8 نوفمبر، 2024 6:45 ص
Search
Close this search box.

لزيادة إيراداتها على حساب مواطنيها .. لماذا تُحارب الدول العربية “الفقراء” بسلاح الضرائب القاسِ ؟

لزيادة إيراداتها على حساب مواطنيها .. لماذا تُحارب الدول العربية “الفقراء” بسلاح الضرائب القاسِ ؟

وكالات – كتابات :

بدلاً من جعل الأنظمة الضريبية أكثر تقدمية، تبحث الدول العربية عن طرق يائسة أكثر من أي وقت مضى لزيادة الإيرادات، من خلال زيادة الرسوم والضرائب التي تجعل حياة الفقراء أكثر صعوبة.

بيانات “الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء”؛ في “مصر”، على سبيل المثال، أظهرت الأحد 10 نيسان/إبريل، تضخم أسعار المستهلكين بالمدن إلى أعلى مستوياته منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، وأسرع مما توقعه المحللون، مسجلاً: 10.5%؛ في آّار/مارس، مقارنة مع: 8.8%؛ في شباط/فبراير.

نجمت الزيادات في الأسعار، بصورة جزئية، عن نقص السلع بعد العملية الروسية العسكرية الخاصة في “أوكرانيا”، ما أدى إلى تجاوز التضخم المستوى الذي يستهدفه “البنك المركزي”؛ بين: 5 و9%، وسعر الفائدة الذي حدَّده على الإقراض لليلة واحدة، والذي يبلغ: 9.25%، بحسب تقرير لوكالة (رويترز) للأنباء.

ونشرت مجلة الـ (إيكونوميست) البريطانية تحليلاً عنوانه: “الحكومات العربية تفرض المزيد من الضرائب على الفقراء”، رصد كيفية تعامل الأنظمة والحكومات العربية مع فرض وتحصيل الضرائب، وتأثير تلك السياسات على الفقراء تحديدًا.

تكلفة الحياة في “مصر”..

تزداد تكلفة الحياة في “مصر” كل شهر، بحسب تحليل المجلة البريطانية. يجلس “محمود”، وهو مطور برمجيات، في مقهى في شارع مُظلَّل، ليُراجع الضرائب والرسوم المفروضة حديثًا، أُدخِلت “ضريبة القيمة المضافة” بنسبة: 13%؛ في عام 2016، ثم ارتفعت إلى: 14%.

فقبل بضع سنوات أضافت الحكومة ضريبة قدرها عشرة جنيهات؛ (0.55 دولار)، على فاتورة هاتف “محمود” الشهرية، وترتفع سجائره جنيهًا أو إثنين كلما احتاجت الخزانة المصرية إلى نفحة نقود إضافية، وفي المرة الأخيرة التي استخرج فيها رخصة قيادة جديدة وجد تكلفتها أعلى: 15 ضعفًا عن ذي قبل.

لكن الغريب أن الضريبة الوحيدة التي لم ترتفع هي تلك المفروضة على استثمار “محمود”، الأعلى قيمة، وهو عقار إيجاري اشتراه في عام 2016. ويقول إنَّ قيمة العقار تُقدَّر: بـ 100000 دولار أو نحو ذلك، بزيادة قدرها: 25%. لكن فاتورة ضريبة الممتلكات السنوية الخاصة به ظلت ثابتة تقريبًا، عند أقل من: 1% من قيمة الشقة.

ولطالما كانت الدول العربية، بشكل عام، متراجعة في تحصيل الضرائب. في عام 2015، قدر “صندوق النقد الدولي” أنها جمعت من الضرائب ما يُعادل: 13% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، مقارنة: بـ 17% في الأسواق الناشئة الأخرى. أخبرت “كريستين لاغارد”، مديرة الصندوق آنذاك، جمهورًا في “أبوظبي”؛ في عام 2016، بأنه يجب على الدول العربية: “إعادة هندسة أنظمتها الضريبية” وزيادة الإيرادات.

وفهمت هذه الدول الرسالة إلى حدٍ ما، فمنذ عام 2016، أدخلت خمس دول عربية “ضريبة القيمة المضافة”. وفرضت الحكومات مجموعة من الرسوم الأخرى على كل شيء من الهواتف المحمولة إلى تذاكر السينما، وسعت للحصول على إيرادات غير ضريبية من خلال زيادة الرسوم.

ورغم أنَّ الدول العربية تتحسن في فرض الضرائب على مواطنيها، فإنها غالبًا ما تفرضها على الأشخاص الخاطئين، وتُضيف عبئًا كبيرًا على أولئك الذين لا يستطيعون تحملها، بحسب الـ (إيكونوميست).

وتُعتبر ضرائب الاستهلاك؛ (أو غير المباشرة)، مثل “ضريبة القيمة المضافة”، عالية الكفاءة، لكنها عامةً تنازلية، وهي تفرض ضرائب على ما تُنفقه الشعوب، والفقراء ينفقون من دخلهم أكثر من الأغنياء. في “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية”، وهو نادٍ من البلدان الغنية في الغالب، تجمع الضرائب غير المباشرة حوالي ثُلث الإيرادات الضريبية. وانخفضت هذه النسبة في العقود الأخيرة.

فرض مزيد من الأعباء على الفقراء !

لكن الدول العربية تسير في الاتجاه المعاكس. فقد جمعت “مصر”: 46% من عائدات الضرائب من السلع والخدمات في السنة المالية: 2020 – 2021، في ارتفاع من: 40% قبل ست سنوات. وتُشكل الضرائب غير المباشرة أكثر من نصف الضرائب في “تونس”، وثلاثة أرباعها في “الأردن”، حيث تضُيف ما يصل إلى: 12 – 13%، من الناتج المحلي الإجمالي.

وسبب الإقبال على هذه الضرائب بسيط، إذ تجمع “ضرائب القيمة المضافة” الكثير من الأموال دون تشويه الاقتصادات كثيرًا؛ (وهذا هو سبب حب دول الرفاهية الأوروبية لها). وخارج منطقة الخليج، ليس لدى معظم الدول العربية سوى صورة غير مكتملة عما يفعله مواطنوها ومقدار ما يكسبونه؛ ما يجعل من الصعب جباية الضرائب المباشرة.

إذ يعمل نحو ثُلثي المصريين في وظائف غير رسمية ولا تُوثَّق أجورهم. وأقل من نصف التونسيين هم من لديهم حسابات مصرفية، كانت آخر مرة أجرى فيها “لبنان” إحصاءً سكانيًا في الثلاثينيات، وغالبًا ما يعمل مفتشو الضرائب فوق طاقتهم، ويعتمدون على القلم والأورق بدلاً من قواعد البيانات.

والتهرب منتشر؛ إذ قدّر تقرير في 2018؛ صادر عن “بنك عودة” اللبناني، أنَّ التهرب الضريبي يُكلف الخزينة: 05 مليارات دولار سنويًا؛ (10% من الناتج المحلي الإجمالي في ذلك الوقت).

وكثيرًا ما تلوم السلطات القطاع غير الرسمي على هذا الخطأ؛ إذ لا يجب على معظم المصريين؛ العاملين في السوق السوداء، دفع ضريبة دخل، أو معدل هامشي بحدٍ أقصى: 2.5%. وحتى لو وجد رجال الضرائب جميع هؤلاء العاملين فإنَّ الإيرادات الإضافية ستكون هزيلة.

فالمشكلة الأكبر تكمن في النظام الضريبي الذي يميل نحو الأغنياء. يبلغ معدل الضريبة على الشركات في “مصر”: 22.5%، أي أقل بخمس نقاط عن متوسط المعدل ​​الإفريقي، في حين أنَّ شريحة ضريبة الدخل الأعلى التي تُمثل: 25% تُصنَّف بأنها واحدة من أدنى المعدلات في القارة. إضافة إلى أنها لا تفرض ضريبة على المواريث.

نظام ضريبي يحابي الأغنياء..

يُفضل العديد من العرب الأغنياء والطبقة المتوسطة شراء العقارات على الأسهم، إذ يرون أنها أأمن وأكثر ربحًا، ومع ذلك، فإن الحكومات تجمع القليل من الضرائب العقارية. وتُقدِّر “وزارة المالية” الأردنية أنها جمعت: 115 مليون دينار؛ (162 مليون دولار)، من الضرائب على العقارات العام الماضي، أي: 1% فقط من عائدات الضرائب.

وتُقيم بعض البلدان ضريبة الأملاك على معدلات الإيجار بدلاً من قيمة المبنى؛ ما يؤدي إلى دفع فواتير باهظة. وتحسب “مصر” قيمة هذه الضرائب مرة واحدة فقط كل خمس سنوات، مع تحديد الزيادات بنسبة: 30% لكل تقييم، على الرغم من ارتفاع قيمة العقارات في بعض أجزاء “القاهرة” بنسبة تصل إلى: 25% سنويًا. بينما الأغنياء المصريون الذين يتحكمون في “البورصة” يخضعون لضريبة أرباح رأس المال بنسبة: 10%، لكن إذا استثمروا هذه الأموال في العقارات يمكن أن ينخفض ​​معدل الضريبة إلى أقل من: 1%.

ولا تفرض دول الخليج المُصَدِّرَة لـ”النفط”؛ ضرائب على الدخل، خشية أن تُزعج مواطنيها، وتجعل بلدانها أقل جاذبية للمهاجرين. بجانب أنَّ معدلات ضرائب الشركات منخفضة، وتتراوح من: صفر إلى 15%.

وتعتمد هذه الدول أيضًا على ضرائب الاستهلاك. إستحدثت “المملكة العربية السعودية”؛ “ضريبة القيمة المضافة”، بنسبة: 5% في عام 2018، ثم ضاعفتها ثلاث مرات في عام 2020؛ (وهي الخطوة التي نصح صندوق النقد الدولي بعدم اتخاذها). وستُشكل هذه: 79% من عائدات الضرائب هذا العام. وسيطال الضرر الأكبر السعوديين الأكثر فقرًا. بينما يميل الأثرياء إلى الإنفاق باهظ الثمن خارج المملكة.

بدلاً من جعل الأنظمة الضريبية أكثر تقدمية، تبحث الدول العربية عن طرق يائسة أكثر من أي وقت مضى لزيادة الإيرادات. وافقت لجنة برلمانية في “مصر”؛ العام الماضي، على ضريبة بنسبة: 3% على المشتريات في المتاجر المعفاة من “الرسوم الجمركية”؛ (التي قد تحتاج إلى اسم جديد). وتتقاضى “تونس” الآن: 100 مليم (3 سنتات)، على الإيصالات الورقية في المتاجر. هذا هو المعادل المالي للنظر أسفل وسائد الأريكة بحثًا عن بعض النقود: “الفكة”.

لن تؤدي مثل هذه الإجراءات إلى إحداث تأثير كبير في أوجه العجز، لكنها قد تُثير غضب المواطنين. في عام 2019، حاولت الحكومة اللبنانية فرض ضريبة قدرها: 20 سنتًا على المكالمات عبر تطبيق (واتس آب)، لكن القرار صار شرارة احتجاجات جماهيرية أسقطت الحكومة.

وفي “مصر”، يتوقع بعض المحللين أن يرتفع التضخم بنسبة أكبر في الأشهر المقبلة. وقالت “رضوى السويفي”، من شركة “فاروس” لتداول الأوراق المالية، لـ (رويترز)، إن: “الارتفاع في اتجاهات التضخم متوقع على نطاق واسع، وسيبلغ ذروته بحلول آب/أغسطس 2022، وبعد ذلك سيبدأ في الاستقرار”.

في الوقت نفسه؛ قالت “سارة سعادة”، من “سي. آي كابيتال”، إن من المتوقع أن ترفع الحكومة أسعار الوقود هذا الشهر. وقالت: “بناءً على ذلك نتوقع أن يبلغ التضخم الشهري ذروته، في نيسان/إبريل، ليُسجل تضخمًا سنويًا بين: 12.5 – 13%، وهو ما يعكس ارتفاع أسعار المنتجات البترولية”.

وقالت مؤسسة “نعيم” للأبحاث، إن الزيادة ترجع إلى حدٍ كبير إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية وانخفاض قيمة “الجنيه”، في 21 آذار/مارس. وأضافت في مذكرة: “نتوقع ارتفاع التضخم بشكل أكبر؛ في نيسان/إبريل، في ظل التأثير الكامل لانخفاض قيمة الجنيه المصري؛ (بنسبة: 15% مقابل الدولار الأميركي)، على الاقتصاد”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة