خاص : كتبت – نشوى الحفني :
رغم التحذيرات الأميركية لـ”تركيا”؛ للتوقف عن شراء منظومة صواريخ (إس-400) الروسية، إلا أن الأخيرة تزداد عندًا، مؤكدة أنها تراعي مصالحها فيما يتعلق بشراء المنظومة، متوقعة تسلم الدفعة الأولى من المنظومة في تموز/يوليو 2019.
وكان الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، أعلن الأربعاء الماضي، أنه قد تتم دراسة شراء منظومة (إس-500) من “روسيا” بعد شراء نظام (إس-400). وقال: “لن نتراجع مطلقًا عن صفقة شراء منظومة (إس-400)؛ للدفاع الصاروخي من روسيا”، حسب وكالة (رويترز).
وكانت اتفاقية توريد (إس-400) إلى “تركيا” قد وقعت، في كانون أول/ديسمبر 2017، في “أنقرة”، وتحصل بموجب هذه الاتفاقية على قرض من “روسيا” لتمويل شرائها جزئيًا.
تهديدات بعواقب وخيمة..
وأثار نبأ تعاقد “تركيا” على شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية حفيظة “واشنطن” التي ترى ضرورة أن تشتري “تركيا” معدات عسكرية من صنع أميركي أو أطلسي لكونها عضوًا في “حلف شمال الأطلسي”، (الناتو)، حيث هددت “الولايات المتحدة” بحرمان “تركيا” من الحصول على طائرات (F35)، في حال اشترت منظومة (إس-400) للدفاع الجوي الروسية، وعرضت عليها التزود بمنظومة (باتريوت) بدلًا منها.
وعبر المتحدث باسم خارجيتها، “روبرت بالادينو”، من أن تزود “تركيا” بالسلاح الروسي سيؤدي إلى عواقب وخيمة، وإعادة النظر في مبيعات أسلحة محتملة أخرى إلى “تركيا” في المستقبل.
إبتزاز أميركي متعلق بالمنطقة الآمنة..
تعليقًا على الموضوع؛ قال “ماجد عزام”، رئيس تحرير صحيفة (المشهد) التركية، من “إسطنبول”، إن إصرار “تركيا” على إنفاذ هذه الصفقة وإتمامها، على الرغم من التحذير الأميركي الأخير، يُعبر عن المضي قدمًا في الصفقة الروسية لأنها تعود إلى العام 2017؛ وهي الآن في مراحلها الأخيرة.
وأضاف “عزام” أن العلاقات “الأميركية-التركية” ستتأثر سلبًا بلا شك بهذا الخلاف الأخير حول الصفقة، بما فيه الملف الخاص بالشمال السوري، ولم يستبعد “عزام” أن يكون ما يحدث نوعًا من الإبتزاز الأميركي لـ”تركيا”؛ فيما يتعلق بالمنطقة الآمنة.
توقعات بتراجع “إردوغان” عن الصفقة..
من جانبه؛ قال الكاتب والمحلل السياسي، الدكتور “نصير العمري”، إن الاعتراض الأميركي على الصفقة، مبعثه تحسن علاقات بعض الحلفاء، (الأتراك)، بالجانب الروسي؛ وهو أمر تراه “واشنطن” نوعًا من التهديد للأمن القومي الأميركي.
أما عن التهديد الأميركي فيتوقع “العمري”؛ أن يصل الأمر بالتهديد إلى “العقوبات الأميركية” على الاقتصاد التركي والتهديد بالملف الكُردي.
متوقعًا أن يتراجع “إردوغان” عن هذه الصفقة، كما تراجع عن خطوات كثيرة قبل ذلك.
مخاوف أميركية..
الخبير الإستراتيجي، العميد “سمير راغب”، قال إن منظومة صورايخ (إس-400) الروسية، تتمتع بالعديد من المزايا منها قدرتها على تدمير كافة أنواع الأهداف الجوية، بما في ذلك الصواريخ المجنحة التي تُحلق بمحاذاة سطح الأرض، والطائرات صغيرة الحجم من دون طيار.
مضيفًا أن امتلاك “تركيا” منظومة (إس-400)، يثير الحفيظة الأميركية لعدد من الأسباب منها: “أن أميركا لن تسلّم تركيا منظومة المقاتلات، (إف-35)، لأنها بذلك ستصبح الدولة الوحيدة في العالم التي تقتني أحدث منظومة دفاع جوي وأحدث منظومة طائرات، وهو ما لن تسمح الولايات المتحدة به”.
مؤكدًا على أن “تركيا”، باعتبارها عضوًا في حلف (الناتو)، تمتلك الآن منظومة الدفاع الجوي الغربية التابعة للحلف، ونظرًا لضرورة الربط والتكامل بين الأنظمة الدفاعية للدولة؛ وفقًا للعلوم العسكرية، فإن الفنيين والخبراء الروس التابعين للمنظومة الروسية سيطّلعون بالضرورة على نظام القيادة والسيطرة في المنظومة الغربية، ما يشكل تهديدًا واضحًا بنقل تقنيات وأسرار مقاتلات (إف-35) للجانب الروسي، وبالتالي يمكن أن تصنع مثيلتها.
خطوة أولى في مسار خروج تركيا من “الناتو”..
من جانبه؛ أكد الخبير بالشأن التركي، “حاتم السيد”، أن شراء “تركيا” منظومة صواريخ (إس-400)، من شأنه أن يحدث ضررًا بالغًا، بالعلاقات “التركية-الأميركية” والعلاقات “التركية-الأوروبية”، والتي تشهد فتورًا مسبقًا على خلفية قضايا عدة، من بينها زعم “تركيا” بتخاذل “الاتحاد الأوروبي” تجاه أزمة الانقلاب، واستمرار الدعم الأميركي للأكراد في “سوريا”، وقضية القس الأميركي، “برانسون”، الذي تحتجزه “تركيا”.
وأوضح أن الصفقة ربما تُعتبر الخطوة الأولى في مسار خروج “تركيا” من “حلف شمال الأطلسي”، (الناتو)، الأمر الذي سيضطرها إلى التقرب من حلفاء ينتمون إلى الجانب الشرقي المتمثل في “روسيا” و”الصين” و”إيران”، واللذين وصفهم بـ”الحلفاء غير مأمونين العواقب”.
تضع نفسها في منطقة وسط بين المعسكرين..
فيما ترى الباحثة في الشؤون التركية والكُردية، الدكتورة “هدى رزق”، وجود عدة أسباب لاعتراض “الولايات المتحدة” على الصفقة، إلا أن االسبب الرئيس هو أن “الولايات المتحدة” ترى “تركيا” عضوًا في حلف (الناتو)، وتعتقد أنها لا يتوجب عليها أن تشتري أسلحة روسية.
وتقول حول ذلك: تعتقد “الولايات المتحدة” بأن “تركيا” هي جزء من المنظومة السياسية والعسكرية لحلف (الناتو)، وبمجرد شراء “تركيا” لهذا السلاح فهذا يعني أن “تركيا” تضع نفسها في منطقة وسط، بين معسكر حلف (الناتو) وبين الجهة الأخرى، والتي هي “روسيا” و”الصين”، وهذا يعني أن “تركيا” ترغب بتشكيل منظومة مستقلة لنفسها، وهذا يزعج “الولايات المتحدة”.
وتؤكد الباحثة على أن “الولايات المتحدة” لديها شكوك في أن منظومة (إس-400) قد تمتلك تكنولوجية يمكنها التجسس على طائرة (F35)، وهذا يدفع إلى الإعتقاد بأن “الولايات المتحدة” غير واثقة بقدرة طائرتها على التفوق على منظومة الصواريخ الروسية.
وتضيف “رزق”: تركيا ترى بأن “الولايات المتحدة” هي من دفعتها إلى الخروج من منظومة حلف (الناتو)، بدعمها لـ”وحدات الحماية” الكُردية، وبدعمها للمحور “السعودي-الإماراتي-المصري”، و”تركيا” اليوم تصنع أسلحة وتريد أن تدخل في هذا المضمار، وهي ترغب بأن تكون أحد المصنعين وأن تكون بارزة في هذا المجال، وتنوع مصادر الشراء من مختلف الدول، ولأنها تستعشر وجود تغييرات على الصعيد الدولي، فهي تفتش عن موقع لها، وهي ترى أن هذا الموقع يجب أن يكون بين الشرق والغرب، وعلاقتها تتحدد على أساس مصالحها فقط.
وتوكد باحثة الشأن التركي؛ على أن الصفقة لن يتم إلغائها: إذا أعرضت “تركيا” فأنها ستفقد ثقة “روسيا” بها، وهذا ما لا تريده، لوجود مصالح سياسية واقتصادية مع الروس، وهي لن تعرض عن إتمام الصفقة حتى لو رفضت “الولايات المتحدة” تزويدها بالطائرات.
محاولة لتقويض التقارب “التركي-الروسي”..
وقال خبير المعهد الروسي للدراسات الإستراتيجية، “فلاديمير فيتين”، حول الضغوط الأميركية على “تركيا”: هذا هو المبدأ الأساس للسياسة الأميركية، أن تملي على كل الدول ما يعتقدون أنه صحيح، أو ما يخدم مصالح “الولايات المتحدة”، وأجندتهم العالمية هي معارضة “روسيا” الدائمة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في الملف السوري.
ويتابع بالقول؛ أن الأميركيون يرمون بآخر أوراقهم على الطاولة، إذا لم تتخلى “تركيا” عن (إس-400)، “فإننا لن نزودك بنظام (باتريوت) ومقاتلات (F-35)”، وإسهام الشركات التركية في إنتاج هذه المقاتلات أصبح قيد الدراسة، في محاولة لتقييد الأتراك قدر الإمكان، وهذا وضع صعب بالتأكيد بالنسبة للقيادة التركية، لكن عليهم إتخاذ قرارات صعبة من حيث المبدأ.
ويضيف أن تقوية العلاقات “التركية-الروسية” تتعارض مع المصالح الأميركية، ولذلك يحاولون القيام بكل شيء حتى يتم تقويض هذا التقارب، وإحدى القضايا الرئيسة في مفاوضاتنا مع “تركيا” في الآونة الأخيرة هي الاتفاق على توريد أنظمة (إس-400)، حيث يحاول الأميركيون بكل الطرق الممكنة تعطيل هذه الصفقة، ومع ذلك “تركيا”؛ وعلى الرغم من الضغوط القوية، أكدت أن الصفقة ستتم.
وتعتبر طائرة (F-35) من أحدث الطائرات في الجيش الأميركي، وهي قاذفة قنابل متعددة الاستعمالات من “الجيل الخامس”، وترغب “تركيا” بالحصول على 100 طائرة منها، وسيتم تسليم أول طائرة منها عام 2020، وكانت “تركيا” قد تسلمت طائرتين منها في “الولايات المتحدة”، ليتم تدريب الطيارين الأتراك عليها.
وفي 19 حزيران/يونيو 2019، من المنتظر أن ينظر مجلس الشيوخ في “الكونغرس” الأميركي مشروع قانون ميزانية “البنتاغون” للسنة المالية 2019، ووفقًا لهذا القانون، فإن “وزارة الدفاع” محرومة من فرصة الموافقة على تسليم الأسلحة الأميركية إلى “تركيا”، ولا سيما طائرة (F-35)، في حال إقتناء “أنقرة” لصواريخ (إس-400) الروسية.