لعبة كّرٍ وفر .. الرهان الإيراني أمام “واشنطن” و”الدولية للطاقة الذرية” !

لعبة كّرٍ وفر .. الرهان الإيراني أمام “واشنطن” و”الدولية للطاقة الذرية” !

وكالات – كتابات :

تصاعدت الأزمة النووية بين “الجمهورية الإسلامية الإيرانية” و”الولايات المتحدة” والغرب مرةً أخرى بشكلٍ مباغتٍ في الأيام القليلة الماضية، مما يُشير إلى تدهورٍ جديدٍ في علاقة “طهران” بالغرب، وتصعيد محتمل في المستقبل القريب.

فقد أعلن “محمد إسلامي”، رئيس “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية”؛ في التاسع من حزيران/يونيو 2022، في لقاءٍ متلفزٍ، أُذيع على التلفزيون الحكومي الإيراني، أن بلاده قررت وقف تشغيل كاميرات المراقبة التابعة لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” في إحدى منشآتها النووية، في تطورٍ جديدٍ يُضاف إلى قائمة التطورات المتلاحقة التي تمر بها القضية النووية الإيرانية؛ منذ آيار/مايو 2018، عندما انسحبت إدارة الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترامب”، من “الاتفاق النووي” الإيراني لعام 2015، أو ما يُعرف رسميًّا: بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”.

ماذا حدث ؟

في خطوةٍ تصعيديةٍ، صوَّت مجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، يوم الخميس 09 حزيران/يونيو 2022، بإلقاء اللوم، وإعلان قرار شديد اللهجة ضد “إيران”، بزعم عدم التعاون من الجانب الإيراني بشأن الإجابة عن أسئلة “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، فيما يخص وجود آثار لـ (اليورانيوم) في ثلاثة مواقع نووية غير معلن عنها من جانب “طهران”.

وتُجدر الإشارة هنا، إلى أن “رافائيل غروسي”، المدير العام لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، سافر في آذار/مارس 2022، للقاء “محمد إسلامي”، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، للتباحث حول هذه المسألة، وقد اتفق الطرفان آنذاك على التوصل إلى إطار عمل، توفر “طهران” من خلاله الإجابات اللازمة لأسئلة الوكالة حول آثار (اليورانيوم)، لكن في نهاية شهر آيار/مايو 2022، صرح “رافائيل غروسي”؛ بأن: “إيران لم تقدم إجابات ذات مصداقية من الناحية التقنية والفنية”.

ويمكن القول إن هذا التصريح كان هو السبب في القرار الأخير الذي جرى اتخاذه ضد “إيران” من قبل مجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”؛ إذ صوتت: 30 دولة بالتأييد على مشروع القرار شديد اللهجة الذي قدمته كلٌّ من “الولايات المتحدة”، والدول الأوروبية الثلاثة الموقعة على “الاتفاق النووي”؛ (ألمانيا، فرنسا، إنكلترا)، في 03 حزيران/يونيو 2022، بينما صوتت كلٌّ من “الصين وروسيا” ضد القرار، وامتنعت: “باكستان، والهند وليبيا” عن التصويت.

في المقابل، ردت “الجمهورية الإسلامية الإيرانية” على قرار مجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، باتخاذ “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية”، قرارًا بإغلاق كاميرات المراقبة التابعة لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، في بعض المواقع النووية الإيرانية.

ووفقًا لـ”رافائيل غروسي”، المدير العام لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، فإن “إيران” قررت إيقاف تشغيل نحو: 27 كاميرا مثبتة في مراكز التخصيب الإيرانية، وستبقى: 40 كاميرا فقط قيد العمل؛ لكن “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية” قالت إن الكاميرات التي جرى إيقاف تشغيلها لا تتخطى: 17 كاميرا، وأن: 80% من كاميرات “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” ما زالت تعمل داخل المنشآت النووية الإيرانية.

مسؤول في “منظمة الطاقة الذرية الايرانية”، تحدث إلى (الغارديان)؛ مفضلًا عدم الكشف عن هويته، قائلًا إن: “الكاميرات التي جرى إيقاف تشغيلها، هي كاميرات إضافية غير منصوص عليها في الاتفاق النووي، لكن إيران وافقت على تشغيلها مسبقًا في بادرة حسن نية”.

وجديرٌ بالذكر أنه بعد إبرام “الاتفاق النووي”؛ في عام 2015، وافقت “الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، على تنفيذ بروتوكول إضافي تابع لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، طواعية، يضمن وصول مفتشي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” إلى المواقع النووية الإيرانية، والموافقة على تركيب العديد من كاميرات المراقبة الفائقة التي أشار إليها المصدر السابق.

لكن لماذا لجأت “إيران” إلى هذا القرار الآن ؟

تخوض “الجمهورية الإسلامية الإيرانية” مفاوضات نووية طويلة مع “الولايات المتحدة” والدول الأوروبية، استمرت نحو 11 شهرًا، وكان من أبرز مطالبها هو العودة المتبادلة لـ”الاتفاق النووي”، بمعنى آخر، طالبت “إيران”؛ “الولايات المتحدة”، برفع العقوبات المفروضة عليها منذ انسحاب “دونالد ترامب”؛ من الصفقة النووية في آيار/مايو 2018، مقابل أن تعود “إيران” إلى الإلتزام الكامل ببنود “الاتفاق النووي” لعام 2015.

مصدر الصورة: رويترز

وكانت “إيران” قد اتبعت خطة من خطوات عديدة لتقليص إلتزاماتها بموجب “الاتفاق النووي”؛ لعام 2015، ردًّا على الانسحاب الأميركي أحادي الجانب، وكان من ضمن هذه الخطة، رفع مستويات تخصيب (اليورانيوم) أكثر من المنصوص عليه في بنود “خطة العمل الشاملة المشتركة”، وتقليص إلتزام “طهران” بالبروتوكول الإضافي، التابع لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

لكن بعد 11 شهرًا من المفاوضات، لم تتوصل “طهران” و”واشنطن” إلى حل بشأن إحياء “الاتفاق النووي”، مع استمرار “إيران” في تقليص إلتزاماتها النووية بالطبع، وقد توقفت المفاوضات النووية التي أقيمت في “فيينا”، منذ أسابيع، لاختلاف الجانبين؛ الإيراني والأميركي، على العديد من القضايا التي يرى كلٌّ منهما أنها مهمة لإحياء الصفقة النووية.

كان على رأس هذه القضايا، المطلب الإيراني برفع (الحرس الثوري) من القوائم الأميركية للمنظمات الإرهابية الأجنبية، وقد أُدرج (الحرس الثوري) الإيراني – الذي تُعده الحكومة الإيرانية جيش البلاد الوطني، وفق تعبير “كمال خرازي”، وزير الخارجية الإيراني السابق والمستشار الحالي للمرشد الأعلى للبلاد – على قوائم المنظمات الإرهابية في صيف عام 2019؛ من قبل إدارة “دونالد ترامب”، وإلى الآن لم توافق “الولايات المتحدة” على هذا المطلب، الذي على ما يبدو أنه من ضمن الأسباب الرئيسة التي تسببت في توقف المحادثات النووية في “فيينا”.

وبالعودة إلى التصعيد الأخير بين “إيران” و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، يرى المحلل السياسي الإيراني؛ “علي رضا نوري”، أن القرار الإيراني الأخير كان: “غير متوقع”، فيقول للصحيفة البريطانية: “الخطوة التي اتخذتها إيران كبيرة وغير متوقعة، ومن الممكن أن تؤدي إلى تدهور الأمور بسرعةٍ هائلةٍ، دائمًا ما كانت تجد طهران حلًّا وسطًا بينها وبين الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن تلك المرة يبدو أن الأمور وصلت إلى طريقٍ مسدودٍ”.

على جانبٍ آخر؛ وفي السياق نفسه، تُجدر الإشارة إلى أن “إيران” قد اتهمت مجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، بأن قرارها الذي جاء بعد يومٍ واحدٍ من زيارة المدير العام للوكالة؛ “رافائيل غروسي”، “إسرائيل”، “قرار مُسيّس” وتقف خلفه المخاوف الإسرائيلية، إذ اتهم المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية؛ “بهروز كمالوندي”، يوم 07 حزيران/يونيو 2022، “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”؛ بأنها تلعب: “لعبة النظام الصهيوني، وأن محاولات التخريب البشري تهدف إلى إحداث تلوث ممكن في بلد شاسع مثل إيران”.

وقد سبق وأن اتهمت بعض الشخصيات السياسية الإيرانية، “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”؛ بمساعدة “إسرائيل” في عمليات التخريب التي تقودها داخل “إيران” مستهدفةً المنشآت النووية الإيرانية، وذلك من خلال كاميرات المراقبة التابعة للوكالة، وفي هذا السياق يقول المسؤول في “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية”؛ لـ (الغارديان): “بالطبع كان لدينا شكوك حول هذه المسألة، وما زالت الشكوك موجودة، لكننا تركنا كاميرات المراقبة مستمرة في عملها، لإبداء حسن النية من جانب الجمهورية الإسلامية، لكن آن الأوان لتصحيح هذا المسار”.

أوراق أخرى لا تزال في جُعبة “إيران”..

قبل أيام قليلة من إصدار مجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، لقرار إلقاء اللوم وانتقاد عدم التعاون الإيراني مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، كانت “طهران” تُحاول عبر الوسطاء، العودة لاستئناف المفاوضات النووية في “فيينا”.

وقد أخبر مصدر دبلوماسي إيراني؛ الصحيفة البريطانية، مفضلًا عدم الكشف عن هويته، بأن وزير الخارجية الإيراني؛ “حسين أمير عبداللهيان”، حاول تلطيف الأجواء المتوترة بين “واشنطن” و”طهران”، قائلًا: “السيد أمير عبداللهيان؛ تواصل مع منسق السياسية الخارجية للاتحاد الأوروبي، أكثر من مرة خلال أيام قليلة، للتفاوض على المطالب الإيرانية والعودة إلى المفاوضات النووية في فيينا، لكن جاء قرار الوكالة الدولية لينسف كل هذه المحاولات”.

ليتدهور الحال بعد القرار الأخير لمجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، وبدلًا من تبني “إيران” لهجة أكثر مرونة، انقلب الحال وزادت التهديدات الإيرانية بعد القرار مباشرةً، فقد حذر “بهروز كمالوندي”، المتحدث باسم “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية”، من أن “إيران” تُخطط لمزيد من الإجراءات بعد قرار إيقاف تشغيل كاميرات المراقبة التابعة لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

وفي محاولة لفهم طبيعة هذه الإجراءات التي هددت “إيران” باتخاذها، يقول المسؤول بـ”منظمة الطاقة الذرية الإيرانية”: “لا تزال هناك الكثير من كاميرات المراقبة قيد العمل، من الممكن أن يجري إيقافها جميعًا، من ضمن أمور أخرى”، ولم يرغب المصدر السابق في الكشف عن أمور أو توضيح الأمور الأخرى التي أشار إليها.

شملت التهديدات الإيرانية أيضًا، الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، فقد دعا “محمود عباس زاده مشكيني”، المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بـ”البرلمان الإيراني”، يوم السبت 11 حزيران/يونيو 2022، إلى تعليق عضوية “إيران” في “معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية”؛ قائلًا: “أنا شخصيًّا أقترح أن ننظر فى تعليق العضوية في هذه المعاهدة في أقرب فرصة، واتخاذ القرار السريع”، جدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يخرج فيها نواب “البرلمان الإيراني” للمطالبة بانسحاب بلادهم من “معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية”.

وكانت “إيران” من أوائل الدول الموقعة على “معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية”، التي وُضِعت لمنع تطوير وحيازة الأسلحة النووية وخفض الأسلحة النووية الموجودة بالفعل.

يجب الإشارة هنا أيضًا، إلى أن “البرلمان الإيراني” أقر؛ العام الماضي، قانونًا يُلزم حكومة “حسن روحاني” السابقة، بإيقاف تنفيذها الطوعي للبروتوكول الإضافي، لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، ومنع وصول مفتشي “الوكالة الدولية” إلى المواقع النووية الإيرانية، وإيقاف كاميرات المراقبة التابعة لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، حتى تُرفع “العقوبات الأميركية” المفروضة ضد “طهران”.

وبالفعل جرى اتخاذ خطوات جادة لتنفيذ هذا القانون آنذاك، لكن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ “رافائيل غروسي”، استطاع عقد اتفاق متجدد مع “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية”، للسماح باستمرار عمل مفتشي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، بعد التوصل إلى حلٍّ يُرضي جميع الأطراف.

لكن يبدو أن الأمور هذه المرة أكثر تعقيدًا مما سبق، فنبرة التهديد الإيرانية آخذةً في التزايد، حتى إن الرئيس الإيراني؛ “إبراهيم رئيسي”، صرح قائلًا: “إيران لن تتراجع عن قراراتها الأخيرة ما دامت الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تتراجع عن قرارها الأخير”.

هل استخدمت “إيران” ورقة رابحة ؟

يمكن للمرء أن يُجادل بأن رد فعل “الجمهورية الإسلامية” على القرار الأخير لمجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، مُبالغ فيه، ويدعو إلى التصعيد بدلًا من محاولة إيجاد حلول، لكن يبدو هذا التفسير سطحيًّا بعض الشيء.

فمن قبل التوصل إلى “الاتفاق النووي” عام 2015، كانت “الجمهورية الإسلامية” في صراعٍ دائمٍ مع “الولايات المتحدة” والغرب للحصول على مزيدٍ من التنازلات في عملية التفاوض التي سبقت “الاتفاق النووي”.

وفي الآونة الأخيرة، حاولت “طهران” الحصول على تنازلات أخرى من إدارة “جو بايدن”، وتمسكت بمطالبها بإزالة (الحرس الثوري) من قوائم المنظمات الإرهابية الأجنبية، لكنها لم تتمكن من ذلك، بالإضافة إلى عدم تمكنها من الاستفادة الاقتصادية من “الاتفاق النووي”؛ منذ دخوله حيز التنفيذ، في كانون ثان/يناير 2016، ولم تتمكن حتى من استرداد أموالها المحجوبة والمجمدة في الخارج، والتي تُقدر بنحو: 100 مليار دولار إلى الآن.

كما حرمت “واشنطن”، “طهران”، من تصدير نفطها منذ عام 2018، في الوقت الذي زادت فيه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في “إيران” بسبب تدهور الاقتصاد الإيراني بفعل “العقوبات الأميركية”، في مثل هذا الموقف، لذا من الواضح أن المسؤولين الإيرانيين يُحاولون إجراء رهان آخر للحصول على بعض التنازلات، مستغلين الخوف الغربي والعالمي من إمكانية وصول “إيران” لصنع قنبلة نووية.

في هذا الصدد؛ يقول “علي رضا نوري”، المحلل السياسي المقيم بـ”طهران”: “يبدو القرار الإيراني رهانًا بالفعل، فقطع العلاقة بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإيقاف عمل كاميرات المراقبة، يُقلق الغرب بشدة، لأنه سيُعيد الحال على ما كان عليه قبل الاتفاق”، في إشارة إلى حالة الغموض التي أربكت الغرب قبل عام 2015، فيما يخص البرنامج النووي الإيراني؛ ففي عهد الرئيس الإيراني السابق؛ “محمود أحمدي نجاد”، جرى منع مفتشي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” من زيارة المواقع النووية الإيرانية في كثير من الأحيان، مما أثار المخاوف الدولية باحتمالية قدرة “إيران” على تصنيع الأسلحة النووية، وامتلاكها برنامجًا نوويًّا عسكريًّا.

كما يرى “علي رضا نوري”، أن “طهران” رأت في القرار الأخير لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”: “عدم احترام”، فيقول: “ردد المسؤولون الإيرانيون كثيرًا في اليومين الماضين، أنهم وافقوا على عمل كاميرات المراقبة الإضافية بوصفه بادرة حسن نية من جانب إيران، لكنهم فسروا أيضًا قرار الوكالة بأنه عدم احترام للجمهورية الإسلامية التي تعاونت معهم لسنوات”.

على جانبٍ آخر، يرى البعض أن القرار الإيراني الأخير ما هو إلا عملية مقامرة، قد تُساعد في الخروج من الأزمة النووية الحالية، وإعطاء البلاد دفعة من الأمل لتحسين الظروف الاقتصادية، لكن لا رهان مضمون: 100%، ومن الممكن أن يؤدي هذا القرار الإيراني، إلى عكس المأمول منه، ويقود كلًّا من “واشنطن” و”طهران” إلى صراعٍ جديدٍ وواسع النطاق.

سيناريو آخر، حاضر، فيما يخص مسألة الرهان الإيراني؛ في حالة لم تتراجع “إيران” عن قرارها الأخير، من الممكن أن تُحوَّل القضية النووية الإيرانية إلى “مجلس الأمن الدولي”، كما حدث قبل إبرام “الاتفاق النووي” في عام 2015، ومع استمرار فشل المفاوضات النووية، واستمرار “إيران” في زيادة معدلات تخصيب (اليورانيوم) باستخدام أجهزة طرد مركزي عالية الكفاءة، فإن إحالة الملف النووي الإيراني إلى “مجلس الأمن الدولي”، يبدو قريبًا.

في هذا الصدد، يقول “علي رضا نوري”؛ للصحيفة البريطانية: “إذا استمرت إيران في تمسكها بقرارها، من المحتمل إحالة القضية إلى مجلس الأمن الدولي، مما يُهدد إيران بعودة العقوبات الدولية مرة أخرى، لكن يبدو أن المسؤولين الإيرانيين يراهنون على (الفيتو) الصيني والروسي في مجلس الأمن ضد أي قرار من الممكن اتخاذه ضد طهران”.

هل ذهب “الاتفاق النووي” إلى غير رجعة ؟

بشكلٍ مبسطٍ، كان الغرض من “الاتفاق النووي” الإيراني لعام 2015، الذي أبرمته إدارة الرئيس الأميركي السابق؛ “باراك أوباما”، مع “الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، بالإضافة إلى الدول الأوروبية، تخفيف العقوبات الاقتصادية عن “إيران” مما يسمح لها باستعادة اقتصادها المنهار، ودمجها داخل الاقتصاد العالمي، مقابل فرض العديد من القيود على برنامجها النووي، وتجنيب العالم ومنطقة الشرق الأوسط صراعًا جديدًا لا طائلة منه.

لكن ما حدث كان عكس ذلك تمامًا وفق الإيرانيين؛ فمنذ اليوم الأول لدخول “خطة العمل الشاملة المشتركة” حيز التنفيذ، وإلى يومنا هذا؛ ترى “إيران” أنها لم تستفد اقتصاديًّا بأي شكل من الأشكال !.. كما أن انسحاب إدارة “ترامب” من الصفقة النووية، خلق صراعًا بين “واشنطن” و”طهران” يُهدد المنطقة بأسرها.

أما الآن، وبعد القرار الأخير الذي اتخذته “إيران” بوقف تشغيل كاميرات المراقبة في أحد المواقع النووية الإيرانية، فإن “الاتفاق النووي” الإيراني صار في مهب الريح، خاصةً بعد تصريح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ “رافائيل غروسي”، بأنه في حال استمرار “إيران” في هذا القرار فسيكون: “ضربة قاتلة للاتفاق النووي الإيراني”.

ويمكن القول إن تصريح “غروسي”، يشوبه بعض الصحة، فالمؤشرات الحالية تقول إن “الاتفاق النووي” الإيراني دخل حالةً من السبات لن يخرج منها إلا إذا قرر الطرفان إبداء بعض المرونة والإلتقاء في نقطةٍ وسط.

فقد وجدت “الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، أنها الخاسر الأكبر من “الاتفاق النووي” برمته، وإلى الآن لم تستطيع تحقيق أي استفادة من ورائه، حتى إذا افترضنا تدارك إدارة “جو بايدن” الخطر القادم، والعودة إلى “الاتفاق النووي” في اللحظات الأخيرة، فإنه من غير المتوقع أن تحصل “طهران” على الفوائد الاقتصادية التي انتظرتها طويلًا، لأن أغلب – إن لم يكن جميع – الشركات والبنوك الأجنبية لن ترغب بالمخاطرة بالاستثمار في “إيران”، في ظل اتفاق هش من الممكن أن يُقضى عليه بسهولة بسبب أي تغيير سياسي سواءً فى “واشنطن” أم “طهران”.

ويمكن القول إن الوضع الراهن الذي وصل إليه “الاتفاق النووي” الإيراني، تقع مسؤوليته على عاتق جميع الأطراف، وبالأخص “الولايات المتحدة”، فقد صرح “جو بايدن”؛ مرارًا وتكرارًا بأنه يرغب في العودة إلى “الاتفاق النووي” الإيراني مجددًا، وفي المقابل، رحبت “إيران” بهذه الخطوة، وقالت إنها على استعدادٍ للعودة إلى الإمتثال الكامل لبنود الصفقة النووية، بشرط رفع العقوبات المفروضة ضدها، لكن الإدارة الأميركية لم تتخذ أي خطوة جادة في سبيل العودة إلى “الاتفاق النووي”، ولم تُبدِ أي استعداد لرفعٍ جزئي للعقوبات المفروضة ضد “الجمهورية الإسلامية”.

وسابقًا حاولت إدارة “دونالد ترامب”، زيادة الضغط على “إيران”، من خلال شن حملة “الضغط الأقصى”، بسيلٍ من العقوبات النووية وغير النووية، لإجبارها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مرةً أخرى، والتفاوض على صفقة جديدة جيدة؛ كما كان يرغب الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، لكن لم يحدث هذا الأمر.

وعليه يقول المحلل السياسي الإيراني؛ “علي رضا نوري”: “لم تفهم إدارة بايدن المسؤولين الإيرانيين بشكلٍ جيدٍ، لم تستوعب واشنطن أن الضغط على طهران لن يؤدي إلى نتائج جيدة، بل العكس”.

في النهاية، لا يمكن اليقين بشكلٍ كاملٍ، بأن القرارات الأخيرة من جميع الأطراف، ستكون السبب في تدمير “الاتفاق النووي” الإيراني، لكن في الوقت نفسه لا يمكن المجادلة في وجود أمل لإحياء “الاتفاق النووي” على الأقل في المستقبل القريب، كما أنه لا يمكن التكهن بعدم انزلاق “واشنطن” و”طهران” إلى صراعٍ مباشرٍ عالي التكلفة على الجميع.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة