات ضد ارتفاع “أسعار البنزين”؛ في عام 2019.
بدأت الاحتجاجات أولاً في مسقط رأس الفتاة، وسرعان ما عمت أرجاء المناطق الكُردية، ومنها انتقلت إلى أنحاء أخرى من البلاد، وسط استخدام قوات الأمن القوة المفرطة؛ ما أدى لسقوط قتلى وجرحى، وسط تنديد غربي ودعوات بمعاقبة المتورطين في قمع المتظاهرين.
ما قصة أكراد “إيران” ؟
أعادت تلك الاحتجاجات قضية الأكراد؛ في “إيران”، إلى الواجهة، خصوصًا أن (الحرس الثوري) والنظام الإيراني أشارا بأصابع الاتهام إلى أحزاب كُردية معارضة تتخذ من “كُردستان العراق” مقرًا لها، قائلين إن تلك الأحزاب تُقدم: “المساعدات” للمتظاهرين وتُسهم في تأجيج نيران الغضب المشتعلة بالفعل.
والأكراد في “إيران” يُمثلون نحو: 9% من تعداد السكان، إذ يبلغ عددهم نحو: 10 ملايين نسمة، يُمثلون ثاني أكبر الأقليات بعد الأذريين، ويتركز وجودهم في محافظات: “كرماشان، وإيلام وكُردستان وأذربيجان الغربية ولورستان”، في شمالي وغربي “إيران”، بالإضافة إلى محافظتي: “خراسان وطهران”، شمالي وشرقي البلاد.
وعلى الرغم من أن النزعة الانفصالية لأكراد “إيران” ليست سمة بارزة بشكلٍ عام، على عكس الأكراد في: “سوريا والعراق وتركيا”، إلا أنهم يشتكون دائمًا من الاضطهاد، وكان لهم دور بارز في الإطاحة بنظام الشاه “رضا بهلوي”؛ خلال “ثورة الخميني”؛ عام 1979.
وبعد نجاح الثورة وسقوط “نظام الشاه”، قامت الحكومة الإيرانية الجديدة بإرسال لجان تقصي حقائق إلى مناطق الأكراد للوقوف على حقيقة المظالم التي يرفعها الأكراد، لكن لم يتوصل الطرفان إلى حل، في ظل سقف مطالب الأكراد المرتفع؛ الذي وصل إلى حد المطالبة بأحقية الحكم الذاتي.
واندلع تمرد كُردي كبير خلال عام نجاح “ثورة الخميني” نفسه؛ (1979)، ليُمثل التحدي الأكبر على مستوى الدولة في “إيران” ضد النظام الجديد، لدرجة أن المرشد الأعلى للثورة؛ “روح الله الخميني”، أعلن: “الجهاد” ضد الأكراد، وقصف مدنهم بالطائرات، واستمرت هذه الانتفاضة حتى أواخر 1983، حين هاجمت قوات (الحرس الثوري) الإيراني المناطق الكُردية، في هجوم واسع أدى إلى سقوط آلاف الضحايا من الأكراد.
وشهد عام 1999؛ احتجاجات واسعة ضد الحكومة الإيرانية، في عهد الرئيس؛ “محمد خاتمي”، في المناطق الكُردية، أدت إلى مقتل: 20 شخصًا، كما قُتل عدد من النشطاء الأكراد عام 2005؛ على أيدي رجال الأمن الإيراني.
وفي عام 2004، تأسس حزب (الحياة الحرة) الكُردي، وهو حزب مسلح تابع لحزب (العمال الكُردستاني) في “تركيا”، وبدأ الحزب الإيراني تمردًا مسلحًا استمر حتى عام 2011، وأدى إلى مقتل المئات من الأكراد وقوات الأمن الإيرانية والمدنيين.
إلى أين تسير الاحتجاجات الحالية ؟
عادة ما تكون الاحتجاجات التي تندلع في المناطق الكُردية بـ”إيران” مرتبطة بأفعال توصف بأنها وحشية من جانب أجهزة الأمن، ففي عام 2015، نزل الآلاف من الأكراد إلى شوارع مدينة “مهاباد” احتجاجًا على محاولة أحد الضباط بجهاز الاستخبارات الإيراني الاعتداء على فتاة كُردية، ما دفعها للانتحار بالقفز من شرفة بفندق، هربًا منه، وردّت الشرطة الإيرانية بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، وهو ما نجم عنه سقوط العشرات من الجرحى و04 قتلى بين المتظاهرين.
وفي أيلول/سبتمبر 2017، شهدت شوارع كافة المدن الكُردية احتجاجات ضخمة اعتراضًا على جرائم القتل الوحشية من جانب (الحرس الثوري) ضد العمال الأكراد، في المناطق الحدودية مع “العراق”؛ حيث خرجت مظاهرات كبيرة في مدينتي “بانة” و”سنندج”، احتجاجًا على قتل (الحرس الثوري)؛ عاملين كُرديين.
وشهد العام نفسه تحولاً مهمًا في القضية الكُردية بـ”إيران”، حيث أجرت حكومة “إقليم كُردستان العراق”، برئاسة “مسعود بارزاني”، استفتاء الاستقلال؛ في أيلول/سبتمبر، وسط تهديدات من جانب النظام الإيراني نحو أكراد “العراق”، خشية أن يقوي ذلك الاستقلال من النزعات الانفصالية لدى “أكراد طهران”، على الرغم من أن تلك النزعة ليست سمة غالبة لديهم.
وفي هذا السياق؛ يتساءل كثيرون بشأن دوافع النظام الإيراني الحالي من وراء قصف مقرات أحزاب كُردية إيرانية مُعارضة في “كُردستان العراق”، فهل هي محاولة للتغطية على الاحتجاجات المستمرة منذ مقتل “أميني” على يد “شرطة الأخلاق” ؟
“الولايات المتحدة” ألمحت إلى هذه النقطة بالقول إن “إيران”: “لا يمكنها صرف اللوم عن مشاكلها الداخلية والمظالم المشروعة لسكانها بهجمات عبر حدودها”، وذلك في بيان أصدره؛ “جيك سوليفان”، مستشار الأمن القومي في “البيت الأبيض”، بحسب قناة (NBC) الأميركية.
ومع اتساع رقعة وحجم الاحتجاجات، يبدو أن النظام الإيراني بدأ في تبني لغة أكثر تصالحية نحو مواطنيه الغاضبين، إذ قال الرئيس؛ “إبراهيم رئيسي”، الأربعاء، إن وفاة “مهسا أميني” في احتجاز الشرطة: “أحزنت” الجميع في “الجمهورية الإسلامية”، لكنه في الوقت نفسه حذر من أن: “الفوضى” لن تكون مقبولة.
وقال “رئيسي”؛ في مقابلة مع التلفزيون الحكومي، في الوقت الذي استمرت فيه الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد: “نشعر بالحزن جميعًا لهذا الحادث المأساوي… (وعلى الرغم من ذلك) فإن الفوضى غير مقبولة”. وأضاف: “الخط الأحمر للحكومة هو أمن شعبنا… لا يمكن السماح للناس بتعكير صفو المجتمع من خلال أعمال الشغب”.
“رئيسي”؛ الذي أمر بإجراء تحقيق في وفاة “أميني”، قال أيضًا إن: “الطب الشرعي سيُقّدم تقريرًا عن وفاتها في الأيام المقبلة”. وقدم الرئيس الإيراني دعمًا مباشرًا لقوات الأمن الإيرانية، قائلاً: “إنهم يُضحون بأرواحهم من أجل تأمين البلاد”، محذرًا من أن: “كل من شارك في إثارة الفوضى وأعمال الشغب سيُحاسب”، ومضيفًا أنه: “ينبغي ألا يخشى أحد التعبير عن آرائه”.
كان العشرات من المشاهير ولاعبي كرة القدم والفنانين من داخل “إيران” وخارجها قد عبروا عن دعمهم للمظاهرات، بينما دعا نشطاء لإضراب في عموم البلاد، وبحسب وسائل الإعلام الرسمية، قال القضاء الإيراني المحافظ إنه سيوجه اتهامات ضدهم، بحسب (رويترز).
وعلى الرغم من أن الزعيم الإيراني الأعلى؛ آية الله “علي خامنئي”، لم يُعلق بعد على الاحتجاجات، دعا “مجلس صيانة الدستور”: “إلى التعامل بحسم مع المرتكبين الرئيسيين، ومن هم مسؤولون عن قتل وإصابة الأبرياء وقوات الأمن”.
لكن لا يبدو رغم كل ذلك أن نظام الحكم في “الجمهورية الإسلامية” قد يتداعى على المدى القريب، مع عزم زعماء البلاد على عدم إظهار أي ضعف يعتقدون أنه حسم مصير “الشاه”؛ المدعوم من “الولايات المتحدة”، في 1979، وذلك وفق ما أبلغ به مسؤول إيراني كبير (رويترز).