وكالات- كتابات:
دعت منظمة (هيومن رايتس ووتش)، اليوم الثلاثاء، الحكومة العراقية؛ إلى فتح مقابر لعمليات الإبادة الجماعية التي ارتكبها نظام “صدام حسين”؛ خلال حكمه لـ”العراق”، إضافة إلى مقابر أخرى لعمليات القتل الجماعية التي نفذها تنظيم (داعش) خلال سيّطرته مناطق تُقدر بثُلثي البلاد أواسط العام 2014.
وقالت المنظمة في تقريرٍ نشرته اليوم؛ إن جثث مئات الآلاف من ضحايا القتل غير القانوني لا تزال مدفونة في مقابر جماعية في جميع أنحاء “العراق”. تضم المقابر جثث ضحايا النزاعات المتعاقبة، بما في ذلك الإبادة الجماعية التي ارتكبها “صدام حسين” ضد الكُرد عام 1988؛ وعمليات القتل الجماعي التي ارتكبها تنظيم (داعش) بين: 2014 و2017.
ووفقًا للتقرير؛ فإن فريق التحقيق التابع لـ”الأمم المتحدة” لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب (داعش)؛ (يونيتاد)، الذي أنشأه “مجلس الأمن”؛ التابع لـ”الأمم المتحدة”، في 2017؛ لتوثيق الجرائم الخطيرة التي ارتكبها (داعش) في “العراق”، دعم “دائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية” و”دائرة الطب العدلي” التابعتين للحكومة العراقية، في نبش (67) مقبرة جماعية مرتبطة بـ (داعش) خلال فترة ولايته. لكن في أواخر 2023، وبناءً على طلب الحكومة العراقية، اختار “مجلس الأمن” تمديد ولاية (يونيتاد) لمدة عام إضافي واحد فقط، ما يعني أنه سيوقف عمله في أيلول/سبتمبر 2024.
في غضون ذلك؛ قالت “سارة صنبر”، باحثة العراق في المنظمة، إن: “المقابر الجماعية هي تذكير مؤلم بأكثر فصول التاريخ العراقي عنفًا، ونبشها أمر بالغ الأهمية للسماح لأسر الضحايا، والبلاد بأكملها، بالحصول على أي أمل في العدالة والتعافي من هذه الجروح. يحق للناس معرفة مصير أحبائهم ومنحهم دفنًا لائقًا وكريمًا”.
ويُقدر “المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق”؛ أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رُفات: (400) ألف شخص. لدى “العراق” إحدى أعلى أعداد المفقودين في العالم، ويُقدر عددهم بين: (250) ألف ومليون شخص، ويُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.
وقالت (هيومن رايتس ووتش)؛ إنه ومن أجل تعزيز العدالة والمساءلة للضحايا وأسرهم، ينبغي للحكومة العراقية تكثيف الجهود لاستخراج الجثث من القبور، وتحديد هوية الضحايا، وإعادة الرُفات إلى الأسر لدفنها بشكلٍ لائق، وإصدار شهادات الوفاة، وتعويض الأسر، كما يقتضي القانون العراقي.
ونقل التقرير عن “ضياء كريم طعمة”؛ مدير عام “دائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية” التابعة للحكومة الاتحادية العراقية، قوله إن: “المسؤولين نبشوا: (288) مقبرة جماعية منذ 2003″، مضيفًا أنه: “ما دمنا لا نملك سجلاً وطنيًا موحدًا، لا وسيلة لنا لمعرفة عدد المدفونين في المقابر الجماعية”.
بين 2017 و2023، ساعد (يونيتاد) السلطات العراقية في استخراج: (1.237) جثة لضحايا مجزرة معسكر (سبايكر)، حيث قتل تنظيم (داعش): (1.700) جندي وطالب عسكري ومتطوع فروا من “أكاديمية تكريت الجوية”؛ بين 12 و14 حزيران/يونيو 2014، من (14) قبرًا ومسرحَيْن للجريمة على ضفاف النهر.
يجد تقرير (يونيتاد)؛ الصادر في حزيران/يونيو 2024؛ أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن المجزرة ارتُكبت بقصد الإبادة الجماعية، وهو ما يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
ومؤخرًا؛ في 28 آيار/مايو 2024، أعلنت السلطات العراقية و(يونيتاد) أنهما بدأتا في نبش حفرة “علو عنتر”، وهي مقبرة جماعية في “قضاء تلعفر”. يُعتقد أن المقبرة، التي تقع على بُعد حوالي: (60) كيلومترًا غرب “الموصل”، تحتوي على جثث أكثر من ألف شخص. بين 2014 و2017، استخدم (داعش) الحفرة لإعدامات جماعية وإلقاء الجثث فيها.
لكن مع اقتراب الموعد النهائي لإنهاء عمليات (يونيتاد) في “العراق”؛ في 17 أيلول/سبتمبر، هناك مخاوف من ألا تسّد السلطات العراقية الفجوة التي سيُخلفها (يونيتاد)، وفقًا للتقرير.
وأعلن “مجلس القضاء الأعلى”، يوم الأحد 11 من شهر آب/أغسطس الجاري، أنه تسّلم من فريق التحقيق الدولي؛ (يونيتاد)، أرشيفًا بشأن الجرائم التي ارتكبها تنظيم (داعش) في “العراق”.
وتأسس فريق التحقيق بموجب قرار “مجلس الأمن” رقم (2379) لسنة 2017، وكان الهدف منه: “تعزيز جهود المساءلة عن جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب المرتكبة من جانب تنظيم (داعش)”، بحسّب ما ورد على موقع (يونيتاد).
وكانت وكالة (رويترز) قد نشرت؛ يوم الأربعاء 20 من شهر آذار/مارس الماضي، تقريرًا مطولاً قالت فيه إن الفريق الأممي اضطر إلى إنهاء عمله مبكرًا قبل استكمال التحقيقات بعد توتر علاقته مع الحكومة العراقية.
بدوره؛ أكد مدير عام “دائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية”: “بالطبع، سيكون هناك فراغ عندما يُغادرون (يونيتاد)، لكن الحكومة العراقية أصدرت قرارها بأن ولاية الفريق قد انتهت، لذلك يجب أن يكون لدينا خطة بديلة”.
وأشارت (رايتس ووتش)؛ إلى أن العبء الضخم الناجم عن تراكم الحالات إلى جانب محدودية قدرة الحكومة العراقية؛ يعني أن العملية بطيئة للغاية بالنسبة لأسر الضحايا.
وقال “طعمة” إن “العراق” يمتلك مختبرًا واحدًا فقط مرخصًا له بإجراء التعرف على الحمض النووي للرُفات المسُّتخرجة من المقابر الجماعية، وهو: “مختبر تحليل الحمض النووي”؛ التابع لـ”دائرة الطب العدلي”، في “بغداد”.
واستعدادًا للمغادرة؛ دعم (يونيتاد) مختبر تحليل الحمض النووي التابع لـ”دائرة الطب العدلي”، للحصول على اعتماد (ISO / IEC 17025) من “المنظمة الدولية لتوحيد المقاييس”؛ (أيزو). يعني الاعتماد أن النتائج التي يتوصل إليها المختبر في “بغداد” ستكون معترفًا بها دوليًا، مما يسمح بقبول نتائجه كدليل في المحاكم على مستوى العالم.
من جهته؛ قال “خبات عبدالله”، المستشار في “وزارة شؤون الشهداء والمؤنفلين” في حكومة “إقليم كُردستان”، إن “إدارة الطب الشرعي الجنائي”؛ التابعة لـ”وزارة داخلية” إقليم كُردستان، تُدير مختبرًا لديه القدرة على التعرف على الحمض النووي لرُفات من (05) إلى (07) جثث يوميًا. لكن بموجب قانون شؤون المقابر الجماعية رقم (5 لسنة 2006)، فإن المختبر الموجود في “بغداد” فقط هو المخول بتحليل عينات الحمض النووي المأخوذة من المقابر الجماعية.
وذكرت المنظمة في تقريرها؛ أنه بالنسبة إلى أسر الضحايا المدفونين في مقابر جماعية، فإن وتيرة عمليات استخراج الجثث والعقبات البيروقراطية تمنعهم من الانتهاء من الأمر وتزيد الطين بلة.
ولفتت المنظمة الى أن: “استخراج الجثث من المقابر الجماعية أمر بالغ الأهمية لضمان الحق في معرفة الحقيقة بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وضمان قدرة العراق على الوفاء بواجبه في ضمان سبل الانتصاف والتعويضات الفعّالة، وإجراء تحقيقات فعّالة. كما يمكن، بل وينبغي أيضًا استخدام الأدلة التي تُجمَع من المقابر الجماعية في الإجراءات الجنائية لضمان محاسبة مرتكبي الجرائم”.
وتابع التقرير إلى أنه: “ينبغي للسلطات أن تزيد جهود استخراج الجثث من المقابر الجماعية في العراق عبر نهج محايد بصرف النظر عن هوية الضحايا أو الجناة المزعومين”.
ودعت المنظمة في تقريرها الحكومة العراقية إلى زيادة التمويل “دائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية” و”دائرة الطب العدلي”، وتحسين قدرتهما على جمع الأدلة، بما في ذلك من خلال المسّح الرقمي وإعادة بناء مسارح الجريمة، ومرافق تخزين المواد البيولوجية، وعمليات تحديد هوية الضحايا.