20 أبريل، 2024 5:13 ص
Search
Close this search box.

“لاكروا” تكشف الستار عن .. معاناة “البصرة” مع ملوحة المياه وحرب السدود !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : ترجمة – ابتهال علي :

تواجه منطقة “شط العرب” نقطة إلتقاء شرياني حياة بلاد الرافدين – نهرا “دجلة” و”الفرات” – مصيرًا كارثيًا لم يكن محتومًا لولا تضافر عوامل تاريخية وسياسية وجغرافية واجتماعية بـ”العراق” عمومًا؛ وجنوب البلاد بوجه خاص، وهو ما دفع صحيفة (لاكروا) الفرنسية إلى نشر تقرير، لمراسلها الخاص في “البصرة”، “نوي بينيديه”، تناول فيه عمق الأزمة الصحية والاقتصادية التي يشهدها جنوب “العراق” حاليًا.

حذرت الصحيفة الفرنسية من خطر خسارة “محافظة البصرة” لثروتها من الأراضي الزراعية، على المدى البعيد، جراء ارتفاع ملوحة مياه “نهر شط العرب” وتلوثها.

ورصدت (لاكروا) أنه خلال الأشهر الأربعة الماضية، تزايدت حالة الغليان الشعبي ضد الحكومة العراقية المركزية في “البصرة”، ثاني أكبر مدن “العراق”، بعد العاصمة، “بغداد”.

ونقلت الصحيفة مظاهر حسرة سكان المنطقة على مصير آراضيهم الزراعية وثرواتهم االحيوانية، ونقلت عن “عباس عبدالصالح”، أحد الذين أصبحت أملاكه الزراعية آرضًا بورًا بسبب ملوحة المياه، قوله: “كانت هذه المناطق خضراء؛ لقد كنت أزرع الخضروات والعلف للحيوانات والتمر والتفاح”.

ويذكر “عبدالصالح”؛ أنه كان في الماضي يحقق دخلًا نحو 25 مليون دينار سنويًا من الزراعة وتربية الماشية، لكنه يواجه حالة من الكساد العام الجاري نتيجة جفاف الأرض الزراعية أجبرته على بيع بعض من قطعان ماشيته لإطعام أسرته وأطفاله الثلاثة.

مأساة “شط العرب” في نصف قرن..

يعتبر نهر “شط العرب” من أهم مصادر المياه العذبة، حيث يتكون نتيجة إلتقاء نهري “دجلة” و”الفرات”؛ ويصب في “الخليج العربي” بمسافة نحو 200 كيلومتر، وكانت منطقة “شط العرب” في الماضي القريب من أخصب المناطق الزراعية في العالم العربي الغنية بأشجار النخيل.

إلا أنه على مدار الخمسين عامًا الماضية؛ تبدل الحال وسجل نهر “شط العرب” نسب ملوحة قياسية تتجاوز المعدلات الآمنة بمراحل، إذ تضاعفت درجات ملوحة المياه بمعدل 20 مرة أعلى من المتوسط.

وذكرت الصحيفة الفرنسية أن نسبة الأملاح الذائبة في المياه بلغت، مؤخرًا، (7500)، بحسب “وزارة الموارد المائية” العراقية، في حين تقول “منظمة الصحة العالمية” إن النسبة تصبح غير مقبولة في حال تجاوزت (1200).

حرب السدود وتحويل مجاري الأنهار..

وفصلت دراسة لـ”وزارة البيئة” العراقية، عام 2009، بعنوان: (تملح مياه شط العرب.. الواقع والمعالجات الممكنة)، جذور الظاهرة ومنها السياسات المائية الجائرة لدول أعالي نهري “دجلة” و”الفرات” وسياسة بناء السدود وتحويل مجاري الأنهار المشتركة من قِبل “تركيا” و”إيران” لآراضيهم.

ما آدى إلى ارتفاع تركيز الأملاح الذائبة في النهر ونسبة الملوحة، “Salinity”، ونجم عن ذلك تدهور خطير في الوضع البيئي في المناطق الواقعة على شط النهر تمثل في جفاف الأرض الزراعية والبساتين ونفوق الحيوانات الداجنة والمواشي وتدمير الثروة السمكية، وحدوث خلل في التوازن البيئي بشكل عام انعكس مباشرة على صحة المواطنين.

وهناك عوامل آخرى؛ ساعدت على زيادة الظاهرة أهمها :

* توقف أعمال الصيانة والحفر في مجري النهر، منذ عام 1980، بسبب سلسلة الحروب التي دخل فيها “العراق”، بدءًا من “حرب الخليج الأولى” مع “إيران” في ثمانينيات القرن الماضي، و”غزو الكويت” عام 1990، و”حرب الخليج الثانية” و”الغزو الأميركي” للعراق عام 2003، وأخيرًا ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، (داعش)، عام 2014.

* انتشار الأنهار الفرعية في منطقة “شط العرب”؛ نتيجة لكثرة إنحناءاته بسبب ظاهرتي النحت والترسيب الطبيعيتين، حيث تصل عدد الأنهار في ضفته الغربية، (450) نهر، و(197) على ضفته الشرقية.

* انعكاس ظاهرة الإحترار العالمي على انخفاض معدل سقوط الأمطار والثلوج بالمنطقة، وانخفاض معدل تدفق مياه نهري “دجلة” و”الفرات” – الشريان الرئيس للنهر – بسبب إنشاء الدول الجارة مثل؛ “تركيا” و”إيران”، سدود تحدُ من تدفق جريان النهر.

والأخطر؛ تحويل مجرى بعض فروعه مثل؛ نهر “كارون”، ليصب داخل “إيران”. وتلفت صحيفة (لاكروا) إلى أن عدد السدود السورية والعراقية والإيرانية والتركية، التي تؤثر على المنطقة، تبلغ 56 سدًا.

* تلوث مياه النهر بالأسمدة والمخلفات الصناعية؛ جراء الأنشطة الصناعية والزراعية ومشتقات البترول، علاوة على وجود قطع بحرية عسكرية غارقة في أعماق النهر؛ إبان الأنشطة الحربية المختلفة بالمنطقة.

* إنهيار منظومة الصرف الصحي، التي كانت “مدينة البصرة” تتمتع بها منذ ستينيات القرن العشرين، وهكذا انتشرت الممارسات الخاطئة من السكان حول الجدوال المائية وفروع نهر “شط العرب”.

وهكذا؛ يشير تقرير (لاكروا) إلى أنه، خلال نصف قرن، انخفض تدفق مياه نهري “دجلة” و”الفرات” التي تمد نهر “شط العرب” بنسبة 40%، وفقًا لدراسة أجرتها “جامعة البصرة”.

ارتفاع الحرارة والمد الملحي من “الخليج العربي”..

وتفاقمت المشكلة، خلال السنوات القليلة الماضية، وبلغت ذروتها في شهر حزيران/يونيو الماضي، مع الارتفاع الشديد في درجات حرارة الجو وارتفاع نسبة “المد الملحي” القادم من مياه “الخليج العربي” المالحة للنهر العذب، وأستفحلت الأزمة مع تأثير قرار كل من “تركيا” و”إيران” ملء سدودهما على انخفاض منسوب المياه في النهر مما سمح بسرعة تدفق المياه المالحة لـ”الخليج العربي” فيه.

وقد زادت فصول الصيف القاحلة، من معاناة المزارعين في “جنوب العراق”، ما دفع نحو 4 آلاف شخص إلى الرحيل عن آراضيهم الزراعية، منذ بداية 2018.

وقد أعلنت “المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان” في “محافظة البصرة” العراقية، بداية شهر تشرين ثان/نوفمبر الماضي، أن إصابات التسمم بين السكان الناجمة عن تلوث المياه ارتفعت إلى 118 ألف حالة.

فشل حكومي وتوزيع ظالم لحصص المياه..

وألمحت الصحيفة الفرنسية إلى عجز الحكومات العراقية عن مواجهة الأزمة، وتنقل عن مهندس زراعي في مديرية الزراعة بـ”البصرة”؛ تشككه حيال فاعلية إدارة الحكومات المتعاقبة للموارد المائية، مشيرًا إلى أن نهرا “دجلة” و”الفرات” يمران بثماني محافظات، تستنفد احتياجاتها المائية من النهرين قبل وصولها لـ”البصرة”، التي يصل إليها أقل حصة مائية في البلاد، مع إنها ثاني أكبر محافظة عراقية من حيث عداد السكان؛ إذ يتجاوز عدد سكانها 4 ملايين نسمة.

وناشد المسؤول، الحكومة المركزية بـ”بغداد”، تنظيم عملية توزيع عادل لحصص المياه بين المحافظات المختلفة على طول الرافدين.

البصرة” على وشك الانفجار..

وتؤكد الصحيفة الفرنسية على أن تفاقم الأزمة الصحية والزراعية بمثابة المحرك الرئيس للاحتجاجات المناهضة للحكومة في “البصرة” – ثاني المدن العراقية، بعد العاصمة، “بغداد” – فخلال الأربعة أشهر الماضية خرج المتظاهرون للشوارع، احتجاجًا على الفساد والنقص الشديد في الخدمات العامة وسيطرة “بغداد” على مواردهم من المياه والنفط، رغم الإجراءات الأمنية المشددة ما أسفر عن سقوط 23 قتيلًا و100 جريح.

وتضيف (لاكروا)؛ أنه جراء هذه الفوضى التي تشهدها “البصرة”، بزغت لأول مرة حركة احتجاجات شعبية ضد النخب السياسية الدينية والحزبية، وتضم هذه الحركة جيلًا من النشطاء، كان أغلبهم ممن شاركوا في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، (داعش). ومع إنتهاء الحرب ضد (داعش) وجد هؤلاء أنفسهم خالي الوفاض بدون عمل.

ونقلت الصحيفة عن أحد منظمي المظاهرات يدعى، “جليم المالكي”، قوله: “أنهم يأخذون مياهنا ونفطنا، وعلينا أن نظل صامتين ؟.. لا تهتم الأحزاب الإسلامية الفاسدة بأشخاص مثلنا” – بحسب تصريحاته للصحيفة الفرنسية.

وعبر “جليم المالكي”؛ عن حلمه بإنشاء منطقة حكم ذاتي في “البصرة” تدير بنفسها مواردها المائية وثرواتها النفطية، مؤكدًا أنهم توجهوا بطلبهم للحكومة المركزية منذ سنوات، لإجراء استفتاء وفقًا للدستور، إلا أن الدولة كانت تختبيء وراء عباءة نقص الموارد المالية بسبب الحرب ضد (داعش).

رغم أن نصف إيرادات الدولة العراقية تتأتي مباشرة من آبار النفط في “البصرة”، إلا أن سكانها محرومون من “كعكة النفط”، كما أن هذه المحافظة لا تزال ضمن أفقر المناطق في البلاد، حيث تبلغ معدلات الفقر فيها ضعف معدلاته في المحافظات العراقية الآخرى.

تحذير دولي من عودة “داعش”..

وأمتد القلق من أزمة “جنوب العراق” الصحية والاقتصادية إلى “الأمم المتحدة”، حيث أصدرت دراسة، في الصيف الماضي، تُحذر من مخاطر عودة تنظيم (داعش) للساحة العراقية، في حال فشل “العراق” في مواجهة مخاطر المناخ على البلاد.

وأشارت الدراسة الدولية إلى أن سلسلة الحروب أدت إلى خسائر تبلغ نحو (532) مليون يورو في البنية التحتية الهيدروليكية. وتخشى “الأمم المتحدة” من أن نقص المياه قد يتسبب في تشريد سبعة ملايين عراقي، يعيشون على ضفاف الأنهار كما قد يزيد من حدة التوترات في أوساط المجتمعات الريفية.

يذكر أن “قطاع الزراعة”، المهدد في “جنوب العراق”، يوفر أكبر عدد من الوظائف بعد “قطاع النفط”، إلا أن معدل البطالة فيه يبلغ حوالي 70%.

وختامًا؛ تشير الدلائل أن المشكلة لن تقف عند هذا الحد، وأن “العراق” مرشحٍ بقوة لخطر “ندرة المياه”، خاصة في مناطقه الجنوبية، التي كانت جزءًا من منطقة “الهلال الخصيب”، وأنه يتوقع أن يبتلع سد (اليسو) التركي، الذي يتم ملء خزانه خلال السنوات القادمة مياه نهر “دجلة”، في جعبته البالغة 11 مليار مترًا مكعبًا، قاضيًا على شريان هام يمد قلب “العراق” بالحياة.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب