لاعتمادها على “الوقود الأحفوري” .. “معهد واشنطن” يتهم أوروبا بـ”النفاق البيئي” !

لاعتمادها على “الوقود الأحفوري” .. “معهد واشنطن” يتهم أوروبا بـ”النفاق البيئي” !

وكالات – كتابات :

نشر (معهد الشرق الأوسط) مقالًا؛ لـ”نيشاد شافي”، الباحث غير المقيم في “برنامج معهد الشرق الأوسط للمناخ والماء”، حول النفاق المناخي الغربي الذي تقتصر فيه جهود الدول الغربية على الترويج الخطابي لتقليل الاعتماد على “الوقود الأحفوري”، في وقتٍ تسعى فيه تلك الدول للحصول على مزيد من نفط الشرق الأوسط، بعد اندلاع حرب “أوكرانيا” ومحاولة الحد من واردات الطاقة الروسية.

العملية الروسية والشرق الأوسط..

ويستهل الكاتب بالقول: تتردد أصداء تأثير الغزو الروسي لـ”أوكرانيا”؛ عام 2022، في جميع أنحاء العالم، والشرق الأوسط ليس استثناءً من ذلك. ويتعرض الآن القادة الإقليميون، الذين تمكنوا بوجه عام حتى الآن من الحفاظ على علاقاتٍ جيدة مع كل من “واشنطن” و”موسكو”، لضغوطٍ للاصطفاف مع أحد الجانبين المتناحرين. وكانت معظم دول الخليج قد أدانت علنًا الهجوم الروسي الشامل على “أوكرانيا”، لكنها امتنعت على وجه التحديد عن اتخاذ أي إجراءات عقابية ضد “موسكو”.

وفور دخول القوات الروسية إلى الأراضي الخاضعة للسيطرة الأوكرانية، استجابت أسواق الطاقة العالمية لذلك بارتفاعٍ كبيرٍ في الأسعار. وهكذا، برزت قضيتان رئيستان غير تلك المرتبطة بالسياسات المتعلقة بالموقف: كيف يمكن للعالم التغلب على تحديات إمدادات الطاقة، وكيف يمكنه تحقيق مستقبل أكثر إخضرارًا واستدامة على الرغم من هذه التحديات.

وفي الحقيقة، سرعان ما أُيدت وروجت الفكرة القائلة إن اعتماد العالم على “الوقود الأحفوري” شجَّع بطريقة غير مباشرة العدوان الروسي على “أوكرانيا”؛ من منظمات مثل: (غرين بيس-Greenpeace) و(إكستنكشن ريبيلين-Extinction Rebellion) و(فرايديز فور فيوتشر-Fridays for Future)، ومنظمات أخرى.

تدخل شرق أوسطي..

يُشير الكاتب إلى أن الوقت الذي بدأت فيه “أوروبا” و”الولايات المتحدة” فرض عقوباتٍ اقتصادية أكثر صرامة على “موسكو”، بسبب عدوانها على “أوكرانيا”، سعَت الدول الأوروبية بلهفة إلى تأمين إمدادات الطاقة من الشرق الأوسط، لتحل محل وارداتها من “روسيا”. ونظرت “أوروبا” إلى دول “مجلس التعاون الخليجي” على وجه الخصوص، وهي الدول الغنية بـ”النفط والغاز الطبيعي”؛ لتعويض النقص المتزايد في الطاقة الذي تشهده القارة العجوز.

ولكن مع تحوُّل أمن الطاقة إلى أولوية قصوى، كانت الحاجة المفاجئة إلى إيجاد مصادر جديدة للهيدروكربونات؛ سببًا في إضعاف عزيمة “أوروبا”؛ التي تعهَّدت سابقًا بمعالجة قضية تغير المناخ وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

وكانت الصورة التي يتبدى عليها الموقف مزعجة، مما أعطى انطباعًا أنه عندما تؤثر أزمة طاقة على “الاتحاد الأوروبي” أو “الولايات المتحدة”، فإن حكوماتهم ستُبرر بسهولة الحاجة إلى استخدام المزيد من “الوقود الأحفوري”، ولكن عندما تطرح دول الشرق الأوسط الغنية بـ”الهيدروكربونات” الحجة نفسها، تُصوِّرهم القوى الغربية على الفور على أنهم عقبات أمام تنويع الطاقة العالمية.

ومن المُثير للاهتمام، أن عديدًا من كبار المسؤولين في “الاتحاد الأوروبي” سافروا إلى العاصمة القطرية؛ “الدوحة”، خلال الأيام الأولى من الحرب “الروسية-الأوكرانية” عام 2022، حاملين رسالة واضحة: “الاتحاد الأوروبي” يحتاج إلى غازكم في أسرع وقت ممكن. لقد جسَّدت رحلاتهم تلك المعايير المزدوجة للقوى الغربية، حيث يروِّجون خطابيًّا للجهود العالمية لتقليل الاعتماد على “الوقود الأحفوري” وهم يوسِّعون اعتمادهم على “النفط والغاز” من أجل المنفعة الاقتصادية المحلية، ويُعرقلون: “خطط التنويع” في دول الشرق الأوسط، ويلقون باللوم في ارتفاع أسعار الطاقة على منتجي النفط الخليجيين، مع تجاهل الدور الحاسم الذي يلعبونه في استقرار إمدادات الطاقة العالمية.

نفاق المناخ في “الاتحاد الأوروبي”..

ووفق الكاتب، ففي آذار/مارس، صنَّف تقرير تحليلي لمعهد “أكسفورد” لدراسات الطاقة، “روسيا” بوصفها ثاني أكبر مُنتج للنفط الخام في العالم، حيث ضخت نحو: 14% من إجمالي الإنتاج العالمي في عام 2021. وقبل الحرب، كان نحو: 60% من صادرات النفط الخام الروسي تذهب إلى “أوروبا”، وتتجه: 35% أخرى إلى “آسيا”.

وكان أحد أكبر التحديات التي واجهتها معظم القارة الأوروبية بسبب غزو “روسيا”؛ لـ”أوكرانيا”، في عام 2022، هو كيف أن هذا الغزو أظهر مدى هشاشة دول “الاتحاد الأوروبي” فيما يتعلق بأمن طاقتها. وعدم اليقين المرتبط بذلك يلوح في جبهات عديدة. ومع ذلك، تحول الجدل الأخير في “أوروبا” إلى تساؤل مفاده: كيف يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة إلى عرقلة إصلاحات تنويع مصادر الدخل في الشرق الأوسط المُصدِّر لـ”النفط”، دون الأخذ بعين الاعتبار ماهية دور الأوروبيين في هذه المعادلة ؟.. وكيف تجعل الحرب بعض منتجي الهيدروكربونات الأثرياء أكثر ثراءً ؟

وفي الحقيقة، كشفت الأزمة الحالية عن أي مدى وصلت إليه خطط تحول الطاقة الخاصة بالدول الأوروبية إلى طريق مسدود، ولم تُعد متوافقة مع “الصفقة الخضراء” الجديدة لـ”الاتحاد الأوروبي” أو “اتفاقية باريس”؛ لعام 2015، بشأن تغير المناخ. لذلك، لا ينبغي أن يكون السؤال الرئيس الذي يطرحه الغرب في الأشهر والسنوات المقبلة: إلى أي “جانب” تقف دول الشرق الأوسط عندما يتعلق الأمر بالوقوف في وجه “روسيا” عند استخدامها الطاقة بها سلاحًا ؟.. ولكن: ما الخطوات التي يجب على الدول الغربية نفسها أن تتخذها لتقليل الطلب على “الوقود الأحفوري” ؟

لقد أدَّت أزمة الطاقة والأزمة الاقتصادية الحالية، التي تفاقمت تفاقمًا حادًّا بسبب الغزو الروسي لـ”أوكرانيا”؛ إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية حتى بلغت مستويات قياسية جديدة. وقبل الحرب، كان بإمكان معظم الدول الأوروبية بوجه عام، الاعتماد على التدفق المستقر للغاز الروسي، الذي شكَّل: 40% من إجمالي واردات “الاتحاد الأوروبي”؛ في عام 2021.

ولكن عدوان “روسيا”؛ غير المبرر على جارتها الجنوبية الغربية، (بحسب زعم المعهد الأميركي)، يجعل هذه العلاقة غير محتملة على نحو متزايد للكتلة الأوروبية، ويُسارع “الاتحاد الأوروبي” وعديد من أعضائه بمفردهم الآن للعثور على موردين آخرين.

وعلاوةً على ذلك، فردًّا على فواتير الطاقة المذهلة في جميع أنحاء “أوروبا” والناجمة جزئيًّا عن تقليص الغاز الروسي في أسواق “الاتحاد الأوروبي”، تعمل الحكومات على خفض ضرائب الوقود ودعم تكاليف الطاقة، وهو مسار يتعارض تمامًا مع ما هو مطلوب لتشجيع الحفاظ المحلي على البيئة والتحول إلى مصادر بديلة للطاقة. وفي الوقت نفسه، تحرم هذه السياسات الحكومات من الإيرادات التي يمكن استخدامها للتخفيف من الآثار الاقتصادية، لا سيما فيما يخص الأسر ذات الدخل المنخفض.

ويُشير الباحث إلى أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في “الاتحاد الأوروبي”؛ خلال الربع الأخير من عام 2021، كانت أعلى مما كانت عليه في أي ربع سنة منذ أواخر عام 2018، مما ينفي تحقُّق أي مكاسب في خفض الانبعاثات خلال الجزء الأول من جائحة (كوفيد-19). وأظهرت البيانات الصادرة عن “مكتب إحصاء الاتحاد الأوروبي”؛ (يوروستات)، أن “الاتحاد الأوروبي” أطلق: 1041 مليون طن من التلوث المكافيء لثاني أكسيد الكربون؛ في الفترة من تشرين أول/أكتوبر إلى كانون أول/ديسمبر من عام 2021.

وهذا يُمثل زيادة بنسبة: 8% عن الربع نفسه عام 2020، وأعلى قليلًا من الربع الرابع من عام 2019، وهي الفترة الأخيرة التي لم تتأثر بالركود الاقتصادي الناجم عن الجائحة. وحتى قبل الحرب “الروسية-الأوكرانية” المستمرة، كانت دول “الاتحاد الأوروبي” متأخرة كثيرًا عن إلتزامها بالمناخ وأهدافها القيادية.

وكشف الغزو عن كيف أن حتمية تلبية الاحتياجات الفورية للطاقة قلَّلت من نفوذ المجتمع الدولي في الضغط على الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، لإنهاء الأعمال العسكرية. وكما قال المستشار الألماني؛ “أولاف شولتس”، إن فرض حظر على النفط الروسي: “يعني دفع بلادنا وأوروبا بأسرها إلى الركود”. وفي الواقع، كشفت الأزمة بلا شك عن كيف فشل “الاتحاد الأوروبي” في تقليل اعتماده على “الوقود الأحفوري”، ومن ثم إبقاء العالم عرضة للابتزاز الجيوسياسي والاحتباس الحراري. وقد وبَّخت الناشطة السويدية الشابة؛ “غريتا ثونبرغ”، القادة الأوروبيين قائلة: “ومع ذلك، لا يزال الاتحاد الأوروبي يُعرِّف نفسه بطريقة ما على أنه زعيم في مجال المناخ”.

الطريق إلى الأمام من أجل أمن الطاقة..

ويرى الباحث أن أحد الأسباب الرئيسة لأزمة النفط الحالية تتعلق بسنوات نقص الاستثمار في قطاع الطاقة النظيفة، وبدائل الطاقة غير الأحفورية عبر الكتلة الأوروبية. وعلى الرغم من التعهدات الطويلة الأمد بالتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة بالكامل قبل منتصف القرن، تُعد “ألمانيا” اليوم واحدة من أكثر دول “الاتحاد الأوروبي” اعتمادًا على النفط والغاز الروسي.

وتحت قيادة المستشارة السابقة؛ “أنغيلا ميركل”، فاقمت “ألمانيا” هذا الاتجاه بقرارها بالتخلص التدريجي من الطاقة النووية، وقوَّض هذا بشدة قدرة “ألمانيا” على فطام نفسها عن جميع واردات “الوقود الأحفوري” الروسي. ولكن من منظور أوسع وأطول أجلًا، فإن المطلوب ليس فرض حظر على النفط أو الغاز الروسي في حد ذاته، بل بالأحرى أن يُقلل “الاتحاد الأوروبي” والدول الغنية الأخرى في شمال الكرة الأرضية من استخدام “الوقود الأحفوري” تقليلًا كبيرًا والعمل بصورة جماعية لتخفيف الآثار المناخية الكارثية التي تحدث بالفعل.

وفي الوقت نفسه، هناك عواقب عالمية ناجمة عن اضطرابات الطاقة في “أوروبا” وتستمر في التأكيد على أن التحول في الطاقة ليس سهلًا ولا يمكن التعجيل به على نحو متهور. ولذلك، لا يزال يتعين توفير موارد واستثمارات هيدروكربونية كافية، لتلبية احتياجات الطاقة العالمية بينما تتقدم البلدان نحو التحول إلى توليد الطاقة المحايدة من ناحية الكربون.

وتؤدي أسعار الطاقة المرتفعة الحالية إلى إبطاء التعافي الاقتصادي بعد الجائحة؛ بينما تُعرِّض النجاح السياسي للتحول إلى الطاقة النظيفة الذي يتطلبه العالم للمخاطر. وهذه المخاطر، إما عن طريق الإلهاء أو زعزعة الاستقرار، تقوِّض الحاجة المُلِحة للعمل المناخي العالمي والوصول إلى عالمٍ خالٍ من الانبعاثات.

ويختتم الباحث مقاله: إن ما نحتاج إليه في هذه الحالة ليس إلقاء اللوم على دول الشرق الأوسط، بل دفع صناعة النفط والغاز للانضمام إلى الجهود الرامية إلى تسريع الانتقال إلى الطاقة النظيفة، والاعتراف في ثنايا القيام بذلك بأن الاعتماد على مثل هذه الأنواع من الوقود على المدى المتوسط والطويل يُشكل مخاطر على البيئة والاقتصاد والأمن القومي لكل بلد. وعندها فقط سيُصبح اعتماد تكنولوجيات الطاقة النظيفة متوافقًا توافقًا صحيحًا مع الضرورات الأمنية الجديدة التي تجلَّت في الحرب على “أوكرانيا”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة