خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة ينتظرها العراقيون بفارغ الصبر، أعلن وزير الداخلية العراقي؛ “عبدالأمير الشمري”، الخميس الماضي، عن وضع “خطة استراتيجية” لحصر السلاح بيد الدولة، داعيًا إلى تسّجيل الأسلحة الخفيفة بمراكز الشرطة، وفقًا لما ذكرت وكالة الأنباء الرسمية؛ (واع).
وأوضح “الشمري”؛ في تصريحات صحافية: “جرى عقد اجتماع موسع للجنة العُليا لحصر السلاح بيد الدولة، بحضور المحافظين وقادة الشرطة؛ وكذلك قادة العمليات في المحافظات”.
وبيّن أن: “الاجتماع ناقش الخطة الاستراتيجية لسّحب وضبط السلاح بيد الدولة”.
ولفت إلى أن: “الاجتماع ناقش الكثير من المواضيع المهمة التي تُعاني منها الدولة لحصر السلاح، منها الجوانب الإعلامية والجوانب القانونية؛ بالإضافة إلى الجوانب الإدارية”.
وشدّد الوزير العراقي على أن: “عملية اقتناء السلاح المتوسط والثقيل من قبل المواطنين؛ سوف يُعرضهم إلى مساءلة قانونية”، داعيًا الجمهور إلى تسّجيل الأسلحة الخفيفة في مراكز الشرطة.
فتح قاعدة بيانات لتسّجيل الأسلحة..
وأشار إلى: “فتح قاعدة بيانات لتسّجيل الأسلحة في مراكز الشرطة لكي لا يتعرض صاحبها إلى مساءلة أو مصادرة للسلاح”، لافتًا إلى: “المضي بتنفيذ الخطة الاستراتيجية”؛ وبالبدء: بـ”عمليات تفتيش ومصادرة للأسلحة غير المسّجلة”.
وكان “الشمري” قد أعلن؛ أواخر آذار/مارس الماضي، عن منح 04 فئات مجتمعية إجازات حيازة وحمل السلاح الناري، وشمل القرار المقاولين والتجار وصاغة الذهب وأصحاب محلات الصرافة، بحسّب وسائل إعلام محلية.
إعلان “وزارة الداخلية” عزمها حصر السلاح بيد الدولة، يفتح الباب على مدى سطوة السلاح المنفلت في البلاد، وتحكّمه بمصير القرارات المهمة، وما نتج عنه من انقسامات حادة داخل المجتمع، لاسيما بعد أن بات سلاح العشائر جزءًا من ذلك الانفلات، بل يُتّهم أيضًا بالانحياز إلى جهات سياسية معينة.
التدفق عبر السوق السوداء..
ويرجع سبب انتشار الأسلحة المتنوعة في المجتمع، لتدفّقها إلى السوق السوداء عّبر جهات عدة، وبالتالي تدفقها إلى أشخاص أو عشائر بأكملها، إضافة إلى تسّليح بعض العشائر لأسباب مختلفة، منها مقاتلة الإرهاب، فيما بعضها يذهب إلى الأيادي الخطأ، أو للنزاع مع عشائر أخرى.
الأمر الذي حوّل من مدن بأكملها إلى جبهات قتال تستمر المعارك فيها لأيام، وهو ما سلّط الضوء على مدى قدرة وفعالية السلاح المنفلت الذي في أكثر من مناسبة قالت الحكومات العراقية المتعاقبة، أنها عازمة على حصره بيد الدولة دون أن تتمكن في ذلك ولو بجزءٍ قليل.
بشرط الدعم الشعبي والتدخل الأميركي..
ويشترط خبير عسكري عراقي، في تعليقه لموقع (سكاي نيوز عربية)؛ على جدوى الخطة الحكومية الجديدة، لنجاحها توفر دعم شعبي، وكذلك تدخل أميركي، نظرًا لضخامة ترسانة الأسلحة التي تمتلكها فصائل وعشائر، وتفوق ما بيد الشرطة نفسها.
ويأمل الخبير العسكري العراقي؛ “علاء النشوع”، خيرًا في المبادرة، خاصة إذا ما حصلت على دعم داخلي، وكذلك خارجي من “الولايات المتحدة” و”التحالف الدولي” لمكافحة الإرهاب.
إلا أنه يرى صعوبة في الحصول على هذا الدعم بالشكل اللازم؛ لأنه بتعبيره: “القضية أكبر مما نتصور، وحتى السيد الوزير يعلم جيدًا أن الاستراتيجية التي يضعها صعبة التنفيذ لأسباب كثيرة، منها سياسي وأمني واجتماعي (عشائري)، بجانب التأثيرات الخارجية متمثلة في الجانب الإيراني”.
موقف محرج عند المواجهة..
مضيفًا أنه بالنسبة إلى الفصائل المسّلحة تمتلك أسلحة تتفوق حتى على ألوية وفرق الشرطة الاتحادية؛ وبذلك سيكون موقف وزير الداخلية محرجًا عند المواجهة، إلا إذا حصل على إسناد أميركي ودولي في نزع أسّلحة هذه الفصائل بالقوة والتهديد المباشر.
أما العشائر؛ والتي تمتلك أسلحة خفيفة ومتوسطة وبعضها ثقيلة، أعتقد أن كمية ما لديها مجهول، لا يمكن حصره؛ لأنه تتعدد لديها أماكن الإخفاء، خاصة في المحافظات الجنوبية التي تكثر فيها النزاعات العشائرية.
بجانب هؤلاء وهؤلاء، يوجد تجار المخدرات الذين يمتلكون أسلحة لحماية تجارتهم وتنقلها عبر الحدود، ومرورها إلى العمق.
أما المناطق الغربية والشمالية؛ فتكاد تخلو من الأسلحة الثقيلة وحتى المتوسطة؛ لأن الفصائل المسّلحة تُسّيطر عليها، وتمنع وجود هذا المستوى من الأسلحة عند غيرها؛ حتى لا يكون مصدر تهديد لها، ولا توجد هذه الأسلحة إلا عند حراسات الشخصيات السياسية والأمنية.
ويحتاج نزع السلاح إلى أن تسّبقه حملات توعية واسعة، ترسّخ مفهوم سّيادة الدولة، وفكرة أن الأمن الوطني هو مسؤولية كل مواطن، فإن حدث هذا، أمكن تعاون الشعب مع المسؤولين في هذه المهمة الكبيرة.
قرارات “وزارة الداخلية” لتقنيّن حيازة السلاح..
وخلال العام الجاري؛ اتخذت “وزارة الداخلية” قرارات عدة، بشأن تقنيّن وتقليص تراخيص حيازة الأسلحة، بعد انتشارها بشكلٍ كبير وملحوظ، وزادت من عملياتها الأمنية لضبط كميات كبيرة من الأسلحة غير المرخصة، وضبطت كميات كبيرة من السلاح، متوزعة ما بين الخفيف والمتوسط، مع لوازم أخرى مثل المناظير وغيرها، لكن مع ذلك لم يؤثر هذا في معادلة السلاح المنفلت الذي بقي يفرض نفوذه على الجميع في البلاد.
إلى جانب السلاح الذي تمتلكه الفصائل المسّلحة الشيعية والتي ينضوي أغلبها في هيئة (الحشد الشعبي)، تبرز معادلة السلاح العشائري الذي بات يُمثل تهديدًا آخرًا إلى سلطة الدولة واستقرارها، وهو ما اعتبره البعض تخادمًا ما بين بعض شيوخ العشائر الذين يسّعون إلى السلطة والمنفعة الشخصية، ومع أطراف سياسية وجهات ميليشياوية تستخدمهم كبطانة مجتمعية تحمي مصالحهم في المناطق ذات النفوذ والمصلحة الحزبية.
تحديات اجتماعية..
ذلك عّزز الانقسامات والتجاذبات المجتمعية بشكلٍ غير مسّبوق، لسبب أن السلاح المنفلت في إطار المفهوم الأمني والعسكري؛ هو وقوع السلاح بكل أنواعه بأيدي غير مسؤولة قانونيًا ولا تخضع إلى ضوابط وشروط الاستخدام ضمن مؤسسات الدولة بكل مفاصلها ومستوياتها من أعلى منصب إلى الأدنى، وبالعكس، كما يُبيّن “نشوع”.
وأشار “النشوع” أيضًا، إلى أن الدولة تُعتبر هي الراعي الأول في فرض وتقويم وتنفيذ متطلبات الأمن الوطني وتحقيق السّلم المجتمعي بقوة سّيادتها الذي يعتبر السلاح أحد أهم مقوماتها في فرض سلطتها القانونية والقضائية، وأن أي خلل في هذا الموضوع سيؤدي إلى الانتقال لمرحلة عدم الاستقرار والفوضى، لهذا أن التعامل مع السلاح بالنسّبة للدولة فيه من المحاذير التي قد تودي لسوء الاستخدام، أو وقوع السلاح بأيدي ليس لها صلة بمؤسسات الدولة، بما في ذلك ما يمكن أن يُصدر من اجتهادات شخصية من قبل بعض المسؤولين في موضع ما، وهو ما شكّله حقيقة السلاح المنفلت الذي دمّر “العراق” والكثير من مفاهيمه المجتمعية والمهنية وحتى السياسية والاقتصادية.
معضلة أمام الحكومات السابقة..
يُشار إلى أن قضية السلاح المنفلت في “العراق”، شكلت طيلة السنوات الماضية معضلة كبيرة وتحديات أمام أي رئيس وزراء يتسّلم رئاسة الحكومة العراقية في حصره بيد الدولة، حيث أحرجت الفصائل المسّلحة الحكومات السابقة، لاسيما حكومة “مصطفى الكاظمي”؛ التي سبقت الحكومة الحالية، عندما استعرضت قوة عسكرية أمام أنظارها في “المنطقة الخضراء”؛ معقل الحكومة والبعثات الدبلوماسية بـ”بغداد”، احتجاجًا على اعتقال أحد قادتهم المتّهم بجريمة اغتيال.
تلك الفصائل تُمثل دولة عميقة داخل الدولة في “العراق”، وتمتلك قدرات اقتصادية ومالية وسياسية، ولديها مصانع للسلاح والصواريخ والطائرات المُسيّرة داخل بعض المناطق في البلاد، وتتلقى التدريب والتسّليح والدعم المالي من “إيران”، ما منح “طهران” نفوذًا واسعًا داخل الأراضي العراقية.
71 ميليشيا تحتوي على 135 ألف عنصر نشط..
الجدير بالذكر؛ أن ثمة: 71 ميليشيا رئيسة تنشط في “العراق”، ويبلغ مجموع عناصرها أكثر من: 135 ألف عنصر مسّلح ينتشرون على طول خريطة بلاد الرافدين، وتُمّارس نشاطات أمنية وأخرى اقتصادية وسياسية.
هذه المجموعات التي تُصنّف موالية أو حليفة لـ”إيران” في “العراق”، تُعدّ كأبرز الوحدات المسّلحة غير النظامية في البلاد، والتي يمتلك قسم كبير منها أجنحة سياسة مُنحت ترخيصًا خلال السنوات الأخيرة بخاصة ما بعد 2014، وهو ما عزّز موقف السلاح المنفلت الضاغط على كل مفاصل الحياة بشكلٍ كبير.