خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في رحلة استغرقت الثمان ساعات فقط، إلا أنها أثبتت صحة التصريحات التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي، “بنيامين نتانياهو”، في الفترة الأخيرة؛ عن التقارب الإسرائيلي مع العديد من الدول العربية والإفريقية، بل وسعي هذه الدول إلى التطبيع معها.. ففي زيارة هي الأولى من نوعها، بعد أن تجمدت العلاقات، منذ عام 1972، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي، “تشاد”، أمس الأحد، 20 كانون ثان/يناير 2019.
مدلول خاص..
عن زيارته؛ قال “نتانياهو”، إنه أخبر الرئيس التشادي، “ديبي”، أن زيارته إلى دولة “تشاد” لها مدلول خاص، لكونها دولة ذات أغلبية إسلامية تسعى لإقامة علاقات مع “إسرائيل”.
وكتب “نتانياهو”، على (تويتر)، أمس: “قلت للرئيس التشادي، إن هناك دلالة خاصة في كون تشاد دولة ذات أغلبية إسلامية تسعى إلى إقامة أواصر الصداقة مع إسرائيل”، مضيفًا أن: “هناك دول عديدة مثل هذه الدولة، أؤمن بمستقبلكم، وأؤمن بمستقبلنا، كما أؤمن أيضًا بمستقبل الصداقة، التي تجمعنا”.
وسجل “نتانياهو”، في تدوينة أخرى: “إسرائيل تدخل إلى العالم الإسلامي، وهذه هي نتيجة عمل مكثف قمنا به على مدار السنوات الأخيرة. نحن نصنع التاريخ ونحول إسرائيل إلى قوة عالمية صاعدة، وهو اختراق دبلوماسي وتاريخي هام”.
وأضاف أن: “هناك من حاول تخريب هذه الزيارة وزيارات أخرى، ولكنه فشل، ونواصل المضي قُدمًا في طريقنا إلى قمة الجبل، إلى قمم جديدة”.
استئناف العلاقات الدبلوماسية..
وفي تدوينة سابقة، قال “نتانياهو”: “نُعلن اليوم عن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع تشاد، وهي دولة عملاقة الحجم تقع في قلب إفريقيا، وندخل إلى العالم الإسلامي ويتم استقبالنا هنا بكل حفاوة واحترام مثلما استقبلنا بكل احترام الرئيس ديبي في إسرائيل”.
واتفق “نتانياهو”، مع الرئيس التشادي، على تجديد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بعد إنقطاع منذ سبعينيات القرن الماضي.
وكانت عدة دول إفريقية قد قطعت علاقاتها مع “إسرائيل”، بضغط من البلدان الإفريقية المسلمة، إثر حرب 1967، ثم حرب تشرين أول/أكتوبر 1973.
وعرضت “إسرائيل”، في السنوات الماضية، إمكانية التعاون في مجالات عدة، تتراوح من الأمن إلى التكنولوجيا؛ مرورًا بالزراعة، سعيًا إلى تطوير علاقاتها في القارة الإفريقية.
“حائط الصد العربي”.. ضعيف !
تعليقًا على الزيارة؛ قالت الدكتورة “أماني الطويل”، مدير البرنامج الإفريقي بـ”مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية”، إن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، “نتانياهو”، لتشاد، متوقعة في ظل الاختراق الإسرائيلي لبعض الدول العربية.
مضيفةً أن “حائط الصد العربي”، أمام “إسرائيل”، بدأ يضُعف؛ مما ساعد على اختراقها، و”نتانياهو” يحتاج لضبط الوضع في الداخل الإسرائيلي بمكاسب سياسية.
وأوضحت، أن “تشاد تحتاج إلى حماية حدودها ونظامها السياسي ودعم أمني مباشر من إسرائيل، وأن الدوافع الاقتصادية والسياسية وراء تقوية العلاقات بين الدولتين”.
تعمل على بتر أطراف العالم العربي..
وقالت المتخصصة في الشأن الإفريقي، “أسماء الحسيني”، إن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، “بنيامين نتانياهو”، إلى “تشاد”، لها هدف دبلوماسي تسعى إليه “إسرائيل” بتعزيز العلاقات مع الدول الإفريقية، بكسب الأصوات في “مجلس الأمن” وبـ”الجمعية العامة للأمم المتحدة” وفي المنظمات الدولية.
وأضافت أن؛ “إسرائيل” تحقق أكثر من نتيجة بعلاقاتها بالدول الإفريقية، مؤكدة على أن ما حدث من زيارة “نتانياهو” لـ”تشاد”، هو اختراق خطير، خاصة أن “تشاد” في وسط وغرب إفريقيا ودولة كبيرة ذات أغلبية مسلمة، وتحدها شمالاً “ليبيا”، ومن الشرق “السودان”.
وأوضحت “الحسيني”؛ أن الرئيس التشادي زار “إسرائيل”، في تشرين ثان/نوفمبر الماضي، وأعلن أنه لن يدخر جهدًا لتطبيع العلاقة بين “تل أبيب” و”الخرطوم”، وهو ما يعني أن الحديث عن الاختراق والتطبيع ليس عن “تشاد” فقط؛ وإنما عن مصالح أخرى عديدة لـ”إسرائيل” في المنطقة، ورأت أن “إسرائيل” تضع عينها على “السودان وليبيا ومصر”، وتعمل على بتر أطراف العالم العربي.
للحد من التأييد الإفريقي للفلسطينيين..
ورأى “محمد السيد”، الخبير في الشأن الإسرائيلي، إن “نتانياهو” يسعى “منذ فترة؛ إلى محاولة التقرب من الدول الإفريقية عبر تعزيز العلاقات معها واستئناف العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي جمدت علاقاتها في سنوات السبعينيات، وذلك من أجل الحد من التأييد الإفريقي للفلسطينيين في المؤسسات الدولية”.
مضيفًا أن “إسرائيل” تريد التغلغل في “قارة إفريقيا”، مستغلاً في ذلك التأييد الأميركي والإنشغال العربي وانقسام الفلسطينيين داخليًا.
وأشار “السيد” إلى أن العلاقات الإسرائيلية مع إفريقيا تفتح أسواقًا جديدة للصناعات الإسرائيلية، خاصة الأمنية، موضحًا أن “الشركات الإسرائيلية كانت موجودة منذ فترة في الأسواق الإفريقية، ولكن بأسماء غربية، وبلا شك فإن توثيق العلاقات السياسية لإسرائيل مع هذه الدول سيمكّن الشركات الإسرائيلية من العمل رسميًا، وهو ما سيوسع من نطاق نشاطها”.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد قالت إن؛ “نتانياهو” يسعى إلى التوصل إلى اتفاق مع رئيس “تشاد” على فتح الأجواء في بلاده للطائرات الإسرائيلية، بما يختصر فترة طيرانها إلى “أميركا اللاتينية”.
يوظف الاتصالات السياسية لصالحه..
ومع إقتراب الانتخابات العامة الإسرائيلية، في التاسع من شهر نيسان/إبريل القادم، فإن “نتانياهو” يوظف هذه الاتصالات السياسية لصالحه.
ولفت “السيد” إلى أن “نتانياهو” كثف، في الآونة الأخيرة، من اتصالاته السياسية على مستويات متعددة، وهو يستفيد من حديث وسائل الإعلام الإسرائيلية عن إنجازات اتصالاته الخارجية، لأنها تصرف الأنظار عن الاتهامات الموجهة إليه محليًا بالفساد.
تشاد تشعر بإنكشاف إستراتيجي..
ورأى الكاتب الصحافي، “إيهاب شوقي”، في موقع (المنار)، أنه بمقاييس الفتح الإستراتيجي، لا تُعد الزيارة فتحًا، فقد كانت المبادرة تشادية بالأساس، نظرًا لوضع تشادي يتعلق بالواقع الجيوسياسي من جهة، وبالوضع السياسي للرئيس، “إدريس ديبي”، من جهة أخرى.
حيث أنه، فيما يتعلق بواقع “تشاد” ومحيطها، فإنها تشعر بإنكشاف إستراتيجي، بعد زوال نظام “معمر القذافي”، جارها الشمالي، وبعد الزلازل المتلاحقة التي تهز عرش “عمر البشير”، جارها الشرقي، وبعد أن أحيطت بجبهات تكفيرية على حدودها في “النيغر” و”نيغيريا” و”الكاميرون”، إضافة إلى جبهات تشادية منشقة لا يعترف بها النظام التشادي، مثل “المجلس الديمقراطي الثوري”، (CDR)، و”جبهة تشاد للتحرير الوطني”، (FROL – INAT)، التي تتمركز في “الجزائر”، و”جبهة تشاد الوطنية”، (FNT)، التي تتمركز في “السودان”، و”حركة الديمقراطية للتنمية”، (MDD)، و”جيش المقاومة ضد القوات المناهضة للديمقراطية”، (RAFAD)، ويتمركز في “شمال نيغيريا”، و”اتحاد القوى الديمقراطية”، (UFD).
مضيفًا أن “تشاد” لا تجد مظلة جامعة يمكنها الإحتماء بها، لا عربية جارة، ولا إسلامية، فبدأت بالبحث عن مظلات أخرى، قد توفر لها الدعم الغربي، وتمدها باحتياجات البقاء على مستوى الاقتصاد، وعلى مستوى السلاح، وخاصة الأسلحة القذرة الإسرائيلية.
مأزوم داخليًا..
وأوضح أنه فيما يتعلق بالرئيس، “ديبي”، فهو مأزوم داخليًا، بفعل الفقر الذي تتخطى نسبه 60%، رغم دخول “البترول”، كعامل مستحدث في الاقتصاد التشادي، إلا أن عوائده تُنفق على الأسلحة، وهو ما سبب توترًا بينها وبين “البنك الدولي”، والذي انسحب، في العام 2008، من تمويل استثمارات نفطية بسبب توجه العوائد لمصارف أخرى مخالفة لإشتراطاته.
وكذلك بسبب أزمة ديمقراطية، حيث يحكم “ديبي” فعليًا، منذ عام 1990، بمساعدة فرنسية، وتولى رسميًا، عام 1996، الحكم وقام بتعديل الدستور للتمديد لنفسه، ومؤخرًا أجريت تعديلات دستورية للانتقال إلى “نظام رئاسي شامل”، يمكّن الرئيس، “إدريس ديبي”، من البقاء رئيسًا حتى العام 2033، وهو أمر ترفضه المعارضة في البلاد.
ولا تزال ذاكرة “تشاد” تحمل ذكرى حصار المعارضة لقصره وعرض “فرنسا” باللجوء إليها كمنفى، ثم مساعدة سلاح الجو الفرنسي لقوات تابعة لـ”ديبي” على فك الحصار وتمكينه من السلطة.
احتياجات تشاد من إسرائيل..
فيرى “شوقي” أنه؛ من هنا يمكننا أن نرى حاجة “تشاد”، للعدو الإسرائيلي، والتي تتلخص فيما يلي :
1 – الأسلحة؛ ولا سيما القذرة منها، لمواجهة الخصوم وحركات التمرد.
2 – جسر للغرب ومؤسساته الدولية؛ بديلاً عن المظلات المتداعية مثل “الاتحاد الإفريقي” و”منظمات الوحدة الإسلامية”، و”الجامعة العربية”؛ التي كانت تُشكل مظلة لدول إسلامية وإفريقية في عهود التحرر الوطني.
3 – المساعدات الإسرائيلية في المجالات التكنولوجية؛ ولا سيما ما يتعلق بالمياه، نظرًا لكون “تشاد” بلدًا زراعيًا يعاني من مشكلة في المياه.
احتياجات ومكاسب تل أبيب..
أما على الجانب الإسرائيلي؛ فتتمثل الاحتياجات والمكاسب، بحسب “شوقي” :
1 – مكاسب سياسية معنوية؛ تساند “نتانياهو” في أزمته الداخلية.
2 – نزع البُعد الإسلامي عن “القضية الفلسطينية”، والتي كانت تستند إلى بعديها العروبي والإسلامي، وذلك بفرط عقد الإجماع الإسلامي على مقاطعة العدو الإسرائيلي، خاصة وأن “تشاد” يمكن أن يعقبها، ولأسباب مشابهة، دول مثل “النيغر” و”مالي”.
3 – العمل بالوكالة لصالح “أميركا” في إطار التنافس “الفرنسي-الأميركي” على ثروات القارة، خاصة أن “تشاد” تتمتع ببعض الثروات المعدنية، مثل “البترول”، الذي بدأ تصديره عام 2003، وهناك مخزون هائل من “الذهب والحديد واليورانيوم والزنك والرخام”، والذي لم تستفد منه الدولة حتى الآن.
تطبيع الدول الإسلامية..
وأوضح “شوقي” أن كل هذا لم يكن ليحدث، لولا تخلي الوكلاء الأصليين عن “فلسطين” وقضيتها، ودولة إسلامية كبرى، مثل “السعودية”، بممارساتها التطبيعية، كسرت حاجز الحرج وفتحت المجال لرؤساء فاسدين ومعتمدين كليًا على الغرب، لإعادة العلاقات مع العدو، في مفارقة سخيفة تاريخيًا، فحواها أنه في لحظات ضعف إستراتيجية غير مسبوقة، لا تحتاج إلا لتضافر “عربي-إسلامي” لإلحاق الهزيمة به واستعادة الحقوق، بينما الحاصل هو تقديم العون له ومواجهة قوى المقاومة والتحرير وحصارها بدلاً من حصار العدو، لافتًا إلى أن “إسرائيل” تدرك جيدًا أن هذا ليس فتحًا إستراتيجيًا، وأن الأوضاع قابلة للعودة لـ”مرحلة التحرر الوطني”، ولا سيما وأن الأنظمة التي تعتمد عليها تتميز بالهشاشة وبمعاداة شعوبها، وأن الحلقة الخارجية للأمن القومي؛ لا قيمة لها مع تخلخل وخرق الحلقة الأولى المحيطة بها، بينما لا تدرك الأنظمة الإفريقية والعربية والإسلامية، التي تساند العدو، هذه الحقيقة وتراهن دومًا على السراب الإستراتيجي !
التقارب الإسرائيلي مع إفريقيا..
وكان تقارب “إسرائيل” مع “إفريقيا”؛ في صلب سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، منذ أواسط عام 2016.
وقال “نتانياهو”، آنذاك، إن: “إسرائيل تعود إلى إفريقيا، وإفريقيا تعود إلى إسرائيل”، لافتًا إلى أن أحد أهدافه هو “كسر التأييد الأتوماتيكي لدور إفريقيا للفلسطينيين في مؤسسات الأمم المتحدة”.
ومنذ ذلك الحين؛ فإن تصويت الدول الإفريقية في مؤسسات “الأمم المتحدة” لا تعكس تغييرًا في الموقف تجاه الفلسطينيين، وهو ما دفع “نتانياهو” للقول، العام الماضي، إن: “الأمر سيستغرق عدة سنوات”.
وقام “نتانياهو”، منذ أواسط عام 2016، بـ 4 زيارات إلى إفريقيا، حيث كانت الأولى، في تموز/يوليو 2018، وشملت “أوغندا، وكينيا، ورواندا وإثيوبيا”، وفي حزيران/يونيو 2017؛ زار “ليبيريا”، أما في تشرين ثان/نوفمبر الماضي؛ فقد زار “كينيا”، حيث تُعد زيارته الحالية الرابعة.
وكان “نتايناهو” يأمل في عقد قمة “إسرائيلية-إفريقية”، في نهاية عام 2017، غير أن الجهود الدبلوماسية الفلسطينية والعربية أدت إلى إفشال عقد القمة.
وباتت “تشاد”، بهذه الزيارة، الدولة الإفريقية الثانية التي تستأنف علاقاتها مع “إسرائيل” منذ بدء تحرك “نتانياهو” في إفريقيا، إذ تم، في تموز/يوليو 2016، الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع “كينيا”.
وتطلب “إسرائيل”، من الدول الإفريقية، دعمها سياسيًا في مؤسسات “الأمم المتحدة”، بالمقابل فإنها تعدها بمساعدات في مجال الزراعة والمياه والتكنولوجيا.
وتقول وسائل إعلام إسرائيلية؛ إن دولاً إفريقية تشتري السلاح من “إسرائيل”، لكن دون كشف موثق عن صفقات الأسلحة هذه لرفض “وزارة الدفاع الإسرائيلية”؛ الإعلان عنها.
حيث قال موقع (تايمز أوف إسرائيل)، أمس، إنه: “يتوقع إبرام اتفاقيات سلاح في تشاد، ولهذا الصدد فإنه يرافق نتانياهو وفد من وزارتي المالية والدفاع”.