لماذا لم تتحول إلى ثورة ؟ .. انتفاضات إيرانية تحت عرش “خامنئي” !

لماذا لم تتحول إلى ثورة ؟ .. انتفاضات إيرانية تحت عرش “خامنئي” !

وكالات – كتابات :

“إن الأعداء يأملون في احتجاجات شعبية لضرب البلاد، هذه حسابات العدو، ولكنها خاطئة”.. كانت هذه الكلمات جزءًا من خطاب ألقاه الزعيم الأعلى الإيراني، آية الله “علي خامنئي”، في يوم 04 حزيران/يونيو 2022، في مناسبة إحياء ذكرى وفاة مؤسس الجمهورية الإسلامية، آية الله “روح الله الخميني”، معلقًا على الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها “إيران” في منتصف شهر آيار/مايو 2022، بسبب إعلان الحكومة عن خطة تعديل الدعم الحكومي لـ”القمح”، ورفع أسعار بعض السلع الغذائية الأساسية.

لم يكتف آية الله “خامنئي” بإلقاء اللوم على: “الأعداء”، في اندلاع المظاهرات، بل ذهب إلى نفي وجود أي استياء شعبي من الحكومة، أو معارضة للناس، ووصف احتجاجات الشارع المتزايدة في السنوات الأخيرة بـ”الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، بأنها: “سوء تقدير من العدو”.

كما أشار إلى أن: “الأعداء”، يُحاولون منذ سنوات وضع الشعب الإيراني في مواجهة مع “الجمهورية الإسلامية”؛ أي النظام الحالي، من خلال الضغط النفسي والأنشطة المُثيرة للمشاكل على شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى منح الأموال لبعض المرتزقة داخل “إيران” لضرب البلاد، من خلال الأمل في إحداث احتجاجات جماهيرية.

حالة الإنكار التي يمكن استشعارها من الخطاب السابق ذكره للزعيم الإيراني، ليست بجديدة، فقد دأب منذ أكثر من: 30 عامًا، هي مدة حكمه للبلاد، على إنكار قيمة الاحتجاجات الشعبية التي تصاعدت في السنوات الأخيرة، بل إنه في كثير من الأحيان قام بالتحريض ضد هذه الاحتجاجات، بوصف المتظاهرين: بـ”البلطجية والمأجورين”. لكن كل هذا لم يمنع الإيرانيين من النزول إلى الشوارع مع كل مشكلة أو حادثة تحدث داخل “إيران”.

صحيفة (ميدل إيست آي) البريطانية؛ أعدت تقريرًا تسرد فيه تاريخًا مختصرًا للحركات الاحتجاجية الإيرانية؛ منذ التسعينيات وحتى يومنا هذا، وكيف جرى قمع أي احتجاج أو انتفاضة كان من الممكن أن تتوسع لإحداث تغيير وثورة في “الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.

انتفاضة مدينة “مشهد” 1992.. بداية القمع الأمني..

في آيار/مايو 1992، أي بعد سنوات قليلة من إنتهاء الحرب “العراقية-الإيرانية”؛ في ثمانينيات القرن الماضي، والتي استمرت ثماني سنوات، رأت الحكومة الإيرانية برئاسة رجل الدين؛ “علي أكبر هاشمي رفسنجاني”، آنذاك، أنه لا بد من إتباع سياسات التقشف الاقتصادي، في محاولة لإعادة إحياء الاقتصاد الإيراني المُنهار بعد سنوات الحرب. كان معدل التضخم قد وصل حينها إلى: 20.7%، مما كان له تأثير كبير في مستويات معيشة الإيرانيين.

خرج الناس في مدينة “مشهد”، ثاني أكبر المدن الإيرانية من حيث المساحة، وأهم مدينة دينية في “الجمهورية الإسلامية”؛ إلى الشوارع للاحتجاج على أوضاعهم المعيشية البائسة، وكانت هذه الاحتجاجات هي الأولى من نوعها خلال قيادة آية الله “علي خامنئي” للبلاد.

استمرت الاحتجاجات المتقطعة في المدينة لأيام، لكنها لم تلبث أن بدأت في الاتساع والانتشار، عندما قررت الحكومة أن تُزيد الطين بِلة، وتقوم بهدم جزء من المنازل في أحد أحياء المدينة، بحجة أنها مخالفة للقانون، وعشوائية.

حينها نزل الآلاف من سكان مدينة “مشهد” إلى الشوارع واشتبكوا مع مسؤولي البلدية، الذين بدأوا في هدم المنازل بالفعل، يروي الصحافي الإيراني، من مدينة مشهد؛ “محمد رضا سرداري”، والذي كان يُغطي أحداث الانتفاضة آنذاك؛ لأحد الصحف الإيرانية، ما جرى خلال تلك الأيام للصحيفة البريطانية؛ ويقول: “تفاجأ الناس بحضور جرافات ومعدات البلدية لهدم منازل شارع الطوسي في المدينة، وكان هناك امرأة رفضت مغادرة المنزل، فهدموا البيت على رأسها، مما أثار سخط وغضب الأهالي فنزلوا للاحتجاج بالآلاف”.

وبحسب السيد “سرداري”، عندما اشتبك الأهالي مع مسؤولي وموظفي البلدية، قامت الشرطة بإرسال المزيد من القوات لمواجهة الأهالي، ومن هنا بدأت المعركة، فيقول: “بعد اشتباك الأهالي مع موظفي البلدية، وصلت عشرات السيارات التي تحمل الجنود والذين بدأوا في إطلاق الغاز المسيل للدموع على الجماهير، وبعد ذلك بدأ الجنود في إطلاق الرصاص الحي، الذي أصاب طفلين”.

موت طفلين، زاد من حدة غضب أهالي مدينة “مشهد”، فتجمعوا في مسيرات حاشدة، وذهبوا باتجاه مركز الشرطة، والمديرية العامة للعدل، هاتفين ضد الحكومة والشرطة، وبعد ساعات من التجمهر، بدأت أعمال الشغب، يقول الصحافي الإيراني؛ “محمد رضا سرداري”: “بدأ الأهالي المتجمهرين في إشعال النيران في مراكز الشرطة والمباني الحكومية، كما ذهب البعض منهم لسرقة هذه المباني وحرق الممتلكات العامة”.

في التسعينيات، لم يكن هناك وسائل تواصل اجتماعي، أو وسائل إعلام حرة بشكلٍ كبير، لذلك فإن انتفاضة “مشهد” لم يتم تناولها في وسائل الإعلام الإيرانية الحكومية، واكتفت الصحف بنقل تصريحات المسؤولين فقط.

بعد يومين من الاشتباكات بين المحتجين ورجال الأمن، واستمرار أعمال الشغب، طلبت الحكومة من (الحرس الثوري) الإيراني، الذهاب إلى “مشهد”، لمواجهة المحتجين، يقول السيد “سرداري”: “كانت هذه هي المرة الأولى التي يتدخل فيها (الحرس الثوري) الإيراني في قمع أعمال الشغب والمظاهرات، وكانت أيضًا البداية لمزيد من تدخله في كل انتفاضة”.

بتدخل قوات (الحرس الثوري) الإيراني، جرى قمع انتفاضة “مشهد” خلال يومين، وبحسب وسائل الإعلام المحلية، تم اعتقال: 300 شخص ممن شاركوا في الاحتجاجات، وبعد محاكمة عدد من المعتقلين، تم الحكم بالإعدام على أربعة اشخاص. جدير بالذكر هنا، أن الوفد القضائي الذي زار المدينة لمحاسبة المشاركين في الاحتجاجات، كان برئاسة الرئيس الإيراني الحالي؛ “إبراهيم رئيسي”، والذي كان يعمل حينها في السلك القضائي.

بعد قمع انتفاضة “مشهد” من قِبل (الحرس الثوري) الإيراني، وقوات (الباسيج)، خرج الزعيم الأعلى الإيراني؛ آية الله “علي خامنئي”، في تصريحات حادة اللهجة، ووصف ما حدث في “مشهد” بأنه من فعل أعداء الثورة والإسلام، قائلًا: “الوضع واضح تمامًا، إنها أفعال الثورة المضادة”، كما وصف المتظاهرين بأنهم بلطجية يحملون السكاكين، “لا يجب أن يستغرب الناس من وجود هؤلاء البلطجية بيننا، يجب على القوات الأمنية ان تقتلع هؤلاء البلطجية من بين الشعب”، وأشار إلى أن المتظاهرين في “مشهد” مثل الحشائش الفاسدة في الأرض يجب حصدهم وإقتلاعهم.

كان خطاب آية الله “خامنئي”، بمثابة البدء في فصل جديد من توسيع القمع الأمني إلى احتجاجات قادمة، كما قام (الحرس الثوري) الإيراني بعد انتفاضة “مشهد”، بتشكيل كتيبتين هما: (عاشوراء)، و(الزهراء)، لمواجهة الاحتياجات المستقبلية في المدن.

يقول الصحافي الإيراني؛ “محمد رضا سرداري”؛ لـ (ميدل إيست آي): “انتفاضة مشهد، كانت السبب الرئيس، في اهتمام القيادة الإيرانية بخلق كافة أنواع أدوات القمع لمواجهة أي تمرد في المستقبل، وقد شهدنا ذلك بالفعل في السنوات الماضية”.

احتجاجات “إسلام شهر” 1995.. “الحرس الثوري” لاعب أساس في قمع التظاهرات..

في عام 1995، كان قد وصل معدل التضخم في “إيران” إلى: 40%، ووصف بأنه أعلى معدل تضخم تصل إليه البلاد منذ عقود طويلة، على إثر هذا الارتفاع غير المسبوق، ارتفعت أسعار المواصلات والنقل في مدينة “إسلام شهر”، وهي مقاطعة تقع في مدينة “طهران”، وفي يوم 26 آذار/مارس 1995، نزل الآلاف من سكان المدينة إلى الشوارع للاحتجاج ضد زيادة الأسعار، وسرعان ما اتسعت رقعة المظاهرات لتشمل مدنًا مجاورة أخرى، وتحولت إلى أعمال شغب، فقام المتظاهرون بحرق العديد من مقرات الشرطة، والمباني الحكومية والبنوك، كما قاموا بقطع الطرق الرئيسة.

تتمثل أهمية احتجاجات مدينة “إسلام شهر”، في أنها كانت نقطة لترسيخ وجود (الحرس الثوري) الإيراني، لقمع الاحتجاجات الإيرانية، حينها قامت قاعدة (ثأر الله)، التابعة لـ (الحرس الثوري)؛ والتي تقوم بحماية العاصمة “طهران” فقط، بالتدخل لإنهاء هذه الاحتجاجات بسرعة فائقة. وكما حدث سابقًا، استمر الزعيم الأعلى الإيراني، في إنكار حقيقة غضب الناس، ووصف احتجاجات مدينة “إسلام شهر”، بأنها من فعل العدو، قائلاً: “الاحتجاجات هذه المرة من الأفعال التخريبية للعدو، لأنه مستاء من الجمهورية الإسلامية، ويُريد القضاء عليها”.

وفي حديثه للصحيفة البريطانية؛ يقول الصحافي الإيراني؛ “محمد رضا سرداري”: “بعد هذه الاحتجاجات في إسلام شهر، أمر خامنئي قاعدة (ثأر الله) بتولي أمر أى احتجاجات جماهيرية مستقبلية، بالإضافة إلى تأمين وحماية طهران”.

احتجاجات “جامعة طهران” 1999.. الغضب ينتقل إلى الشعب..

في حزيران/يونيو عام 1999، في عهد رئاسة الرئيس الإصلاحي؛ “محمد خاتمي”، قامت السلطات الإيرانية بحظر نشر جريدة (سلام) الإصلاحية، فاحتج عدد كبير من طلاب “جامعة طهران”، والمؤيدون للإصلاح.

وعوضًا عن احتواء غضب الطلاب، ومحاولة معالجة الأمر بشكل هاديء؛ قامت مجموعة يُطلق عليها (أنصار حزب الله)، وهي تنظيم من المفترض أنه مدني، ومقرب من شخصيات قوية في هرم السلطة الإيرانية، باقتحام السكن الجامعي للطلاب المحتجين.

يقول الصحافي الإيراني؛ “محمد رضا سرداري”: “في الليل قامت مجموعة (أنصار حزب الله) المعروفة بميولها الثورية المتشددة، باقتحام السكن الجامعي للطلاب، ومهاجمة الطلاب الذين شاركوا في الاحتجاجات، وأشعلوا النيران في جزء من المبنى، وشوهد بعضهم وهم يحاولون إلقاء طالب من النافذة”.

هذه الأخبار، أثارت غضب الشعب الإيراني، فاندلعت المظاهرات في “طهران” بالإضافة إلى الطلبة لمدة خمسة أيام أخرى، في هذا الصدد، يقول ناشط في مجال حقوق الإنسان ومقيم بـ”طهران”، مفضلًا عدم الكشف عن هويته للصحيفة البريطانية: “كان القمع عنيفًا للغاية، وما حدث في السكن الجامعي كان كارثة غير مسبوقة، في هذه الاحتجاجات جرى قتل سبعة أشخاص على أقل تقدير، بالإضافة إلى مئات المصابين والمعتقلين من الطلاب والناس العاديين”.

قام المحتجون بحرق صور للزعيم الأعلى الإيراني، آية الله “علي خامنئي”، لأول مرة في تاريخ الحركة الاحتجاجية الإيرانية، وبرر آية الله “خامنئي” عنف القوات الأمنية بأن هناك من يُحاول تشويه سمعة (الحرس الثوري) والقضاء و(الباسيج)، لإحداث فتنة بين الشعب الإيراني.

وفي مقابل العنف الشديد، انتهت احتجاجات الطلاب بعد عدة أيام من اندلاعها، بعد أن تم اعتقال العديد من المشاركين في المظاهرات، وتم فصل طلاب آخرين من الجامعة بسبب اشتراكهم في هذه الاحتجاجات.

انتفاضة “الحركة الخضراء” 2009.. الربيع الفارسي الذي جرى وأده..

بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2009، والتي على إثرها فاز الرئيس الإيراني المتشدد؛ “محمود أحمدي نجاد”، بفترة رئاسية ثانية، قام “مير حسين موسوي”، المرشح الرئاسي أمام “أحمدي نجاد”، وهو أحد أبرز الشخصيات في المعسكر الأصولي، واتهام السلطات الإيرانية بتزوير الانتخابات لصالح منافسه المتشدد؛ والذي كان حينها مقربًا من القيادة العليا في “الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.

تسببت مزاعم التزوير التي أطلقها كل من “مير حسين موسوي” و”مهدي كروبي”، في خروج مئات الآلاف بل ملايين من الشعب الإيراني من مؤيدي الإصلاح إلى الشوارع للاحتجاج، فيما عُرف باسم احتجاجات: “الحركة الخضراء”.

كانت “الحركة الخضراء”، أكبر انتفاضة شعبية عرفتها “الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، منذ الثورة الإسلامية في 1979، فقد ضمت احتجاجات عام 2009؛ قطاعات واسعة من المثقفين والطلاب والنشطاء السياسيين وأبناء الطبقة الوسطى.

تقول أستاذة علم الاجتماع بجامعة الزهراء؛ “مهسا رجب”: “احتجاجات (الحركة الخضراء)، كانت بمثابة صدمة كبيرة للحكومة الإيرانية، لم يتوقع أحد أن ينزل ملايين من الناس إلى الشوارع للاحتجاج على نتائج الانتخابات والمطالبة بتغييرات سياسية، لكن في الوقت نفسه، ظلت حركة احتجاج سياسية فقط ولم تمتد إلى الكثير من الطبقات الأخرى”.

تعاملت قوات الأمن الإيرانية بعنف شديد مع مظاهرات “الحركة الخضراء”، وخرج الزعيم الأعلى الإيراني؛ آية الله “علي خامنئي”، مطالبًا بإنهاء ما أسماه: “الفتنة”، قائلًا: “إذا لم تنته هذه الاحتجاجات في أسرع وقت، فأنتم المسؤولون عن الفوضي والعواقب”، في إشارة إلى المتظاهرين. جدير بالذكر هنا أن مصطلح: “الفتنة” أصبح فيما بعد من ضمن الأدبيات السياسية في “إيران”، ويُطلقه المسؤولون والسياسيون الموالون للنظام تقريبًا على أغلب الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

وفي حديثه للصحيفة البريطانية، يدعي الناشط الإيراني في مجال حقوق الإنسان، أن: “مظاهرات 2009، كانت أشبه بما أطلق عليه فيما بعد الربيع العربي، ففي إيران يعتبر البعض أن هذه المظاهرات كانت بمثابة الدفعة الأولى للربيع العربي، لكن للأسف لم يكتب لها النجاح، إذ إن مستوى القمع الأمني كان عنيفًا للغاية”.

لجأت قوات الأمن الإيرانية إلى إطلاق النار بشكل مباشر على المشاركين في مسيرات “الحركة الخضراء”، وتدخل (الحرس الثوري) الإيراني لإنهاء تلك الاحتجاجات. وقد استوعبت الحكومة الإيرانية الدرس جيدًا، بعد احتجاجات عام 2009، فشرعت إجراءات أمنية مشددة مكنت النظام الأمني في “إيران”، من السيطرة السريعة على أي احتجاجات تقع في المستقبل.

في هذا الصدد يقول الناشط بمجال حقوق الإنسان: “بعد مظاهرات 2009؛ أسس (الحرس الثوري) كتائب الإمام علي، للتعامل مع الاحتجاجات الكبيرة، كما أسس (الحرس الثوري) منظمة استخبارات الحرس، والعديد من الأذرع الأمنية التي تعمل لقمع الاحتجاجات”.

زادت احتجاجات عام 2009؛ من القبضة الأمنية في “إيران”، والتي امتدت إلى حجب وسائل التواصل الاجتماعي: (فيس بوك، وتويتر، ويوتيوب)، حتى يومنا هذا، كما بدأت الحكومة، في إنشاء شبكة إنترنت وطنية، لفصل الإيرانيين عن شبكة الإنترنت العالمية، لسهولة حجب أي معلومات تخرج من “إيران” في حال حدوث احتجاجات مشابهة لـ “الحركة الخضراء”.

يقول الناشط الإيراني في مجال حقوق الإنسان: “خسرت (الحركة الخضراء)، وكسبت الحكومة المزيد من أدوات القمع والترهيب، كما اكتسبت الخبرة في مواجهة الاحتجاجات مما زاد الأمور تعقيدًا”.

بعد النجاح الهائل للحكومة الإيرانية في القضاء على “الحركة الخضراء”، جرى وضع كل من: “مهدي كروبي” و”مير موسوي”، قادة المظاهرات تحت الإقامة الجبرية حتى يومنا هذا، كما تعرض العديد من النشطاء السياسيين والفنانين والمثقفين الذين أيدوا أو شاركوا في هذه المظاهرات إلى الحكم بالسجن لمدد طويلة، بعضها يصل إلى سجن مدى الحياة.

“ثورة البازار” 2012.. سياسات “أحمدي نجاد” تسببت في الانفجار..

أتبع “محمود أحمدي نجاد”؛ بعد وصوله الحكم في “إيران”، سياسات ثورية وشعبوية في مختلف مجالات الحكم، وتحديدًا في الاقتصاد، وبالطبع اتخاذ مواقف متشددة من الغرب و”الولايات المتحدة”، وصعّد اللهجة تجاه برنامج بلاده النووي، وفي النهاية وقعت “إيران” في عام 2012، تحت حزمة عقوبات أميركية ودولية هائلة، حينها فقد “الريال” الإيراني أكثر من: 30% من قيمته أمام “الدولار” الأميركي، وأصيب الاقتصاد بالشلل.

وجد التجار وأصحاب المحلات التجارية في “البازار الكبير”؛ (السوق الكبير)، أنفسهم أمام كساد غير مسبوق، وعدم قدرة على استيراد أي بضائع من الخارج، أو حتى بيع البضائع المتراكمة لديهم في المحال.

فخرجوا بشكل عشوائي ومفاجيء في مسيرات غاضبة في شوارع العاصمة الإيرانية؛ “طهران”، مرددين هتافات منددة بحكومة “محمود أحمدي نجاد”، والوضع الاقتصادي السييء، وبالطبع تدخلت قوات الشرطة و”كتائب الحرس الثوري”؛ (الإمام علي)، على الفور لقمع هذه المظاهرات.

يقول الصحافي الإيراني؛ “محمد رضا سرداري”: “في غضون ثلاث ساعات فقط اتسعت الاحتجاجات وزاد عدد المحتجين، عندما ضربتهم القوات الأمنية بالغاز المسيل للدموع، قاموا بحرق صناديق القمامة وبعض السيارات المتواجدة في الشوارع”.

لم تستمر هذه المظاهرات أكثر من أربعة أيام، وجرى القضاء عليها بشكل سريع، وخرج آية الله “خامنئي”، حينها ليقول للمتظاهرين بأن: “الأعداء الآن على الجانب الآخر من العالم سعداء، وهم يحرقون صناديق القمامة في شوارع طهران”.

مدينة “مشهد” مرة أخرى 2017.. 10 أيام هزت “إيران”..

في نهاية شهر كانون أول/ديسمبر عام 2017، تجمع عدد من المتظاهرين في مدينة “مشهد”، احتجاجًا على قرارات حكومة؛ “حسن روحاني”، فيما يخص منح القروض المالية وما إلى ذلك من شركات الأموال، كانت هذه الاحتجاجات المحدودة إلى حدٍ ما، مدعومة من قبل معارضي “حسن روحاني”؛ الرئيس المعتدل، لكن بشكل مباغت بدأت هذه الاحتجاجات في الاتساع، مدفوعة بأسباب كامنة للغضب واليأس، وبسرعة هائلة امتدت إلى: 30 مدينة إيرانية، وتدرجت هتافات المتظاهرين من التنديد بالوضع الاقتصادي السييء، حتى وصلت إلى شعارات سياسية تُطالب بسقوط “الجمهورية الإسلامية” بأكلمها، وانقلب السحر على الساحر.

لم يكتف المتظاهرون الغاضبون، بشعارات إسقاط النظام، بل هتفوا بالموت لرأس السلطة في “إيران”، آية الله “علي خامنئي”، وقاموا بإضرام النيران في صوره، ثم بدأت الاحتجاجات في التصعيد، وقام المحتجون بإحراق المؤسسات الحكومية والمدارس والبنوك، وإشعال النار في سيارات الشرطة.

استمرت هذه الاحتجاجات العنيفة لمدة 10 أيام، وكانت بمثابة صدمة للمسؤولين الإيرانيين، فلأول مرة تشهد البلاد موجة هائلة من الاحتجاجات في أغلب المدن الإيرانية، تتخذ هذا الشكل العنيف في جميع المناطق.

تقول أستاذة علم الاجتماع بـ”جامعة الزهراء”، “مهسا رجب”: “المدن التي خرجت للتظاهر في 2017؛ كانت أغلبها فقيرة ومحرومة، حتى المتظاهرين كانوا من الشباب الفقير الذي يُعاني من البطالة”، كما وصفت السيدة “رجب”، احتجاجات نهاية 2017، والتي استمرت لبداية عام 2018؛ بأنها: “زلازل اجتماعي ضرب إيران”.

بعد 10 أيام من الاحتجاج المتواصل، استطاعت قوات الأمن الإيرانية بكافة أنواعها، إخماد نيران هذه الاحتجاجات، وبالطبع وكما هو الحال دائمًا، كان هناك استخدام واسع للعنف، ومئات من حالات الوفاة والاعتقال.

احتجاجات “البنزين” 2019.. ذروة القمع الأمني وحالات اختفاء قسري..

في يوم الجمعة 15 تشرين ثان/نوفمبر عام 2019، قررت حكومة “حسن روحاني”، تعديل الدعم للبنزين، ورفع سعره ثلاثة أضعاف بشكل مفاجيء، وبمجرد انتشار الخبر، خرجت الناس إلى الشوارع للتظاهر، وكأن الإيرانيين كانوا ينتظرون أي قرار للحكومة للثورة ضدها.

وكما كان الحال في احتجاجات كانون أول/ديسمبر 2017، انتشرت احتجاجات البنزين بسرعة ووصلت هذه المرة إلى: 100 مدينة إيرانية، مارس المحتجين الشغب، وحرق المباني والمؤسسات الحكومية، والمدارس الدينية، ومحطات الوقود، وهتفوا منددين بحكم آية الله “علي خامنئي”، متمنين عودة الشاه “محمد رضا بهلوي”، مرة أخرى للحكم، بعبارة أوضح تمنى المتظاهرون عودة بلادهم للحكم الملكي؛ بحسب إدعاء التقرير البريطاني.

يقول الناشط الإيراني في مجال حقوق الإنسان: “مظاهرات تشرين ثان/نوفمبر 2019؛ هي نفسها مظاهرات كانون أول/ديسمبر 2017، لكن أشد وأعنف وانتشرت على نطاق أوسع، فنفس الأسباب هي التي دفعت الناس للنزول إلى الشوارع، لكن مستوى العنف وقتل المتظاهرين كان غير مسبوق هذه المرة”.

لم تفصح الحكومة الإيرانية عن أعداد القتلى والمصابين والمعتقلين في أحداث تشرين ثان/نوفمبر 2019، لكن “منظمة العفو الدولية”؛ تقول إن عدد القتلى وصل إلى: 324 شخصًا، واعتقال ألف متظاهر.

يُضيف الناشط الحقوقي قائلًا: “صدرت أحكام بالإعدام على بعض من شاركوا في هذه المظاهرات، من خلال التعرف عليهم من الكاميرات المتواجدة في الشوارع، وإلى الآن هناك عائلات ما زالت تبحث عن أبنائها المختفين قسريًّا إلى يومنا هذا”.

ومن ضمن القمع الذي مارسته السلطات الإيرانية في تلك الاحتجاجات، كان فصل خدمة الإنترنت بشكلٍ كامل عن كل مدن ومحافظات “الجمهورية الإسلامية”، لمدة أسبوع، كان لا يستطيع أحد أن يعرف ما الذي يجري في “إيران”.

وفي تلك الأثناء، خرج آية الله “خامنئي”، ليؤيد قرار الحكومة برفع أسعار “البنزين”، ويعود إلى تصريحاته التي أدلى بها أثناء “انتفاضة مشهد” في التسعينيات، قائلًا: “الناس التي نزلت إلى الشارع قبيحون وبلطجية وأوغاد، استطاع العدو السيطرة عليهم وجعلهم أداة في يديه، أدعو الشعب الإيراني إلى الإبتعاد عنهم”. وقد جرى القضاء على هذه الاحتجاجات بعد أسبوع من اندلاعها.

المعلمون والعمال والمزارعون وسائقو الشاحنات.. تمرد مستمر..

منذ احتجاجات نهاية عام 2017، والشارع الإيراني لم يشهد فترات هدوء من الاحتجاجات، خاصة بعد انسحاب “الولايات المتحدة” من “الاتفاق النووي”؛ في آيار/مايو 2018، وإعادة حزمة العقوبات الاقتصادية ضد “طهران”، وتدهور الحالة الاقتصادية للشعب أكثر وأكثر.

فبعد الانسحاب الأميركي إنهارت العُملة الوطنية وفقدت أكثر من: 80% من قيمتها، فارتفعت الأسعار، ووجد سائقو شاحنات النقل أنفسهم أمام ارتفاع جديد في أسعار الإطارات والصيانة وقطع الغيار وارتفاع أسعار “البنزين”، وفي المقابل لم يتلقوا أجورهم لأشهر، فلجأوا إلى الإضراب الكامل عن العمل، وكانت هذه الخطوة غير مسبوقة على مستوى البلاد.

إضراب سائقي الشاحنات..

لكن السلطات الأمنية نجحت في ترهيبهم من خلال اعتقال الكثيرين منهم، والتهديد بالحكم بالسجن على المشاركين في الاضطراب.

أما بالنسبة لـ”نقابة المعلمين”، فيمكن وصفها بأنها أنشط نقابة مهنية في “إيران”؛ من حيث تنظيم مسيرات للتظاهر والاحتجاج ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى الاضطراب عن العمل، إذ يُعاني المعلمون في “إيران” من انخفاض أجورهم، وفي السنوات الأخيرة لم يتلقوا رواتبهم لأشهر متواصلة.

حتى المزارعون وهم من أكثر الطبقات التي تدعم “الجمهورية الإسلامية” في كثير من الأحيان، شاركوا في التظاهر والإضراب، ففي عام 2018، كانت أول مرة ينظم المزارعون احتجاجات بسبب أزمة نقص المياه. يقول الناشط الحقوقي الإيراني: “كانت احتجاجات المزارعين خطوة غير مسبوقة، فقد هتفوا ضد النظام بشكل صريح ومفاجيء”.

أما العمال في كافة القطاعات، فتمردهم مستمر ولا يتوقف، فقد تعرضوا في الفترات الأخيرة لتأخير رواتبهم، والفصل في حالات الخصخصة، وقد قاموا بكل شيء من أجل إيصال أصواتهم، فنظموا إضرابًا عن العمل، وخرجوا في مسيرات، وقطعوا الطرق في بعض المدن وفي المقابل، تعرضوا – وما زالوا – للقمع والسجن.

احتجاج مستمر ينتظر شرارة للبدء !

منذ التسعينيات وإلى الآن؛ لم يهدأ الشارع الإيراني، وخاصة في السنوات الأخيرة، فلم تنجح السلطات حتى بعد اعتمادها الكامل على العنف والقمع في إنهاء الاحتجاجات، وفشل آية الله “خامنئي”، سواء من خلال تحريضه ضد المتظاهرين أو إنكار مطالبهم وإلقاء اللوم في الاحتجاجات على “العدو”، في تهدئة حالة الاحتجاج المستمر في “الجمهورية الإسلامية”.

فالقاسم المشترك بين كل هذه الاحتجاجات منذ التسعينيات وحتى الآن؛ هو الشعور بعدم الرضا بين الناس، وسوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، لذلك عند إعلان أي قرار حكومي مفاجيء أو أي حدث عارض، يخرج الناس إلى الشوارع بدون تفكير أو تنظيم، مرددين شعارات تحمل الكثير من المطالب ذات السقف العالي، والتي لا يتوقعها المسؤولون في “إيران”.

ومن الممكن المجادلة بأن سبب هذه الاحتجاجات هو سوء الأحوال الاقتصادية وإرجاعها إلى العقوبات التي كانت سببًا في إنهيار الاقتصاد الإيراني أكثر من مرة، وبذلك فإن المسألة خارج قدرة المسؤولين الإيرانيين، لكن حتى لو افترضنا أن السبب هو العقوبات، وبغض النظر عن دور الحكومة في كثير من الأحيان في إثارة غضب الجماهير لأسباب مختلفة، فإن رد فعل السلطة تجاه مظالم الشعب واللجوء إلى العنف جعل الأمور تتفاقم؛ بحسب التقرير البريطاني.

لكن في الوقت نفسه، ومع استمرار الحركة الاحتجاجية الإيرانية، وإنهيار ثقة الشعب في الحكومة والقيادة، وخروج الناس إلى الشوارع في كل مناسبة أو حادثة، بالرغم من علمهم بمقدار العنف الذي يواجهونه، يجب أن يسأل المرء نفسه، لماذا لم تتحول هذه الحركات الاحتجاجية خاصة الكبيرة منها إلى ثورة ؟.. ولماذا لم يستطيع المحتجون الحصول على مطالبهم سواء الاقتصادية أو السياسية ؟.. ولماذا فشل المتظاهرون الإيرانيون في إحداث أي تغيير منذ التسعينيات وحتى الآن ؟..

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة