20 سبتمبر، 2024 2:59 م
Search
Close this search box.

لن تتوقف عند التضخم الحالي .. مؤشرات اقتصادية تُنذر بموجة “ركود” قادمة في الأفق !

لن تتوقف عند التضخم الحالي .. مؤشرات اقتصادية تُنذر بموجة “ركود” قادمة في الأفق !

وكالات – كتابات :

يتابع الاقتصاديون مؤشرات السوق يوميًا لفهم حال الاقتصاد، وللتوصل إلى توقعات بشأن توجهاته في المستقبل، فيما يتابع صناع القرار المؤشرات نفسها لتحديد السياسات الاقتصادية الأكثر ملاءمة للاستخدام في الوضع الحالي، وربما لاستباق الأحداث الاقتصادية أيضًا، والعمل على منع وقوع حالة غير مرغوب فيها بشكل مبكر.

ويُعتبر (منحنى العائد المقلوب-Inverted Yield Curve)، وهو أحد أهم المؤشرات التي يمكن الاعتماد عليها في استباق الأزمات الاقتصادية المحتملة، وخصوصًا من ناحية التنبؤ بقرب حدوث ركود، سواء على مستوى الاقتصاد العالمي، أو اقتصاد محلي ما، وهو مؤشر معتمد للتنبؤ بالأزمات الاقتصادية؛ منذ ستينيات القرن الماضي.

لذلك يُراقب الاقتصاديون ظاهرة الركود بمجرد أن تحدث في أسواق السندات، خصوصًا أن ذلك ساهم في منع حدوث أزمة ركود في نهاية التسعينيات، بعد أزمة الديون الروسية والأزمة المالية الآسيوية في الفترة نفسها، كما نجح في التنبؤ بواحدة من أضخم الأزمات الاقتصادية، أي الأزمة المالية العالمية؛ 2007 – 2009، وربما يكون المؤشر نفسه قد حذرنا من قرب حصول أزمة مالية نهاية عام 2019، وكان من الممكن أن تحصل دون جائحة (كورونا)، لكن وقوع الجائحة أدى لركود ضخم، قد يكون غطى على أزمة مالية أخرى.

ومن ناحية أخرى كثيرًا ما تجاهلت الحكومات هذا المؤشر في حالات أخرى، وثبتت صحة تنبؤه بالأزمة: مرة قبل ركود عام 1990 -1991، ومرة أخرى في فقاعة الـ (دوت-كوم Dot Com Bubble) بين عامي: 2000 – 2002، فضلًا عن الأزمة المالية العالمية في 2008.

وتحدث الظاهرة نفسها اليوم، وتضج بها المواقع الصحافية؛ لكونها مؤشرًا على ركود قادم في الاقتصاد العالمي؛ يخشى منه الجميع، خصوصًا في ظل عدم تعافي الاقتصاد العالمي بَعدُ من آثار جائحة (كورونا)، وبطبيعة الحال؛ تحصل ظاهرة الركود الاقتصادي في سوق السندات الأميركية، لكن وكما تخبرنا الأزمة العالمية: 2007 – 2009، فإن أزمة الركود في “الولايات المتحدة”، تعني في الغالب أزمة ركود عالمية، فما هو مؤشر (منحنى العائد المقلوب) ؟.. وكيف يُنبئنا بقرب حصول ركود اقتصادي ؟

انقلاب في منطق الاستثمار في السندات..

يشتري المستثمرون سندات الدين بسبب العائد المتوقع منها، والذي يتمثل في سعر الفائدة، لكن سعر الفائدة المرتبط بالسندات يختلف اختلافًا كبيرًا مع أنواعها، فالمستثمرون يقبلون على شراء سندات معينة؛ وفقًا لسعر الفائدة الذي يعكس حجم المخاطر التي يواجهونها عند شراء تلك السندات.

وتخبرنا النظريات الاقتصادية، بأن سعر الفائدة يتكون من عدة أجزاء: الجزء الأول هو ما يتوقع المستثمرون أن يعود عليهم استثمارهم حتى لو لم تكن هناك مخاطر، فلا أحد سيستثمر إن لم يتوقع عائدًا على استثماره، حتى لو كانت المخاطر مضمونة، ويكون هذا الجزء بالعادة منخفضًا.

أما الجزء الثاني فهو تعويض عن مخاطر عدم الدفع من قبل المقترضين؛ فالسندات في النهاية أداة اقتراض؛ ومن يصدرها يستدين ممن يقرر شراءها على سعر الفائدة المتفق عليه، فيما يعوض الجزء الثالث التضخم المتوقع، وغيرها من المخاطر المختلفة.

إلا أن أكثر ما يهمنا في مؤشر (منحنى العائد المقلوب)، هو أن سعر الفائدة يتضمن تعويضًا عن المدة المتوقعة لسداد الدين، أو تحصيل قيمة السندات، فكلما طالت هذه المدة ارتفع سعر الفائدة معها، وهو المنطق الاقتصادي الطبيعي؛ لأن مخاطر أن تُقرض أحدهم لمدة عام، أقل من مخاطر أن تنتظره: 10 أعوام، كما أن من المنطقي أن تتوقع عائدًا أكبر لكونك انتظرت فترة أكبر قبل تحصيل أموالك المُقرضة.

وتحصل ظاهرة (منحنى العائد المقلوب-Inverted Yield Curve)، عندما ينقلب هذا المنطق في سوق السندات، ويُصبح سعر فائدة سندات العام الواحد أعلى من سعر فائدة سندات العشرة أعوام، وهو بالفعل أمر مخالف للمنطق الطبيعي.

ومثلما يتحدد سعر السلع والمنتجات عن طريق العرض والطلب؛ فإن أسعار الفائدة أيضًا تتحدد بنفس الآلية، مع فارق التأثير الكبير لـ”البنك المركزي” في تحديد سعر الفائدة، لكونه يُحدد النقطة المرجعية لها، لكن على عكس أسعار المنتجات؛ تنخفض سعر الفائدة مع ارتفاع الطلب على السندات؛ (بمعنى أن هناك عددًا أكبر من الناس يشترون السندات ويوفرون القروض)، وترتفع أسعار الفائدة مع انخفاض الطلب، وتوفر هذه الآلية حافزًا أكبر لشراء السندات ذات الطلب الأقل في السوق؛ لأنها ذات سعر فائدة أعلى.

متى نتأكد من قرب حدوث الركود ؟

عندما تُصبح أسعار فائدة السندات قصيرة الأجل أعلى من أسعار السندات طويلة الأجل، بخلاف المنطق الاقتصادي؛ فذلك يعني أن السندات قصيرة الأجل أصبح الطلب عليها أقل، وارتفع الطلب كثيرًا على السندات طويلة الأجل، بسبب توقعات تباطؤ النمو في الفترة القادمة، وبالتالي توقُّع أن تنخفض عوائد الاستثمار في السندات الأقصر أجلًا – عند حدوث الركود، وبالتالي يبحث المستثمرون عن الحل الأكثر أمنًا، وهو الاستثمار في سندات أطول أجلًا.

وكلما ارتفعت أسعار فائدة السندات الأقصر أجلا؛ نتيجة لانخفاض الطلب عليها، صارت جاذبة أكثر بالمنطق الطبيعي، لذلك فالأصل ألا تستمر بالارتفاع حتى تصبح أعلى من أسعار فائدة السندات الأطول أجلًا، لكن لأن المستثمرين يتوقعون الركود، فهم يتوقعون أيضًا أن أسعار فائدة السندات الأقصر أجلًا ستنخفض في المستقبل القريب بسبب الركود، وبالتالي لن يهمهم ارتفاع سعر فائدتها، وقد يستمر بذلك ارتفاع الفائدة.

وقد يكون أحد تفسيرات حصول هذه الظاهرة؛ هو أن المستثمرين ينقلون أموالهم من أسواق الأسهم إلى أسواق السندات، وهذا يعني أنهم يتوقعون حصول انخفاض في أسعار الأسهم، بسبب الركود، وبالتالي لا يريدون خسارة أموالهم مستقبلًا، وينتقلون للإقراض الذي يوفر سعر فائدة أكثر ضمانًا من إمكانية الربح من الأسهم، لكن لماذا ترتفع أسعار فائدة السندات الأطول مدة عن أسعار فائدة السندات الأقل مدة ؟

ويحدث ذلك لزيادة الطلب الأكبر على السندات الأطول أجلًا؛ لأن المستثمرين يتوقعون حصول ركود في الفترة القادمة؛ ما يعني أن السندات الأقصر أجلاً ستكون عرضة للتأثر بهذا الركود، وبالتالي سيقل العائد من الاستثمار فيها، وتعكس الظاهرة انخفاض الثقة في الاقتصاد، ويعني ذلك توقع حدوث الركود في المستقبل، لكن ذلك لا يعني أن الركود سيحصل في وقت قريب جدًا، بل قد يحتاج إلى بضعة أعوام حتى يحصل.

وتقاس الظاهرة بمقارنة مختلف أنواع السندات ذات تواريخ الاستحقاق المختلفة، فتقارن السندات التي تستحق في ثلاثة أشهر مع السندات التي تُستحق بعد: 18 شهرًا؛ وهو ما يفضله “الفيدرالي الأميركي”، وسندات العامين مع سندات العشرة أعوام، وهكذا.

وحتى الآن لم تحصل الظاهرة في مقارنة جميع أنواع السندات، لكنها حصلت عند مقارنة سندات العامين مع سندات العشرة أعوام، وهي ظاهرة لم تحصل منذ آب/أغسطس 2019، وهي إشارة قوية على قرب حدوث الركود.

لكن الاقتصاد العالمي حاليًا يمر بفترة تضخم عالية، شهد فيها تحقيق معدلات تضخم غير مسبوقة منذ عقود، والتضخم يحدث نتيجة لارتفاع الطلب، والذي نتج بدوره عن ارتفاع معدلات النمو فوق الوضع الطبيعي، بحيث أن الطلب العالمي أعلى من العرض، وحالة التضخم الحالية معاكسة لفكرة الركود؛ ما لم يكن العالم مقبلًا على (ركود تضخمي-Stagflation)، قد تسببه ارتفاع تكاليف الإنتاج؛ بسبب ارتفاع أسعار “النفط” وغيرها من مدخلات الإنتاج المهمة.

وفي الفترة الأخيرة قرر “الفيدرالي الأميركي” رفع سعر فائدته، وأهم أسباب ذلك هو ارتفاع معدلات التضخم ومحاولة محاربتها عن طريق رفع أسعار فائدة الفيدرالي؛ لأن رفع أسعار الفائدة يخفف النشاط الاقتصادي، وبالتالي يقلل الطلب في الاقتصاد؛ مما يسمح بكبح التضخم.

ومن المتوقع أن يرتفع سعر الفائدة أكثر خلال العام الحالي في مواجهة التضخم؛ وكل ذلك يتنافى مع مخاوف الركود، لكن أحد التفسيرات الممكنة لإمكان حدوث الركود؛ هو أن المستثمرين يتوقعون أن تنخفض معدلات التضخم، وبالتالي يعود الفيدرالي عن قراراته برفع أسعار الفائدة، ولذلك فهم يفضلون عدم الاستثمار في السندات قصيرة الأجل؛ لكون العائد منها سينخفض بحسب توقعاتهم، ويتجهون نحو السندات الأطول أجلًا.

وتعتمد البنوك المركزية (سياسة نقدية انكماشية-Contractionary) لمحاربة التضخم، برفع أسعار الفائدة المؤدي لتخفيض الاستهلاك والاستثمار، وانخفاض الطلب باعتباره أثرًا نهائيًا يُخفضّ الأسعار، وفي المقابل تعتمد البنوك المركزي (سياسة نقدية توسعية-Expansionary) في حالة الركود المعاكسة، والسياستان متناقضتان. فماذا ستفعل البنوك المركزية حال وقوع العالم في أزمة “ركود تضخمي” ؟

إذا قررت البنوك المركزية الاستمرار في رفع أسعار الفائدة، فذلك يعني أن سياستها ستؤدي للمزيد من الركود؛ لأن كلفة الاستثمار والاستهلاك ستكون أعلى، وإذا قرر تخفيضها فقد يفقدها ذلك سياسة فعالة لمحاربة التضخم.

وبالطبع فإن التضخم يحصل بسبب ارتفاع جانب الطلب في الاقتصاد مقارنة بالعرض، أما “الركود التضخمي” فيحصل بسبب جانب العرض؛ لأن تكلفة الإنتاج نفسها أصبحت أعلى، بسبب ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، مثل “النفط” الذي يدخل في صناعة كل شيء تقريبًا، لكن جائحة (كورونا) تسببت في مشكلات في جانب العرض في الاقتصاد، كما أن إعادة فتح الاقتصاد – والذي لم يكتمل بعد – تسببت بارتفاع الطلب بشكل فجائي مقابل العرض.

فهل يصدق مؤشر (منحنى العائد المقلوب) الذي لطالما صدق في الماضي ؟.. إجابة هذا السؤال متروكة للمستقبل، لكن الوضع العالمي غير مطمئن قبل حصول المؤشر، والأزمة الأوكرانية لم تظهر بعد إشارات على قرب حلها، مع كل ما يعنيه ذلك من آثار اقتصادية في العالم، من “القمح” إلى “النفط” وغيره، لكن المؤكد أن الأيام القادمة تحمل تحديات كثيرة للعالم، ولمنطقتنا تحديدًا، والتي تشهد مشكلات وأزمات اقتصادية مستمرة منذ عقود، دون توافر حلول أو آليات لمواجهة هذه الأزمات.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة