19 أبريل، 2024 5:52 م
Search
Close this search box.

ليبيا إلى أين ؟ .. (3) إيطاليا .. حلم العودة للصحراء الليبية يصطدم بصخرة “ماكرون” !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – ابتهال علي :

يظل المشهد الليبي أشبه بالملهاة الإغريقية التي لا يوجد ضوء أمام أطراف الصراع بها يرشدهم إلى طريق الخلاص من مستنقع تتشابك فيه خيوط التناحر وتتضارب مصالح أطرافه.. وفي كل مرحلة تدخل قوى أقليمية في بؤرة المشهد وتنسحب آخرى.

وفي محاولة لفهم طبيعة هذا الصراع واستقراء لملامح خريطته المتشابكة الأطراف والقوى، تفتح (كتابات) هذا الملف..

إيطاليا .. حلم العودة للصحراء الليبية يصطدم بصخرة “ماكرون”..

صارت ليبيا ساحة للاستقطاب بين قوتين دولتين.. طرف تقف فيه “إيطاليا” وحكومة الوفاق الوطني – المعترف بها دوليًا – بزعامة “فايز السراج”، وفي أقصى الطرف الآخر نجد “فرنسا” باعترافها باللواء “حفتر”.. وبين القطبين هناك أقطاب عدة مثل “روسيا” والقوى الإقليمية تتباين مصالحها وتتصارع فوق رقعة الشطرنج الليبية.

زادت حدة التوتر في “إيطاليا” حينما استضافت ضاحية “لاسيل سان كلو” الفرنسية، في 25 تموز/يوليو الماضي، اجتماعًا جمع رئيس حكومة الوفاق الوطني “فايز السراج” بقائد الجيش الوطني الليبي “خليفة حفتر”، برعاية الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” وبحضور موفد الأمم المتحدة الجديد إلى ليبيا “غسان سلامة”، وأسفر الاجتماع عن توقيعهما على بيان مشترك من عشر نقاط لتسوية الأزمة السياسية بالبلاد.

“نطحة” زيدان ومبادرة “ماكرون”..

يسترجع تقرير لوكالة “بلومبيرغ”, عنوانه: (ماكرون يذكي نار عقدين من غضب الإيطاليين منذ نطحة “زيدان”)، ما أثارته “نطحة” نجم الكرة الفرنسي “زين الدين زيدان” لمنافسه الإيطالي في نهائي كأس العالم لكرة القدم عام 2006 من مشاعر العداء بين البلدين.

ويعتقد الإيطاليون أن “نطحة زيدان” طغت على فرحتهم بالفوز بكأس العالم وقتها وانتصارهم على جيرانهم الأكثر ثراء وأن محاولاتهم للتفوق على الفرنسيين اقتصاديًا أو رياضيًا أو في مجال الموضة لن تجدي نفعًا.

وأشار التقرير إلى واقعة حديثة أججت مشاعر الغضب لدى الإيطاليين، عندما قرر وزير المالية الفرنسي “برونو لو مير” تأميم حوض بناء سفن عملاق في ميناء “سانت نازير” على المحيط الأطلسي من مالكه الإيطالي لرفضه مشاركة الحكومة الفرنسية على الملكية.

وزادت الهوة بين البلدين عقب وصول “إيمانويل ماكرون” إلى سدة الحكم في فرنسا, وسعيه لإعادة تنشيط العلاقات الفرنسية – الألمانية على حساب إيطاليا, ثالث قوة اقتصادية في الإتحاد الأوروبي حاليًا, بحسب وكالة “بلومبيرغ”.

زيادة الطين بلة..

أدى دخول فرنسا على خط الأزمة الليبية إلى زيادة الطين بلة، ولاسيما مع تجاهل “ماكرون” دعوة رئيس الوزراء الإيطالي “باولو جنتيلوني” للمشاركة في المحادثات. ومزاعم “إيطاليا” أن التدخل الفرنسي عبر مبادرة “ماكرون” يمنح اللواء المتقاعد “خليفة حفتر” اعترافًا رسميًا دون أن يقدم بدوره مقابل لحل الأزمة الليبية.

وترى إيطاليا أن ليبيا جزء من نفوذها باعتبارها مستعمرة قديمة لها، احتلتها من عام 1911 إلى عام 1943.

ويلقي المسؤولون الإيطاليون باللوم على التدخل الفرنسي عام 2011 للإطاحة بنظام العقيد “معمر القذافي” في انهيار الدولة الليبية, وفي هذا الصدد يحتج وزير الخارجية اللإيطالي “أنغيلينو ألفانو” أن هناك “مبادرات كثيرة جداً” بشأن ليبيا لكن تفتقر إلى التنسيق بينها.

هجوم الصحف الإيطالية..

انعكس الغضب الإيطالي الرسمي على أغلفة الجرائد الإيطالية, التي خرجت بعناوين ساخنة مفعمة بمشاعر الغضب تجاه ما أطلقت عليه صحيفة “لا ستامبا” البارزة, “هجوم مباغت من ماكرون ضد إيطاليا”، متوقعة حدوث معركة بحرية وشيكة بين البلدين. وذهبت صحيفة “ال مساغيرو” إلى القول أن فرنسا رعت إتفاقًا ليبيًا في غياب إيطاليا.

ما حدا بـ”صوفيا فنتورا”, استاذ العلاقات السياسة بجامعة “بولونيا”’ إلى أن تصف رد فعل إيطاليا, بدعوة رئيس حكومة الوفاق “فايز السراج” لزيارة روما في أعقاب لقاء باريس، بالسلوك الطفولي الذي ينم عن أنانية دون مراعاة الروح الأوروبية.

ويرى المحلل في شؤون الأمن والدفاع في العلاقات الدولية بالعاصمة الإيطالية روما, “أليساندرو اونغارو”, أن هذا الوضع ليس مجديًا للوحدة الأوروبية.

ليبيا في بؤرة الصراعات..

يحرك مواقف الدول الكبرى، وعلى رأسها إيطاليا، أربعة دوافع رئيسة هي: “السيطرة على النفط والغاز، وثانياً: صفقات إعادة الإعمار, التي تتسابق بلدان عدة للفوز بالنصيب الأكبر منها، وثالثاً: احتواء موجات الهجرة غير الشرعية القادمة من البلدان الإفريقية جنوب الصحراء إلى السواحل الإيطالية عبر ليبيا. ورابعًا: عقود التسليح الضخمة”.

جزيرة صقلية وتصدير النفط الليبي..

ما يدفع الدول الكبرى, خاصة روسيا وإيطاليا وفرنسا, للدفاع بضراوة عن نصيبها في النفط الليبي، جودته، حيث إنه من النوع الخفيف الذي لا يتطلب عمليات تكرير معقدة ومكلفة، وأيضًا لقرب ليبيا جغرافيًا من أوروبا، خاصة أنها قبالة سواحل إيطاليا ولا يفصل بين الدولتين سوى مياه البحر المتوسط، صارت مطمعًا لشركات النفط العملاقة لاستغلال النفط والغاز الليبيين وتصديرهما بتكلفة زهيدة لأوروبا والعالم. لذا سارعت شركات إيطالية لمد أنابيب نفط ليبيا إلى جزيرة “صقلية”.

وتعتبر “إيطاليا” من أبرز مستوردي النفط الليبي، إذ تشير أرقام عام 2015 إلى أنها تستورد من ليبيا يوميًا نحو نصف مليون برميل من إنتاجها اليومي, الذي يصل إلى 1.6 مليون برميل في اليوم، بينما يبلغ نصيب “فرنسا” 137 ألف برميل.

وأعلنتها شركة نفط “إيني” الإيطالية صراحة، في مواقف عدة، أنها لن تتنازل عن وجودها في ليبيا، وفي أواخر تموز/يوليو الماضي وصل إلى ليبيا مدير شركة “إيني” النفطية الإيطالية والتقى رئيس حكومة الوفاق “فايز السراج” لضمان تأمين وصول 8 مليارات متر مكعب من الغاز  الطبيعي عبر خط تصدير النفط “جرين ستريم”, وأيَضًا تطوير مشروع حقل “بحر السلام” للغاز قبل حلول فصل الشتاء لتصدره الشركة إلى دول أوروبية عدة.

ويمتد خط أنابيب “جرين ستريم” 520 كيلو متراً من “مليتة” إلى “غيلا” في جزيرة “صقلية” الإيطالية, وذهبت القوات الموالية للواء “حفتر” إلى قطع خط الغاز “جرين ستريم” لصقلية في آيار/مايو الماضي, عقابًا لإيطاليا بسبب دعمها لحكومة “فايز السراج”.

وأيضًا يخشى الإيطاليون أن يستولى الفرنسيون على منطقة “نالوت”, التي تحوي مخزونًا هائلًا من الغاز الطبيعي في غرب البلاد, وكانت شركة “توتال” الفرنسية قد حصلت على عقد استغلالها في عهد العقيد “القذافي” عام 2010, إلا أن الثورة الليبية قضت على أحلام فرنسا وألغت العقد.

وتبلور الصراع الإيطالي – الفرنسي على الثروات، في وقت سابق، حينما أنشئت إيطاليا “غرفة عمليات” في “مصراتة” ومستشفى ميداني ونشرت 100 جندي في مدينة “مصراتة” بهدف دعم حكومة “السراج” في مواجهة تنظيم “داعش” والهجرة غير الشرعية، في حين أعلنت فرنسا عن إرسال فرقة من القوات الخاصة على الأراضي الليبية عقب مقتل ثلاثة من جنودها في تموز/يوليو عام 2016 تدعم حكومة “طبرق” بشرق ليبيا.

الهجرة والفوضى..

يطفو على السطح, في موقف إيطاليا تجاه أزمة ليبيا, ملفان جوهريان هما: “ملف الهجرة غير الشرعية”، الذي تعد إيطاليا من دول صدارة المشهد الدولي في معالجة قضية اللاجئين من دول إفريقيا إلى أوروبا عبر الصحاري الليبية, وهو ما فشلت في الحد منه مع وجود تباين داخل الإتحاد الأوروبي في قبول أعداد المهاجرين حسب حصة محددة.

والملف الأخر “إنهاء حالة الفوضى السياسية والفراغ الامني في ليبيا منذ اندلاع الثورة الليبية في شباط/فبراير عام 2011″، وسط مخاوف من استغلال تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لتلك الحالة في التمدد داخل منطقة الساحل الإفريقي, ومنها ينطلق لشن عمليات إرهابية في دول أوروبا.

الآذان في مالطة..

تمثل سواحل ليبيا نقطة انطلاق رئيسة لقوارب الهجرة نحو السواحل الإيطالية والأوروبية. وعادة ما تنطلق قوارب المهاجرين من منطقة تبعد حوالي 400 كم إلى الغرب من “مصراتة” على شاطيء البحر المتوسط، باعتبارها الأقرب إلى إيطاليا، ولذا عمدت إلى إنشاء مستشفى عسكري ميداني بها, وإرسال بعثة عسكرية خاصة, وهو ما أثار معسكر اللواء المتقاعد “خليفة حفتر”.

ويكمن الخلاف الإيطالي – الفرنسي, في التصدي لملف الهجرة غير الشرعية، في مناشدة إيطاليا أن تشترك دول الإتحاد الأوروبي في تحمل حصتها من المهاجرين، لكنها كانت أشبه بمن يؤذن في “مالطة”, لتصبح المتضرر الأكبر من تدفق المهاجرين, ووصلت كثافة مراكز إيوائهم بإيطاليا إلى السعة القصوى, 200 ألف شخص.

ويعتقد أنه خلال النصف الأول من العام الجاري عبر نحو 100 ألف مهاجر البحر المتوسط من ليبيا نحو شواطيء إيطاليا.

ودفع هذا العبء, نائب وزير الخارجية الإيطالية “ماريو غيرو”, إلى القول أن فرنسا لا تقدم أدنى مساعدة لبلاده في أزمة اللاجئين.

ويختلف نظرة الفرنسيين لحل أزمة الهجرة، فالشرطة الفرنسية تمنع اللاجئين من دخول أراضيها من الحدود الإيطالية، وقدم الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” مبادرة للتفريق بين اللاجئين فرارًا من مناطق الصراع والحروب والمهاجرين بحثًاً عن ظروف معيشية أفضل. وذلك من خلال إقامة “نقاط ساخنة” في شهر أيلول/سبتمبر المقبل, لفحص ملفات المهاجرين على الآراضي الليبية و”تشاد”, قبل السماح لهم بالخروج من أسر الصحراء الليبية. وهو اقتراح يفاقم من حدة التوتر بين البلدين ويزيد من مخاوف الإيطاليين من تراجع نفوذهم في ليبيا.

لعبة البوارج الإيطالية..

نأتي لمحور آخر بشأن دور إيطاليا في ليبيا.. ألا وهو معسكر اللواء المتقاعد “خليفة حفتر”، في حين تدعم “باريس” معسكر “حفتر” عسكريًا وماليًا، تدعم “روما” حكومة الوفاق الوطني بقيادة “السراج”, لذا اختار “فايز السراج” أن يذهب فورًا إلى العاصمة الإيطالية عقب لقاء “باريس” الأخير وتقدم بطلب رسمي للحكومة الإيطالية لمساعدته في التصدي لطوفان الهجرة غير الشرعية عبر إرسال سفن حربية إيطالية للشواطيء الليبية.

وعلى الفور، صادق مجلس الشيوخ الايطالي على قرار إرسال بعثة للبحرية الإيطالية، بناءً على اتفاقية 2008 بين البلدين، لمساعدة خفر السواحل الليبي في التصدي لمهربي البشر في خطوة أثارت عاصفة لا تحمد عواقبها.

حيث رفض مجلس النواب الليبي في “طبرق” طلب “السراج” لإيطاليا, واعتبره انتهاكًا للسيادة الوطنية، وأعطى اللواء “حفتر” أوامر, أول شهر آب/أغسطس الجاري للبحرية الليبية في “بنيغازي وراس لانوف وطبرق” بالتصدي لجميع القطع البحرية الإيطالية التي لاتملك تصاريح دخول رسمية إلى المياه الإقليمية الليبية.

وبالفعل، وصلت السفينة الحربية الإيطالية “كوماندانتي بروزيني” إلى قاعدة طرابلس البحرية وتبعتها السفينة “تيرا ميتي”، وغادرت هذه السفن الشواطيء الليبية بعد بضعة أيام.

حبس العالم أنفاسه من لعبة البوارج الإيطالية وتخلي الإيطاليون عن التردد وهو ما قد يسفر عن إندلاع مواجهة عسكرية فرنسية – إيطالية في البحر المتوسط تغرق معها آمال السلام في ليبيا مع خطر تقسيم البلاد في إطار ما يعرف بالشرق الأوسط الجديد.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب