19 أبريل، 2024 6:02 م
Search
Close this search box.

“لو بريزيان” : هل أعلن “ترامب” من العراق نهاية مهمة “شرطي العالم” ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – ابتهال علي :

هل تخلى الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، عن أهم أدوار “الولايات المتحدة الأميركية”، منذ الحرب العالمية الثانية، كشرطي للعالم؛ ينشر قواته في مناطق الصراع ويغرس قواعده العسكرية في كل مكان على سطح الأرض، خاصة في منطقة الشرق الأوسط ؟.. وهل استغل زيارته، “الغريبة”، لـ”العراق” والأولى له، منذ انتخابه في عام 2016، ليعلن نهاية “الغندرمة” الأميركية ؟!

حاولت صحيفة (لوبريزيان) الفرنسية الإجابة عن السؤال؛ من خلال تقرير عنوانه: (زيارة ترامب للعراق: هل هي نهاية غندرمة العالم ؟)، حاولت فيه البحث عن بديل لدور “الكابوي” الأميركي.

“ترامب” لا يتجمل في “العراق”..

أختار الرئيس الأميركي إيصال رسائل مبطنة، في طي زيارته المفاجئة لقاعدة “عين الأسد” الأميركية في محافظة “الأنبار” غرب “العراق”، ولم يحاول “ترامب” أن ينمق كلمات خطابه أمام الجنود الأميركيين في القاعدة؛ وقالها بوضوح أن مبدأ (أميركا أولاً !)، الذي كان شعار حملته الانتخابية، لا حياد عنه، مؤكدًا على أن جيش بلاده القوي يُستغل من قِبل دول عديدة لحمايتها.

وبعث “ترامب” للعالم بعدة رسائل؛ أهمها: أنه لن ينسحب نهائيًا من منطقة الشرق الأوسط ويترك المجال فارغًا من النفوذ الأميركي لصالح قوى آخرى دولية وإقليمية، وأبرزها “روسيا” و”فرنسا” و”إيران” و”تركيا”، لا سيما بعد قراره بسحب القوات الأميركية من “سوريا”.

وعن وضع القوات الأميركية المتمركزة في “العراق”، وتزيد عن 5 آلاف جندي، أقر “دونالد ترامب” بإنه ليس لديه أي خطط للانسحاب من “العراق”، مضيفًا: “بإمكاننا استخدام العراق كمنصة؛ إذا أردنا القيام بشيء فى سوريا”. ما يوضح أن “أميركا” لن تتخلى عن إستراتيجيتها ومصالحها في المنطقة، ولكنها سوف تغير من طريقتها بالتركيز على “العراق”.

ونشرت (لوبريزيان) رسمًا تخطيطيًا يوضح حجم القوات الأميركية ونقاط تمركزها في العالم، مشيرةً إلى أنه وفقًا لأرقام “وزارة الدفاع الأميركية”، (البنتاغون)، في شهر آب/أغسطس 2018، يوجد (165) ألف جندي أميركي متمركز في دول أجنبية؛ منها بعد “العراق”، “تركيا” و”البحرين” و”قطر” و”بريطانيا” و”كوبا” و”غيبوتي” و”كوريا الجنوبية” و”اليابان”.

عجز “الأمم المتحدة” عن قيادة العالم..

وتوضح صحيفة (لوبريزيان)؛ أن معنى كلمة “الشرطي” المباشر هو الشخص الذي يدعم القانون وينفذه ويحترم حقوق الآخرين، وعلى المستوى الدولي، يفترض أن تضطلع منظمة “الأمم المتحد”، عبر “مجلس الأمن” بهذه المسؤولية، لكن يبدو أن المنظمة الأممية مكبلة وعاجزة بصورة ما، ولعل إشهار “روسيا” لحق النقض، (الفيتو)، في وجه محاولات فرض عقوبات على حليفتها، “سوريا”، وفشلها في وقف حرب “اليمن” أو حل الصراع في “ليبيا”، خير دليل على عجز المنظمة الدولية.

من هو الشرطي الجديد ؟

لذا تطرح الصحيفة الفرنسية سؤالًا عن “شرطي العالم الجديد”؛ من سيحمل الراية بعد “أميركا” ؟.. ويعتقد الخبير، “ديدييه بيليون” – المدير المشارك للمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية والإستراتيجية، (IRIS) – أن القوى الغريبة غير مرشحة، في الوقت الراهن، للاستفادة من الانسحاب الأميركي وتعزيز مكانتها الإستراتجية في العالم.

ونتيجة لعوامل عدة؛ لا تزال قارة “أوروبا” تدور في فُلك “الولايات المتحدة”، ولازالت خاضعة للمظلة الأمنية الأميركية؛ إذ تحد من تطلعات دول أوروبية عديدة مثل؛ “فرنسا” و”بريطانيا” و”ألمانيا”، لبناء جيش أوروبي قوي، إن بناء الدفاعات الأوروبية بعد سبعة عقود من الحماية الأميركية سوف يستغرق بعض الوقت وأموال طائلة تستنزف اقتصادياتها التي تعاني من مشاكل البطالة والمهاجرين وأزمة الخروج البريطاني من عباءة “أوروبا”.

تقويض “الناتو” لصالح “روسيا”..

وفي الوقت نفسه؛ فإن كل خطوة تحاول “أوروبا” القيام بها في هذا الإتجاه تُحفز ردود الفعل العكسية الأميركية، مما يزيد من تقويض تماسك “حلف شمال الأطلسي”، (الناتو)، وقدراته الرادعة ضد “روسيا”، التي تنطلق بسرعة الصاروخ نحو تحديث قدراتها العسكرية.

وتجبر فلسفة “ترامب”، المعادية للتحالفات والمعاهدات الدولية، القوى الغربية على أن تتعامل بحذر، كمن يمشي على الأشواك، مع حلم تولي قيادة العالم، وعلى وجه الخصوص مع مخاوف الدول الأوروبية في شرق القارة، التي كانت خاضعة لنفوذ “الاتحاد السوفياتي” طوال عقود “الحرب الباردة”، من ترك الساحة خالية من النفوذ الأميركي لصالح “روسيا”.

“الصين” بعيدة عن حلم السيطرة..

ويؤكد الخبير، “ديدييه بيليون”، أنه غالبًا ما ينظر لـ”الصين”، التي تستثمر عشرات المليارات الدولارات في “إفريقيا” أو “أوروبا” وترغب في إمتلاك حاملة طائرات، كـ”شرطي جديد” مُحتمل للعالم. وقال الخبير الفرنسي: “إن الصينيين يريدون تأكيد أنفسهم كقوة أساسية، لكنهم ما زالوا بعيدين جدًا عن تحقيق حلم  السيطرة على العالم اقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا وعسكريًا؛ كما فعل الأميركيون منذ فترة طويلة”.

ولا تسطيع “تركيا” و”الهند” و”البرازيل” تولي زمام قيادة العالم؛ فهي قوى ناشئة لن يمتد نطاق نفوذها لأبعد من الهيمنة الإقليمية. ويخلص “ديدييه بيليون” إلى أنه على المدى المتوسط، لا يوجد من يصلح لإستلام شارة القيادة من “الشرطي الأميركي”.

استمرار بقاء القواعد الأميركية.. ومغازلة بولندية..

وتُلمح الصحيفة الفرنسية إلى أن وجود القواعد العسكرية الأميركية في كثير من بلدان العالم؛ لن ينتهي، خاصة في “الخليج وإفريقيا وشبه الجزيرة الكورية والعراق”، بل إن بعض الدول مثل “بولندا”، في شرق أوروبا، تؤكد على إنها مستعدة لتمويل الوجود الدائم للجيش الأميركي بشكل جزئي على أراضيها.

وكشفت صحيفة (وول ستريت غورنال) أن “بولندا”، المتاخمة لـ”روسيا”، عرضت دفع أكثر من ملياري دولار لإقامة قاعدة أميركية دائمة على أراضيها، واقترحت أن تسميها “فورت ترامب”؛ في مغازلة مفضوحة لغرور الرئيس الأميركي.

وتنقل صحيفة (لوبريزيان)، عن “فرانسوا هايزبورغ”، المستشار لمؤسسة الأبحاث الإستراتيجية بـ”فرنسا”، تأكيداته أن “الولايات المتحدة” لا تزال تتمتع بقدرة عسكرية لا تقل، إن لم تكن تتفوق، على أي قوة آخرى في العالم، لذلك سوف تستمر في أداء دور “شرطي العالم”، الذي يخدم مصالحها الإستراتيجية في الأساس.

فجوة بين أقوال وأفعال “ترامب”..

الملفت للنظر؛ أن الأفعال لا تتوافق مع أقوال “ترامب”، رغم تقليص عدد القوات الأميركية في مناطق صراع عديدة مثل؛ “سوريا” و”أفغانستان” و”شبه الجزيرة الكورية”، إلا أن الرئيس الأميركي وافق، في شهر آب/أغسطس الماضي، على أكبر ميزانية لـ”وزارة الدفاع الأميركية”، (البنتاغون)، في تاريخها، للعام 2019، بزيادة قدرها (33) مليار دولار.

وأعلن الرئيس الأميركي، حينذاك، في خطاب جنود أميركيين في قاعدة (فورت دروم)، بـ”نيويورك”؛ إن الميزانية الجديدة، التي تقدر بأكثر من 716 مليار دولار، ستُحدث نقلة هائلة في حجم وقوة وتطور الجيش الأميركي، كما أنها ستجعل “الولايات المتحدة” أكثر تأثيرًا وأحترامًا في العالم. وأضاف: أن الكثير من الأسلحة الأكثر تدميرًا وتطورًا ستدخل الخدمة، بالإضافة إلى تجنيد نحو 4 آلاف جندي إضافي.

ومن المؤكد، أن زهاء 100 مليون دولار، من الميزانية، سوف يخصص لنشر جنود أميركيين على الحدود مع “المكسيك” لمنع تدفق المهاجرين من دول “أميركا اللاتينية”.

فيما سوف يقلص ميزانية تنفيذ “معاهدة الآجواء المفتوحة”، (Open Sky Treaty)، بعد أن أمر “ترامب” بتجميد التعاون مع “روسيا” بموجب الاتفاقية.

يذكر أن “معاهدة السماء المفتوحة”، وقعت عام 1992، وتضم (23) دولة، يمكن لهم بموجب الاتفاقية التحليق فوق آجواء الدول الأخرى لمراقبة النشاط العسكري.

“الشرق الأوسط” وفاتورة الجيش الأميركي..

لكن الرئيس الأميركي حمّل الشرق الأوسط مسؤولية هذه الميزانية؛ عندما إنكشف أمر الزيارة السرية لـ”العراق”؛ إذ ذكر أنه من المحزن جدًا أن تنفق بلاده 7 مليارات دولار في الشرق الأوسط، و”أن يتطلب الذهاب إلى هناك كل هذه السرية الهائلة؛ والطائرات حولك وأعظم المعدات في العالم وأن تفعل كل شيء كي تدخل سالمًا”.

والواقع أن إدارة “ترامب” بعثت، خلال أول عامين من ولايتها، إشارات متضاربة للعالم تجاه حجم الإنفاق العسكري العامين القادمين، إذ طالب الرئيس الأميركي، (البنتاغون)، أوائل كانون أول/ديسمبر المنصرم، بإجراء تخفيضات على ميزانية “وزارة الدفاع”، لتبلغ 700 مليار دولار فقط، في حين تم الإعلان عن زيادة مستمرة في الميزانية؛ من 716 مليار دولار، في 2019، إلى 733 مليار دولار، في عام 2020. بل أن “ترامب” وصف المستويات الحالية للإنفاق الدفاعي الأميركي بالـ”الجنون”؛ ليعود بعدها ببضعة أيام ويعلن عن خطة لميزانية الدفاع قيمتها، 750 مليار دولار، تشمل نفقات الحروب وأنشطة الأسلحة النووية.

وكان “جيمس ماتيس”، وزير الدفاع السابق، قد أقترح إستراتيجية الدفاع الوطني الجديدة، لعام 2020، لمواجهة مجموعة من المهام الشاقة؛ على رأسها إعادة تنشيط قدرات “الولايات المتحدة” في مواجهة “الصين” و”روسيا”، ومعالجة نقاط الضعف الخطيرة في “الفضاء السيبراني” و”الفضاء الخارجي”، مع مواجهة صراعات “الشرق الأوسط” الحالية، بالإضافة إلى احتمال نشوب حرب، على المدى القريب، في “شبه الجزيرة الكورية”.

من المؤكد؛ أن “واشنطن” لن تتنازل أبدًا عن تدخلها العسكري السافر في شؤون العالم، وخاصة منطقة “الشرق الأوسط”، ولكنها في عهد “ترامب” تريد أن تدفع دول المنطقة أموالًا طائلة مقابل حماية “الشرطي الأميركي”، وأن تغض الطرف عن التردي الخطير في أوضاع حقوق الإنسان في المنطقة.. أنه تعديل جوهري في مهمة “الدفاع عن الحق والعدل”؛ لتصبح الحماية لمن يخدم مصالح “الكابوي” الأميركي ويفتح له خزائنه على مصراعيها.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب