خاص / واشنطن – كتابات
على الرغم من الهوس الإعلامي والآمال الكبيرة المعولة عليه غربياً، فشل العبادي في بدايةجديدة – تخفف حدة التوترات العرقية والدينية وأخيرا تشكيل الإجماع الوطني الذي يحتاجهالعراق بقوة. هكذا يرى الباحث رانج علاء الدين عبر مقالة نشرها في “معهد بروكينغز” المعروف بين الأوساط السياسية الأمريكية وقيادات في مناطق عدة من العالم.
ويعتقد علاء الدين إن العبادي كان يأمل، أن يحقق نتيجة قوية في أسوأ انتخابات في العراقحتى الآن نتيجة لإقبال الناخبين الضعيف (نسبة 44.5 في المائة وهو أدنى مستوى لها منذعام 2003). فقد كان من المفترض أن تبشر الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت السبت12 أيار/مايو الحالي بفصل جديد للبلاد كي تتقدم نحو استحقاق كبير لمعالجة الفسادالمستشري، وعدم الاستقرار، والانقسام الاجتماعي والسياسي.
ومع إن الانتخابات في بلد واجه العنف والاضطرابات تبدو مؤشراً إيجابياً، لكن “العراق لنيتحول إلى فصل جديد، على الأقل ليس بالطريقة التي تتوقعها الولايات المتحدة: لقد أنتجتالانتخابات فائزًا له تاريخ من العداء للولايات المتحدة: مقتدى الصدر فضلاً عن النتيجة الضعيفة لرئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي وصف في بعض الأحيان في واشنطن بأنه“رجل أمريكا في بغداد“. علاوة على ذلك، ساعدت الانتخابات على تعزيز قوة الحشد الشعبي(التي تقودها مجموعات الميليشيا القوية الموالية لإيران) والذي من المرجح أن يشدد مطالبهبالانسحاب الأمريكي من العراق“.
تحطيم شرعية الديمقراطية !
ويعتبر الباحث علاء الدين ضعف نسبة التصويت “تحطيماً شرعية الديمقراطية التي كانيتمتع بها الطبقة السياسية العراقية منذ عام 2003. ويعد إقبال الناخبين مهماً على وجهالخصوص في غياب سيادة القانون، وفي حالة المؤسسات الضعيفة للمعارضة تعد العمليةالانتخابية في العراق حاسمة بالنسبة لمساءلة الزعماء من قبل المواطن. ويعتبر التصويت منبين الوظائف القليلة للمساءلة التي ما زالت تحت تصرف الجمهور“.
ويشدد الباحث على إن “الانتخابات ليست دواءً لكل داء، فالعراق لا يزال غارقاً في الفسادالمستشري والانقسامات العرقية والطائفية وسط المليشيات التي عززت قبضتها على البلاد فيأعقاب الانتخابات، وعلى حساب مؤسسات الدولة الضعيفة. وهذه ليست هي المقومات التيتجعل البلد الخارج من رماد الحرب أقوى وأكثر وحدةً“.
كانت الآمال هي أن يتمكن العبادي من توجيه العراق إلى الأمام، لكن “ثمة صراعات أخرىبرزت على مدى السنوات الثلاث الماضية، في ظل الحرب على داعش، فهناك الأزمة بين أربيلوبغداد وما ارتكبته الميليشيات الشيعية من فظائع طائفية ضد العرب السنة، فضلا عن عجزالعبادي على أن يصبح رئيس الوزراء الذي يرى فيه العراقيين عابراً للطوائف“.
الصدر يخلط الأوراق
ومع ذلك، فإن الانتخابات العراقية بشرت بفصل جديد لرجل الدين مقتدى الصدر، الذي قدمته إلى ملايين من مؤيديه الشيعة الفقراء الذين فقدوا الثقة في طبقة سياسية هيمنت عليها،وأساءت إدارة الدولة العراقية ومواردها منذ عام 2003، بوصفه منتصراً وقادراً على انقاذهم.
ويذكّر الباحث علاء الدين بماضي الصدر فقد”عرف مقتدى للعديد من الأميركيين والأوروبيينكزعيم لـ “جيش المهدي)“ الذي قاتل قوات التحالف بعد اسقاطها نظام البعث في عام 2003. وعلى يديه أريقت دماء الأمريكيين والبريطانيين. وقاوم بقوة، ولا يزال يقاوم، وجود أميركاونفوذها في العراق والمنطقة. مثلما لعب جيش المهدي دوراً مركزياً في تأجيج الصراع الطائفيفي العراق، وانخرط في أنشطة إجرامية“.
انطلاقا من هذه الصورة للسيد الصدر فقد “قلب انتصاره سياسة أمريكا في العراق رأساًعلى عقب، وتواجه واشنطن الآن أزمة سياسية حادة في بلد استثمرت فيه دماءً كثيرة وثروةًكبيرة. لقد “ركزت السياسة الأمريكية في العراق منذ الحرب على داعش منذ ثلاث سنوات إلىحد كبير على مكافحة الإرهاب وهزيمة داعش. سياسياً، أنفقت الولايات المتحدة أموالاً علىرئيس الوزراء العبادي لاحتواء الجماعات الموالية لإيران وضمان أن لا يتحول العراق أكثر إلىجانب طهران، بل وغضت الطرف عن هجومه العسكري على حلفاء أمريكا لفترة طويلة:الأكراد“.
وفي حين بدا مقتدى الصدر معروفا الآن بمواقفه الوطنية العراقية والمعادية لإيران، لكنه يظلمعادياً لأميركا بشدة. “لقد أثارت حركته العديد من الميليشيات الشيعية التي ارتكبت فظائعضد الأمريكيين والتي تسيطر اليوم على العراق – وكذلك شاركت في الخطوط الأمامية للحربفي سوريا فكانت هذه المجموعات محورية لتأمين بقاء نظام الأسد بالإضافة إلى تعزيز نفوذإيران في المنطقة“.
ضعف العبادي وتصاعد قوة الحشد الشعبي بقيادة الميليشيا القوية الموالية لإيران يعقد الوضع أمام السياسة الأمريكية من جهة، في حين أن فوز الصدر يعقد الأمور بالنسبة لإيرانمن جهة أخرى.
حماقة دعم العبادي !
هذا الوضع كان بحسب الباحث “حصيلة لحماقة دعم العبادي على حساب أصدقاء وحلفاءأميركا فقد حققت إيران أداءً طيباً خلال فترة ولاية العبادي، بعد حصولها على مؤسّسة الحشدالشعبي وحصولها على موارد حكومية عراقية كبيرة. وستكون الآن واثقًةً من الحصول علىما هو أهم من النشاط التجاري: الانسحاب الأمريكي“.
وإذا كانت لدى الولايات المتحدة قصة نجاح في العراق، فعليها المحافظة على تلك القصة “أنتبدأ باتخاذ شركاء على المدى الطويل مثل الأكراد والسنة العرب والفصائل الشيعية المتحالفةمع الولايات المتحدة كأمر مسلم به. وهذا يعني تبني نهج للتدخل بقوة تحاول فيه واشنطنمضاهاة الجهود الشرسة الإيرانية في تشكيل الحكومة عبر استثمار نتائج الانتخابات“.