خاص : ترجمة – محمد بناية :
ما يجري مؤخرًا في “إيران” جدير بالبحث والدراسة من عدة زوايا، إذ بدأت القصة مع إعلان رفع أسعار “البنزين” بشكل مفاجيء، لكن مسار الأحداث تحول بشكل كشف عن الطبيعة الأمنية لتلكم المظاهرات، (وإن بدأت بذريعة اقتصادية)، بشكل أوضح.
فلقد كان من المتوقع اندلاع الاحتجاجات للوهلة الأولى اعتراضًا على القرار المفاجيء، لأن الحكومة للأسف لم تتخذ، قبل تفعيل المشروع، أي إجراء من شأنه توعية الرأي العام وتهيئة الأجواء النفسية والاجتماعية، ليس هذا فقط؛ بل مواقف وتصريحات بعض المسؤولين تتعارض تمامًا والمسار اللازم.
علمًا بأن المنطق والحكمة كان يستدعي أن يتحدث رئيس الجمهورية، باعتباره المسؤول الأعلى، عن هكذا قرار إلى الجمهور بمصداقية، ويشرح الأسباب للرأي العام. كان على المسئولين قبل البدء في تفعيل المشروع أن يشرحوا للشعب بشكل دقيق ومفصل أن القرار يصب في المصلحة العامة لأن نصيب عموم الإيرانيين من دعم الطاقة الثقيل، أقل بكثير من بعض فئات المجتمع الثرية، وأن القرار بمثابة خطوة على مسار الإقتراب من العدالة. بحسب صحيفة (كيهان) الإيرانية الأصولية المتشددة.
احتجاجات مشروعة..
إن المعدل العجيب والغريب لاستهلاك “البنزين” في الدولة، والدعم المخصص، ونماذج الاستهلاك والمؤشرات الاقتصادية؛ تعكس عدم وجود أي شبهة إذا دعت الضرورة إلى تطبيق هكذا مشروع، لكن بالتأكيد ثمة خلافات حول آليات وكيفية تطبيق هذا المشروع تستدعي مراعاة الجوانب المختلفة للقضية، وهو ما يخرج عن نطاق هذه المقالة.
والواقع أن مخاوف واحتجاجات قطاع من الشعب على القرار وتطبيقه المفاجيء مفهوم تمامًا. فـ”البنزين” ليس مجرد سلعة استهلاكية فقط؛ وإنما أهم مؤشرات الاقتصاد الإيراني العام. والشعب يعتقد، إنطلاقًا من التجارب السابقة، أن غلاء “البنزين” إنما يعني غلاء جميع السلع؛ ومن ثم فإن هكذا موجة من التضخم تفوق في ظل الأوضاع الراهنة قدرتهم على الاحتمال. وكانت الحكومة قد وعدت بعدم السماح بهكذا موجة، لكن الشعب محق بشأن التخوف من وعود الحكومة. فهل أوفت الحكومة بأي من وعدها حتى اللحظة ؟.. وما هي التصورات المجتمعية العامة لدى الحكومة ؟
استغلال التظاهرات في أعمال تخريبية..
فالشكاوى والانتقادات للحكومة كثيرة جدًا، لكن الشعب رأى بعينيه مؤخرًا الجماعات الصغيرة التي نزلت الشوارع في بعض المدن وقامت بالتدمير وإرتكاب الجرائم، أن قضيتهم ليست أسعار “البنزين” أو توزيع الحصص، وليس التشاؤم ولا الاعتراض على الحكومة.
فهل من يشعل النيران في البنوك، ويسطو على الأموال العامة والخاصة، متظاهر ؟!.. ما علاقة الهجوم على المكتبات والحوزات العلمية وإشعال النيران في نسخ القرآن الكريم؛ بالاعتراض على أسعار “البنزين” ؟.. والأهم، ألا يُعد التعرض لأرواح الآخرين وقتلهم جريمة ؟.. وهل يسترضون في أي مكان بالعالم أولئك الأشرار الذين يحملون السلاح ؟
إن الأخبار المعلنة وغير المعلنة عن الحوادث الأخيرة بالبلاد؛ إنما تعكس بوضوح حقيقة أن هذه الفئة من الغوغاء المستأجرين خططوا، قبل فترة، لمثل هذه الأحداث وتلقوا التدريبات اللازمة. وطريقة عملهم في الميدان تقضي على كل الشكوك والشبهات في هذا المجال.
فـ”البنزين” مجرد ذريعة وقد تكون ذريعة لأي شيء آخر. لكن لحسن الحظ تم كشف الأمر أسرع مما تخيلوا. لقد نزل الأميركيون الميدان وهم يقولون نحن إلى جانب الشعب الإيراني. أي شعب ؟.. من يشعلون النيران في المنازل والبنوك والحوزات العملية والمساجد والقرآن !!.. أنتم تقفون إلى جوارهم ويجب أن تفعلوا لأنهم أذنابكم. والأكثر وقاحة من “أميركا”؛ هو “فرنسا” التي تغاضت، خلال العام الأخير، عن قمع أصحاب “السترات الصفراء” وقتل الأبرياء، ثم هي تعطي “إيران” روشتة أخلاقية !!
ثمة الكثير من الهوامش والدروس والملاحظات المتعلقة بمشروع إصلاح استهلاك “البنزين”. ويجدر التدقيق في موقف المرشد بعد يومين من سريان العمل برفع أسعار “البنزين” من عدة جوانب.
إذ تجدر الإشارة، قبل أي شيء، إلى شجاعته في الحديث عن الموضوع، في حين لم يجرأ أي من المسؤولين على إتخاذ موقف عام. إن موقف المرشد يثبت عكس ما يقول البعض: أن صلاحيات الحكومة أوسع من الآليات العادية.